يعتقد بعض المصابين بحالة حنين وطني وقومي في العالم العربي أن ما يجري اليوم واقع «مُزرٍ», ويغوصون في دموع المقلتين المغرورقتين والغصة والأسى في القلوب.

حقهم أن يعيشوا حالة «النوستالجيا» هذه وواجبنا أن نعزيهم وأن نقف إلى جانبهم محاولين تخفيف الفجيعة التي حلت بهذا العالم العربي من محيطه الأطلسي إلى خليجه المختلف على اسمه والمتصارع على أحشائه. أو إذا شاؤوا أن نوسع الدائرة من طنجة إلى أقاصي آسيا، ما هم أن كبرت أو صغرت الدائرة المهم ألا يبقى الحزن سيداً عند هؤلاء المفجوعين، فلطالما كان الوهم سيدهم في شبابهم ولطالما احمرت أياديهم من التصفيق لزارعي الوهم وحاصدي الخيبة. وبحت حناجرهم من الهتافات.

اليوم تبدو الحقائق ساطعة ولا بد من الاعتراف بها للعيش بسلام وتناغم ضروري لأي عمل ناجح.

ما يحدث في الشرق هو مخاضه الجديد بكل آلامه ودمائه والمطلوب أن يخرج سليما معافى مطهراً من أدران إصابته منذ أكثر من ألف عام.

ما يحدث في الشرق وفي سورية تحديداً ليس فاجعة ولا مصيبة وليس نهاية التاريخ بل هو استعادة لمسيرة تاريخية واستعادة توازنه وتناغمه مع ذاته.

فالمعركة الحقيقية التي تجري تحت أغبرة المعارك العسكرية وتحت غطاءات وشعارات كثيرة هي معركة بين حضارة وبربرية بين ثقافة وجاهلية بين خصب وتصحر لا مكان فيها للوسطية تحت أي مصطلح أو تسمية جاءت. هي معركة كيانية شاملة كل مناحي الحياة شاء المستقيلون أم أبوا، شاء الموعودون الجدد الاعتراف بذلك أم أبوا. هذا خاضع لسلم القيم عندهم وما تبقى منه.

أكثر من يعتقد أن الحرب خدعة لا شجاعة هم الوهابيون والتلموديون. فتاريخ انتصاراتهم يشهد لهم ومن يعد إلى قصص التاريخ (الحديث) لآل سعود ير ذلك بوضوح وبعض شهوده أحياء يرزقون.

وأكثر من يعتنق ثقافة العنف والقتل ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة هم أيضاً الوهابيون والتلموديون وبتاريخ لم يمر عليه الزمن شهد العالم هذا النمط «الأخلاقي» في التعامل السعودي مع أبناء الجزيرة العربية أو كما تسمى تاريخياً «العربة».

 

لذا لا يتوقع الكثيرون أن تتوقف الهجمة السعودية - البربرية - التلمودية على سورية بهدنة أو اتفاق أو حوار. ولا يصدق أحد أن ثمة خلافاً بين داعش والنصرة ومملكة آل سعود النفطية، لكنها ضرورات الحرب ويبدو واضحاً أن نهاية الحرب هي نهاية أحد الطرفين. وإعادة التوازن العقلاني إلى الشرق.

هذا ما فهمه الغرب بعد أن دق خطر الهمجية أبوابه. وسواء قال نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف إن سعود الفيصل قال له إنه سيدمر سورية، بالتعبير الإنكليزي، أو لم يقل ذلك. أو أن ما قيل عن لسان بوغدانوف كان من تأليف ناقله فالوقائع تؤكد أن هذا هو حلم آل سعود المشترك في التلمود ومشروعهم.

الغرب لم يعترف يوماً بجرائمه الموصوفة ولا بأخطائه ولا خطاياه، هذا شأنه، إلا جريمة واحدة ارتكبها بحق بعض منه وأورثها للشرق جريمة مضاعفة، لكن يعرف كيف يصحح المسار عندما يستشعر الخطر. لذا أوكل أمر آسيا الصغرى «تركيا» إلى أوراسيا «روسيا» وهو ما يفهمه بوتين جيداً وهو ما يريده حيث إنه بذلك يعزز حضوره الجيو-سياسي تاركا للخيال الغربي الحديث عن أزمات روسيا المالية وتضخيم تراجع الروبل أمام اليورو والدولار رغم أنهم يعرفون أن روسيا محصنة اقتصادياً وفق منطق اقتصادي وليس إعلامياً.

فرنسا ومعها أوروبا والولايات المتحدة يرسلون رسائل الغزل إلى إيران التي توقع مزيدا من العقود مع سورية، نظام الأسد، والولايات المتحدة أعلنت عن استعادة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا.

العالم يتهيأ للاعتراف بهزيمته الإستراتيجية في سورية لكن مصير آل سعود ومن ساروا بركبهم ما زال مجهولاً. فأحد حاملي الملف السوري في باريس يقول لوزير خارجية فرنسي سابق، بات مستشاراً إستراتيجياً، عند سؤاله عن مصير المعارضين السوريين السابقين في باريس والدوحة والرياض: لقد انتهت صلاحيتهم منذ نهاية العام الأول للأزمة السورية منهيا حديثه بكلمة «راجعوا عقودهم».

  • فريق ماسة
  • 2014-12-21
  • 11760
  • من الأرشيف

ليست فاجعة إنها مخاض

يعتقد بعض المصابين بحالة حنين وطني وقومي في العالم العربي أن ما يجري اليوم واقع «مُزرٍ», ويغوصون في دموع المقلتين المغرورقتين والغصة والأسى في القلوب. حقهم أن يعيشوا حالة «النوستالجيا» هذه وواجبنا أن نعزيهم وأن نقف إلى جانبهم محاولين تخفيف الفجيعة التي حلت بهذا العالم العربي من محيطه الأطلسي إلى خليجه المختلف على اسمه والمتصارع على أحشائه. أو إذا شاؤوا أن نوسع الدائرة من طنجة إلى أقاصي آسيا، ما هم أن كبرت أو صغرت الدائرة المهم ألا يبقى الحزن سيداً عند هؤلاء المفجوعين، فلطالما كان الوهم سيدهم في شبابهم ولطالما احمرت أياديهم من التصفيق لزارعي الوهم وحاصدي الخيبة. وبحت حناجرهم من الهتافات. اليوم تبدو الحقائق ساطعة ولا بد من الاعتراف بها للعيش بسلام وتناغم ضروري لأي عمل ناجح. ما يحدث في الشرق هو مخاضه الجديد بكل آلامه ودمائه والمطلوب أن يخرج سليما معافى مطهراً من أدران إصابته منذ أكثر من ألف عام. ما يحدث في الشرق وفي سورية تحديداً ليس فاجعة ولا مصيبة وليس نهاية التاريخ بل هو استعادة لمسيرة تاريخية واستعادة توازنه وتناغمه مع ذاته. فالمعركة الحقيقية التي تجري تحت أغبرة المعارك العسكرية وتحت غطاءات وشعارات كثيرة هي معركة بين حضارة وبربرية بين ثقافة وجاهلية بين خصب وتصحر لا مكان فيها للوسطية تحت أي مصطلح أو تسمية جاءت. هي معركة كيانية شاملة كل مناحي الحياة شاء المستقيلون أم أبوا، شاء الموعودون الجدد الاعتراف بذلك أم أبوا. هذا خاضع لسلم القيم عندهم وما تبقى منه. أكثر من يعتقد أن الحرب خدعة لا شجاعة هم الوهابيون والتلموديون. فتاريخ انتصاراتهم يشهد لهم ومن يعد إلى قصص التاريخ (الحديث) لآل سعود ير ذلك بوضوح وبعض شهوده أحياء يرزقون. وأكثر من يعتنق ثقافة العنف والقتل ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة هم أيضاً الوهابيون والتلموديون وبتاريخ لم يمر عليه الزمن شهد العالم هذا النمط «الأخلاقي» في التعامل السعودي مع أبناء الجزيرة العربية أو كما تسمى تاريخياً «العربة».   لذا لا يتوقع الكثيرون أن تتوقف الهجمة السعودية - البربرية - التلمودية على سورية بهدنة أو اتفاق أو حوار. ولا يصدق أحد أن ثمة خلافاً بين داعش والنصرة ومملكة آل سعود النفطية، لكنها ضرورات الحرب ويبدو واضحاً أن نهاية الحرب هي نهاية أحد الطرفين. وإعادة التوازن العقلاني إلى الشرق. هذا ما فهمه الغرب بعد أن دق خطر الهمجية أبوابه. وسواء قال نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف إن سعود الفيصل قال له إنه سيدمر سورية، بالتعبير الإنكليزي، أو لم يقل ذلك. أو أن ما قيل عن لسان بوغدانوف كان من تأليف ناقله فالوقائع تؤكد أن هذا هو حلم آل سعود المشترك في التلمود ومشروعهم. الغرب لم يعترف يوماً بجرائمه الموصوفة ولا بأخطائه ولا خطاياه، هذا شأنه، إلا جريمة واحدة ارتكبها بحق بعض منه وأورثها للشرق جريمة مضاعفة، لكن يعرف كيف يصحح المسار عندما يستشعر الخطر. لذا أوكل أمر آسيا الصغرى «تركيا» إلى أوراسيا «روسيا» وهو ما يفهمه بوتين جيداً وهو ما يريده حيث إنه بذلك يعزز حضوره الجيو-سياسي تاركا للخيال الغربي الحديث عن أزمات روسيا المالية وتضخيم تراجع الروبل أمام اليورو والدولار رغم أنهم يعرفون أن روسيا محصنة اقتصادياً وفق منطق اقتصادي وليس إعلامياً. فرنسا ومعها أوروبا والولايات المتحدة يرسلون رسائل الغزل إلى إيران التي توقع مزيدا من العقود مع سورية، نظام الأسد، والولايات المتحدة أعلنت عن استعادة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا. العالم يتهيأ للاعتراف بهزيمته الإستراتيجية في سورية لكن مصير آل سعود ومن ساروا بركبهم ما زال مجهولاً. فأحد حاملي الملف السوري في باريس يقول لوزير خارجية فرنسي سابق، بات مستشاراً إستراتيجياً، عند سؤاله عن مصير المعارضين السوريين السابقين في باريس والدوحة والرياض: لقد انتهت صلاحيتهم منذ نهاية العام الأول للأزمة السورية منهيا حديثه بكلمة «راجعوا عقودهم».

المصدر : الوطن / عيسى الأيوبي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة