تُثير مناقشات وزراء الخارجية الأوروبيين التي جرتْ في بروكسيل مؤخّراً حول عدد من القضايا الدوليّة، بما في ذلك حول الأزمة السوريّة، الضحك والسخرية.

إنَّ عالم اليوم في وادٍ، وما يتحدّث عنه هؤلاء يحدث في عالم آخر. وانسلاخ هؤلاء عن عالم الواقع لم يعد مفاجئاً، فهو، في حقيقة الأمر، يحدث منذ وقت ليس بالقصير ويعكس أمراً غير مريح بآثاره على أوروبا وعلاقاتها مع شعوب العالم الأخرى.

قبل سنوات كان بعض الأوروبيين ينتقدون أنفسهم بسبب مبالغة أنظمتهم في اعتماد مفهوم «مركزيّة أوروبا» في كل ما يجري في أنحاء العالم. وفي الوقت الذي لا ننكر أهميّة الدور الأوروبي، كما هي الحال في أهميّة الدور الأميركي والدور الروسي والدور الصيني أو حتّى الاتحاد الأفريقي ودور التجمعات السياسيّة في أميركا اللاتينيّة وآسيا، إلاَّ أنَّ عودة بعض الدول الأوروبيّة إلى استحضار دورها القائم على الاستعمار والنفوذ والاعتقاد بأنَّهم قادرون على التحكّم بمصير العالم تبعاً لمصالحهم الجغرافيّة السياسيّة أمر يدعو إلى الاستغراب والقلق!!

مؤخّراً، وبعد تصاعد التوتر في العلاقات الأوروبيّة والأميركيّة مع الاتحاد الروسي، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما يجري من ضغوط أوروبيّة وأميركيّة على بلده وعلى العالم بأنَّه يأتي في إطار أحلام هؤلاء بالعودة إلى ممارسة الهيمنة الإمبراطوريّة. ومما لا شك فيه أنَّ هذا التوصيف ليس دقيقاً فحسب، بل أنَّه جاء تأكيداً لما تشعر به أيضاً كل الدول من نامية وغيرها. ولا بد من التذكير هنا بأنَّ السياسات الأميركيّة والأوروبيّة قد تمحورتْ حول هذا النهج منذ انتهاء الحرب الباردة في مطلع التسعينات من القرن الماضي. فقد أكّد الساسة الأميركيون وحلفاؤهم في أوروبا أنَّ القرن الحادي والعشرين سيكون «القرن الأميركي»، وهذا يعني سيطرة وهيمنة المعسكر الغربي على شؤون العالم اقتصادياً وسياسياً وفكرياً وثقافياً ومالياً وإعلامياً…

يُشير الكتّاب الروس المتابعون لتدهور العلاقات الروسيّة الغربيّة إلى أن ما تحدثنا عنه أعلاه يعود إلى القرار الغربي المتعمّد في تهميش وإهمال مصالح روسيا ودول فاعلة أخرى على الساحة الدولية. وقد بدأ ذلك جلياً من خلال أزمة البوسنة عام 1995، وقصف بلغراد، وأوّل موجة توسيع الناتو عام 1999، وللانسحاب من المعاهدة الأساسيّة لمنظومة الدفاع الصاروخيّة التي تمَّ إبرامها عام 1970، والخلاف الذي نشب في شأن غزو العراق عام 2003، والاعتراض على نشر منظومة الدفاع الصاروخيّة الأميركيّة في أوروبا بالغرب من الحدود الروسيّة، والتجاوز الفرنسي البريطاني للخطوط الحمر في ما يتعلّق بقرار مجلس الأمن الصادر حول ليبيا، على رغم احتجاج روسيا والصين عام 2011، والأزمة السورية المستمرّة، وأوكرانيا عام 2014.

ومع عودة الرئيس فلاديمير بوتين إلى الكرملين، أخذتْ الطبقة السياسيّة والنخبة الإعلامية للدول الغربيّة تؤدّي مهمتها في تضليل الرأي العام العالمي من دون أيّة مسؤوليّة أو احترام لقواعد الإعلام الصادق والمسؤول. بدأتْ هذه الجهات بالحديث وبصوت واحد عن استحالة إقامة حوار بنّاء مع السلطة الروسيّة في ظل حكم هذا الرئيس. ولم يكن مستغرباً أن يتحدّث حول هذه المواضيع قادة جميع الدول الرئيسية في الغرب منتهكين جميع المعايير البروتوكوليّة مثل باراك أوباما وأنغيلا ميركل وديفيد كاميرون، وحتّى رؤساء حكومات أستراليا وكندا. وثبت أنَّ هؤلاء يعملون على تشويه صورة ودور الرئيس فلاديمير بوتين في شكل متعمّد كون الرئيس بوتين زعيماً وطنياً، وبهدف إضعاف روسيا وتقويض شرعية السلطة فيها.

أثبتتْ التطورات أنَّ أوروبا ليستْ فقط عاجزة عن تحديد كيفيّة التعامل مع دول تنمو في شكل متسارع كالصين وإيران والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، لكنها لا تفهم أيضاً كيف ستتعامل مع روسيا الجريئة بقراراتها. وبدلاً من أن تقف على قدم المساواة مع الأوضاع الجديدة، فإنَّ أوروبا والغرب في شكل عام يحاولون الابتعاد أكثر والغوص في مواضيع صغيرة لا معنى لها مقتصرةً بالحديث عن أهميّة الالتزام والامتثال للسياسات والتدابير الأوروبيّة. وهنا، لا يلاحظ الأوروبيون كيف يعملون على تشويه سمعتهم هم عن طريق تحالفهم مع أنظمة منحطّة في الخليج مثل السعوديّة التي لم يخرج نظامها من القرون الوسطى بعد والقبول بالرشاوى التي تصلهم من قطر وغيرها. ألم تتابع كل دول العالم ما حدث من تدخّل غربي في الصين عندما وقعتْ أحداث ساحة تيان آن مين وتلك التي وقعتْ مؤخّراً في هونغ كونغ؟ وبعد الانتخابات الأخيرة في روسيا الاتحاديّة، ألم نتابع جميعاً تلك التظاهرات التي كانتْ تهدف إلى الإطاحة بالانتخابات الديمقراطيّة هناك ونتائجها؟ فالدول الغربيّة لم تتعلّم حتّى الآن أيضاً كيف تتعامل مع سورية الجريئة بقراراتها والمبدئيّة في توجهاتها والحاسمة في الدفاع عن مصالح شعبها وانتخاباتها التي عبّرتْ عن قرار الشعب السوري وتطلعاته. كما أنَّ هذه الدول مصرّة على عدم التعامل مع روسيا الكبيرة بمواقفها والعنيدة في دفاعها عن القانون الدولي وممارسة الديمقراطيّة في العلاقات الدوليّة ومطالبتها الجميع باحترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة واحترام مبادئ السيادة وعدم التدخّل في الشؤون الداخليّة للدول الأخرى واستقلالها.

إنَّ جملة المواقف التي عبّر عنها الزعيم الروسي في مؤتمره الصحافي السنوي قبل أيام قليلة هي دروس على الغرب تعلّمها والاستفادة منها، فسياسات بناء الإمبراطوريات العاتية والاستهتار بقيم ومثل الدول الأخرى لم تعد من الأمور المقبولة على الإطلاق في عالم اليوم. وفي هذا المجال، فإنَّ تخريب اقتصاد الدول الأخرى وفرض العقوبات أحادية الجانب لم تعد أموراً مجدية بعيداً عن كونها أصلاً سياسات لا أخلاقيّة تُمارسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وآخرين ضد دول مثل سورية وروسيا والصين وكوبا وفنزويلا وإيران والأرجنتين، للنيل من قدرات هذه الدول التنموية وتطلعاتها لبناء عالم خالٍ من الظلم والعنف واللامساواة والحريّة والتعاون الدولي البنّاء.

لقد أشار الكاتب الروسي أندريه بايكوف، والذي استلهمنا من كتاباته بعض مما ذكرناه، إلى أنَّه مع تدهور الأزمة الأوكرانيّة، وصلتْ الأمور إلى حد الهستيريا في العلاقة تجاه شخصيّة الرئيس الروسي. فمنذ آذار نيسان 2014، أصبحتْ شخصيّة فلاديمير بوتين والتحاليل المزيفة لشخصيته ومهنته وسلوكه وأسلوب الإدارة الذي يتبعه في شكل منتظم يوميّاً محط اهتمام الصحافة الغربيّة الرئيسيّة بدءاً من صحيفة التايمز وانتهاءً بالإندبندنت ومجلّة «الاقتصادي». كما تمَّ تفعيل المقالات الأدبيّة المزيفة بتحليلاتها ومصداقيتها العلمية. فكما يقولون «لعب من دون قواعد»، وكل الأساليب جيّدة في الحرب، والحرب كانتْ بالفعل حقيقيةً حتّى ولو كانتْ إعلاميّة!.

بعد كل هذا الكلام حول الهجمة التي تتعرّض لها روسيا الاتحاديّة، وهي أحد الأقطاب الأساسيّة اقتصادياً وعسكريّاً وحضاريّاً في عالم اليوم، ماذا كنّا نتوقّع غير ما نراه الآن من سياسات غربيّة متوحّشة إزاء سورية التي دافعتْ لسنين طويلة عن قيم أمّتها وإيمانها بعروبتها وبقضايا شعبها وسيادتها واستقلاليّة قرارها؟ ومن نافلة القول إنَّ الهجمة التي تعرّض لها قائد شعب سورية الرئيس بشار الأسد قد أتتْ في نفس السياق الذي سيتعرّض له أي قائد يدافع عن ثوابت شعبه وحقه في الدفاع عن أرضه وشرف وكرامة مواطنيه ومحاربة الطغيان والاستبداد والاحتلال الأجنبي؟

عندما يلتقي المسؤولون الأوروبيّون في اجتماعاتهم وقممهم ويتناقشون في أمور وأحوال العالم والعباد، فإنَّ البعض ينتظر أن يتحرّك عقلاؤهم في شكل جاد ومسؤول لوقف عملية التراجع والانحطاط التي وصل إليها الاتحاد الأوروبي والتي ابتعدتْ كثيراً عن القيم والمثل التي عملتْ شعوب أوروبا وممثليها على ترسيخها في حياة البشريّة منذ نهاية القرن السادس عشر. إلاَّ أنَّنا توصلنا إلى قناعة من الصعب تغييرها الآن وهي أنَّ كثيراً من هؤلاء المسؤولين والقادة لم يتعلّموا في مدارس شكسبير وروسو وموليير وراسل وغوته وهيغل وآخرين. بل أنَّنا نشعر وكأنَّهم خريجو مدارس البغدادي، وبن لادن، والزرقاوي، وأردوغان وبندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود، وغيرهم.

قبل أيام من الآن، جلس الأوروبيون على كراسيهم الوثيرة في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسيل وقاموا بصياغة ورقة شيطانيّة بأفكار شيطانيّة وأحلام شيطانيّة حول سورية. في تلك الورقة رسموا خططاً وادعوا أنَّهم وضعوا حلولاً لما تمر به سورية، بينما كانتْ حقيقة ما قاموا به، بضغط من فرنسا وبريطانيا و»إسرائيل» وحكّام أوروبيين فقدوا شرعيتهم، هي أفكار لاستمرار قتلهم للشعب السوري ودعم الإرهاب وتدمير للبنى التحتية التي أنشأها شعب سورية، وشروط على دور المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية، ودعم جديد لـ»داعش» و»جبهة النصرة» وفروع «القاعدة» الإرهابيّة الأخرى مقابل السوريين الأبطال الذين يواجهون الإرهاب في دير الزور وحلب والرقّة ودرعا والقنيطرة وحمص وحماة واللاذقية.

مع احتفالات أعياد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلاديّة الجديدة، نتوقّع من الغرب إنهاء ممارسة سياسات القتل والنفاق والدمار ودعم الإرهاب سرّاً وعلناً واحترام قيم الشعوب الأخرى التي بشّرَ بها ورسّخها سيد السلام عيسى بن مريم عليه السلام. ونتوقّع من هؤلاء أيضاً أن يعملوا على بناء عالم يسوده الأمن والاستقرار والمساواة والاحترام المتبادل وتخليهم عن أحلامهم الإمبراطوريّة والاستعماريّة الشيطانيّة.

  • فريق ماسة
  • 2014-12-19
  • 13614
  • من الأرشيف

أحلام شيطانية ... الغرب والعالم.... بقلم د. فيصل المقداد

تُثير مناقشات وزراء الخارجية الأوروبيين التي جرتْ في بروكسيل مؤخّراً حول عدد من القضايا الدوليّة، بما في ذلك حول الأزمة السوريّة، الضحك والسخرية. إنَّ عالم اليوم في وادٍ، وما يتحدّث عنه هؤلاء يحدث في عالم آخر. وانسلاخ هؤلاء عن عالم الواقع لم يعد مفاجئاً، فهو، في حقيقة الأمر، يحدث منذ وقت ليس بالقصير ويعكس أمراً غير مريح بآثاره على أوروبا وعلاقاتها مع شعوب العالم الأخرى. قبل سنوات كان بعض الأوروبيين ينتقدون أنفسهم بسبب مبالغة أنظمتهم في اعتماد مفهوم «مركزيّة أوروبا» في كل ما يجري في أنحاء العالم. وفي الوقت الذي لا ننكر أهميّة الدور الأوروبي، كما هي الحال في أهميّة الدور الأميركي والدور الروسي والدور الصيني أو حتّى الاتحاد الأفريقي ودور التجمعات السياسيّة في أميركا اللاتينيّة وآسيا، إلاَّ أنَّ عودة بعض الدول الأوروبيّة إلى استحضار دورها القائم على الاستعمار والنفوذ والاعتقاد بأنَّهم قادرون على التحكّم بمصير العالم تبعاً لمصالحهم الجغرافيّة السياسيّة أمر يدعو إلى الاستغراب والقلق!! مؤخّراً، وبعد تصاعد التوتر في العلاقات الأوروبيّة والأميركيّة مع الاتحاد الروسي، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما يجري من ضغوط أوروبيّة وأميركيّة على بلده وعلى العالم بأنَّه يأتي في إطار أحلام هؤلاء بالعودة إلى ممارسة الهيمنة الإمبراطوريّة. ومما لا شك فيه أنَّ هذا التوصيف ليس دقيقاً فحسب، بل أنَّه جاء تأكيداً لما تشعر به أيضاً كل الدول من نامية وغيرها. ولا بد من التذكير هنا بأنَّ السياسات الأميركيّة والأوروبيّة قد تمحورتْ حول هذا النهج منذ انتهاء الحرب الباردة في مطلع التسعينات من القرن الماضي. فقد أكّد الساسة الأميركيون وحلفاؤهم في أوروبا أنَّ القرن الحادي والعشرين سيكون «القرن الأميركي»، وهذا يعني سيطرة وهيمنة المعسكر الغربي على شؤون العالم اقتصادياً وسياسياً وفكرياً وثقافياً ومالياً وإعلامياً… يُشير الكتّاب الروس المتابعون لتدهور العلاقات الروسيّة الغربيّة إلى أن ما تحدثنا عنه أعلاه يعود إلى القرار الغربي المتعمّد في تهميش وإهمال مصالح روسيا ودول فاعلة أخرى على الساحة الدولية. وقد بدأ ذلك جلياً من خلال أزمة البوسنة عام 1995، وقصف بلغراد، وأوّل موجة توسيع الناتو عام 1999، وللانسحاب من المعاهدة الأساسيّة لمنظومة الدفاع الصاروخيّة التي تمَّ إبرامها عام 1970، والخلاف الذي نشب في شأن غزو العراق عام 2003، والاعتراض على نشر منظومة الدفاع الصاروخيّة الأميركيّة في أوروبا بالغرب من الحدود الروسيّة، والتجاوز الفرنسي البريطاني للخطوط الحمر في ما يتعلّق بقرار مجلس الأمن الصادر حول ليبيا، على رغم احتجاج روسيا والصين عام 2011، والأزمة السورية المستمرّة، وأوكرانيا عام 2014. ومع عودة الرئيس فلاديمير بوتين إلى الكرملين، أخذتْ الطبقة السياسيّة والنخبة الإعلامية للدول الغربيّة تؤدّي مهمتها في تضليل الرأي العام العالمي من دون أيّة مسؤوليّة أو احترام لقواعد الإعلام الصادق والمسؤول. بدأتْ هذه الجهات بالحديث وبصوت واحد عن استحالة إقامة حوار بنّاء مع السلطة الروسيّة في ظل حكم هذا الرئيس. ولم يكن مستغرباً أن يتحدّث حول هذه المواضيع قادة جميع الدول الرئيسية في الغرب منتهكين جميع المعايير البروتوكوليّة مثل باراك أوباما وأنغيلا ميركل وديفيد كاميرون، وحتّى رؤساء حكومات أستراليا وكندا. وثبت أنَّ هؤلاء يعملون على تشويه صورة ودور الرئيس فلاديمير بوتين في شكل متعمّد كون الرئيس بوتين زعيماً وطنياً، وبهدف إضعاف روسيا وتقويض شرعية السلطة فيها. أثبتتْ التطورات أنَّ أوروبا ليستْ فقط عاجزة عن تحديد كيفيّة التعامل مع دول تنمو في شكل متسارع كالصين وإيران والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، لكنها لا تفهم أيضاً كيف ستتعامل مع روسيا الجريئة بقراراتها. وبدلاً من أن تقف على قدم المساواة مع الأوضاع الجديدة، فإنَّ أوروبا والغرب في شكل عام يحاولون الابتعاد أكثر والغوص في مواضيع صغيرة لا معنى لها مقتصرةً بالحديث عن أهميّة الالتزام والامتثال للسياسات والتدابير الأوروبيّة. وهنا، لا يلاحظ الأوروبيون كيف يعملون على تشويه سمعتهم هم عن طريق تحالفهم مع أنظمة منحطّة في الخليج مثل السعوديّة التي لم يخرج نظامها من القرون الوسطى بعد والقبول بالرشاوى التي تصلهم من قطر وغيرها. ألم تتابع كل دول العالم ما حدث من تدخّل غربي في الصين عندما وقعتْ أحداث ساحة تيان آن مين وتلك التي وقعتْ مؤخّراً في هونغ كونغ؟ وبعد الانتخابات الأخيرة في روسيا الاتحاديّة، ألم نتابع جميعاً تلك التظاهرات التي كانتْ تهدف إلى الإطاحة بالانتخابات الديمقراطيّة هناك ونتائجها؟ فالدول الغربيّة لم تتعلّم حتّى الآن أيضاً كيف تتعامل مع سورية الجريئة بقراراتها والمبدئيّة في توجهاتها والحاسمة في الدفاع عن مصالح شعبها وانتخاباتها التي عبّرتْ عن قرار الشعب السوري وتطلعاته. كما أنَّ هذه الدول مصرّة على عدم التعامل مع روسيا الكبيرة بمواقفها والعنيدة في دفاعها عن القانون الدولي وممارسة الديمقراطيّة في العلاقات الدوليّة ومطالبتها الجميع باحترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة واحترام مبادئ السيادة وعدم التدخّل في الشؤون الداخليّة للدول الأخرى واستقلالها. إنَّ جملة المواقف التي عبّر عنها الزعيم الروسي في مؤتمره الصحافي السنوي قبل أيام قليلة هي دروس على الغرب تعلّمها والاستفادة منها، فسياسات بناء الإمبراطوريات العاتية والاستهتار بقيم ومثل الدول الأخرى لم تعد من الأمور المقبولة على الإطلاق في عالم اليوم. وفي هذا المجال، فإنَّ تخريب اقتصاد الدول الأخرى وفرض العقوبات أحادية الجانب لم تعد أموراً مجدية بعيداً عن كونها أصلاً سياسات لا أخلاقيّة تُمارسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وآخرين ضد دول مثل سورية وروسيا والصين وكوبا وفنزويلا وإيران والأرجنتين، للنيل من قدرات هذه الدول التنموية وتطلعاتها لبناء عالم خالٍ من الظلم والعنف واللامساواة والحريّة والتعاون الدولي البنّاء. لقد أشار الكاتب الروسي أندريه بايكوف، والذي استلهمنا من كتاباته بعض مما ذكرناه، إلى أنَّه مع تدهور الأزمة الأوكرانيّة، وصلتْ الأمور إلى حد الهستيريا في العلاقة تجاه شخصيّة الرئيس الروسي. فمنذ آذار نيسان 2014، أصبحتْ شخصيّة فلاديمير بوتين والتحاليل المزيفة لشخصيته ومهنته وسلوكه وأسلوب الإدارة الذي يتبعه في شكل منتظم يوميّاً محط اهتمام الصحافة الغربيّة الرئيسيّة بدءاً من صحيفة التايمز وانتهاءً بالإندبندنت ومجلّة «الاقتصادي». كما تمَّ تفعيل المقالات الأدبيّة المزيفة بتحليلاتها ومصداقيتها العلمية. فكما يقولون «لعب من دون قواعد»، وكل الأساليب جيّدة في الحرب، والحرب كانتْ بالفعل حقيقيةً حتّى ولو كانتْ إعلاميّة!. بعد كل هذا الكلام حول الهجمة التي تتعرّض لها روسيا الاتحاديّة، وهي أحد الأقطاب الأساسيّة اقتصادياً وعسكريّاً وحضاريّاً في عالم اليوم، ماذا كنّا نتوقّع غير ما نراه الآن من سياسات غربيّة متوحّشة إزاء سورية التي دافعتْ لسنين طويلة عن قيم أمّتها وإيمانها بعروبتها وبقضايا شعبها وسيادتها واستقلاليّة قرارها؟ ومن نافلة القول إنَّ الهجمة التي تعرّض لها قائد شعب سورية الرئيس بشار الأسد قد أتتْ في نفس السياق الذي سيتعرّض له أي قائد يدافع عن ثوابت شعبه وحقه في الدفاع عن أرضه وشرف وكرامة مواطنيه ومحاربة الطغيان والاستبداد والاحتلال الأجنبي؟ عندما يلتقي المسؤولون الأوروبيّون في اجتماعاتهم وقممهم ويتناقشون في أمور وأحوال العالم والعباد، فإنَّ البعض ينتظر أن يتحرّك عقلاؤهم في شكل جاد ومسؤول لوقف عملية التراجع والانحطاط التي وصل إليها الاتحاد الأوروبي والتي ابتعدتْ كثيراً عن القيم والمثل التي عملتْ شعوب أوروبا وممثليها على ترسيخها في حياة البشريّة منذ نهاية القرن السادس عشر. إلاَّ أنَّنا توصلنا إلى قناعة من الصعب تغييرها الآن وهي أنَّ كثيراً من هؤلاء المسؤولين والقادة لم يتعلّموا في مدارس شكسبير وروسو وموليير وراسل وغوته وهيغل وآخرين. بل أنَّنا نشعر وكأنَّهم خريجو مدارس البغدادي، وبن لادن، والزرقاوي، وأردوغان وبندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود، وغيرهم. قبل أيام من الآن، جلس الأوروبيون على كراسيهم الوثيرة في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسيل وقاموا بصياغة ورقة شيطانيّة بأفكار شيطانيّة وأحلام شيطانيّة حول سورية. في تلك الورقة رسموا خططاً وادعوا أنَّهم وضعوا حلولاً لما تمر به سورية، بينما كانتْ حقيقة ما قاموا به، بضغط من فرنسا وبريطانيا و»إسرائيل» وحكّام أوروبيين فقدوا شرعيتهم، هي أفكار لاستمرار قتلهم للشعب السوري ودعم الإرهاب وتدمير للبنى التحتية التي أنشأها شعب سورية، وشروط على دور المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية، ودعم جديد لـ»داعش» و»جبهة النصرة» وفروع «القاعدة» الإرهابيّة الأخرى مقابل السوريين الأبطال الذين يواجهون الإرهاب في دير الزور وحلب والرقّة ودرعا والقنيطرة وحمص وحماة واللاذقية. مع احتفالات أعياد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلاديّة الجديدة، نتوقّع من الغرب إنهاء ممارسة سياسات القتل والنفاق والدمار ودعم الإرهاب سرّاً وعلناً واحترام قيم الشعوب الأخرى التي بشّرَ بها ورسّخها سيد السلام عيسى بن مريم عليه السلام. ونتوقّع من هؤلاء أيضاً أن يعملوا على بناء عالم يسوده الأمن والاستقرار والمساواة والاحترام المتبادل وتخليهم عن أحلامهم الإمبراطوريّة والاستعماريّة الشيطانيّة.

المصدر : الماسة السورية/ البناء


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة