دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
مادةٌ دسمةٌ لجعل وسائل الإعلام العالمية تنتفض، أما إعلام «ربيع الدم العربي» فكان له سبب آخر مباشر ليزيد من حجم اهتمامه بالحدث، تحديداً بعد التعرف المبدئي لهوية الخاطف وتأكيد السلطات الاسترالية أنه إيراني الجنسية. أنها فرصةٌ ليؤكدوا للجميع أن مخاوفهم من الخطر الإيراني على العالم برمته واقعية. ساعات قليلة على نهاية الحدث، بدا للجميع وكأنَّ شيئاً لم يكن، تحديداً بعد أن ظهرت حقيقة أن هذا الإيراني هو أساساً مطلوبٌ للسلطات الإيرانية، بل إن إيران أدانت يوماً منحه اللجوء.
لم يبدُ رئيس الوزراء الأسترالي مهتماً لعدد الضحايا، لم تبدُ عليه الجدية في الحديث عن إجراء مراجعةٍ رفيعة المستوى بشأن ثغراتٍ أمنية سمحت بإطلاق سراح إرهابيٍ خطيرٍ لديه كلُّ هذا التطرف. كلُّ هذا لم يكترث له «توني أبوت»، كلُّ ما اهتم به هو أن يشرح للشعب الأسترالي أن قيام الإرهابي برفع «راية داعش» لا يعني أبداً أنه منتم إليها، بل إن الإرهابي سعى فقط لاستغلالها. إخفاق «توني أبوت» في تقديم تبرير عن أسباب حمل هذا الإرهابي «الراية الداعشية»، تماماً كما إخفاق المواطن الأميركي «مارك أوبرهولتزر» في الحصول على جوابٍ شافي لسؤاله:
كيف وصلت سيارته التي باعها وعليها العلامة التجارية الخاصة به، من الولايات المتحدة إلى الإرهابيين في سورية، ليشاهدها في أحد التسجيلات التي تبثها مواقع داعمة للجماعات الإرهابية؟
قُتل الإرهابي، لكن هل ظنَّ البعض أن الفكرة قد قُتلت؟ إذا كان الفكر الداعشي قد وصل إلى استراليا، فما حال الآمنين في دول الساحل الشمالي للبحر المتوسط التي تبتعد مسافةً قليلة- مقارنة بأستراليا- عن إمكانية وصول داعش إليها، تحديداً أن الدول «الوازنة» في هذا الساحل وعلى رأسها الحكومة «الاشتراكية» في فرنسا تساهم بأدائها الباهت وتحالفها مع دولٍ كانت منذ البداية سبباً في نشأة داعش وتمددها وإمدادها المستمر حتى الآن، في تعميق هذه المخاوف! إنها إستراتيجية «لا أفق».
تلك الإستراتيجية التي يقع أسيرها فرانسوا هولاند، جعلته يدلي بدلوه في القضية المركزية في الشرق الأوسط، والتي لا يمكن لدولةٍ في العالم أن تبني مكانة لها مالم يكن لها تأثير فيها؛ إنها القضية الفلسطينية أو ما باتوا يسمونه بمفاوضات الحل النهائي بين السلطة الفلسطينية وحكومة العدو.
يوماً ما أساءت شرطة الاحتلال للرئيس الأسبق «جاك شيراك» عند زيارته شوارع القدس بالتضييق عليه- علماً أنه كان على رأس عمله- لدرجة الاستفزاز ولحدٍ وصف البعض الأمر بإهانةٍ لرمز الدولة الفرنسية. اليوم يبدو أن الأمر تعدى الإهانة، ليصل لمراحل متقدمة بتصغير دور فرنسا على الساحة الدولية رغم كل ما تقدمه من تنازلات.
تقدمت بقايا ما يسمى «الجامعة العربية» عبر الأردن بمسودة مشروع قرار إلى مجلس الأمن، يضع جدولاً زمنياً لانسحاب «إسرائيل» من الأراضي المحتلة بحلول نهاية 2017 وإعلان الدولتين، علماً أن الكيان الصهيوني له «تاريخٌ حافلٌ» في تطبيق قرارات مجلس الأمن كما تطبقُ مشيخات النفط لوائح حقوق الإنسان التي تنادي بها في سورية!
إنَّ نص مشروع القرار بالأساس فرنسي، معدلٌ عربياً بالدرجة التي تدعمه فرنسا ولا يستفز الولايات المتحدة لاستخدام الفيتو ضده. لكنَّ المفاجأة كانت أن الولايات المتحدة أعلنت رفضها «متأخرةً» لدعم هذا القرار، وهو ما شكل صفعةً قويةً للسياسة الفرنسية، تحديداً أن الحليف الأميركي كان عليه أن يخبر الفرنسيين بالرفض ليجنبهم الحرج وإظهارهم كدولةٍ تابعةٍ لا أكثر.
عاد هولاند خائباً إلى ممارسة دوره الطبيعي في البحث عن معاقبة الروس تارةً بالعقوبات الاقتصادية أو استعجال رحيل «النظام السوري» تارةً أخرى، عساه يستعيد بعض العافية السياسية. أمّا المستجد فهو توجيه السهام نحو «الحليف التركي» الذي باتت سياستُه القائمةُ على تصفيته لخصومه شاهداً على تعريته الكاملة من كل المصطلحات التي نادى وينادي بها.
لم يكن السجال الحاصل بين الاتحاد الأوروبي والحكومة التركية إلا نتيجةً طبيعيةً لأسلوب «التكاذب» الذي ينتهجه الطرفان في مسارهما السياسي. فالاتحاد الأوروبي بدأ يكتشف أن جزرة «انضمام تركيا» للاتحاد الأوروبي لم تعد تنفع مع رجب طيب أردوغان. أما أردوغان فإن أزمته مع معارضيه (دولاً وأشخاصاً ومعارضة داخلية)، تحديداً المتعلقة بأتباع «فتح اللـه غولن» مرشحةٌ للتطور، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن مشكلة العقلية «العثمانية» المتأثر بها أردوغان واضحةٌ في سلوكه، باعتباره ينتهج الثأر أسلوباً لا الحوار للوصول لنقاطٍ مشتركةٍ. حتّى على صعيد حزبه، فإنَّه بات واضحاً الآن أن أردوغان يمارس جميع الصلاحيات من رئاسة الدولة وصولاً لصلاحيات مأموري الجمارك عند معبري «السلامة» و«باب الهوى» الحدوديين مع سورية واللذين يُعتبران المعبرين الأساسيين لمرور السلاح إلى الإرهابيين في ريف حلب وإدلب، فهل سيختلف الطرفان على نقاط «الديمقراطية» في تركيا ويتفقان على الاستماتة لإنقاذ المسلحين في حلب؟ أم إنهم باتوا متيقنين من إحكام الجيش السوري السيطرة على حلب، فأرادوا التشويش على مرحلة ما بعد السقوط؟!
على كل يبدو واضحاً أن الرفض السوري لفكرة وجود قواتٍ دوليةٍ لمراقبة تجميد القتال في حلب جاء صارماً وحازماً، فهو إن كان من جهةٍ مرتبطاً بسيادة الدولة على أراضيها ورفض تسليم الأمن لمسلحين تحدثت عنهم الـ«غراند إستراتيجي» أن أغلبيتهم من جنسياتٍ ليست سورية. لكنَّه في النهاية أيضاً انعكاسٌ للارتياح الذي باتت تشعر به القيادة السورية لسير المعارك حتى الآن، بالتالي فإن المزيد من الانتصارات سيعني المزيد من رفع الأثمان. حاولت عصابات أردوغان اللعب على فكرة السيطرة على «وادي الضيف»، لكن بدا واضحاً أن السيطرة على تلك المعسكرات هي سيطرةٌ إعلاميةٌ لا أكثر، وهي غير ذات قيمة في مسار العمل العسكري للجيش السوري باعتبار أن المعسكرات أساساً كانت تحت الحصار.
أمّا عن حالة الضغط على القيادة السورية من خلال الضغط الاقتصادي على حلفائها، فإن كلام بوتين كان واضحاً بأن الصمود الاقتصادي خيارٌ، بل إن «غلوبال تايمز» ذهبت أبعد من ذلك بالحديث أن احتياطيات العملات النقدية لدى روسيا التي قدرتها بـ400 مليار دولار، ستجعل بوتين يخرج من الأزمة وهو أكثر شراسة في الدفاع عن المصالح الروسية.
إذن تبدو جميع المعطيات تشير لارتياح القيادة السورية بينما بدأت الأفاعي تأكل بعضها بعضاً، إلا إن كان حديثُ «معاريف» عن اقتراب المواجهة على الجبهات الشمالية لفلسطين المحتلة مبنياً على معلوماتٍ دقيقةٍ، عندها نستطيع القول إنها مواجهة «الضرورة» بالنسبة لهم، أي حربٌ استباقيةٌ لا نعلم تماماً كيف بنوا معلوماتهم لخوضها، تحديداً أن الحديث عن تضليل الكيان الصهيوني استخباراتياً فيما يتعلق بالغارة الأخيرة على مطار شراعي قرب دمشق، تبعه تسريباتٌ عن اكتشاف «حزب الله» عميلاً للموساد في صفوفه. عندها على البعض أن يتذكر أنه مِنَ الحكمة إن كان لديك عميلٌ لعدوك يظن نفسه غير مخترق، أن تمرر لعدوك عبره ما تشاء، ثم ببساطةٍ تعلن اكتشافه بعد أن يكون قد حقق لك المطلوب منه وإنْ كان بصفة «عميل»...
المصدر :
فراس عزيز ديب- الوطن
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة