لم يجد أحد حتى الآن تفسيراً مقنعاً ومتماسكاً بشأن الانخفاض الحاد في أسعار النفط. حاول ذلك عبثاً سياسيون وخبراء طاقة ومحللون على صلة بصناع القرار في الغرب،

لكن الريبة بقيت المعيار السائد. اختلافات التقدير لم تلغ أن إشارات الاستفهام والتعجب كانت توجه إلى سلوك السعودية، لكونها الحصان الأسود في هذا المجال. إرجاع ما يحصل إلى الصراع السياسي جاء لأن روسيا وإيران هما من أكبر الخاسرين جراء هذا التراجع، لا سيما أن الدولتين تواجهان ضغوط سلاح آخر هو العقوبات الغربية.

وفي غضون أربعة أشهر، نزلت أسعار النفط بما يزيد على عشرين في المئة. وصلت في حزيران الماضي إلى 113 دولاراً للبرميل الواحد، لتتراجع هذا الشهر إلى حدود 85 دولاراً.

ثمة حيرة أكيدة واجهت كل من حاولوا تفسير أسباب ذلك على أرضية مقنعة. بعض الآراء تحدثت عن انخفاض الطلب العالمي على النفط، خصوصاً من الأسواق الآسيوية، بالتضافر مع تراجع النمو العالمي إجمالاً.

لكن تراجع أسعار النفط لم يجعل معادلة العرض والطلب هي الحاكمة. السعودية لم تبد أية حماسة لخفض انتاجها بما يوقف هبوط الأسعار، بل حافظت على وتيرة تصديرها في حدودها العادية.

وتوقعت تقارير منظمات دولية معنية أن تواصل الرياض ضخ صادرات بحدود تسعة ملايين برميل يومياً. وفق هذه التوجهات، توقع «البنك الدولي» استمرار تراجع الأسعار خلال العام المقبل أيضاً. ازدادت الشكوك بأن موجة الهبوط ربما تستمر طويلاً، بعدما قال مسؤولون سعوديون، لطمأنة المتعاملين في أسواق النفط في نيويورك، أن المملكة يمكنها تحمّل أسعار تتراوح بين 80 و85 دولاراً للبرميل.

الحيرة مردّها أيضاً إلى أن تراجع الأسعار يحدث وسط أزمات سياسية كانت ستؤدي في غير هذه الظروف إلى تحليق أسعار النفط. ينبغي عدم إغفال أن الحروب مشتعلة على طول الشرق الأوسط، وبعض المعارك تدور بالقرب من بغداد وأربيل وكركوك وغيرها.

يحلو لخبراء في مجال الطاقة، تحدثت إليهم «السفير»، التذكير، على سبيل المفارقة، بأنّ أسعار النفط قبل غزو العراق كانت بحدود 27 دولاراً فقط. ولعل استمرار وجود الوفرة في السوق النفطية، بما يفوق الاستهلاك، كبح بدوره تأثيرات محتملة كهذه.

الريبة من التصدير السعودي قابلها استرخاء من قبل صناع القرار في المملكة. جاء ذلك، بالرغم من أن الرياض تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط، لدرجة أن الانخفاض الحالي يمكن أن يؤدي إلى عجز في موازنتها.

وزير النفط السعودي علي النعيمي طمأن إلى أن الأوضاع تحت السيطرة، الأمر الذي استفز الأمير الوليد بن طلال، فوجّه كتاباً للملك يستنكر فيه ما يحدث. انتقد الأمير بحدّة تصريحات وزير النفط التي هوّنت من أثر التراجع الحاد للأسعار على موازنة المملكة واقتصادها، معتبراً أن هذا الموقف يثير «دهشتنا واستغرابنا بل واستنكارنا».

ومن المعروف أن مواقف الوليد بن طلال تغرد خارج سرب التحفظ السعودي، لكن انتقاداته تشير إلى معارضة كبيرة في بعض أوساط العائلة المالكة لسياسة المملكة النفطية.

كذلك، لم تغير في سياسة التصدير السعودية نداءات نظرائها في منظمة «أوبك» للدول المصدرة للنفط. طالبت فنزويلا باستجابة عاجلة، فيما سارعت إيران إلى دعوة دول المنظمة «ضبط الإنتاج» لتصحيح الخلل في الأسواق. لكن السعودية، وخلافاً لرغبات المتضررين اقتصادياً وهي منهم على كل حال، تفضل الحفاظ على مستوى صادرات «أوبك» في حدود خططها المرسومة قبل تراجع الأسعار، حتى لو كان تراجعاً بمقدار الربع.

كل هذا أوقع الكلام السعودي الرسمي في تناقضات. بعض المسؤولين السعوديين يبررون بضرورة إيجاد سعر «عادل» للزبون العالمي، لكن الرياض كانت تروج لسياسة «أوبك» التي كانت تقترح 100 دولار بوصفه السعر «العادل».

في غياب المبررات المقنعة، اتجهت التحليلات إلى البناء على مصالح الصراع السياسي العالمي. التقاء مصالح الغرب والسعودية هو الذي كان المحرك الأساس لهذه التحليلات. فأكبر المتضررين من تراجع الأسعار هما روسيا وإيران، الدولتان اللتان تواجهان أيضاً سلاح العقوبات الأميركية والأوروبية. وفي حين أن الأولى تحافظ على اللباقة برغم الخلافات، فإنّ الصراع بين الرياض وطهران صار على منابر الخطاب الرسمي، كما وصل حد إشعال وتزكية الحروب بالوكالة، على امتداد الشرق الأوسط، بين حلفاء القطبين الإقليميين.

هذه الأرضية جعلت الكاتب الاميركي توماس فريدمان في «نيويورك تايمز»، يتحدّث عمّا يجري بوصفه «حرباً نفطية». رأى قبل أسبوع أن توجيه الأسعار هو سياسة سعودية أميركية هدفها إغراق النظامين الايراني والروسي في أزمة اقتصادية عميقة.

برغم المبالغة التي تبدو في هذا الرأي، فإن الثابت أن الدولتين تخوضان صراعاً سياسياً بلغ مستويات متقدمة مع الغرب، وهنا ستكون الضغوط من العيار العالي مطلوبة. المفاوضات النووية الإيرانية وصلت الى مرحلة حاسمة، والموعد النهائي لإنجاز الاتفاق النهائي هو 24 تشرين الثاني المقبل. السعودية هي صاحبة مصلحة متقدمة في دفع طهران إلى أقصى تنازلات ممكنة، وكبار مسؤولي المملكة قالوا: لسنا ضد اتفاق إذا كان جيداً، لهم طبعاً.

روسيا الآن تواجه عقوبات غربية تزداد تدريجياً، على خلفية الصراع مع اوكرانيا. حتى وإن لم تصل العقوبات ضدها إلى المستوى الذي وصلته مع إيران، لكنها تعمل على كبح صعود اقتصاد كانت التوقعات متفائلة باستمرار صعوده. موسكو حاولت التقليل من أثر العقوبات، لكنها تركت ظلالاً قاتمة في ظل نمو متوقف تقريباً، وأدت إلى نزف معتبر لأموال المستثمرين الأجانب.

موسكو تدعو إلى التريث في قراءة خلفيات تراجع الأسعار، لكنها تترك الباب مفتوحاً للمشككين.

خلال مؤتمر صحافي، يوم الثلاثاء الماضي، بعد فشل جديد في حل أزمة ديون الغاز الأوكرانية، سألت «السفير» وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك عن تأثير هبوط سعر النفط على اقتصاد بلاده. أكد أن الموازنة لا تزال تحت السيطرة، في حال استمر التراجع هذه السنة. وشرح أن المعدل الوسطي الذي احتسبت على أساسه الموازنة الروسية هو أسعار نفط بحدود 100 دولار للبرميل، وهو المعدل الذي ستكون عليه الأسعار مع استمرار انخفاضها الحالي حتى نهاية السنة.

مع ذلك، لم يخفِ نوفاك السلبيات الأكيدة لتراجع الأسعار، معتبراً أنه «في كل مرة تنخفض الأسعار، فإنّه يؤثر على برامج الاستثمار والموارد المالية لشركاتنا كما يزيد من مدفوعاتنا». لكن الوزير الروسي لم يقدم أسباباً واضحة لما يحدث. قال: «لا نعتقد أنه وضع مأساوي، فأسعار النفط متغيرة»، لكنه أضاف «إذا كان ذلك (الهبوط) طويل الأجل وظل مستمراً في 2015، فهذا يعتمد على عوامل عدة... يجب تحليلها ودراستها».

خلال حديثنا إلى خبراء في قضايا الطاقة، كان الجميع متفقاً على وجود ثلاثة معايير أساسية لتسعير النفط: قانون العرض والطلب، سلوك المشترين والمتعاملين في سوق النفط (النشاط الداخلي للسوق)، والمعيار السياسي.

بعض الآراء تبرر سلوك التصدير السعودي بمحاولة المملكة الحفاظ على حصتها من السوق، ما يعني محاولة المنافسة بالسعر عبر زيادة التصدير. لكن هذا يخدم بدوره تحليل من يركزون على العامل السياسي. فأحد أهم الأسواق التي تستهدفها المملكة هي السوق الآسيوية، وهي تحديداً السوق التي ازداد تركيز ايران وروسيا عليها في ظل سياسة العقوبات الغربية.

يبقى أنه في مقابل زعزعة الدولتين المحاصرتين بالصراع مع الغرب، تمتلك السعودية هامشاً كبيراً للمناورة في تحمل تبعات اختلال السوق النفطية. يمكنها البيع بالرخيص إذا شاءت، فتكلفة تشغيل وتطوير الحقول البرية التقليدية تبلغ حوالى 20 دولاراً للبرميل، بحسب أرقام وكالة الطاقة الدولية. في المقابل التكلفة المماثلة تبلغ 56 دولاراً في حقول المياه العميقة، ويكلف استخراج النفط الصخري أكثر.

المرونة توفرها أيضاً قدرة السعودية على التصدير والتي تتجاوز حدود 12 مليون برميل، فيما روسيا تصدر الآن بحدود أربعة ملايين برميل يومياً. كما أن النقص في الموازنة يمكن تغطيته من فوائض كبيرة وفرتها لها عائدات النفط المتراكمة. هذه المرونة الكبيرة جعلت النفط سلاحاً فعالاً. صحيح أنه استخدم مرات محدودة كسلاح حرب، لكنه كان أداة مهمة لتحقيق مصالح السعودية السياسية بدرجات مختلفة.

  • فريق ماسة
  • 2014-10-22
  • 9333
  • من الأرشيف

هل بدأت «حرب نفطية» ضد موسكو وطهران؟

لم يجد أحد حتى الآن تفسيراً مقنعاً ومتماسكاً بشأن الانخفاض الحاد في أسعار النفط. حاول ذلك عبثاً سياسيون وخبراء طاقة ومحللون على صلة بصناع القرار في الغرب، لكن الريبة بقيت المعيار السائد. اختلافات التقدير لم تلغ أن إشارات الاستفهام والتعجب كانت توجه إلى سلوك السعودية، لكونها الحصان الأسود في هذا المجال. إرجاع ما يحصل إلى الصراع السياسي جاء لأن روسيا وإيران هما من أكبر الخاسرين جراء هذا التراجع، لا سيما أن الدولتين تواجهان ضغوط سلاح آخر هو العقوبات الغربية. وفي غضون أربعة أشهر، نزلت أسعار النفط بما يزيد على عشرين في المئة. وصلت في حزيران الماضي إلى 113 دولاراً للبرميل الواحد، لتتراجع هذا الشهر إلى حدود 85 دولاراً. ثمة حيرة أكيدة واجهت كل من حاولوا تفسير أسباب ذلك على أرضية مقنعة. بعض الآراء تحدثت عن انخفاض الطلب العالمي على النفط، خصوصاً من الأسواق الآسيوية، بالتضافر مع تراجع النمو العالمي إجمالاً. لكن تراجع أسعار النفط لم يجعل معادلة العرض والطلب هي الحاكمة. السعودية لم تبد أية حماسة لخفض انتاجها بما يوقف هبوط الأسعار، بل حافظت على وتيرة تصديرها في حدودها العادية. وتوقعت تقارير منظمات دولية معنية أن تواصل الرياض ضخ صادرات بحدود تسعة ملايين برميل يومياً. وفق هذه التوجهات، توقع «البنك الدولي» استمرار تراجع الأسعار خلال العام المقبل أيضاً. ازدادت الشكوك بأن موجة الهبوط ربما تستمر طويلاً، بعدما قال مسؤولون سعوديون، لطمأنة المتعاملين في أسواق النفط في نيويورك، أن المملكة يمكنها تحمّل أسعار تتراوح بين 80 و85 دولاراً للبرميل. الحيرة مردّها أيضاً إلى أن تراجع الأسعار يحدث وسط أزمات سياسية كانت ستؤدي في غير هذه الظروف إلى تحليق أسعار النفط. ينبغي عدم إغفال أن الحروب مشتعلة على طول الشرق الأوسط، وبعض المعارك تدور بالقرب من بغداد وأربيل وكركوك وغيرها. يحلو لخبراء في مجال الطاقة، تحدثت إليهم «السفير»، التذكير، على سبيل المفارقة، بأنّ أسعار النفط قبل غزو العراق كانت بحدود 27 دولاراً فقط. ولعل استمرار وجود الوفرة في السوق النفطية، بما يفوق الاستهلاك، كبح بدوره تأثيرات محتملة كهذه. الريبة من التصدير السعودي قابلها استرخاء من قبل صناع القرار في المملكة. جاء ذلك، بالرغم من أن الرياض تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط، لدرجة أن الانخفاض الحالي يمكن أن يؤدي إلى عجز في موازنتها. وزير النفط السعودي علي النعيمي طمأن إلى أن الأوضاع تحت السيطرة، الأمر الذي استفز الأمير الوليد بن طلال، فوجّه كتاباً للملك يستنكر فيه ما يحدث. انتقد الأمير بحدّة تصريحات وزير النفط التي هوّنت من أثر التراجع الحاد للأسعار على موازنة المملكة واقتصادها، معتبراً أن هذا الموقف يثير «دهشتنا واستغرابنا بل واستنكارنا». ومن المعروف أن مواقف الوليد بن طلال تغرد خارج سرب التحفظ السعودي، لكن انتقاداته تشير إلى معارضة كبيرة في بعض أوساط العائلة المالكة لسياسة المملكة النفطية. كذلك، لم تغير في سياسة التصدير السعودية نداءات نظرائها في منظمة «أوبك» للدول المصدرة للنفط. طالبت فنزويلا باستجابة عاجلة، فيما سارعت إيران إلى دعوة دول المنظمة «ضبط الإنتاج» لتصحيح الخلل في الأسواق. لكن السعودية، وخلافاً لرغبات المتضررين اقتصادياً وهي منهم على كل حال، تفضل الحفاظ على مستوى صادرات «أوبك» في حدود خططها المرسومة قبل تراجع الأسعار، حتى لو كان تراجعاً بمقدار الربع. كل هذا أوقع الكلام السعودي الرسمي في تناقضات. بعض المسؤولين السعوديين يبررون بضرورة إيجاد سعر «عادل» للزبون العالمي، لكن الرياض كانت تروج لسياسة «أوبك» التي كانت تقترح 100 دولار بوصفه السعر «العادل». في غياب المبررات المقنعة، اتجهت التحليلات إلى البناء على مصالح الصراع السياسي العالمي. التقاء مصالح الغرب والسعودية هو الذي كان المحرك الأساس لهذه التحليلات. فأكبر المتضررين من تراجع الأسعار هما روسيا وإيران، الدولتان اللتان تواجهان أيضاً سلاح العقوبات الأميركية والأوروبية. وفي حين أن الأولى تحافظ على اللباقة برغم الخلافات، فإنّ الصراع بين الرياض وطهران صار على منابر الخطاب الرسمي، كما وصل حد إشعال وتزكية الحروب بالوكالة، على امتداد الشرق الأوسط، بين حلفاء القطبين الإقليميين. هذه الأرضية جعلت الكاتب الاميركي توماس فريدمان في «نيويورك تايمز»، يتحدّث عمّا يجري بوصفه «حرباً نفطية». رأى قبل أسبوع أن توجيه الأسعار هو سياسة سعودية أميركية هدفها إغراق النظامين الايراني والروسي في أزمة اقتصادية عميقة. برغم المبالغة التي تبدو في هذا الرأي، فإن الثابت أن الدولتين تخوضان صراعاً سياسياً بلغ مستويات متقدمة مع الغرب، وهنا ستكون الضغوط من العيار العالي مطلوبة. المفاوضات النووية الإيرانية وصلت الى مرحلة حاسمة، والموعد النهائي لإنجاز الاتفاق النهائي هو 24 تشرين الثاني المقبل. السعودية هي صاحبة مصلحة متقدمة في دفع طهران إلى أقصى تنازلات ممكنة، وكبار مسؤولي المملكة قالوا: لسنا ضد اتفاق إذا كان جيداً، لهم طبعاً. روسيا الآن تواجه عقوبات غربية تزداد تدريجياً، على خلفية الصراع مع اوكرانيا. حتى وإن لم تصل العقوبات ضدها إلى المستوى الذي وصلته مع إيران، لكنها تعمل على كبح صعود اقتصاد كانت التوقعات متفائلة باستمرار صعوده. موسكو حاولت التقليل من أثر العقوبات، لكنها تركت ظلالاً قاتمة في ظل نمو متوقف تقريباً، وأدت إلى نزف معتبر لأموال المستثمرين الأجانب. موسكو تدعو إلى التريث في قراءة خلفيات تراجع الأسعار، لكنها تترك الباب مفتوحاً للمشككين. خلال مؤتمر صحافي، يوم الثلاثاء الماضي، بعد فشل جديد في حل أزمة ديون الغاز الأوكرانية، سألت «السفير» وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك عن تأثير هبوط سعر النفط على اقتصاد بلاده. أكد أن الموازنة لا تزال تحت السيطرة، في حال استمر التراجع هذه السنة. وشرح أن المعدل الوسطي الذي احتسبت على أساسه الموازنة الروسية هو أسعار نفط بحدود 100 دولار للبرميل، وهو المعدل الذي ستكون عليه الأسعار مع استمرار انخفاضها الحالي حتى نهاية السنة. مع ذلك، لم يخفِ نوفاك السلبيات الأكيدة لتراجع الأسعار، معتبراً أنه «في كل مرة تنخفض الأسعار، فإنّه يؤثر على برامج الاستثمار والموارد المالية لشركاتنا كما يزيد من مدفوعاتنا». لكن الوزير الروسي لم يقدم أسباباً واضحة لما يحدث. قال: «لا نعتقد أنه وضع مأساوي، فأسعار النفط متغيرة»، لكنه أضاف «إذا كان ذلك (الهبوط) طويل الأجل وظل مستمراً في 2015، فهذا يعتمد على عوامل عدة... يجب تحليلها ودراستها». خلال حديثنا إلى خبراء في قضايا الطاقة، كان الجميع متفقاً على وجود ثلاثة معايير أساسية لتسعير النفط: قانون العرض والطلب، سلوك المشترين والمتعاملين في سوق النفط (النشاط الداخلي للسوق)، والمعيار السياسي. بعض الآراء تبرر سلوك التصدير السعودي بمحاولة المملكة الحفاظ على حصتها من السوق، ما يعني محاولة المنافسة بالسعر عبر زيادة التصدير. لكن هذا يخدم بدوره تحليل من يركزون على العامل السياسي. فأحد أهم الأسواق التي تستهدفها المملكة هي السوق الآسيوية، وهي تحديداً السوق التي ازداد تركيز ايران وروسيا عليها في ظل سياسة العقوبات الغربية. يبقى أنه في مقابل زعزعة الدولتين المحاصرتين بالصراع مع الغرب، تمتلك السعودية هامشاً كبيراً للمناورة في تحمل تبعات اختلال السوق النفطية. يمكنها البيع بالرخيص إذا شاءت، فتكلفة تشغيل وتطوير الحقول البرية التقليدية تبلغ حوالى 20 دولاراً للبرميل، بحسب أرقام وكالة الطاقة الدولية. في المقابل التكلفة المماثلة تبلغ 56 دولاراً في حقول المياه العميقة، ويكلف استخراج النفط الصخري أكثر. المرونة توفرها أيضاً قدرة السعودية على التصدير والتي تتجاوز حدود 12 مليون برميل، فيما روسيا تصدر الآن بحدود أربعة ملايين برميل يومياً. كما أن النقص في الموازنة يمكن تغطيته من فوائض كبيرة وفرتها لها عائدات النفط المتراكمة. هذه المرونة الكبيرة جعلت النفط سلاحاً فعالاً. صحيح أنه استخدم مرات محدودة كسلاح حرب، لكنه كان أداة مهمة لتحقيق مصالح السعودية السياسية بدرجات مختلفة.

المصدر : السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة