أواخر الشهر الماضي، أعلنت واشنطن ضمّ 10 أفراد ومجموعتين في سوريا إلى «قائمة الإرهاب». على رأس القائمة تربّع اسم عمرو العبسي الذي «تم اختياره من قبل داعش ليشغل منصب والي حمص». لكن، هل كان المنصب وراء وضعه على القائمة؟ وما حقيقة أنه أخٌ لزعيم «فتح الإسلام» الشهير شاكر العبسي؟

يُعتبر عمرو العبسي (الشهير بأبو الأثير) واحداً من أشدّ الشخصيات «الجهادية» فاعلية. هو رجل «الدولة الإسلامية» من قبل أن يصل الأخير إلى سوريا، ومن أشد المتحمسين لإعلان «الخلافة»، بل أحد «آباء المشروع» وفقاً لمصادر «جهادية».

سيرتان مختلفتان!

ثمة غموضٌ يبدو أنه مقصود يحيط بالمراحل الأولى من حياة العبسي. هو من مواليد 1979، وقد دأب خلال وجوده في حلب على تكرار رواية أمام زواره و«إخوته المجاهدين»، مفادُها أنّه من أبناء ومواليد قرية تل عقبرين، التابعة لسرمدا في ريف إدلب. علاوة على ذلك، اعتاد التأكيد أنّه «أخٌ للشيخ شاكر العبسي». ما يناقضُ المعلومات المتداولة حول شاكر العبسي الذي تُفيد كل المعطيات بأنه فلسطيني – أردني، وأنّ له من الأشقاء الذكور ثلاثةٌ فحسب، هم شكري (مهندس طيران)، وأحمد (فني طيران)، وعبد الرزاق (استشاري في طب العظام). لكن مصادر «جهادية» تقول لـ«الأخبار» إنّ «الشيخ أبو الأثير أكّد لنا أنّ كل تلك المعلومات غير دقيقة». ووفقاً لهذه الرواية، فإن عائلة العبسي قد فرّت من سوريا خلال أحداث الثمانينيات، واتجهت إلى الأردن (بما فيها شاكر، وعمرو الذي كان طفلاً).

ثمة رواية أخرى، أوردتها صفحة «ويكليكس دولة البغدادي» الشهيرة على موقع «تويتر»، مفادُها أن أبو الأثير وُلد في السعودية عام 1979، قبل أن تنتقل عائلتُه إلى الأردن لاحقاً. ولا تلحظُ هذه الرواية أي صلة قربى بين العبسي الصغير والعبسي الشهير. وتتقاطع الروايتان على أن عمرو العبسي نشأ وترعرع في الأردن، وأنّه درس الهندسة (المدنية وفقَ إحداهما، والمعلوماتية وفق الثانية)!

أخٌ غير شقيق؟

ثمة روايةٌ «توافقية» يوردها مصدرٌ «جهادي» سوري. يقول المصدر لـ«الأخبار» إن «الشيخ عمرو هو أخٌ غير شقيق للشيخ شاكر. ومن المعلوم أن جزءاً من عائلة الشيخ شاكر قد عاش في سوريا، ومنهم شقيقه أحمد الذي عاش في سوريا منذ عام 1970». رغم عدم إمكانية التحقق من صحة هذه الرواية، غير أن المؤكد أن عمرو العبسي قد أفلح في إقناع معظم المحيطين به أنه «أخٌ للشيخ شاكر»، مستفيداً بذلك من «الشعبية الجهادية» التي يحظى بها الأخير، إذ «يُعامله معظم من حوله باحترام شديد، تقديراً لمكانته ومكانة أخيه»، وفقَ ما يؤكده لـ«الأخبار» مُدرسٌ من سكان مدينة حلب كان قد التقى أبو الأثير في وقت سابق.

في سجن صيدنايا

من المؤكّد أن أبو الأثير قد اعتُقل في سوريا عام 2007. وهو العام الذي شهد موجة اعتقالات كبيرة بتهمِ الانتماء إلى تنظيمات سرية، وجماعات أصوليّة. كانت تهمة العبسي الانتماء إلى تنظيم القاعدة، وأحيل على سجن صيدنايا الشهير، حيث تأثر بأحد زعماء السجناء الإسلاميين هناك، وهو أثير الشاكر، وسمّى نفسه «أبو الأثير» تيمّناً به.

في رحاب «الثورة السورية»

أخلي سبيل العبسي بموجب مرسوم العفو العام الذي صدر حزيران 2011. حيث توجّه إلى ريف حلب، وأسّس واحدةً من أولى المجموعات المسلحة في سوريا، وهي «كتيبة أسود السنّة» التي تلقّت تدريبها في معسكر الشيخ سليمان، قرب قلعة سمعان. وكان هذا المعسكر حينها تابعاً لـ«جبهة النصرة» التي كانت في طور «العمل السري»، ولم يكن «داعش» قد ظهر على مسرح الأحداث بعد. كان فراس العبسي (شقيق عمرو) قد أسّس بشكل سرّي «مجلس شورى المجاهدين»، وصار عمرو عضواً فيه. لعب «المجلس» دوراً أساسياً في «استقطاب المهاجرين»، ثم في انشقاقهم عن «النصرة» مع تفجر الخلاف بين الأخيرة و«الدولة الإسلامية». وفي أيلول 2012 قُتل فراس العبسي على الحدود السورية التركية، فاختار «أعضاء مجلس شورى المجاهدين» شقيقه أبو الأثير «رئيساً للمجلس». أفلح العبسي في استقطاب المزيد من «الجهاديين» إلى مجلسه، فتجاوز عددهم حاجز الـ500، في وقت قياسي، بعد أن كانوا أقلّ من 200 في عهد شقيقه. وتؤكد روايات «جهادية» متقاطعة أن العبسي بدأ بمراسلة البغدادي، وتحريضه ضد «النصرة» وزعيمها أبو محمد الجولاني، وحثّه على القدوم إلى سوريا لقيادة «الجهاد» بنفسه، تمهيداً لـ«تشكيل كيان جهادي عالمي موحد».

من «أعمدة الدولة»

مع قدوم البغدادي إلى سوريا كان أبو الأثير من أوائل الشخصيات التي التقت به، وبايعته سراً ثم علناً في ما بعد. وإليه يرجع الفضل في «مبايعة» عمر الشيشاني للبغدادي، حيثُ رتّب لقاءً بينهما على مقربة من الحدود التركية. وتلاه لقاء موسع ضمّ إليهما كلّاً من البغدادي، وأبو علي الأنباري، وأبو بكر القحطاني. وفي ذلك الاجتماع تم التباحث في فكرة «إعلان الخلافة» وخطواتها. ومكافاةً له، عُيّن العبسي «والياً» لحلب. واشتهر بدمويته، حيث تولى بنفسه التحقيق وتعذيب عدد من الناشطين في مقر «الهيئة الشرعية». ثم عُيّن والياً للتنظيم على «ولاية حمص» في مطلع العام الحالي، قبل أن يختفي. وتروج بعض المصادر «الجهادية» أن «السلطات العراقية تمكنت من اعتقاله قرب الحدود مع سوريا»، الأمر الذي اتضح عدم صحته بعد ضمه إلى «قائمة المطلوبين» الأميركية. كذلك يؤكد مصدر «جهادي» لـ«الأخبار» أن «الشيخ أبو الأثير بات أحد القادة الأساسيين للجهاد الإعلامي في دولة الخلافة».

 

فراس العبسي «شهيد راية العقاب»

فراس العبسي، شقيق عمرو. اشتهر بلقب أبو محمد الشامي، ثم أبو محمد العبسي. من مواليد السعودية (جدة) عام 1973، وهو طبيب أسنان. أسّس «مجلس شورى المجاهدين». وهو «أوّل من رفع راية التوحيد راية العقاب في الشام قبل أن ترفعها جبهة النصرة»، وفقاً لمصادر «جهادية». تؤكد بعض المصادر أن رفع الراية كان أبرز أسباب مقتله. تقول المصادر إن «مجاهدي المجلس هم من حرروا معبر باب الهوى بقيادة أبو محمد»، ويُنقل عنه قوله حينها: «من هنا نعلنها خلافة إسلامية». اضطرت الحكومة التركية بعد رفع الراية إلى إغلاق جميع المنافذ الحدودية. وبعدها بيومين تم اختطاف أبو محمد، ثمّ قتله، حيث عُثر على جثته داخل حفرة. ويؤكد مصدر «جهادي» أن «الشيخ كان في لقاء مع مسؤول تركي سعى لإقناعه بإنزال الراية التي رُفعت على المعبر، لكنه رفض. وأثناء عودته اختطفته كتائب فاروق الشمال، ثم قتلته».

  • فريق ماسة
  • 2014-10-21
  • 13596
  • من الأرشيف

أبو الأثير العبسي: من صيدنايا إلى اللوائح الأميركية

أواخر الشهر الماضي، أعلنت واشنطن ضمّ 10 أفراد ومجموعتين في سوريا إلى «قائمة الإرهاب». على رأس القائمة تربّع اسم عمرو العبسي الذي «تم اختياره من قبل داعش ليشغل منصب والي حمص». لكن، هل كان المنصب وراء وضعه على القائمة؟ وما حقيقة أنه أخٌ لزعيم «فتح الإسلام» الشهير شاكر العبسي؟ يُعتبر عمرو العبسي (الشهير بأبو الأثير) واحداً من أشدّ الشخصيات «الجهادية» فاعلية. هو رجل «الدولة الإسلامية» من قبل أن يصل الأخير إلى سوريا، ومن أشد المتحمسين لإعلان «الخلافة»، بل أحد «آباء المشروع» وفقاً لمصادر «جهادية». سيرتان مختلفتان! ثمة غموضٌ يبدو أنه مقصود يحيط بالمراحل الأولى من حياة العبسي. هو من مواليد 1979، وقد دأب خلال وجوده في حلب على تكرار رواية أمام زواره و«إخوته المجاهدين»، مفادُها أنّه من أبناء ومواليد قرية تل عقبرين، التابعة لسرمدا في ريف إدلب. علاوة على ذلك، اعتاد التأكيد أنّه «أخٌ للشيخ شاكر العبسي». ما يناقضُ المعلومات المتداولة حول شاكر العبسي الذي تُفيد كل المعطيات بأنه فلسطيني – أردني، وأنّ له من الأشقاء الذكور ثلاثةٌ فحسب، هم شكري (مهندس طيران)، وأحمد (فني طيران)، وعبد الرزاق (استشاري في طب العظام). لكن مصادر «جهادية» تقول لـ«الأخبار» إنّ «الشيخ أبو الأثير أكّد لنا أنّ كل تلك المعلومات غير دقيقة». ووفقاً لهذه الرواية، فإن عائلة العبسي قد فرّت من سوريا خلال أحداث الثمانينيات، واتجهت إلى الأردن (بما فيها شاكر، وعمرو الذي كان طفلاً). ثمة رواية أخرى، أوردتها صفحة «ويكليكس دولة البغدادي» الشهيرة على موقع «تويتر»، مفادُها أن أبو الأثير وُلد في السعودية عام 1979، قبل أن تنتقل عائلتُه إلى الأردن لاحقاً. ولا تلحظُ هذه الرواية أي صلة قربى بين العبسي الصغير والعبسي الشهير. وتتقاطع الروايتان على أن عمرو العبسي نشأ وترعرع في الأردن، وأنّه درس الهندسة (المدنية وفقَ إحداهما، والمعلوماتية وفق الثانية)! أخٌ غير شقيق؟ ثمة روايةٌ «توافقية» يوردها مصدرٌ «جهادي» سوري. يقول المصدر لـ«الأخبار» إن «الشيخ عمرو هو أخٌ غير شقيق للشيخ شاكر. ومن المعلوم أن جزءاً من عائلة الشيخ شاكر قد عاش في سوريا، ومنهم شقيقه أحمد الذي عاش في سوريا منذ عام 1970». رغم عدم إمكانية التحقق من صحة هذه الرواية، غير أن المؤكد أن عمرو العبسي قد أفلح في إقناع معظم المحيطين به أنه «أخٌ للشيخ شاكر»، مستفيداً بذلك من «الشعبية الجهادية» التي يحظى بها الأخير، إذ «يُعامله معظم من حوله باحترام شديد، تقديراً لمكانته ومكانة أخيه»، وفقَ ما يؤكده لـ«الأخبار» مُدرسٌ من سكان مدينة حلب كان قد التقى أبو الأثير في وقت سابق. في سجن صيدنايا من المؤكّد أن أبو الأثير قد اعتُقل في سوريا عام 2007. وهو العام الذي شهد موجة اعتقالات كبيرة بتهمِ الانتماء إلى تنظيمات سرية، وجماعات أصوليّة. كانت تهمة العبسي الانتماء إلى تنظيم القاعدة، وأحيل على سجن صيدنايا الشهير، حيث تأثر بأحد زعماء السجناء الإسلاميين هناك، وهو أثير الشاكر، وسمّى نفسه «أبو الأثير» تيمّناً به. في رحاب «الثورة السورية» أخلي سبيل العبسي بموجب مرسوم العفو العام الذي صدر حزيران 2011. حيث توجّه إلى ريف حلب، وأسّس واحدةً من أولى المجموعات المسلحة في سوريا، وهي «كتيبة أسود السنّة» التي تلقّت تدريبها في معسكر الشيخ سليمان، قرب قلعة سمعان. وكان هذا المعسكر حينها تابعاً لـ«جبهة النصرة» التي كانت في طور «العمل السري»، ولم يكن «داعش» قد ظهر على مسرح الأحداث بعد. كان فراس العبسي (شقيق عمرو) قد أسّس بشكل سرّي «مجلس شورى المجاهدين»، وصار عمرو عضواً فيه. لعب «المجلس» دوراً أساسياً في «استقطاب المهاجرين»، ثم في انشقاقهم عن «النصرة» مع تفجر الخلاف بين الأخيرة و«الدولة الإسلامية». وفي أيلول 2012 قُتل فراس العبسي على الحدود السورية التركية، فاختار «أعضاء مجلس شورى المجاهدين» شقيقه أبو الأثير «رئيساً للمجلس». أفلح العبسي في استقطاب المزيد من «الجهاديين» إلى مجلسه، فتجاوز عددهم حاجز الـ500، في وقت قياسي، بعد أن كانوا أقلّ من 200 في عهد شقيقه. وتؤكد روايات «جهادية» متقاطعة أن العبسي بدأ بمراسلة البغدادي، وتحريضه ضد «النصرة» وزعيمها أبو محمد الجولاني، وحثّه على القدوم إلى سوريا لقيادة «الجهاد» بنفسه، تمهيداً لـ«تشكيل كيان جهادي عالمي موحد». من «أعمدة الدولة» مع قدوم البغدادي إلى سوريا كان أبو الأثير من أوائل الشخصيات التي التقت به، وبايعته سراً ثم علناً في ما بعد. وإليه يرجع الفضل في «مبايعة» عمر الشيشاني للبغدادي، حيثُ رتّب لقاءً بينهما على مقربة من الحدود التركية. وتلاه لقاء موسع ضمّ إليهما كلّاً من البغدادي، وأبو علي الأنباري، وأبو بكر القحطاني. وفي ذلك الاجتماع تم التباحث في فكرة «إعلان الخلافة» وخطواتها. ومكافاةً له، عُيّن العبسي «والياً» لحلب. واشتهر بدمويته، حيث تولى بنفسه التحقيق وتعذيب عدد من الناشطين في مقر «الهيئة الشرعية». ثم عُيّن والياً للتنظيم على «ولاية حمص» في مطلع العام الحالي، قبل أن يختفي. وتروج بعض المصادر «الجهادية» أن «السلطات العراقية تمكنت من اعتقاله قرب الحدود مع سوريا»، الأمر الذي اتضح عدم صحته بعد ضمه إلى «قائمة المطلوبين» الأميركية. كذلك يؤكد مصدر «جهادي» لـ«الأخبار» أن «الشيخ أبو الأثير بات أحد القادة الأساسيين للجهاد الإعلامي في دولة الخلافة».   فراس العبسي «شهيد راية العقاب» فراس العبسي، شقيق عمرو. اشتهر بلقب أبو محمد الشامي، ثم أبو محمد العبسي. من مواليد السعودية (جدة) عام 1973، وهو طبيب أسنان. أسّس «مجلس شورى المجاهدين». وهو «أوّل من رفع راية التوحيد راية العقاب في الشام قبل أن ترفعها جبهة النصرة»، وفقاً لمصادر «جهادية». تؤكد بعض المصادر أن رفع الراية كان أبرز أسباب مقتله. تقول المصادر إن «مجاهدي المجلس هم من حرروا معبر باب الهوى بقيادة أبو محمد»، ويُنقل عنه قوله حينها: «من هنا نعلنها خلافة إسلامية». اضطرت الحكومة التركية بعد رفع الراية إلى إغلاق جميع المنافذ الحدودية. وبعدها بيومين تم اختطاف أبو محمد، ثمّ قتله، حيث عُثر على جثته داخل حفرة. ويؤكد مصدر «جهادي» أن «الشيخ كان في لقاء مع مسؤول تركي سعى لإقناعه بإنزال الراية التي رُفعت على المعبر، لكنه رفض. وأثناء عودته اختطفته كتائب فاروق الشمال، ثم قتلته».

المصدر : الأخبار / صهيب عنجريني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة