منذ انطلاق العدوان على سورية في صيف عام 2011 طرح رجب طيب أردوغان ووارثه في رئاسة الحكومة أحمد داود أوغلو ما سمياه «ملاذات آمنة ...

« وفي مراحل لاحقة تحدثا علناً عن «مناطق حظر طيران على الأراضي السورية» وقد تجدد هذا الطلب التركي العدواني والخبيث في جميع مراحل العدوان وقد ردده الرئيس التركي الحالي ومن ورائه وزير الخارجية السابق مع كل بادرة تشي باستعار شهوة التدخلات العسكرية الغربية في سورية في ظل المأزق الذي دخلته الحرب على سورية بواسطة عصابات التكفير والإرهاب.

تواصلت التدخلات التركية ضد سورية في ظل رهان مستمر على الظفر بتغطية أو بطلب أميركي تموله السعودية وقطر لشن حرب على سورية تحقق أطماع القيادة التركية وتيسر لحكومة الوهم العثماني اقتطاع أجزاء من سورية بعد سقوط رهان أردوغان على الإطاحة بالدولة الوطنية السورية التي أظهرت صموداً وثباتاً نادرين في وجه هجمة عدوانية كونية غير مسبوقة.

يروج أردوغان مؤخراً في الكواليس الدولية أن السبب الرئيسي لدعوة تركيا لإقامة منطقة عازلة هو حماية نفسها من نتائج عدم الاستقرار في سورية. والحقيقة هي أن تركيا تمثل القوة الإقليمية الرئيسية المسببة للأحداث في سورية وهي اليوم أهم مصدر للمال والسلاح إلى «داعش» وقبلها لعصابات أخرى منها جبهة النصرة فرع القاعدة الرسمي. وهاتان المنظمتان الإرهابيتان اكتسبتا الكثير من عناصر القوة والتهديد بفضل الدعم التركي، بينما يعترف العالم بدءاً من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بكونهما مصدراً لمخاطر جدية تطاول العديد من دول المنطقة وغيرها. ولو كان المطلوب هو الحد من تداعيات الأحداث السورية على الأمن التركي لكان أول التدابير المنطقية هو التعاون مع الدولة الوطنية السورية ووقف جميع خطوط الإمداد المالي والعسكري والبشري المتواصلة من تركيا إلى أوكار الإرهابيين على الأراضي السورية.

في يقين العديد من المراقبين الدوليين والأتراك أن أردوغان يخشى واقعياً من التقدم الذي يحرزه الجيش العربي السوري في الشمال بعدما اقترب من إحكام السيطرة على مدينة حلب ومواصلة التقدم إلى أنحاء الريف الحلبي، وهذا ما يجسد خيبة كبيرة لحسابات أردوغان ورهاناته التي انطلقت بنهب معامل حلب وبإطلاق جميع أشكال الدعم للعصابات الإجرامية القادمة عبر الحدود التركية والتي اجتاحت المحافظة السورية المهمة اقتصادياً وسكانياً وتاريخياً وهي عقدة مزمنة للقيادة التركية في سعيها للهيمنة والتوسع. وهكذا فإن ما تسميه أنقرة اليوم ملاذات آمنة محمية من قبل الجيش التركي، فضلاً عن مناطق حظر الطيران ليست سوى جيوب لتنشيط العدوان تتجمع فيها قوات المرتزقة، ويريد منها أردوغان قطع الطريق على إنجاز عسكري كبير يتحضر له الجيش العربي السوري. أردوغان يريد إنشاء واقع يتيح الاحتفاظ بفرص الاستنزاف في الشمال بينما تلاقيه «إسرائيل» في الجبهة الجنوبية.

يتذرع أردوغان بالحاجة لإقامة ما يسميه منطقة عازلة لمنع تدفق المزيد من اللاجئين إلى تركيا، والحقيقة أنه يخشى من تحولات مقبلة قد تدفع بالنازحين الموجودين حالياً في تركيا نحو العودة إلى سورية مع تقدم الجيش العربي السوري وبسط سيطرته على المزيد من المناطق القريبة من الحدود التركية في محافظتي حلب وإدلب وكذلك في محافظة الحسكة. وورقة النازحين الذين يعيشون ظروفاً شديدة السوء من الناحية الإنسانية والاجتماعية هي ورقة ابتزاز احتياطية ووسيلة لنهب مبالغ طائلة تحت الشعارات الإغاثية التي تاجرت بها حكومة أردوغان منذ عام 2011.

بكل صفاقة يبرر ديبلوماسيون وإعلاميون أتراك مطالب رئيسهم بمزاعم عن مخاوف حكومتهم من انتشار المتطرفين في تركيا وحكومتهم تلك هي التي تحتضن التطرف والتكفير وتصدره إلى سورية. وإن كان من تداعيات طاولت الأمن التركي بالفعل، فسببها التسهيلات الكبيرة التي قدمتها حكومة أردوغان لإنشاء مراكز التجنيد ومعسكرات التدريب ومخازن السلاح على الأراضي التركية لصالح جماعة الإخوان المسلمين وسائر تشكيلات المرتزقة المشاركة في الحرب على سورية. وقد افتضح في الغرب منذ أشهر أمر الدور التركي الرئيسي في تأمين إقامة وتجنيد الإرهابيين الأوروبيين والأميركيين والأستراليين وتسهيل انتقالهم إلى سورية. وبات هذا الملف مؤخراً جزءاً عضوياً من خطط منع ارتداد الإرهاب إلى مصدريه الغربيين. وهو يتدخل في مسار العلاقة بين تركيا وشركائها في الناتو.

ما يريده أردوغان تكشفه تصريحاته الأخيرة وهو تنشيط العدوان على سورية بأي ثمن وإحياء العمل على فكرة إسقاط الدولة السورية والرئيس بشار الأسد. وعلى رغم علمه أن هذا الهدف بات دفين خيبات دولية وإقليمية كبرى وأي تطوير للعدوان تحت أي شعار كان وخصوصاً عبر خلطته الشهيرة: المناطق والملاذات والحظر الجوي سيكون مغامرة تسعى الولايات المتحدة لتحاشي الوقوع في تبعاتها التي حسبتها هيئة الأركان الأميركية المشتركة أكثر من مرة بالنظر لقدرات سورية الدفاعية ولإرادتها الحرة المقاومة، ومع تصميم حلفاء سورية على الشراكة في صد أي عدوان يستهدفها، بعدما تأكدت مكانة سورية المفصلية في رسم المعادلات الدولية المتحولة.

  • فريق ماسة
  • 2014-10-21
  • 9652
  • من الأرشيف

ماذا يريد أردوغان؟

منذ انطلاق العدوان على سورية في صيف عام 2011 طرح رجب طيب أردوغان ووارثه في رئاسة الحكومة أحمد داود أوغلو ما سمياه «ملاذات آمنة ... « وفي مراحل لاحقة تحدثا علناً عن «مناطق حظر طيران على الأراضي السورية» وقد تجدد هذا الطلب التركي العدواني والخبيث في جميع مراحل العدوان وقد ردده الرئيس التركي الحالي ومن ورائه وزير الخارجية السابق مع كل بادرة تشي باستعار شهوة التدخلات العسكرية الغربية في سورية في ظل المأزق الذي دخلته الحرب على سورية بواسطة عصابات التكفير والإرهاب. تواصلت التدخلات التركية ضد سورية في ظل رهان مستمر على الظفر بتغطية أو بطلب أميركي تموله السعودية وقطر لشن حرب على سورية تحقق أطماع القيادة التركية وتيسر لحكومة الوهم العثماني اقتطاع أجزاء من سورية بعد سقوط رهان أردوغان على الإطاحة بالدولة الوطنية السورية التي أظهرت صموداً وثباتاً نادرين في وجه هجمة عدوانية كونية غير مسبوقة. يروج أردوغان مؤخراً في الكواليس الدولية أن السبب الرئيسي لدعوة تركيا لإقامة منطقة عازلة هو حماية نفسها من نتائج عدم الاستقرار في سورية. والحقيقة هي أن تركيا تمثل القوة الإقليمية الرئيسية المسببة للأحداث في سورية وهي اليوم أهم مصدر للمال والسلاح إلى «داعش» وقبلها لعصابات أخرى منها جبهة النصرة فرع القاعدة الرسمي. وهاتان المنظمتان الإرهابيتان اكتسبتا الكثير من عناصر القوة والتهديد بفضل الدعم التركي، بينما يعترف العالم بدءاً من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بكونهما مصدراً لمخاطر جدية تطاول العديد من دول المنطقة وغيرها. ولو كان المطلوب هو الحد من تداعيات الأحداث السورية على الأمن التركي لكان أول التدابير المنطقية هو التعاون مع الدولة الوطنية السورية ووقف جميع خطوط الإمداد المالي والعسكري والبشري المتواصلة من تركيا إلى أوكار الإرهابيين على الأراضي السورية. في يقين العديد من المراقبين الدوليين والأتراك أن أردوغان يخشى واقعياً من التقدم الذي يحرزه الجيش العربي السوري في الشمال بعدما اقترب من إحكام السيطرة على مدينة حلب ومواصلة التقدم إلى أنحاء الريف الحلبي، وهذا ما يجسد خيبة كبيرة لحسابات أردوغان ورهاناته التي انطلقت بنهب معامل حلب وبإطلاق جميع أشكال الدعم للعصابات الإجرامية القادمة عبر الحدود التركية والتي اجتاحت المحافظة السورية المهمة اقتصادياً وسكانياً وتاريخياً وهي عقدة مزمنة للقيادة التركية في سعيها للهيمنة والتوسع. وهكذا فإن ما تسميه أنقرة اليوم ملاذات آمنة محمية من قبل الجيش التركي، فضلاً عن مناطق حظر الطيران ليست سوى جيوب لتنشيط العدوان تتجمع فيها قوات المرتزقة، ويريد منها أردوغان قطع الطريق على إنجاز عسكري كبير يتحضر له الجيش العربي السوري. أردوغان يريد إنشاء واقع يتيح الاحتفاظ بفرص الاستنزاف في الشمال بينما تلاقيه «إسرائيل» في الجبهة الجنوبية. يتذرع أردوغان بالحاجة لإقامة ما يسميه منطقة عازلة لمنع تدفق المزيد من اللاجئين إلى تركيا، والحقيقة أنه يخشى من تحولات مقبلة قد تدفع بالنازحين الموجودين حالياً في تركيا نحو العودة إلى سورية مع تقدم الجيش العربي السوري وبسط سيطرته على المزيد من المناطق القريبة من الحدود التركية في محافظتي حلب وإدلب وكذلك في محافظة الحسكة. وورقة النازحين الذين يعيشون ظروفاً شديدة السوء من الناحية الإنسانية والاجتماعية هي ورقة ابتزاز احتياطية ووسيلة لنهب مبالغ طائلة تحت الشعارات الإغاثية التي تاجرت بها حكومة أردوغان منذ عام 2011. بكل صفاقة يبرر ديبلوماسيون وإعلاميون أتراك مطالب رئيسهم بمزاعم عن مخاوف حكومتهم من انتشار المتطرفين في تركيا وحكومتهم تلك هي التي تحتضن التطرف والتكفير وتصدره إلى سورية. وإن كان من تداعيات طاولت الأمن التركي بالفعل، فسببها التسهيلات الكبيرة التي قدمتها حكومة أردوغان لإنشاء مراكز التجنيد ومعسكرات التدريب ومخازن السلاح على الأراضي التركية لصالح جماعة الإخوان المسلمين وسائر تشكيلات المرتزقة المشاركة في الحرب على سورية. وقد افتضح في الغرب منذ أشهر أمر الدور التركي الرئيسي في تأمين إقامة وتجنيد الإرهابيين الأوروبيين والأميركيين والأستراليين وتسهيل انتقالهم إلى سورية. وبات هذا الملف مؤخراً جزءاً عضوياً من خطط منع ارتداد الإرهاب إلى مصدريه الغربيين. وهو يتدخل في مسار العلاقة بين تركيا وشركائها في الناتو. ما يريده أردوغان تكشفه تصريحاته الأخيرة وهو تنشيط العدوان على سورية بأي ثمن وإحياء العمل على فكرة إسقاط الدولة السورية والرئيس بشار الأسد. وعلى رغم علمه أن هذا الهدف بات دفين خيبات دولية وإقليمية كبرى وأي تطوير للعدوان تحت أي شعار كان وخصوصاً عبر خلطته الشهيرة: المناطق والملاذات والحظر الجوي سيكون مغامرة تسعى الولايات المتحدة لتحاشي الوقوع في تبعاتها التي حسبتها هيئة الأركان الأميركية المشتركة أكثر من مرة بالنظر لقدرات سورية الدفاعية ولإرادتها الحرة المقاومة، ومع تصميم حلفاء سورية على الشراكة في صد أي عدوان يستهدفها، بعدما تأكدت مكانة سورية المفصلية في رسم المعادلات الدولية المتحولة.

المصدر : البناء / غالب قنديل


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة