في العلوم العسكرية، عندما تصبح الوحدات العسكرية على مشارف المعقل الأساسي للعدو تسقط الحسابات بخصوص أطراف المعقل ويصير زخم الجهد هو الدفاع عنه وحمايته.

هكذا سيكون حال دوما في القادم من الأيّام وهذا ما سيشكّل الهمّ الرئيسي لزهران علوش و"جيشه".

هذا ما حصل مع الجماعات المسلّحة في القلمون عندما سقطت يبرود بيد الجيش العربي السوري وتهاوت بعدها كل القرى والبلدات الصغيرة في كامل منطقة القلمون.

وهذا ما سيحصل عندما تسقط دوما بيد الجيش العربي السوري، بفارق أنّ مسلّحي دوما لن يجدوا جروداً يأوون اليها كما هو حال مسلحي القلمون التائهين بين الصخور وجحيم الصقيع القادم.

التهاوي الكبير للجماعات المسلّحة في عدرا العمالية وعدرا الجديدة وعدرا البلد، وهي مناطق شكّلت خط الدفاع الأول عن دوما من الجهة الشرقية وبوابتها الى البادية والأردن كطريق إمداد للتزود بالسلاح والعتاد، كان بمثابة الصدمة الكبيرة التي ستتبعها انهيارات كبيرة في صفوف الجماعات المسلّحة التي انتقلت منذ هذه اللحظة الى حالة الإنكفاء الدفاعي الضيق ضمن تراجع غير منظم.

دوما ابتعدت كثيراً في الجغرافيا رغم مساحاتها الواسعة عن الضمير، بوابة عبورها الى بادية معقدة التضاريس كانت تشكّل شرقاً وغرباً عمقاً هامّاً لدوما ومعها كل الغوطة الشرقية.

شكل العمليات العسكرية القادمة سيكون مختلفاً وحال الجماعات المسلّحة سيكون كحال الراكض في الظلمة من محورٍ الى محور ومن قطاعٍ الى قطاع، فالجيش السوري بعد إحكام الطوق على دوما وامتدادها سيعمد بالتأكيد الى تحقيق أعلى مستوى من المناورة بالقوات والنار لوضع الجماعات المسلّحة في حالة إرباك وإنهاك، من النشابية والبلالية جنوب دوما الى جوبر مروراً بزملكا وعين ترما غربها، لتبدأ مرحلة قضم جديدة تتخللها عمليات الإستنزاف المعتادة التي توازيها عمليات وحدات المهام الخاصة والعمليات الإستخباراتية وصولاً الى الإندفاعة الكبيرة كما في كل مرّة، إشارةً الى أنّ الجيش يعتمد في كل مرّة يقوم فيها بالهجوم على اساليب قتال جديدة منطلقة من خصوصية ميدان كل جبهة.

وفي القلمون الجبهة التي لطالما كان الهدف منها تطويق دمشق عبر سلسلة جبالها وبلداتها وعزلها عن المنطقة الوسطى والساحل، فالأمور الآن مختلفة تماماً عمّا كانت عليه منذ أشهر وبموازاة سلسلة المعارك التي خاضتها الجماعات المسلحة على مدى سنة فائتة بهدف إحتلال دمشق، حيث أطلق الجيش السوري معركة درع العاصمة التي وصل الى خواتيمها.

ويوم عادت يبرود الى سلطة الجيش السوري، كتبتُ يومها أنّ صدى معركة يبرود سيتردّد في كبرى العواصم العالمية والإقليمية وسيدرك قادة هذه الدول عبر ضباطهم الكبار ومراكز الدراسات أنّ دمشق لن تسقط وأن الجيش السوري حقّق النصر الإستراتيجي وما عاد في قدرة هذه الجماعات تحقيق مضمون الخطط المتتالية التي وُضعت، وأنّ معارك ما بعد يبرود بالنسبة للجماعات المسلّحة ستكون معارك بقاء لا أكثر.

دوما التي تتحضّر لمعركتها الأخيرة ستقاتل وحدها دون قوات زاحفة الى دمشق لا من جرود القلمون ولا من الجنوب.

ففي القلمون هذه الأيام وتحديداً في جرودها العليا المحاذية للبنان ينحصر همّ الجماعات المسلّحة بتدبير مأوى لهم يقيهم صقيع الجرود وجحيم العزلة.

ومن هنا تأتي الهجمات التي تشنّها الجماعات بإتجاه عسال الورد والجبّة وغيرها والتي تكون نتيجتها الدائمة الوقوع في كمائن وأفخاخ قاتلة تكلفهم خسائر كبيرة في المقاتلين والمعدات، وحتى تلك المجموعات الصغيرة التي تقوم بمهام الإستطلاع لم تسلم من نيران الجيش السوري وحزب الله، حيث يقع هؤلاء بكماشات طائرات الإستطلاع والطيران الحربي وسلاح المدرعات والمدفعية وحتى الرشاشات المتوسطة والثقيلة.

إنّ ما تقوم به الجماعات المسلّحة في جرود القلمون هو التدبير الوحيد الذي يمكنها القيام به في حال لم تستسلم للجيش السوري وهو أشبه بإنتحار جماعي لا طائلة منه، وما تروّجه هذه الجماعات من عودة وشيكة لها الى يبرود ومحيطها يندرج ضمن باب التضخيم الإعلامي الذي يتناقض مع وقائع الميدان، خصوصاً أنّ ابواب عرسال وجرودها المباشرة أقفِلت بوجه هذه الجماعات التي صارت محاصرة بنيران الجيش اللبناني من جهة والصقيع القادم من جهة أخرى، الاّ اذا قرّرت هذه الجماعات خوض معركة مع الجيش اللبناني للوصول الى داخل عرسال والاحتماء فيها، ما سيعقّد الأمور أكثر.

وفي الجانبين اللبناني والسوري حرصت جبهة النصرة من خلال تصريحات ابو مالك التلّة التي قال فيها إنّ آلاف المقاتلين جاهزون لخوض المعركة ليس في الجرود وحسب بل في كل لبنان، وكذلك تهديده بالعودة الى يبرود، إضافةً الى مقاطع الفيديو المتعلّقة بالجنود المخطوفين والتي تمّ تصويرها ومونتاجها بتقنيات عالية الجودة لإرسال رسالة واضحة عن القدرات التنظيمية للتنظيم وتماسك وحداته وترابطها والمستوى الحالي من الحرفية لها، وهو أمر يندرج في سياق الحرب النفسية التي تخوضها هذه الجماعات.

في سورية تتحضر دوما بالتأكيد لخوض معركتها الأخيرة في ظل تغيير كبير بميزان القوى لمصلحة الجيش السوري سيؤدي بالتأكيد الى نهاية باتت معروفة منذ اللحظة، على عكس الجبهة اللبنانية التي يقاتل فيها الجيش اللبناني في ظل حالة من الضغوط السياسية تارةً والنفسية تارةَ أخرى، ومن العديد من الجهات بما فيها الضغط اللاإرادي لأهالي الجنود المخطوفين والمسار الذي تسلكه بعض الهيئات الدينة التي تحاول تصوير عمليات الجيش أنها ضد طائفة محدّدة من اللبنانيين في محاولة لتضليل الرأي العام وتأخير عملية الحسم ضد الجماعات المسلّحة.

ختاماً: قد نشهد تطورات دراماتيكية ومنها إمكانية دخول طائرات التحالف الدولي ضد داعش على خط جبهة القلمون لبعد مواقع الجماعات المسلّحة عن مواقع الجيش السوري، وهو أمر بعيد الإحتمال حالياً لأنّ هذا التحالف سيبدو وكأنّه يقدّم الدعم المباشر للجيش السوري وهو أمر لن يحصل في المنظور القريب.

ضابط سابق (خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية)

 

 

  • فريق ماسة
  • 2014-09-27
  • 12003
  • من الأرشيف

الانتحار عنوان معركة المسلّحين من القلمون الى دوما ....

 في العلوم العسكرية، عندما تصبح الوحدات العسكرية على مشارف المعقل الأساسي للعدو تسقط الحسابات بخصوص أطراف المعقل ويصير زخم الجهد هو الدفاع عنه وحمايته. هكذا سيكون حال دوما في القادم من الأيّام وهذا ما سيشكّل الهمّ الرئيسي لزهران علوش و"جيشه". هذا ما حصل مع الجماعات المسلّحة في القلمون عندما سقطت يبرود بيد الجيش العربي السوري وتهاوت بعدها كل القرى والبلدات الصغيرة في كامل منطقة القلمون. وهذا ما سيحصل عندما تسقط دوما بيد الجيش العربي السوري، بفارق أنّ مسلّحي دوما لن يجدوا جروداً يأوون اليها كما هو حال مسلحي القلمون التائهين بين الصخور وجحيم الصقيع القادم. التهاوي الكبير للجماعات المسلّحة في عدرا العمالية وعدرا الجديدة وعدرا البلد، وهي مناطق شكّلت خط الدفاع الأول عن دوما من الجهة الشرقية وبوابتها الى البادية والأردن كطريق إمداد للتزود بالسلاح والعتاد، كان بمثابة الصدمة الكبيرة التي ستتبعها انهيارات كبيرة في صفوف الجماعات المسلّحة التي انتقلت منذ هذه اللحظة الى حالة الإنكفاء الدفاعي الضيق ضمن تراجع غير منظم. دوما ابتعدت كثيراً في الجغرافيا رغم مساحاتها الواسعة عن الضمير، بوابة عبورها الى بادية معقدة التضاريس كانت تشكّل شرقاً وغرباً عمقاً هامّاً لدوما ومعها كل الغوطة الشرقية. شكل العمليات العسكرية القادمة سيكون مختلفاً وحال الجماعات المسلّحة سيكون كحال الراكض في الظلمة من محورٍ الى محور ومن قطاعٍ الى قطاع، فالجيش السوري بعد إحكام الطوق على دوما وامتدادها سيعمد بالتأكيد الى تحقيق أعلى مستوى من المناورة بالقوات والنار لوضع الجماعات المسلّحة في حالة إرباك وإنهاك، من النشابية والبلالية جنوب دوما الى جوبر مروراً بزملكا وعين ترما غربها، لتبدأ مرحلة قضم جديدة تتخللها عمليات الإستنزاف المعتادة التي توازيها عمليات وحدات المهام الخاصة والعمليات الإستخباراتية وصولاً الى الإندفاعة الكبيرة كما في كل مرّة، إشارةً الى أنّ الجيش يعتمد في كل مرّة يقوم فيها بالهجوم على اساليب قتال جديدة منطلقة من خصوصية ميدان كل جبهة. وفي القلمون الجبهة التي لطالما كان الهدف منها تطويق دمشق عبر سلسلة جبالها وبلداتها وعزلها عن المنطقة الوسطى والساحل، فالأمور الآن مختلفة تماماً عمّا كانت عليه منذ أشهر وبموازاة سلسلة المعارك التي خاضتها الجماعات المسلحة على مدى سنة فائتة بهدف إحتلال دمشق، حيث أطلق الجيش السوري معركة درع العاصمة التي وصل الى خواتيمها. ويوم عادت يبرود الى سلطة الجيش السوري، كتبتُ يومها أنّ صدى معركة يبرود سيتردّد في كبرى العواصم العالمية والإقليمية وسيدرك قادة هذه الدول عبر ضباطهم الكبار ومراكز الدراسات أنّ دمشق لن تسقط وأن الجيش السوري حقّق النصر الإستراتيجي وما عاد في قدرة هذه الجماعات تحقيق مضمون الخطط المتتالية التي وُضعت، وأنّ معارك ما بعد يبرود بالنسبة للجماعات المسلّحة ستكون معارك بقاء لا أكثر. دوما التي تتحضّر لمعركتها الأخيرة ستقاتل وحدها دون قوات زاحفة الى دمشق لا من جرود القلمون ولا من الجنوب. ففي القلمون هذه الأيام وتحديداً في جرودها العليا المحاذية للبنان ينحصر همّ الجماعات المسلّحة بتدبير مأوى لهم يقيهم صقيع الجرود وجحيم العزلة. ومن هنا تأتي الهجمات التي تشنّها الجماعات بإتجاه عسال الورد والجبّة وغيرها والتي تكون نتيجتها الدائمة الوقوع في كمائن وأفخاخ قاتلة تكلفهم خسائر كبيرة في المقاتلين والمعدات، وحتى تلك المجموعات الصغيرة التي تقوم بمهام الإستطلاع لم تسلم من نيران الجيش السوري وحزب الله، حيث يقع هؤلاء بكماشات طائرات الإستطلاع والطيران الحربي وسلاح المدرعات والمدفعية وحتى الرشاشات المتوسطة والثقيلة. إنّ ما تقوم به الجماعات المسلّحة في جرود القلمون هو التدبير الوحيد الذي يمكنها القيام به في حال لم تستسلم للجيش السوري وهو أشبه بإنتحار جماعي لا طائلة منه، وما تروّجه هذه الجماعات من عودة وشيكة لها الى يبرود ومحيطها يندرج ضمن باب التضخيم الإعلامي الذي يتناقض مع وقائع الميدان، خصوصاً أنّ ابواب عرسال وجرودها المباشرة أقفِلت بوجه هذه الجماعات التي صارت محاصرة بنيران الجيش اللبناني من جهة والصقيع القادم من جهة أخرى، الاّ اذا قرّرت هذه الجماعات خوض معركة مع الجيش اللبناني للوصول الى داخل عرسال والاحتماء فيها، ما سيعقّد الأمور أكثر. وفي الجانبين اللبناني والسوري حرصت جبهة النصرة من خلال تصريحات ابو مالك التلّة التي قال فيها إنّ آلاف المقاتلين جاهزون لخوض المعركة ليس في الجرود وحسب بل في كل لبنان، وكذلك تهديده بالعودة الى يبرود، إضافةً الى مقاطع الفيديو المتعلّقة بالجنود المخطوفين والتي تمّ تصويرها ومونتاجها بتقنيات عالية الجودة لإرسال رسالة واضحة عن القدرات التنظيمية للتنظيم وتماسك وحداته وترابطها والمستوى الحالي من الحرفية لها، وهو أمر يندرج في سياق الحرب النفسية التي تخوضها هذه الجماعات. في سورية تتحضر دوما بالتأكيد لخوض معركتها الأخيرة في ظل تغيير كبير بميزان القوى لمصلحة الجيش السوري سيؤدي بالتأكيد الى نهاية باتت معروفة منذ اللحظة، على عكس الجبهة اللبنانية التي يقاتل فيها الجيش اللبناني في ظل حالة من الضغوط السياسية تارةً والنفسية تارةَ أخرى، ومن العديد من الجهات بما فيها الضغط اللاإرادي لأهالي الجنود المخطوفين والمسار الذي تسلكه بعض الهيئات الدينة التي تحاول تصوير عمليات الجيش أنها ضد طائفة محدّدة من اللبنانيين في محاولة لتضليل الرأي العام وتأخير عملية الحسم ضد الجماعات المسلّحة. ختاماً: قد نشهد تطورات دراماتيكية ومنها إمكانية دخول طائرات التحالف الدولي ضد داعش على خط جبهة القلمون لبعد مواقع الجماعات المسلّحة عن مواقع الجيش السوري، وهو أمر بعيد الإحتمال حالياً لأنّ هذا التحالف سيبدو وكأنّه يقدّم الدعم المباشر للجيش السوري وهو أمر لن يحصل في المنظور القريب. ضابط سابق (خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية)    

المصدر : سلاب نيوز /عمر معربوني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة