بدايةً، لا بد من القول، من دون أي تردّد، إن سلاح الدمار الشامل الفتّاك والمجرب والذي صممته الدول الغربية لتطبيق أفضل أشكال «ديمقراطيتها» هو «إسرائيل» .

صحيح أن الولايات المتحدة هي الوحيدة التي استخدمت القنابل الذرية لقصف هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين قبيل حرب العالمية الثانية عام 1945، لكن الطرف الذي قتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين والعرب والآخرين الأبرياء هو سلاح الدمار الشامل المسمى «إسرائيل». وتظهر الأرقام أنّ أعداد اليابانيين الأبرياء الذين التهمتهم القنابل النووية الأميركية وحولتهم خلال ثوانٍ إلى بخار وإلى هباء منثور، لم يكن أكثر من الذين أبادهم سلاح الدمار الشامل «إسرائيل».

أوّلاً

بتاريخ 6 أيار من عام 1945، ألقيت القنبلة الأولى في الحرب خلال الحرب العالمية الثانية فقتلت خمسة وسبعين ألفاً من أهل هيروشيما اليابانية ودمّرت اثنين وستين ألفاً من مجموع تسعين ألفاً هو مجموع الأبنية في المدينة. وشكّلتْ القنبلة عاصفة نارية استمّرت ست ساعات أحرقتْ منطقة مساحتها أربعة أميال مربّعة أي 10.5 كم2 . وإذا قارنّا ذلك بما قتلته «إسرائيل» سلاح الدمار الشامل من فلسطينيين وسوريين ولبنانيين وأردنيين فإنّ من سقط من العرب في حروب «إسرائيل» سيكون أكثر من ضحايا هيروشيما وناغازاكي بكثير. وإذا ألقينا نظرة على الأحياء التي دمّرتها «إسرائيل» في حربها المستمرّة على غزّة بمن فيها من أطفال ونساء وشيوخ، فسنرى أنّنا لا نُبالغ إطلاقاً في وصفنا لـ«إسرائيل» على اعتبار أنّها بحد ذاتها سلاح دمار شامل.

كثرتْ الدراسات التي تناولتْ الأسباب التي دفعتْ الغرب إلى دعم الصهيونية العالمية لإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، لكنّ الباحثين يجب أن يتابعوا تحليل هذه الأسباب والوصول إلى فهم جديد وأعمق للأسباب التي تكمن خلف الإصرار على إنشاء «إسرائيل» على دماء وأشلاء الفلسطينيين الذين واجهوا حرباً إرهابية صهيونية لاحقتهم في مدنهم وقرارهم وفي غرف نومهم، فقتلت من قتلت وشرّدت ملايين الفلسطينيين في بلدان الجوار وغيرها. ومازال هؤلاء الفلسطينيين يحملون في جيوبهم مفاتيح بيوتهم في حيفا ويافا والناصرة والقدس، ويحتفظون بأوراق ملكيتهم للأراضي والمنازل في مدنهم وقراهم ويحملون في جيناتهم حلم العودة التي تنتقل من جيل فلسطيني إلى الجيل الآخر.

ولم يقتصر الحيف الذي لحق بأهل فلسطين على المواطنين العرب في فلسطين التاريخية، بل طاول أيضاً كل دول الجوار العربية وألحق بها وبالدول العربية الأخرى أفدح الخسائر البشرية والمادّية. وإذا ما قمنا مرّة أخرى بإجراء المقاربة التي بدأنا بها حديثنا، فسنجد أنّ تأثير الكيان الصهيوني كان كارثة أيضاً على الدول العربية أو منع تنميتها وتقدّمها وتحقيق استقلالها الناجز وسيادتها التامّة على ثرواتها وطاقاتها، فكانت «إسرائيل» بذلك سلاح دمار شامل أثّر بشكل تدميري في جميع الدول العربية، وأؤكّد، عليها جميعاً. فالكثير من الوقت الذي حاول خلاله العرب الاهتمام بتطوير بلدانهم أضاعوه بسبب التدخّلات المباشرة وغير المباشرة من جانب «إسرائيل» لمنع أيّة تنمية تخدم دورهم الفاعل في تحقيق تقدّمهم الاقتصادي والاجتماعي. وبسبب هذا السلاح الذي استعملته الصهيونية العالمية وأسيادها وخدمها في الدول الغربية وبخاصة من خلال زرع الخلافات بين كل دولة عربية وأخرى ودفعها للتآمر على بعضها ومحاربة بعضها بعضاً وعدم السماح بإيجاد جيش عربي أو جيوش عربية مسلّحة ومهيأة للانتصار على «إسرائيل»، كانتْ كلّها تتم لمصلحة «إسرائيل»، سلاح الدمار الشامل في المنطقة.

اليوم، يتلقّى الإرهابيون من حثالات التاريخ ورموز التخلّف والتعفّن والمتآمرون على كل ما هو مشرّف في تاريخ العرب والمسلمين الدعم، كل الدعم المباشر وغير المباشر، من «إسرائيل» والغرب لخلق كيانات دينية تكفيرية تعطي مزيداً من المبررات لوجود الكيان الصهيوني القائم على المبررات ذاتها التي تسعى داعش وجبهة النصرة والجبهة الإسلامية وجميع الأشكال الكريهة من التنظيمات التي لا تقتل إلّا العرب، وتعتبر «إسرائيل» إمارة جارة وتبرّر لها كل ما تقوم به من جرائم وحرب وجرائم ضد الإنسانية. إلّا أنّ ما يجب التنبه إليه في هذا المجال هو أنّ استخدام «إسرائيل» لهذه التنظيمات يهدف أساساً إلى إلهاء دولنا القريبة منها أو البعيدة من مجرّد التفكير في وجود عدو أساسي لنا يحتل أرضنا ويذبح شعبنا. وماذا تخسر الدول الغربية الضالعة في العدوان علينا إذا وجدتْ خططها تتقدّم إلى الأمام من خلال إضعاف سورية أو الانقلاب عليها وعلى مواقفها وسياساتها التي يلتف حولها ويدعمها شعب سورية وكل المخلصين للقضية العربية إقليمياً وإسلامياً ودولياً.

إنّ زج «إسرائيل» والدول الغربية لحلفائها من القتلة لتشويه صورة الإسلام الوسطي والمعتدل والمليء بالرحمة، يهدف أوّلاً وأخيراً لتشويه صورة الإسلام وتوجيه ضربة نجلاء له كعامل وحدة وتآلف وتحويله إلى أداة قتل لا ترحم تتحكّم بها «إسرائيل»، سلاح الدمار الشامل، التي لا تتردّد في ذبح العرب والمسلمين، لكي تتولّى هذه المهمّة تنظيمات متوحشة منفلتة تحرق الأخضر واليابس والدين والأخلاق وإرث شعبنا الأخلاقي والحضاري.

ثـانيــــاً

وإذا كانت «إسرائيل» هي سلاح الدمار الشامل في منطقتنا، فإنّه لابد من تقديم خدمات مادّية ملموسة لها كي تُمارس ابتزازها وتهديدها لأمن الدول التي تتوقّع منها الوقوف ضد سياساتها، والأكثر من ذلك لتهدّد الأمن الإقليمي. وإذا عرفنا أنّ الدولة التي قدّمت المساهمة الأولى لإنشاء البرنامج النووي «الإسرائيلي» كانت فرنسا والتي من دونها فإنّ المشروع النووي «الإسرائيلي» لم يكن قادراً على الإقلاع. وما يُثير السخرية هو أنّ الدولة التي اتخذت الموقف الأكثر قسوة حول عدم الانتشار وخصوصاً أثناء المفاوضات الأخيرة لمجموعة 5+1 مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت فرنسا. ويقول جوليان بورغر في مقال في صحيفة «غارديان» البريطانية بتاريخ 15 كانون الثاني 2014، إنّ ما دفع فرنسا إلى اتخاذ هذا الموقف آنذاك كان: «شعور فرنسا بالذنب إزاء خذلانها «إسرائيل» في حرب عام 1956 أثناء مشكلة السويس، والتضامن مع العلماء الفرنسيين من اليهود، وتقاسم المعلومات الاستخبارية بين «إسرائيل» وفرنسا حول الجزائر وبيع الخبرة الفرنسية في الخارج. وبعد ذلك تدفّق المهندسون الفرنسيون للمساعدة في بناء المفاعل النووي «الإسرائيلي» وإنشاء مصنع سرّي قادر على فصل البلوتونيوم من وقود المفاعل المستهلك. وكان هذا هو الباب الواسع الذي سعى إليه البرنامج النووي «الإسرائيلي» لإنتاج السلاح الذرّي». ومع نهاية الخمسينات من القرن الماضي كان يعيش في ديمونا 2500 مدني فرنسي قاموا بتحويلها من قرية إلى مدينة عالمية مليئة بالعلماء وإلى شوارع مملوءة بسيارات الرينو، مع أنّ كل هذا العمل كان يجرى تحت حجاب سميك من السرّية.

وعلى رغم القصة الطويلة لإخفاء هذا السر من قِبَل الدول الغربية وخصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، ومخالفة ذلك للقوانين الغربية وما يعنيه ذلك من إمكان انتشار الأسلحة النووية، فإنّ الذي فضح وجود هذا البرنامج النووي «الإسرائيلي» هو موردخاي فانونو تقني الذرّة «الإسرائيلي» السابق الذي أتمّ حكمه بالسجن لمدّة ثمانية عشر عاماً في سجن أشكيلون بتاريخ 21 نيسان 2004، لأنّه فضح سر برنامج السلاح النووي «الإسرائيلي». وكانت الاستخبارات «الإسرائيلية» قد ألقت القبض عليه في إيطاليا بتاريخ أيلول 1986 وأمضى أحد عشر عاماً ونصف في زنزانة منفردة.

لقد اتبعت «إسرائيل» كعادتها، سياسة الغموض النووي بالنسبة إلى قدراتها النووية العسكرية. إلّا أنّ رئيس وزراء «إسرائيل» الأسبق إيهود أولمرت لم ينفِ في لقاء مع إحدى الأقنية التلفزيونية الألمانية عام 2006 امتلاك «إسرائيل» للسلاح النووي.

ومما يجدر ذكره عند تناول الأسلحة النووية الإشارة إلى أنّ جميع الدول العربية كانت قد انضمّت إلى اتفاقية عدم الانتشار، والاتفاقات الأخرى لعدم الانتشار بما في ذلك عدم انتشار الأسلحة الكيماوية والبيولوجية ما عدا بلد عربي واحد لم ينضم حتّى الآن إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية. وفي وقت لا نريد الغوص في مضمون اتفاقيات منع الانتشار، إلّا أنّه ستكون مُفيدة الإشارة إلى أنّ معاهدة عدم الانتشار المتعلّقة بالأسلحة النووية تقوم على ثلاثة أعمدة هي:

نزع السلاح النووي.

منع انتشار الأسلحة النووية.

الاستخدام السلمي للطاقة الذرّية.

وقد بلغ عدد الدول التي انضمّتْ إلى اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية 188 دولة من 192 دولة، هي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. ومن الأطراف التي لم تنضم إلى الاتفاقية هي «إسرائيل». أمّا في مجال اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، فمازالت هناك خمس دول غير عضوة. ولم تنضم «إسرائيل» إلى الاتفاقية على رغم توقيعها على الاتفاقية فقط، وهذا لا يعني انضماماً. وإذا ما عدنا إلى الأعمدة الثلاثة لاتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية، فإنّ اهتمام الولايات المتحدة وحليفاتها من الدول الغربية ينصب بشكل أساسي على العمودين الأوّل والثاني. وتقوم الولايات المتحدة وحليفاتها بعدم تنفيذ العمود الثالث الذي ينص بشكل واضح على حق الدول غير الحائزة على الأسلحة النووية في الاستخدام السلمي للطاقة النووية. إلّا أنّ الدول الغربية تفرض قيوداً قاهرة على الدول النامية الأطراف في الاتفاقية بشأن نقل التكنولوجيا النووية السلمية إليها أو المعدات أو المواد النووية. وهذا هو جوهر الصراع بين الدول الغربية والدول النامية بما في ذلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي قامتْ، من خلال إبداعات علمائها، بتطوير برنامج نووي سلمي يضمن لهذه الدولة النامية تنمية إمكاناتها العلمية وخدمة حاجات شعبها والخروج من هيمنة وسيطرة الدول الغربية على استخدامات الطاقة النووية السلمية في الطب والعلوم. إلّا أنّ «إسرائيل» النووية قامت بتعبئة الدول الراعية لإرهابها ضد البرنامج النووي السلمي الإيراني، إذ اتخذت هذه الدول عقوبات اقتصادية ومالية وتجارية أخرى ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا مبرّر لها إطلاقاً، وهدفها هو حرمان الشعب الإيراني من الاستفادة من هذه التكنولوجيا التي تحدّد مدى تقدّم الأمم وارتقائها على سلم الحضارة البشرية. هذه هي «إسرائيل» التي لا توجد في العالم مواثيق ولا قيم إلّا وانتهكتها، ويبدو أنّ لعبة الانتهاكات هذه من قِبَلها، تنزل برداً وسلاماً على قلوب حلفائها الغربيين المستعدين دائماً لدعمها وتبرير جرائمها من دون حدود.

وفي ضوء امتلاكها أسلحة الدمار الشامل كافّة، وإصرارها على عدم الانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار، وإخضاع منشآتها النووية لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وامتلاكها لأسلحة نووية بشكل معلن، فقد طالب العديد من الدول من مختلف أنحاء العالم بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط على غِرار المناطق الأخرى في العالم، بهدف تحقيق عالمية عدم الانتشار، إلّا أنّ «إسرائيل» ما زالت ترفض ذلك في مخالفة صارخة لكل معايير التعاون الدولي لتخليص العالم من مخاطر هذه الأسلحة الخطيرة. ويشكّل ذلك واحداً من المعايير المزدوجة التي تتعامل بها الدول الغربية في «غرامها» المطلق لـ«إسرائيل» في تحدٍ لالتزاماتها في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

ولمواجهة سياسات الابتزاز التي تُمارسها الدول الغربية خدمةً لـ«إسرائيل»، أعلنت الدول العربية استعدادها للنظر في إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى. وقد اعتمد مؤتمر استعراض وتمديد معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 1995 قراراً: «من أجل إنشاء منطقة في الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية وسائر أسلحة الدمار الشامل الأخرى». وقد تكرر هذا الطلب في مؤتمرات الاستعراض في أعوام 2000 و2005 و2010. وفي وقت أيّد القرار الصادر عن مؤتمر الاستعراض الأخير. «خطوات عملية ضمن عملية تؤدّي إلى التنفيذ الكامل لقرار الشرق الأوسط لعام 1955، فإنّه قرّر أن يدعو الأمين العام للأمم المتحدة ومقدّمو قرار 1995، بالتشاور مع دول المنطقة، لعقد مؤتمر عام 2012 تحضره دول الشرق الأوسط جميعها، بشأن إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وجميع أسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط». إلاَّ أنّ هذا القرار حمل بذور فشله إذ تحفّظت الولايات المتحدة، نيابةً عن «إسرائيل»، على الوثيقة الختامية بعد صدورها، لأنّها ترى بأنّ عقد هذا المؤتمر هو موضع شك. وكذلك أعلنت «إسرائيل» شروطاً تعجيزية لعقده بما في ذلك عملياً تطبيع علاقاتها مع كل دول المنطقة، وإبعاد الأمم المتحدة عن أي دور في تنظيمه وعقده ورُبط المؤتمر بترتيبات ذات طبيعة أمنية وبعملية السلام في المنطقة ومسائل أخرى معقّدة. ومر عام 2012 من دون عقد هذا المؤتمر بناءً على طلب أميركي. وقد فشلت كل المحاولات التي بذلها المنسّق الفنلندي الذي عُيّن للقيام بهذه المهمّة، للتوصّل إلى أي تفاهم بسبب الموقف «الإسرائيلي» الأميركي، ولم تحضر سورية الاجتماعات التي أصرّت «إسرائيل» على عقدها خارج إطار الأمم المتحدة ومرجعياتها.

إنّ الدعوة الجريئة الوحيدة لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وكل أسلحة الدمار الشامل، هي المبادرة التي تقدّمت بها الجمهورية العربية السورية قبيل انتهاء عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن عام 2003، وقد طالب مشروع القرار السوري بانضمام دول الشرق الأوسط إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بوصفها دولاً غير حائزة على الأسلحة النووية، وكذلك الانضمام إلى معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، واتفاق حظر استخدام وإنتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية والتكسينية وتدمير هذه الأسلحة، والانضمام إلى اتفاق حظر استخدام وإنتاج وتكديس واستخدام الأسلحة الكيماوية وتدمير تلك الأسلحة. كما حث مشروع القرار السوري مجلس الأمن على تنفيذ قراراته ذات الصلة، وبخاصّة القرارين 487 1981 و687 1991 الرامية إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من جميع أسلحة الدمار الشامل وفي مقدّمتها الأسلحة النووية. إلّا أنّ الولايات المتحدة وحلفاء «إسرائيل» الغربيين الآخرين في مجلس الأمن وتهديد هؤلاء باستخدام الفيتو لقتل مشروع القرار، أدّى إلى ممارسة سورية لضبط النفس وعدم إتاحة الفرصة أمام الولايات المتحدة وحلفائها لحرمان المجتمع الدولي من السعي المستمر والمسؤول، وتقرر طرح مشروع القرار باللون الأزرق من قبلنا، وهذا يعني أنّ القرار جاهز للتصويت عليه. وكل سنتين، منذ ذلك التاريخ، تجدّد سورية حرصها على استمرار هذا المشروع مطروحاً على طاولة مجلس الأمن. ولابد أخيراً من القول إنّ الدول الصديقة لنظام منع الانتشار دعمت مشروع القرار والتصويت لمصلحته في حال طرحه للتصويت.

إنّ عدم موافقة الدول الغربية على مشروع القرار السوري والتهديد باستخدام الفيتو لإسقاطه إلى غير رجعة، ووقوف هذه الدول ضد عقد مؤتمر عام 2012 والحرب التي تخوضها الدول الغربية ضد حق الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الاستخدام السلمي للطاقة الذرّية، كلّها مؤشرات على النفاق الذي تُمارسه الدول الغربية لحماية ربيبتها «إسرائيل» واستعدادها للذهاب بهذا الموقف الهدام حتّى لو أدّى إلى نتائج كارثية دفاعاً عن سياسات العدوان «الإسرائيلية» – الغربية. إلّا أنّ التجليات الحقيقية للمواقف الأميركية والغربية الأخرى ظهرت جميعها في مواقفها الحاقدة ضد الجمهورية العربية السورية عندما اتخذت قرارها التاريخي بالتخلّي عن برنامجها الكيماوي وخصوصاً عندما بدأت المؤشرات والتحقيقيات تثبت أنّ استخدام الأسلحة الكيماوية من قِبَل عملاء الغرب من المجموعات الإرهابية ومن يدعمها من أجهزة استخبارات الدول الغربية والإقليمية والتركية والسعودية، وحتماً بتخطيط «إسرائيلي» في خان العسل وفي غوطة دمشق الشرقية.

ثـالـثــاً

في دعمها العملي لجهود عدم الانتشار في الشرق الأوسط، اتخذتْ الجمهورية العربية السورية قراراً تاريخياً وغير مسبوق بالانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية بتاريخ 14/9/2013، بعد مبادرة تقدّم بها الرئيس فلاديمير بوتين رئيس الاتحاد الروسي. ولا نجد مبرّراً للذهاب بعيداً في تحليل الأسباب التي شجعت القيادة السورية على اتخاذ هذا القرار المسؤول. إلّا أنّ ما شُرِح في الفقرات السابقة حول انضمام الجمهورية العربية السورية إلى اتفاقيات حظر الانتشار بما في ذلك تقديمها لمشروع قرار أمام مجلس الأمن لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من جميع أسلحة الدمار الشامل، يؤكّد مرّة أخرى إخلاص سورية لمواقفها، وقناعاتها بأنّ التطورات العملية في مجالات الدفاع الوطني تسد الحاجات المطلوبة في هذا المجال، ولإيمانها بعدم جدوى ولا أخلاقية استعمال السلاح الكيماوي، عوامل كلّها كانتْ في صلب هذا الموقف الأخلاقي السوري، خصوصاً أنّ المجتمع الدول أصبح الآن أكثر قناعة بضرورة عالمية معاهدات واتفاقيات عدم الانتشار. وسورية جزء أساسي وفاعل من المجتمع الدولي الحقيقي والصادقة في اندفاعها لصياغة مصير البشرية ولأنّها تؤمن بحق الشعوب في تقرير مصيرها وصيانة سيادتها واستقلالها، وعدم ترك أي مبرّر أمام «إسرائيل» لإفشال المبادرات الدولية لجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة أمن وسلام، وإنهاء احتلالها للأراضي العربي المحتلّة في الجولان وما تبقّى من أرض محتلّة في جنوب لبنان، واحترام الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرّف للشعب الفلسطيني لا سيما حقّه في إقامة دولته على أرضه وعاصمتها القدس.

وانطلاقاً من ذلك، وفي إطار المتابعة الحثيثة لحكومة الجمهورية العربية السورية وُضِع البرنامج الكيماوي السوري خلفنا ولم يعد قائماً. ولإظهار جدّية الحكومة السورية في هذا المجال فقد تمّ إنهاء هذا البرنامج من خلال التعاون البنّاء والنموذجي بين الجهات السورية المعنية والبعثة المشتركة للأمم المتحدة ومنظمة منع انتشار الأسلحة الكيماوية وتنفيذاً لقرار مجلس الأمن رقم 2118 وقرارات المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية التي شاركت سورية في كل اجتماعاتها بروح بنّاءة وإصرار على احترام إرادة المجتمع الدولي.

ولم يبقَ الآن في إطار الالتزامات السورية إلّّا التخلّص من أماكن تصنيع وتخزين البرنامج الكيماوي كما تنص على ذلك اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، ونأمل أن يتم ذلك خلال فترة قصيرة من الآن وبعد وصول المعدات الفنّية اللازمة للقيام بهذا العمل بالتعاون التام بين سورية ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية. ومن المهم الإشارة هنا إلى أنّ سورية قد أوفت بالتزاماتها في أحيان كثيرة قبل التاريخ المحدّد لها. إلّا أنّ محاولات الابتزاز الغربية المعروفة لم تتوقّف طيلة فترة قيام سورية بتنفيذ التزاماتها وذلك من خلال تسييس هذا العمل الفنّي البحت والبحث المستمر من قِبَل تلك الدول عن ذرائع واهية لمهاجمة سورية، دعماً لمخططاتها في النيل من هذا البلد الذي صمد بشكل أسطوري أمام أعتى هجمة شهدها أي بلد من بلدان العالم، نتيجةً دعم الدول الغربية و«إسرائيل» للمجموعات الإرهابية التي ارتكبت جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية في ريف دمشق وحلب وكفر زيتا ومناطق أخرى بطريقة رخيصة لاتهام سورية والنيل من هيبتها إقليمياً ودولياً على حساب أرواح المئات من السوريين الأبرياء الذين قتلتهم المجموعات الإرهابية بالتخطيط مع الاستخبارات الغربية للأسباب والأهداف المعروفة. والمخزي في هذا الملف، أنّ عدداً من الدول العربية قد استخدمت لغة تستخدمها «إسرائيل» ضد سورية، فأظهر ذلك أنّها لا تختلف في عدائها للكرامة العربية التي تمثّلها سورية عن «إسرائيل» وغيرها من المتآمرين على الدم السوري وسيادة سورية واستقلالها.

إنّ المعجزة التي حققتها سورية في هذا المجال، تمّت على رغم التحديات الموضوعية والأمنية والظروف غير العادية التي تمر بها سورية نتيجةً للتهديدات الإرهابية التي أطلقتها المجموعات المسلّحة بدعم غربي، إذاستطاعت سورية تنفيذ التزاماتها سواء في حماية موظفي بعثة منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أو الوصول إلى المواقع المطلوبة وسط التحديات الإرهابية الجدّية. وسينظر المتابع الذي سينصف سورية لهذا الإنجاز على أنّه التزام حقيقي لمصلحة الإنسانية والشرعية الدولية التي أخفقت كثيراً خلال السنوات الأخيرة بحيث تشوهت صورة الأمم المتحدة التي وجدت نفسها عاجزة أمام إمكان حل مشاكل تتحدّى دورها، بما في ذلك وقف المجزرة التي ما زالت «إسرائيل» ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة ومحوها لأحياء كاملة من المدينة التي لم تعد تختلف كثيراً عن الدمار الذي شهدته هيروشيما وناغازاكي بعد إلقاء القنابل الذرّية الأميركية على هاتين المدينتين.

تتوقّع الجمهورية العربية السورية، بعد كل تعاونها المخلص مع الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية الانتهاء من الإجراءات الاستثنائية كافّة التي اتخذت بشأن الانتهاء من برنامجها الكيماوي وذلك خدمةً للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية بغية الحفاظ على ما تبقّى من صدقية للمنظومة الدولية ومؤسساتها. وفي هذا المجال، نتوقّع من كل الدول المستقلّة وذات السيادة عدم الخضوع للموقف الغربي المنحرف إزاء هذا الملف في إطار تسييسه وربطه بمصالحها الضيقة ودعمها المكشوف لـ«إسرائيل» وللمجموعات الإرهابية المسلّحة في سورية، بما في ذلك داعش والجبهة الإسلامية وجبهة النصرة أو ما تبقّى مما يُسمّى الجيش الحر.

استمعنا خلال الأيام القليلة الماضية إلى عبارات الترحيب من قادة بعض الدول الغربية لمناسبة التخلّص من المواد السمّية السورية التي نُقلت إلى سفن وموانئ بعض الدول. إنّ ذلك ما كان ليتم لولا تعاون سورية. وفي وقت نُعيد تأكيد انتهاء هذا البرنامج إلى غير رجعة، فإنّنا نؤكّد أنّ أيّة مشاغل أخرى يجب أن تعالج فقط وحصرياً من خلال منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في إطار عضوية سورية فيها، وفي إطار أنظمة المنظمة واتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية.

وأخيـــراً

إنّ انضمام سورية والدول العربية إلى كل الاتفاقات الدولية المعنية بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، يحتّم جهداً لا يتوقّف من قِبَل جميع دعاة منع الانتشار باتجاه إلزام «إسرائيل» بالانضمام إلى هذه الاتفاقات وإعلان منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.

لا يمكن للعرب الاستمرار بقبول خطر «إسرائيل» الداهم على الإنسان العربي فلسطينياً أو غير فلسطيني وامتلاكها لهذه الأسلحة التي تهدّد الأمن والسلم في المنطقة والعالم. وسورية بصفتها عضواً فاعلاً وحيوياً في المجتمع الدولي يتحمّل مسؤولياته في إطار العمل الدولي الملتزم بميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، والقانون الإنساني الدولي ومكافحة الإرهاب، ستتابع نهجها البنّاء والفاعل في خدمة الإنسانية.

لقد أكّدَ الخبراء المتابعون للحرب التي شنّتها «إسرائيل» على غزّة أنّ «إسرائيل» ألقت من الصواريخ والقنابل والمتفجرات الأخرى على غزّة خلال شهر واحد ما يُعادل ست قنابل نووية، ألا يثبت ذلك أنّ «إسرائيل» هي فعلاً سلاح دمار شامل؟!

  • فريق ماسة
  • 2014-08-22
  • 11507
  • من الأرشيف

أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط

بدايةً، لا بد من القول، من دون أي تردّد، إن سلاح الدمار الشامل الفتّاك والمجرب والذي صممته الدول الغربية لتطبيق أفضل أشكال «ديمقراطيتها» هو «إسرائيل» . صحيح أن الولايات المتحدة هي الوحيدة التي استخدمت القنابل الذرية لقصف هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين قبيل حرب العالمية الثانية عام 1945، لكن الطرف الذي قتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين والعرب والآخرين الأبرياء هو سلاح الدمار الشامل المسمى «إسرائيل». وتظهر الأرقام أنّ أعداد اليابانيين الأبرياء الذين التهمتهم القنابل النووية الأميركية وحولتهم خلال ثوانٍ إلى بخار وإلى هباء منثور، لم يكن أكثر من الذين أبادهم سلاح الدمار الشامل «إسرائيل». أوّلاً بتاريخ 6 أيار من عام 1945، ألقيت القنبلة الأولى في الحرب خلال الحرب العالمية الثانية فقتلت خمسة وسبعين ألفاً من أهل هيروشيما اليابانية ودمّرت اثنين وستين ألفاً من مجموع تسعين ألفاً هو مجموع الأبنية في المدينة. وشكّلتْ القنبلة عاصفة نارية استمّرت ست ساعات أحرقتْ منطقة مساحتها أربعة أميال مربّعة أي 10.5 كم2 . وإذا قارنّا ذلك بما قتلته «إسرائيل» سلاح الدمار الشامل من فلسطينيين وسوريين ولبنانيين وأردنيين فإنّ من سقط من العرب في حروب «إسرائيل» سيكون أكثر من ضحايا هيروشيما وناغازاكي بكثير. وإذا ألقينا نظرة على الأحياء التي دمّرتها «إسرائيل» في حربها المستمرّة على غزّة بمن فيها من أطفال ونساء وشيوخ، فسنرى أنّنا لا نُبالغ إطلاقاً في وصفنا لـ«إسرائيل» على اعتبار أنّها بحد ذاتها سلاح دمار شامل. كثرتْ الدراسات التي تناولتْ الأسباب التي دفعتْ الغرب إلى دعم الصهيونية العالمية لإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، لكنّ الباحثين يجب أن يتابعوا تحليل هذه الأسباب والوصول إلى فهم جديد وأعمق للأسباب التي تكمن خلف الإصرار على إنشاء «إسرائيل» على دماء وأشلاء الفلسطينيين الذين واجهوا حرباً إرهابية صهيونية لاحقتهم في مدنهم وقرارهم وفي غرف نومهم، فقتلت من قتلت وشرّدت ملايين الفلسطينيين في بلدان الجوار وغيرها. ومازال هؤلاء الفلسطينيين يحملون في جيوبهم مفاتيح بيوتهم في حيفا ويافا والناصرة والقدس، ويحتفظون بأوراق ملكيتهم للأراضي والمنازل في مدنهم وقراهم ويحملون في جيناتهم حلم العودة التي تنتقل من جيل فلسطيني إلى الجيل الآخر. ولم يقتصر الحيف الذي لحق بأهل فلسطين على المواطنين العرب في فلسطين التاريخية، بل طاول أيضاً كل دول الجوار العربية وألحق بها وبالدول العربية الأخرى أفدح الخسائر البشرية والمادّية. وإذا ما قمنا مرّة أخرى بإجراء المقاربة التي بدأنا بها حديثنا، فسنجد أنّ تأثير الكيان الصهيوني كان كارثة أيضاً على الدول العربية أو منع تنميتها وتقدّمها وتحقيق استقلالها الناجز وسيادتها التامّة على ثرواتها وطاقاتها، فكانت «إسرائيل» بذلك سلاح دمار شامل أثّر بشكل تدميري في جميع الدول العربية، وأؤكّد، عليها جميعاً. فالكثير من الوقت الذي حاول خلاله العرب الاهتمام بتطوير بلدانهم أضاعوه بسبب التدخّلات المباشرة وغير المباشرة من جانب «إسرائيل» لمنع أيّة تنمية تخدم دورهم الفاعل في تحقيق تقدّمهم الاقتصادي والاجتماعي. وبسبب هذا السلاح الذي استعملته الصهيونية العالمية وأسيادها وخدمها في الدول الغربية وبخاصة من خلال زرع الخلافات بين كل دولة عربية وأخرى ودفعها للتآمر على بعضها ومحاربة بعضها بعضاً وعدم السماح بإيجاد جيش عربي أو جيوش عربية مسلّحة ومهيأة للانتصار على «إسرائيل»، كانتْ كلّها تتم لمصلحة «إسرائيل»، سلاح الدمار الشامل في المنطقة. اليوم، يتلقّى الإرهابيون من حثالات التاريخ ورموز التخلّف والتعفّن والمتآمرون على كل ما هو مشرّف في تاريخ العرب والمسلمين الدعم، كل الدعم المباشر وغير المباشر، من «إسرائيل» والغرب لخلق كيانات دينية تكفيرية تعطي مزيداً من المبررات لوجود الكيان الصهيوني القائم على المبررات ذاتها التي تسعى داعش وجبهة النصرة والجبهة الإسلامية وجميع الأشكال الكريهة من التنظيمات التي لا تقتل إلّا العرب، وتعتبر «إسرائيل» إمارة جارة وتبرّر لها كل ما تقوم به من جرائم وحرب وجرائم ضد الإنسانية. إلّا أنّ ما يجب التنبه إليه في هذا المجال هو أنّ استخدام «إسرائيل» لهذه التنظيمات يهدف أساساً إلى إلهاء دولنا القريبة منها أو البعيدة من مجرّد التفكير في وجود عدو أساسي لنا يحتل أرضنا ويذبح شعبنا. وماذا تخسر الدول الغربية الضالعة في العدوان علينا إذا وجدتْ خططها تتقدّم إلى الأمام من خلال إضعاف سورية أو الانقلاب عليها وعلى مواقفها وسياساتها التي يلتف حولها ويدعمها شعب سورية وكل المخلصين للقضية العربية إقليمياً وإسلامياً ودولياً. إنّ زج «إسرائيل» والدول الغربية لحلفائها من القتلة لتشويه صورة الإسلام الوسطي والمعتدل والمليء بالرحمة، يهدف أوّلاً وأخيراً لتشويه صورة الإسلام وتوجيه ضربة نجلاء له كعامل وحدة وتآلف وتحويله إلى أداة قتل لا ترحم تتحكّم بها «إسرائيل»، سلاح الدمار الشامل، التي لا تتردّد في ذبح العرب والمسلمين، لكي تتولّى هذه المهمّة تنظيمات متوحشة منفلتة تحرق الأخضر واليابس والدين والأخلاق وإرث شعبنا الأخلاقي والحضاري. ثـانيــــاً وإذا كانت «إسرائيل» هي سلاح الدمار الشامل في منطقتنا، فإنّه لابد من تقديم خدمات مادّية ملموسة لها كي تُمارس ابتزازها وتهديدها لأمن الدول التي تتوقّع منها الوقوف ضد سياساتها، والأكثر من ذلك لتهدّد الأمن الإقليمي. وإذا عرفنا أنّ الدولة التي قدّمت المساهمة الأولى لإنشاء البرنامج النووي «الإسرائيلي» كانت فرنسا والتي من دونها فإنّ المشروع النووي «الإسرائيلي» لم يكن قادراً على الإقلاع. وما يُثير السخرية هو أنّ الدولة التي اتخذت الموقف الأكثر قسوة حول عدم الانتشار وخصوصاً أثناء المفاوضات الأخيرة لمجموعة 5+1 مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت فرنسا. ويقول جوليان بورغر في مقال في صحيفة «غارديان» البريطانية بتاريخ 15 كانون الثاني 2014، إنّ ما دفع فرنسا إلى اتخاذ هذا الموقف آنذاك كان: «شعور فرنسا بالذنب إزاء خذلانها «إسرائيل» في حرب عام 1956 أثناء مشكلة السويس، والتضامن مع العلماء الفرنسيين من اليهود، وتقاسم المعلومات الاستخبارية بين «إسرائيل» وفرنسا حول الجزائر وبيع الخبرة الفرنسية في الخارج. وبعد ذلك تدفّق المهندسون الفرنسيون للمساعدة في بناء المفاعل النووي «الإسرائيلي» وإنشاء مصنع سرّي قادر على فصل البلوتونيوم من وقود المفاعل المستهلك. وكان هذا هو الباب الواسع الذي سعى إليه البرنامج النووي «الإسرائيلي» لإنتاج السلاح الذرّي». ومع نهاية الخمسينات من القرن الماضي كان يعيش في ديمونا 2500 مدني فرنسي قاموا بتحويلها من قرية إلى مدينة عالمية مليئة بالعلماء وإلى شوارع مملوءة بسيارات الرينو، مع أنّ كل هذا العمل كان يجرى تحت حجاب سميك من السرّية. وعلى رغم القصة الطويلة لإخفاء هذا السر من قِبَل الدول الغربية وخصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، ومخالفة ذلك للقوانين الغربية وما يعنيه ذلك من إمكان انتشار الأسلحة النووية، فإنّ الذي فضح وجود هذا البرنامج النووي «الإسرائيلي» هو موردخاي فانونو تقني الذرّة «الإسرائيلي» السابق الذي أتمّ حكمه بالسجن لمدّة ثمانية عشر عاماً في سجن أشكيلون بتاريخ 21 نيسان 2004، لأنّه فضح سر برنامج السلاح النووي «الإسرائيلي». وكانت الاستخبارات «الإسرائيلية» قد ألقت القبض عليه في إيطاليا بتاريخ أيلول 1986 وأمضى أحد عشر عاماً ونصف في زنزانة منفردة. لقد اتبعت «إسرائيل» كعادتها، سياسة الغموض النووي بالنسبة إلى قدراتها النووية العسكرية. إلّا أنّ رئيس وزراء «إسرائيل» الأسبق إيهود أولمرت لم ينفِ في لقاء مع إحدى الأقنية التلفزيونية الألمانية عام 2006 امتلاك «إسرائيل» للسلاح النووي. ومما يجدر ذكره عند تناول الأسلحة النووية الإشارة إلى أنّ جميع الدول العربية كانت قد انضمّت إلى اتفاقية عدم الانتشار، والاتفاقات الأخرى لعدم الانتشار بما في ذلك عدم انتشار الأسلحة الكيماوية والبيولوجية ما عدا بلد عربي واحد لم ينضم حتّى الآن إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية. وفي وقت لا نريد الغوص في مضمون اتفاقيات منع الانتشار، إلّا أنّه ستكون مُفيدة الإشارة إلى أنّ معاهدة عدم الانتشار المتعلّقة بالأسلحة النووية تقوم على ثلاثة أعمدة هي: نزع السلاح النووي. منع انتشار الأسلحة النووية. الاستخدام السلمي للطاقة الذرّية. وقد بلغ عدد الدول التي انضمّتْ إلى اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية 188 دولة من 192 دولة، هي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. ومن الأطراف التي لم تنضم إلى الاتفاقية هي «إسرائيل». أمّا في مجال اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، فمازالت هناك خمس دول غير عضوة. ولم تنضم «إسرائيل» إلى الاتفاقية على رغم توقيعها على الاتفاقية فقط، وهذا لا يعني انضماماً. وإذا ما عدنا إلى الأعمدة الثلاثة لاتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية، فإنّ اهتمام الولايات المتحدة وحليفاتها من الدول الغربية ينصب بشكل أساسي على العمودين الأوّل والثاني. وتقوم الولايات المتحدة وحليفاتها بعدم تنفيذ العمود الثالث الذي ينص بشكل واضح على حق الدول غير الحائزة على الأسلحة النووية في الاستخدام السلمي للطاقة النووية. إلّا أنّ الدول الغربية تفرض قيوداً قاهرة على الدول النامية الأطراف في الاتفاقية بشأن نقل التكنولوجيا النووية السلمية إليها أو المعدات أو المواد النووية. وهذا هو جوهر الصراع بين الدول الغربية والدول النامية بما في ذلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي قامتْ، من خلال إبداعات علمائها، بتطوير برنامج نووي سلمي يضمن لهذه الدولة النامية تنمية إمكاناتها العلمية وخدمة حاجات شعبها والخروج من هيمنة وسيطرة الدول الغربية على استخدامات الطاقة النووية السلمية في الطب والعلوم. إلّا أنّ «إسرائيل» النووية قامت بتعبئة الدول الراعية لإرهابها ضد البرنامج النووي السلمي الإيراني، إذ اتخذت هذه الدول عقوبات اقتصادية ومالية وتجارية أخرى ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا مبرّر لها إطلاقاً، وهدفها هو حرمان الشعب الإيراني من الاستفادة من هذه التكنولوجيا التي تحدّد مدى تقدّم الأمم وارتقائها على سلم الحضارة البشرية. هذه هي «إسرائيل» التي لا توجد في العالم مواثيق ولا قيم إلّا وانتهكتها، ويبدو أنّ لعبة الانتهاكات هذه من قِبَلها، تنزل برداً وسلاماً على قلوب حلفائها الغربيين المستعدين دائماً لدعمها وتبرير جرائمها من دون حدود. وفي ضوء امتلاكها أسلحة الدمار الشامل كافّة، وإصرارها على عدم الانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار، وإخضاع منشآتها النووية لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وامتلاكها لأسلحة نووية بشكل معلن، فقد طالب العديد من الدول من مختلف أنحاء العالم بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط على غِرار المناطق الأخرى في العالم، بهدف تحقيق عالمية عدم الانتشار، إلّا أنّ «إسرائيل» ما زالت ترفض ذلك في مخالفة صارخة لكل معايير التعاون الدولي لتخليص العالم من مخاطر هذه الأسلحة الخطيرة. ويشكّل ذلك واحداً من المعايير المزدوجة التي تتعامل بها الدول الغربية في «غرامها» المطلق لـ«إسرائيل» في تحدٍ لالتزاماتها في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. ولمواجهة سياسات الابتزاز التي تُمارسها الدول الغربية خدمةً لـ«إسرائيل»، أعلنت الدول العربية استعدادها للنظر في إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى. وقد اعتمد مؤتمر استعراض وتمديد معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 1995 قراراً: «من أجل إنشاء منطقة في الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية وسائر أسلحة الدمار الشامل الأخرى». وقد تكرر هذا الطلب في مؤتمرات الاستعراض في أعوام 2000 و2005 و2010. وفي وقت أيّد القرار الصادر عن مؤتمر الاستعراض الأخير. «خطوات عملية ضمن عملية تؤدّي إلى التنفيذ الكامل لقرار الشرق الأوسط لعام 1955، فإنّه قرّر أن يدعو الأمين العام للأمم المتحدة ومقدّمو قرار 1995، بالتشاور مع دول المنطقة، لعقد مؤتمر عام 2012 تحضره دول الشرق الأوسط جميعها، بشأن إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وجميع أسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط». إلاَّ أنّ هذا القرار حمل بذور فشله إذ تحفّظت الولايات المتحدة، نيابةً عن «إسرائيل»، على الوثيقة الختامية بعد صدورها، لأنّها ترى بأنّ عقد هذا المؤتمر هو موضع شك. وكذلك أعلنت «إسرائيل» شروطاً تعجيزية لعقده بما في ذلك عملياً تطبيع علاقاتها مع كل دول المنطقة، وإبعاد الأمم المتحدة عن أي دور في تنظيمه وعقده ورُبط المؤتمر بترتيبات ذات طبيعة أمنية وبعملية السلام في المنطقة ومسائل أخرى معقّدة. ومر عام 2012 من دون عقد هذا المؤتمر بناءً على طلب أميركي. وقد فشلت كل المحاولات التي بذلها المنسّق الفنلندي الذي عُيّن للقيام بهذه المهمّة، للتوصّل إلى أي تفاهم بسبب الموقف «الإسرائيلي» الأميركي، ولم تحضر سورية الاجتماعات التي أصرّت «إسرائيل» على عقدها خارج إطار الأمم المتحدة ومرجعياتها. إنّ الدعوة الجريئة الوحيدة لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وكل أسلحة الدمار الشامل، هي المبادرة التي تقدّمت بها الجمهورية العربية السورية قبيل انتهاء عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن عام 2003، وقد طالب مشروع القرار السوري بانضمام دول الشرق الأوسط إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بوصفها دولاً غير حائزة على الأسلحة النووية، وكذلك الانضمام إلى معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، واتفاق حظر استخدام وإنتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية والتكسينية وتدمير هذه الأسلحة، والانضمام إلى اتفاق حظر استخدام وإنتاج وتكديس واستخدام الأسلحة الكيماوية وتدمير تلك الأسلحة. كما حث مشروع القرار السوري مجلس الأمن على تنفيذ قراراته ذات الصلة، وبخاصّة القرارين 487 1981 و687 1991 الرامية إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من جميع أسلحة الدمار الشامل وفي مقدّمتها الأسلحة النووية. إلّا أنّ الولايات المتحدة وحلفاء «إسرائيل» الغربيين الآخرين في مجلس الأمن وتهديد هؤلاء باستخدام الفيتو لقتل مشروع القرار، أدّى إلى ممارسة سورية لضبط النفس وعدم إتاحة الفرصة أمام الولايات المتحدة وحلفائها لحرمان المجتمع الدولي من السعي المستمر والمسؤول، وتقرر طرح مشروع القرار باللون الأزرق من قبلنا، وهذا يعني أنّ القرار جاهز للتصويت عليه. وكل سنتين، منذ ذلك التاريخ، تجدّد سورية حرصها على استمرار هذا المشروع مطروحاً على طاولة مجلس الأمن. ولابد أخيراً من القول إنّ الدول الصديقة لنظام منع الانتشار دعمت مشروع القرار والتصويت لمصلحته في حال طرحه للتصويت. إنّ عدم موافقة الدول الغربية على مشروع القرار السوري والتهديد باستخدام الفيتو لإسقاطه إلى غير رجعة، ووقوف هذه الدول ضد عقد مؤتمر عام 2012 والحرب التي تخوضها الدول الغربية ضد حق الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الاستخدام السلمي للطاقة الذرّية، كلّها مؤشرات على النفاق الذي تُمارسه الدول الغربية لحماية ربيبتها «إسرائيل» واستعدادها للذهاب بهذا الموقف الهدام حتّى لو أدّى إلى نتائج كارثية دفاعاً عن سياسات العدوان «الإسرائيلية» – الغربية. إلّا أنّ التجليات الحقيقية للمواقف الأميركية والغربية الأخرى ظهرت جميعها في مواقفها الحاقدة ضد الجمهورية العربية السورية عندما اتخذت قرارها التاريخي بالتخلّي عن برنامجها الكيماوي وخصوصاً عندما بدأت المؤشرات والتحقيقيات تثبت أنّ استخدام الأسلحة الكيماوية من قِبَل عملاء الغرب من المجموعات الإرهابية ومن يدعمها من أجهزة استخبارات الدول الغربية والإقليمية والتركية والسعودية، وحتماً بتخطيط «إسرائيلي» في خان العسل وفي غوطة دمشق الشرقية. ثـالـثــاً في دعمها العملي لجهود عدم الانتشار في الشرق الأوسط، اتخذتْ الجمهورية العربية السورية قراراً تاريخياً وغير مسبوق بالانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية بتاريخ 14/9/2013، بعد مبادرة تقدّم بها الرئيس فلاديمير بوتين رئيس الاتحاد الروسي. ولا نجد مبرّراً للذهاب بعيداً في تحليل الأسباب التي شجعت القيادة السورية على اتخاذ هذا القرار المسؤول. إلّا أنّ ما شُرِح في الفقرات السابقة حول انضمام الجمهورية العربية السورية إلى اتفاقيات حظر الانتشار بما في ذلك تقديمها لمشروع قرار أمام مجلس الأمن لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من جميع أسلحة الدمار الشامل، يؤكّد مرّة أخرى إخلاص سورية لمواقفها، وقناعاتها بأنّ التطورات العملية في مجالات الدفاع الوطني تسد الحاجات المطلوبة في هذا المجال، ولإيمانها بعدم جدوى ولا أخلاقية استعمال السلاح الكيماوي، عوامل كلّها كانتْ في صلب هذا الموقف الأخلاقي السوري، خصوصاً أنّ المجتمع الدول أصبح الآن أكثر قناعة بضرورة عالمية معاهدات واتفاقيات عدم الانتشار. وسورية جزء أساسي وفاعل من المجتمع الدولي الحقيقي والصادقة في اندفاعها لصياغة مصير البشرية ولأنّها تؤمن بحق الشعوب في تقرير مصيرها وصيانة سيادتها واستقلالها، وعدم ترك أي مبرّر أمام «إسرائيل» لإفشال المبادرات الدولية لجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة أمن وسلام، وإنهاء احتلالها للأراضي العربي المحتلّة في الجولان وما تبقّى من أرض محتلّة في جنوب لبنان، واحترام الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرّف للشعب الفلسطيني لا سيما حقّه في إقامة دولته على أرضه وعاصمتها القدس. وانطلاقاً من ذلك، وفي إطار المتابعة الحثيثة لحكومة الجمهورية العربية السورية وُضِع البرنامج الكيماوي السوري خلفنا ولم يعد قائماً. ولإظهار جدّية الحكومة السورية في هذا المجال فقد تمّ إنهاء هذا البرنامج من خلال التعاون البنّاء والنموذجي بين الجهات السورية المعنية والبعثة المشتركة للأمم المتحدة ومنظمة منع انتشار الأسلحة الكيماوية وتنفيذاً لقرار مجلس الأمن رقم 2118 وقرارات المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية التي شاركت سورية في كل اجتماعاتها بروح بنّاءة وإصرار على احترام إرادة المجتمع الدولي. ولم يبقَ الآن في إطار الالتزامات السورية إلّّا التخلّص من أماكن تصنيع وتخزين البرنامج الكيماوي كما تنص على ذلك اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، ونأمل أن يتم ذلك خلال فترة قصيرة من الآن وبعد وصول المعدات الفنّية اللازمة للقيام بهذا العمل بالتعاون التام بين سورية ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية. ومن المهم الإشارة هنا إلى أنّ سورية قد أوفت بالتزاماتها في أحيان كثيرة قبل التاريخ المحدّد لها. إلّا أنّ محاولات الابتزاز الغربية المعروفة لم تتوقّف طيلة فترة قيام سورية بتنفيذ التزاماتها وذلك من خلال تسييس هذا العمل الفنّي البحت والبحث المستمر من قِبَل تلك الدول عن ذرائع واهية لمهاجمة سورية، دعماً لمخططاتها في النيل من هذا البلد الذي صمد بشكل أسطوري أمام أعتى هجمة شهدها أي بلد من بلدان العالم، نتيجةً دعم الدول الغربية و«إسرائيل» للمجموعات الإرهابية التي ارتكبت جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية في ريف دمشق وحلب وكفر زيتا ومناطق أخرى بطريقة رخيصة لاتهام سورية والنيل من هيبتها إقليمياً ودولياً على حساب أرواح المئات من السوريين الأبرياء الذين قتلتهم المجموعات الإرهابية بالتخطيط مع الاستخبارات الغربية للأسباب والأهداف المعروفة. والمخزي في هذا الملف، أنّ عدداً من الدول العربية قد استخدمت لغة تستخدمها «إسرائيل» ضد سورية، فأظهر ذلك أنّها لا تختلف في عدائها للكرامة العربية التي تمثّلها سورية عن «إسرائيل» وغيرها من المتآمرين على الدم السوري وسيادة سورية واستقلالها. إنّ المعجزة التي حققتها سورية في هذا المجال، تمّت على رغم التحديات الموضوعية والأمنية والظروف غير العادية التي تمر بها سورية نتيجةً للتهديدات الإرهابية التي أطلقتها المجموعات المسلّحة بدعم غربي، إذاستطاعت سورية تنفيذ التزاماتها سواء في حماية موظفي بعثة منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أو الوصول إلى المواقع المطلوبة وسط التحديات الإرهابية الجدّية. وسينظر المتابع الذي سينصف سورية لهذا الإنجاز على أنّه التزام حقيقي لمصلحة الإنسانية والشرعية الدولية التي أخفقت كثيراً خلال السنوات الأخيرة بحيث تشوهت صورة الأمم المتحدة التي وجدت نفسها عاجزة أمام إمكان حل مشاكل تتحدّى دورها، بما في ذلك وقف المجزرة التي ما زالت «إسرائيل» ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة ومحوها لأحياء كاملة من المدينة التي لم تعد تختلف كثيراً عن الدمار الذي شهدته هيروشيما وناغازاكي بعد إلقاء القنابل الذرّية الأميركية على هاتين المدينتين. تتوقّع الجمهورية العربية السورية، بعد كل تعاونها المخلص مع الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية الانتهاء من الإجراءات الاستثنائية كافّة التي اتخذت بشأن الانتهاء من برنامجها الكيماوي وذلك خدمةً للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية بغية الحفاظ على ما تبقّى من صدقية للمنظومة الدولية ومؤسساتها. وفي هذا المجال، نتوقّع من كل الدول المستقلّة وذات السيادة عدم الخضوع للموقف الغربي المنحرف إزاء هذا الملف في إطار تسييسه وربطه بمصالحها الضيقة ودعمها المكشوف لـ«إسرائيل» وللمجموعات الإرهابية المسلّحة في سورية، بما في ذلك داعش والجبهة الإسلامية وجبهة النصرة أو ما تبقّى مما يُسمّى الجيش الحر. استمعنا خلال الأيام القليلة الماضية إلى عبارات الترحيب من قادة بعض الدول الغربية لمناسبة التخلّص من المواد السمّية السورية التي نُقلت إلى سفن وموانئ بعض الدول. إنّ ذلك ما كان ليتم لولا تعاون سورية. وفي وقت نُعيد تأكيد انتهاء هذا البرنامج إلى غير رجعة، فإنّنا نؤكّد أنّ أيّة مشاغل أخرى يجب أن تعالج فقط وحصرياً من خلال منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في إطار عضوية سورية فيها، وفي إطار أنظمة المنظمة واتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية. وأخيـــراً إنّ انضمام سورية والدول العربية إلى كل الاتفاقات الدولية المعنية بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، يحتّم جهداً لا يتوقّف من قِبَل جميع دعاة منع الانتشار باتجاه إلزام «إسرائيل» بالانضمام إلى هذه الاتفاقات وإعلان منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. لا يمكن للعرب الاستمرار بقبول خطر «إسرائيل» الداهم على الإنسان العربي فلسطينياً أو غير فلسطيني وامتلاكها لهذه الأسلحة التي تهدّد الأمن والسلم في المنطقة والعالم. وسورية بصفتها عضواً فاعلاً وحيوياً في المجتمع الدولي يتحمّل مسؤولياته في إطار العمل الدولي الملتزم بميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، والقانون الإنساني الدولي ومكافحة الإرهاب، ستتابع نهجها البنّاء والفاعل في خدمة الإنسانية. لقد أكّدَ الخبراء المتابعون للحرب التي شنّتها «إسرائيل» على غزّة أنّ «إسرائيل» ألقت من الصواريخ والقنابل والمتفجرات الأخرى على غزّة خلال شهر واحد ما يُعادل ست قنابل نووية، ألا يثبت ذلك أنّ «إسرائيل» هي فعلاً سلاح دمار شامل؟!

المصدر : البناء/ د. فيصل المقداد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة