دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
مع اقتراب موعد تشكيل الحكومة السورية الجديدة تكثر الأسئلة والتوقعات عن القادم الجديد، سواء ما تعلق منها بمواصفاته ومقومات اختياره، أو طبيعة التشكيل الحكومي المرتقب، وعلى خلفية ذلك يتم تداول الأسماء المتوقعة للقادمين والمغادرين.. ولعل هذا النقاش يعكس حيوية الشارع السياسي السوري، ونظرته للحكومة القادمة، ورهانه على عملها انطلاقاً من تربيته الوطنية، وأولوياته وحاجاته، وهو ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عند أصحاب القرار بمستويات الاقتراح والقرار بالتكليف والتسمية، وهنا يصبح من المفيد الإشارة والإضاءة إلى بعض النقاط الهامة التي تتعلق أساساً بالدور الوظيفي للحكومة أولاً، وبالدلالات السياسية لطبيعة وبنية تشكيلها انطلاقاً من الدور الملقى على عاتقها من منظور حاجات الدولة والمجتمع، والتي تتقدمها مصلحة الدفاع عن البلاد التي يقوم بها جيشنا العربي السوري وقواتنا المسلحة على مختلف تسمياتها، وهذه تشكل أولوية لدى الحكومة والشعب وبنفس الدرجة والأهمية.
إن طبيعة الظرف الذي تعيشه سورية، في ظل الحرب المركبة التي تشن عليها، توجب النظر بعين الاعتبار إلى أهمية الورقة الاقتصادية، واستمرار سير مرافق الدولة وأدائها لمهامها، حيث استخدمت وسيلة أساسية لتحقيق أهداف تلك الحرب، فالليرة السورية تعرضت لحرب بهدف إضعاف قيمتها الشرائية، وانعكاس ذلك على الوضع الاقتصادي والمستوى المعيشي للمواطنين، كما استخدمت كل الوسائل لتدمير البنية التحتية لمنظومة الخدمات العامة، ونهب المعامل والمصانع والشركات، واستهداف المدارس والمشافي وسكك الحديد، إضافة إلى تدمير خطوط نقل البترول والغاز والاستيلاء على منابعها وآبارها، ناهيك عن تعطيل طرق المواصلات وتقطيع أوصال المدن بهدف إيقاف عجلة الدولة، وحركة المجتمع، واستنزاف كل مقومات الدولة السورية وتحويلها إلى دولة فاشلة.
من هنا تبدو المهام الأساسية أمام أية حكومة قادمة هي في قدرتها على ترجمة خطاب القسم للسيد الرئيس بشار الأسد إلى واقع عملي عبر استراتيجية ذات بعدين مرحلي واستراتيجي، ففي البعد المرحلي يتمثل التحدي الأساسي بالقدرة على تأمين كافة مستلزمات القوات المسلحة التي تخوض حرباً غير مسبوقة على الإرهاب، والاهتمام المكثف بملفات الشهداء والمخطوفين والمفقودين، وهذا يشكل أولوية وطنية، ثم بقدرتها على استمرار قيام المرافق العامة من مدارس ومعاهد وجامعات ومشافٍ وكهرباء وماء واتصالات بدورها الوظيفي.. وهنا يبرز دور المواطن كشريك أساسي في ذلك، من خلال بذل الجهد الإنتاجي الزراعي والصناعي والخدمي الاستثنائي، إضافة لالتزامه بدفع كل ما يترتب عليه من التزامات مالية للدولة تشكل موارد أساسية في موازنة الحكومة. أما في البعد الاستراتيجي فتأتي قضية إعادة الإعمار وإعادة النازحين والمهجرين إلى ديارهم، وتأمين مأوى لهم، مسألة غاية في الأهمية، لأنها تساهم حقيقة في عودة الاستقرار، وخلق بيئة مناسبة أفضل للمصالحات الاجتماعية التي يجب أن تأخذ طابعاً أكثر ديناميكية من خلال مساهمة أوسع للفاعلين الاجتماعيين ذوي النفوذ الحقيقي في الأوساط الاجتماعية، بعيداً عن مدّعي ذلك ومستثمريه.. وتأتي قضية الفساد، ومعالجة أسبابه ونتائجه، وتجفيف منابعه، وتكريس ثقافة النزاهة، وتعزيز حس المسؤولية الاجتماعية، وتعزيز سلطة القوانين وسيادتها، ومبدأ تكافؤ الفرص بين المجتمع انطلاقاً من معايير عامة وموضوعية وطنية، بعيداً عن الانتماء الحزبي والسياسي، أو الاستنسابية والمصلحية.
من خلال ما سبق يبدو النقاش العام متركزاً حول الحاجة لحكومة تؤمن الاحتياجات الأساسية للحرب على الإرهاب، وتساهم في التخفيف من أعباء الأزمة على المواطن، وتحسين ظروف عيشه، وتأمين الخدمات الأساسية التي أشرنا اليها، فالمسألة لم تعد -من وجهة نظر غالبية الجمهور- المعادلة السياسية للحكومة، والرسالة الموجهة في هذا الإطار بقدر ما هو كفاءتها المهنية وقربها من قضاياه وأولوياته، وقدرتها على أن تجعل منه شريكاً حقيقياً في نجاحها بمهامها، وهذا مرهون بإصغائها لهمومه، واستماعه والتزامه أيضاً بسياساتها الداخلية، أي أنها معادلة شراكة بينه وبينها في المغرم والمغنم.
والحال: إن تشكيل حكومة تتعاطى مع ظروف الأزمة، وامتلاكها خبرة في ذلك، وشراكة شعبية، يمكن أن تكون هي ذاتها حكومة شراكة وطنية من خلال التمثيل السياسي للقوى السياسية الوطنية فيها، وآية ذلك الدور الوطني الذي أدته تلك القوى خلال الحرب الإرهابية التي شنت علينا واكتشفنا من خلالها خريطتنا الوطنية أولاً، والحزبية والسياسية والمجتمعية ثانياً، بنقاط قوتها وضعفها الحقيقية لا الافتراضية، وشكلت بالنسبة للمجتمع اختباراً وطنياً بامتياز.
إن أية حكومة ستتشكل، وأي قادم أو مغادر سيخضعه الرأي العام إلى مخبر التحليل الاجتماعي الذي قد لا يخطىء، وعلى أساسه ستتشكل العديد من المواقف، وتختبر الكثير من العناوين، عندها يجب أن يتحمل المعنيون المسؤولية في صناعة القرار وإنتاجه ما يعكس بالنتيجة درجة تمثل المنظومة الأخلاقية والوطنية لسيادة الرئيس بشار الأسد، وفحوى خطاب القسم الذي شكل خريطة طريق للوطن والمواطن للخروج من الأزمة، وبناء سورية القوية والمعافاة وطنياً، وسياسياً، اجتماعياً، واقتصادياً.
المصدر :
البعث/ د خلف المفتاح
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة