السخط في المزاج العام على قناة «العربية» له ما يبرره من خلال الإغراق في «المهنية» والحياد في الوقت الذي يخطب خادم الحرمين الشريفين ويندد بإسرائيل بإعتبارها «دولة إرهاب».

طبعا «العربية» أعادت بث خطبة الملك عبدالله بن عبد العزيز أكثر وأكثر وأكثر على طريقة الوصلة الدعائية لبرنامج «واي فاي» الذي تبثه «أم بي سي».

لا ضرر في ذلك فالأمة المنهزمة المسحوقة المبتلاة من حقها إنتظار خطاب زعيم أكبر دولة عربية.. تحليل مضمون الخطاب يظهر بان الرجل بدا محتارا أكثر منا نحن الرعاع وكأن النظام العربي الرسمي كله دخل في غرفة الإنعاش وأصيب بالشيخوخة.

كمواطن عربي ومسلم أتوقع عندما أستمع لـ«سيدي وتاج راسي خادم الحرمين» أن يدلني على الطريق الصحيح إزاء معركة وجودية إستئصالية همجية وحشية كتلك التي تستهدف أهلنا ووجودهم في قطاع غزة.

خطاب الرجل أنتج مساحات إضافية عندي من الحيرة لأنه أبلغنا بعد 26 يوما من القصف الوحشي الماحق المتواصل بما عشناه يوميا على مدار الثانية.. «غزة تذبح والعالم يتفرج»… ماذا انت فاعل يا جلالة الملك على الارض؟ كالعادة إنتهى الخطاب بعبارة «أللهم أشهد أني قد أبلغت»… حاولت التدقيق أكثر لتحسس البلاغ.. لم أجد أيا… قرأت صديقا على الفيسبوك يسأل أبومتعب: سيدي جلالة الملك أبلغت من بماذا؟

مهنية الزملاء في محطة «العربية» تصعد لعنان السماء عندما يستهدف الشعب الفلسطيني، لكنها تتغيب عن الحصة تماما عندما يتعلق الأمر بسلطات الإنقلاب في مصر.. على الأقل يستطيع خادم الحرمين مطالبة الحليف عبد الفتاح السياسي بمرونة أكثر قليلا تليق بمصر ومكانتها وتاريخها عندما يتعلق الأمر بفتح المعابر أمام حالات إنسانية ومرضية.

على الأقل بإمكانه مقايضة المليارات التي دفعت لتمويل الإنقلاب بالقليل من الرحمة عند فضائيات السيسي بوقف تدمير الخنادق خلال الحرب والملمات.. بتأجيل إستجوابات المخابرات المصرية للجرحى وهم بالمستشفى.

«الجزيرة» ومعاملة التلفزيون الإسرائيلي بالمثل

 

إطلالات الناطقين بإسم الجيش الإسرائيلي على شاشة «الجزيرة» متعددة وتثير الجدل، رغم أن بعض الزملاء يلتهمونهم على الهواء مباشرة .. تغطية «الجزيرة» للأحداث مميزة ومقدرة بكل الأحوال وأنا شخصيا ميال لعدم منح العدو أي مساحة من أي نوع في معركة مفصلية من هذا النوع، حيث لا مبرر لرؤية وجه مردخاي الناعق والمبرر للهمجية، بدليل أن الفضائيات والشاشات الإسرائيلية لا تخصص أي مساحة للناطقين بإسم المقاومة أو للمثقفين العرب والفلسطينيين او لمن يقف ضد العدوان.

الإصرار على «مهنية» تقتضي رؤية وجه عدوك المبتسم الكذاب المخادع لم تعد ضرورية في معركة وجودية مفصلية، وعلى الزملاء في الجزيرة بإدارتها الجديدة والصديق ياسر أبو هلالة أن يعيدوا النظر بهذه المسألة على أساس أن الإعلام الإسرائيلي جزء من المعركة ضد شعبنا الفلسطيني مع توجيه التحية الخالصة لكل الزملاء الكرام في محطة «الجزيرة».

الجهد جبار في «الجزيرة»، لكن دوما توجد ملاحظات كان يشاركنا فيها المدير أبو هلالة عندما كان «مثلنا» يعني مواطنا عاديا لا حول له ولا قوة.

وهي ملاحظات نتأمل من باب الزمالة معالجتها، خصوصا عندما يتعلق الأمر ببعض سياسات إستضافة النجوم والإصرار على الوجوه نفسها وغياب التنويع والتعددية… نقول ذلك حرصا على «الجزيرة»، التي نحبها ونصر على أننا من حيث المبدأ لا نريد رؤية وجوه الصهاينة على الشاشة، حيث لم يعد هناك مبرر لتفسير أو تبرير الجرائم الهمجية للإسرائيليين.

 

داعش والشوكولاته

 

عند تقليب الصفحات الإلكترونية لبعض تلفزيونات ومنابر الجهاديين، مثل الفرقان، لا يمكنك مشاهدة ما هو أطرف من مشهد «قائد في داعش» يخاطب رأسا مقطوعة لعسكري سوري بصورة ساخرة، ويقول «.. إنت مش إنت وإنت جوعان»!

هاجمت «داعش»، حسب السياق معسكرا سوريا وتمكنت منه، وبدلا من الإحتفاظ بالمستسلمين ومقايضتهم مثلا بامهات المسلمين والمعتقلين من الجنود أحضرت السكاكين وقطعت رؤوسهم جميعا.. لاحقا وفي مشهد يظهر أبشع ما فينا وفي الوحوش ولا ينتمي لفصيلة «الإنسانية» تم تعليق الرؤوس المقطوعة على أحزمة حديدة في حديقة عامة.

حتى الآن المشهد إعتدنا عليه، كما إعتادت قلوبنا على اللطم والبكاء والعويل على أطفال غزة دون أن نغير شيئا في حياتهم!

لكن قمة السخرية تكاملت عندما مرت الكاميرا برفقة صوت أحد القادة الداعشيين الذي خص كل رأس مقطوعة بعبارة… المداخلة التي إستوقفتني وتستحق التأمل هي تلك التي قيلت لرأس من يفترض أنه قائد المعسكر المهزوم، حيث خاطبه الصوت الداعشي قائلا وبلهجة خليجية واضحة: هذه رأس كبيرة فيما يبدو…حبيبي إنت مش إنت وإنت جوعان!

هي العبارة نفسها، التي تقال في فاصل دعائي مشهور جدا يتعلق بشوكولاته «سنيكيرز»، حيث تبدو رجاء الجداوي مثلا وهي تتذمر أثناء دفش سيارتها فيقول مرافق لها هذه العبارة ليتبين بأن المعنية ليست رجاء الجداوي بل شاب في مقتبل العمر حتى يكتشف المشاهد بان إلتهام أصبع «سنيكيرز» يعيده إلى صوابه والواقع.

الغريب والمثير بالنسبة لي أن جماعة داعش يعرفون الشوكولاته ويتابعون 100 ٪ الفاصل الدعائي الشهير، الذي تبثه مرات ومرات فضائيات مصرية متعددة من بينها «أم بي سي مصر»، كما تبثها حزمة «أم بي سي».

على إفتراض أن شباب داعش من حقهم المرح بين الحين والأخر.. من أين يجدون في خلافة الإسلام وقتا لمشاهدة الفواصل الدعائية على هامش برامج الفضائيات المصرية والسعودية تحديدا؟

لا أريد ألقول إني لم أسمع في سيرة «السلف الصالح» في الإسلام عن قطع رؤوس والاستهزاء بها أمام الكاميرات وبأن الحروب فيها أصول للتعامل مع الأسرى حتى «الكفار».. ولا أريد أن أصدق نظرية عدم وجود «سنيكيرز» ولا «كيت كات» أيام «السلف الصالح»!

لا أريد أن أقول ذلك وأكتفي بالسؤال الأخير.

 

٭ مدير مكتب «القدس العربي» في عمان

 

بسام البدارين

 

 

  • فريق ماسة
  • 2014-08-03
  • 10630
  • من الأرشيف

خطاب خادم الحرمين «واي فاي».. وقائد داعشي لرأس مقطوعة»

السخط في المزاج العام على قناة «العربية» له ما يبرره من خلال الإغراق في «المهنية» والحياد في الوقت الذي يخطب خادم الحرمين الشريفين ويندد بإسرائيل بإعتبارها «دولة إرهاب». طبعا «العربية» أعادت بث خطبة الملك عبدالله بن عبد العزيز أكثر وأكثر وأكثر على طريقة الوصلة الدعائية لبرنامج «واي فاي» الذي تبثه «أم بي سي». لا ضرر في ذلك فالأمة المنهزمة المسحوقة المبتلاة من حقها إنتظار خطاب زعيم أكبر دولة عربية.. تحليل مضمون الخطاب يظهر بان الرجل بدا محتارا أكثر منا نحن الرعاع وكأن النظام العربي الرسمي كله دخل في غرفة الإنعاش وأصيب بالشيخوخة. كمواطن عربي ومسلم أتوقع عندما أستمع لـ«سيدي وتاج راسي خادم الحرمين» أن يدلني على الطريق الصحيح إزاء معركة وجودية إستئصالية همجية وحشية كتلك التي تستهدف أهلنا ووجودهم في قطاع غزة. خطاب الرجل أنتج مساحات إضافية عندي من الحيرة لأنه أبلغنا بعد 26 يوما من القصف الوحشي الماحق المتواصل بما عشناه يوميا على مدار الثانية.. «غزة تذبح والعالم يتفرج»… ماذا انت فاعل يا جلالة الملك على الارض؟ كالعادة إنتهى الخطاب بعبارة «أللهم أشهد أني قد أبلغت»… حاولت التدقيق أكثر لتحسس البلاغ.. لم أجد أيا… قرأت صديقا على الفيسبوك يسأل أبومتعب: سيدي جلالة الملك أبلغت من بماذا؟ مهنية الزملاء في محطة «العربية» تصعد لعنان السماء عندما يستهدف الشعب الفلسطيني، لكنها تتغيب عن الحصة تماما عندما يتعلق الأمر بسلطات الإنقلاب في مصر.. على الأقل يستطيع خادم الحرمين مطالبة الحليف عبد الفتاح السياسي بمرونة أكثر قليلا تليق بمصر ومكانتها وتاريخها عندما يتعلق الأمر بفتح المعابر أمام حالات إنسانية ومرضية. على الأقل بإمكانه مقايضة المليارات التي دفعت لتمويل الإنقلاب بالقليل من الرحمة عند فضائيات السيسي بوقف تدمير الخنادق خلال الحرب والملمات.. بتأجيل إستجوابات المخابرات المصرية للجرحى وهم بالمستشفى. «الجزيرة» ومعاملة التلفزيون الإسرائيلي بالمثل   إطلالات الناطقين بإسم الجيش الإسرائيلي على شاشة «الجزيرة» متعددة وتثير الجدل، رغم أن بعض الزملاء يلتهمونهم على الهواء مباشرة .. تغطية «الجزيرة» للأحداث مميزة ومقدرة بكل الأحوال وأنا شخصيا ميال لعدم منح العدو أي مساحة من أي نوع في معركة مفصلية من هذا النوع، حيث لا مبرر لرؤية وجه مردخاي الناعق والمبرر للهمجية، بدليل أن الفضائيات والشاشات الإسرائيلية لا تخصص أي مساحة للناطقين بإسم المقاومة أو للمثقفين العرب والفلسطينيين او لمن يقف ضد العدوان. الإصرار على «مهنية» تقتضي رؤية وجه عدوك المبتسم الكذاب المخادع لم تعد ضرورية في معركة وجودية مفصلية، وعلى الزملاء في الجزيرة بإدارتها الجديدة والصديق ياسر أبو هلالة أن يعيدوا النظر بهذه المسألة على أساس أن الإعلام الإسرائيلي جزء من المعركة ضد شعبنا الفلسطيني مع توجيه التحية الخالصة لكل الزملاء الكرام في محطة «الجزيرة». الجهد جبار في «الجزيرة»، لكن دوما توجد ملاحظات كان يشاركنا فيها المدير أبو هلالة عندما كان «مثلنا» يعني مواطنا عاديا لا حول له ولا قوة. وهي ملاحظات نتأمل من باب الزمالة معالجتها، خصوصا عندما يتعلق الأمر ببعض سياسات إستضافة النجوم والإصرار على الوجوه نفسها وغياب التنويع والتعددية… نقول ذلك حرصا على «الجزيرة»، التي نحبها ونصر على أننا من حيث المبدأ لا نريد رؤية وجوه الصهاينة على الشاشة، حيث لم يعد هناك مبرر لتفسير أو تبرير الجرائم الهمجية للإسرائيليين.   داعش والشوكولاته   عند تقليب الصفحات الإلكترونية لبعض تلفزيونات ومنابر الجهاديين، مثل الفرقان، لا يمكنك مشاهدة ما هو أطرف من مشهد «قائد في داعش» يخاطب رأسا مقطوعة لعسكري سوري بصورة ساخرة، ويقول «.. إنت مش إنت وإنت جوعان»! هاجمت «داعش»، حسب السياق معسكرا سوريا وتمكنت منه، وبدلا من الإحتفاظ بالمستسلمين ومقايضتهم مثلا بامهات المسلمين والمعتقلين من الجنود أحضرت السكاكين وقطعت رؤوسهم جميعا.. لاحقا وفي مشهد يظهر أبشع ما فينا وفي الوحوش ولا ينتمي لفصيلة «الإنسانية» تم تعليق الرؤوس المقطوعة على أحزمة حديدة في حديقة عامة. حتى الآن المشهد إعتدنا عليه، كما إعتادت قلوبنا على اللطم والبكاء والعويل على أطفال غزة دون أن نغير شيئا في حياتهم! لكن قمة السخرية تكاملت عندما مرت الكاميرا برفقة صوت أحد القادة الداعشيين الذي خص كل رأس مقطوعة بعبارة… المداخلة التي إستوقفتني وتستحق التأمل هي تلك التي قيلت لرأس من يفترض أنه قائد المعسكر المهزوم، حيث خاطبه الصوت الداعشي قائلا وبلهجة خليجية واضحة: هذه رأس كبيرة فيما يبدو…حبيبي إنت مش إنت وإنت جوعان! هي العبارة نفسها، التي تقال في فاصل دعائي مشهور جدا يتعلق بشوكولاته «سنيكيرز»، حيث تبدو رجاء الجداوي مثلا وهي تتذمر أثناء دفش سيارتها فيقول مرافق لها هذه العبارة ليتبين بأن المعنية ليست رجاء الجداوي بل شاب في مقتبل العمر حتى يكتشف المشاهد بان إلتهام أصبع «سنيكيرز» يعيده إلى صوابه والواقع. الغريب والمثير بالنسبة لي أن جماعة داعش يعرفون الشوكولاته ويتابعون 100 ٪ الفاصل الدعائي الشهير، الذي تبثه مرات ومرات فضائيات مصرية متعددة من بينها «أم بي سي مصر»، كما تبثها حزمة «أم بي سي». على إفتراض أن شباب داعش من حقهم المرح بين الحين والأخر.. من أين يجدون في خلافة الإسلام وقتا لمشاهدة الفواصل الدعائية على هامش برامج الفضائيات المصرية والسعودية تحديدا؟ لا أريد ألقول إني لم أسمع في سيرة «السلف الصالح» في الإسلام عن قطع رؤوس والاستهزاء بها أمام الكاميرات وبأن الحروب فيها أصول للتعامل مع الأسرى حتى «الكفار».. ولا أريد أن أصدق نظرية عدم وجود «سنيكيرز» ولا «كيت كات» أيام «السلف الصالح»! لا أريد أن أقول ذلك وأكتفي بالسؤال الأخير.   ٭ مدير مكتب «القدس العربي» في عمان   بسام البدارين    

المصدر : القدس العربي /بسام البدارين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة