فرنسا - في عام 2013، عندما قامت الحكومة التركية بإجبار طائرة مدنية سورية على الهبوط في تركية لتخضع للتفتيش، بحجة الشك في قيامها بنقل بضائع غير شرعية، علَّق لنا أحد الصحفيين الفرنسيين على الحادث بالقول: إلى هنا وصل دهاء حكام دمشق، إنهم يستفزون «رجب طيب أردوغان» بطريقة ذكية، لدرجة جعلته يتناسى أن ما يبحث عنه من بضائع «غير شرعية» طريقها معروف، فهل سيجرؤ على ايقافها؟!

في عام 2014، لم تعد عبارات الشرعية وغير الشرعية مرتبطة بـ«النظام السوري»، أو حتى بنوعية السلاح الذي يصل إليه عبر الحليفين الروسي والإيراني، لكن هاتين العبارتين باتتا مرتبطتين بالطريقة التي تضمن للعدالة والتنمية الاستمرار في حكم تركية، بعيداً عن ضغط الطموحات «الأردوغانية»، والتصريحات والتوقعات ذات السقف المرتفع، التي لا يشبهها إلا تصريحات «الملاَّ سمير جعجع»، فهل سينجح الحزب في ذلك؟

هكذا قرر «أردوغان» ترسيخ جيناته المتسلطة ذات المنشأ العثماني، عندما أعلن الترشح للانتخابات الرئاسية في تركيا في آب المقبل. يحاول هذا الشخص الطامح لاستعادة ملك أجداده أن يظهر بمظهر المنتصر دائماً. ما انفك «أردوغان» يسعى لاستحضار طموحات أجداده، هو لم يكتفِ بهذا فحسب، لكنه سار على نهجهم بالكثير من المواقف، فهو خَلفَ «السلطان سليم» بارتكابه مجازر طائفية بحق الشعب السوري، وخلف «عبد الحميد الثاني» في ارتكاب المجازر بحق الأرمن والمسيحيين في سورية والعراق. هو كثير التحدث عن انجازاته، ولكنه يتمتع أيضاً بميزة مستجدة وهي إصراره على ربط جميع الأحداث التي تجري حول العالم بتركيا وعظمة تركية. بالتأكيد هناك من يصدقه، كيف لا وهناك من يصدق أن خليفة المسلمين الجديد « أبا بكر البغدادي»، سيصلي بالسيد المسيح عليه السلام، عند نزوله!!

في الخطاب الذي أعلن فيه « أردوغان» الترشح، ركّز كعادته على الإنجازات التي ستجعل منه رئيساً قوياً لتركيا، التي سينقلها حسب تطلعاته من نظام الحكم البرلماني إلى نظام الحكم الرئاسي، ليُحكم قبضته على المفاصل الأساسية في الدولة فيتكرس رئيساً (إلى الأبد)، مع أنه كان يؤكد مع بداية ربيع الدم العربي، أن على البعض أن يفهم أن زمن الحكم حتى الوفاة، انتهى...

يحاول «أردوغان» التسلح بالارتكاز على فرضية نجاحه بأصوات الناخبين، باعتبار أنه سيكون أول رئيس مُنتخب من قبل الشعب لا البرلمان، مع الأخذ بالحسبان أن استطلاعات الرأي ترجح فوزه، وسط انقسام المعارضة التركية على نفسها، تحديداً مع وجود مرشح رئاسي للأكراد هو «صلاح الدين دميرطاش»، سيساهم بالمزيد من ضياع الأصوات. لكن تطلعات أردوغان ستكون مكبَّلة ولا قيمة لها، وعيناه لن تكونا على نتائج الانتخابات الرئاسية في آب القادم، بقدرِ ما تتطلعان لنتائج الانتخابات البرلمانية في منتصف العام القادم.

يكثر الحديث بأن خطوة «أردوغان» ستكون نوعاً من تبادل الأدوار مع الرئيس الحالي «عبد اللـه غول»، وهو ما يترتب عليه إدخال تركية في حالةٍ من الجمود السياسي، حتى إجراء الانتخابات النيابية، فإن حصل حزبه على الأغلبية المطلقة فسيتمكن من إجراء التعديلات الدستورية اللازمة وتحقيق طموحه بنظام رئاسي، لكن ماذا لو فشل؟

دائماً ما تبدو مشكلة الأشخاص الذين يحملون عُقَد التسلط والغرور، أنهم يتحدثون فقط عن انجازاتهم، ويتجاهلون دائماً مواقع فشلهم. لا يحتاج البعض للكثير من السرد للحديث عن أكاذيب «أردوغان»، وتعاميه عن إخفاق سياساته وتبريرها بالمؤامرة تارة، وبـ(المؤامرة)، تارةً أخرى.

حسب زعمه لايزال يصر على أن الاتحاد الأوروبي هو من بات بحاجة لدخول تركيا إليه، وليس العكس. كذلك الأمر فعلى الصعيد الداخلي لايزال يعاني الفشل تلو الآخر، من فضائح الفساد وصولا إلى الإساءة لمعارضيه والمتظاهرين ضد سياساته ووصفهم بأقذع الألفاظ. أما الأمر الأهم فهو إخفاقه الذريع في سورية مع خروج تحالفه مع المتطرفين و«الدواعش» إلى العلن. من هنا قد تبدأ حكاية تبادل الأدوار تلك، والتي لن يكون بطلاها كما كان متوقعاً الرئيس الحالي «عبد اللـه غول «، و«رجب طيب أردو غان»، فهل أن ما يجري هو نوع من ترسيخ لسلطة العدالة والتنمية بقيادة أردوغان أم إنها سياسة يقوم بها الحزب للتخلص بشكل تصاعدي من العبء الأردوغاني.

تنطلق هذه الفرضية من بديهية أن العدالة والتنمية يدرك قدرة «أردوغان» على الفوز بالرئاسة، لكنهم يدركون أيضاً استحالة تحقيق الأغلبية المطلقة التي تتيح لهم تعديل الدستور وبالتالي نظام الحكم في تركية، تحديداً أن الحزب أخفق في تحقيق ذلك في الانتخابات الماضية مع أن الظروف كانت مناسبة جداً، فالفضائح الأردوغانية لم تكن بعد قد ظهرت للعلن. أما الربيع العربي والقضية الفلسطينية، اللتان امتطاهما «أردوغان» لتسويق نفسه، فكانتا مع مرور الأيام عبئاً عليه، فالرئيس المصري المعزول «محمد مرسي» أو كما يحلو لقناة الجزيرة أن تسميه «أردوغان مصر» سقط، والعلاقة مع مصر الآن في أسوأ حالاتها. كذلك الأمر تم تحجيم الدور الذي تلعبه حركة النهضة الإخوانية في تونس، مع خروج عدة تظاهرات في المدن التونسية تندد بالتدخل التركي بالشأن العربي. أما في سورية فلم يستطع المولود الأردوغاني المسخ، المسمى مجلس إسطنبول والمسيطر عليه سابقاً من قيادات الإخوان المسلمين يفرض نفسه كممثل للمعارضة السورية. وعليه، هل باتت السياسات الأردوغانية، نوعاً ما عبئاً على الحزب الحاكم، إن أراد أن يستمر في حكم تركيا لعقودٍ كما يخطط قادته؟

يمكننا هنا الحديث عن صفقة داخلية، تقضي بإزاحة «أردوغان» بطريقةٍ تبدو منطقية، وبعيداً عن التشفيات الداخلية والخارجية، تحديداً أن أردوغان حتى الآن هو الوحيد الذي يتشارك مع الرئيس الأميركي «باراك أوباما» صفة مهمة، وهي أنهما الوحيدان اللذان طالبا الأسد بالرحيل خلال أسابيع، ولا يزالان في منصبهما. لذا يبدو سقوط «أردوغان» بطريقةٍ تشبه من سبقه من عتاة الحرب على سورية، هو نوعٌ من الإهانة ليس لـ«أردوغان» فحسب، وإنما للحزب الحاكم بشكلٍ كامل، وعليه هناك من يدرك أن تبديل القدر أمر مستحيل لكن هناك محاولة أخيرة لتجيير القدر نحو أقل الأضرار.

في الحالة العامة هناك طريقان واضحان لبقاء «أردوغان» في السلطة، الطريق الأول وهو الطريق السهل جداً الذي لا يستوجب أكثر من اجتماع اللجنة المركزية في حزب العدالة والتنمية، وتعديل المادة المتعلقة بعدد مرات الترشح المسموحة للانتخابات، وهي ثلاث مرات فقط، وهي المادة التي تمنع «أردوغان» من الاستمرار في الترشح باسم الحزب، لأنه استوفى عدد المرات المسموحة، لأن رئيس الوزراء يجب أن يكون حكماً عضواً في البرلمان التركي.

أما الطريق الثاني وهو الأصعب والشاق، فهو السير بالترشح للانتخابات الرئاسية على أمل الفوز بعد ذلك بالأغلبية المطلقة التي تتيح لهم تحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي.

إن اتخاذ الحزب الطريق الأصعب، يوحي لنا بأن هناك أحاديث كثيرة تجري حول الورطة التي وقع فيها «أردوغان»، وأنّ تعديل المادة الداخلية للحزب ستعني استمرار العبء «الأردوغاني» عليه. أما الطريق الثاني فهي ستكون كفيلة بالتخلص من هذ العبء، تحديداً أن علاقة أردوغان بحزبه تنتهي تلقائياً بعد انتخابه رئيساً، فالرئيس يجب ألا يمثل أي حزب.

تدرك بعض قيادات العدالة والتنمية أن القيادة السورية فرضت أمراً واقعاً لم يعد بإمكانهم تجاهله، وأنّ الاستمرار في إغلاق العمق الحيوي لتركيا نحو العالم العربي أمر لا يحمل الكثير من البشائر للقيادة الطامحة بالمزيد من الإنجازات بعيداً عن تقديس الفرد، وربط مصير الحزب وإنجازاته بالحالة الأردوغانية، إضافة الى تفشي وجود الجماعات الإرهابية المسلحة في الجنوب التركي الذي لم يعد بالإمكان إخفاؤه. ومن ثم يتم إبعاد «أردوغان» نحو الرئاسة، لأن الرئاسة من دون التعديلات الدستورية ستبقى فخرية أشبه برئاسة الرئيس الألماني، تحديداً أن صديق أردوغان المقرب وهو الرئيس عبد اللـه غول رفض (حتى الآن على الأقل)، فكرة تبادل الأدوار التي تسحب الصلاحيات من رئيس الوزراء وتحوله إلى تابع لرئيس الجمهورية.

في حديثه لصحيفة الصنداي تايمز، قال الرئيس الأسد في العام الماضي: من يرد أن يساعد سورية فليذهب إلى «أردوغان» ويقول له اوقف تهريب الإرهابيين إلى سورية. ربما لن نعود بعد اليوم بحاجة للطلب من أحد أن يوقف إرسال إرهابيّيه، تحديداً أن مجال تحرك هؤلاء الإرهابيين في الاتجاهين بات متاحاً، فهل بدأ الوعي لخطورة ما يجري يشق طريقه نحو قيادات العدالة والتنمية؟

بالتأكيد ستمر الأيام، سيفوز «أردوغان» بالرئاسة التركية، وسيبدأ بالحديث عن شعبيته وقدراته أملاً منه في اجتذاب أصوات الناخبين في الانتخابات القادمة لتحقيق إنجاز التعديل الدستوري، لكنه سيتفاجأ فيما بعد أنه سيصبح أشبه بطائرٍ فقد ريشه، لينتحر «سياسياً» وببطء.

  • فريق ماسة
  • 2014-07-05
  • 9223
  • من الأرشيف

أردوغان والرئاسة: سلطة كاملة أم إبعاد بالتدريج؟.. فراس عزيز ديب

فرنسا - في عام 2013، عندما قامت الحكومة التركية بإجبار طائرة مدنية سورية على الهبوط في تركية لتخضع للتفتيش، بحجة الشك في قيامها بنقل بضائع غير شرعية، علَّق لنا أحد الصحفيين الفرنسيين على الحادث بالقول: إلى هنا وصل دهاء حكام دمشق، إنهم يستفزون «رجب طيب أردوغان» بطريقة ذكية، لدرجة جعلته يتناسى أن ما يبحث عنه من بضائع «غير شرعية» طريقها معروف، فهل سيجرؤ على ايقافها؟! في عام 2014، لم تعد عبارات الشرعية وغير الشرعية مرتبطة بـ«النظام السوري»، أو حتى بنوعية السلاح الذي يصل إليه عبر الحليفين الروسي والإيراني، لكن هاتين العبارتين باتتا مرتبطتين بالطريقة التي تضمن للعدالة والتنمية الاستمرار في حكم تركية، بعيداً عن ضغط الطموحات «الأردوغانية»، والتصريحات والتوقعات ذات السقف المرتفع، التي لا يشبهها إلا تصريحات «الملاَّ سمير جعجع»، فهل سينجح الحزب في ذلك؟ هكذا قرر «أردوغان» ترسيخ جيناته المتسلطة ذات المنشأ العثماني، عندما أعلن الترشح للانتخابات الرئاسية في تركيا في آب المقبل. يحاول هذا الشخص الطامح لاستعادة ملك أجداده أن يظهر بمظهر المنتصر دائماً. ما انفك «أردوغان» يسعى لاستحضار طموحات أجداده، هو لم يكتفِ بهذا فحسب، لكنه سار على نهجهم بالكثير من المواقف، فهو خَلفَ «السلطان سليم» بارتكابه مجازر طائفية بحق الشعب السوري، وخلف «عبد الحميد الثاني» في ارتكاب المجازر بحق الأرمن والمسيحيين في سورية والعراق. هو كثير التحدث عن انجازاته، ولكنه يتمتع أيضاً بميزة مستجدة وهي إصراره على ربط جميع الأحداث التي تجري حول العالم بتركيا وعظمة تركية. بالتأكيد هناك من يصدقه، كيف لا وهناك من يصدق أن خليفة المسلمين الجديد « أبا بكر البغدادي»، سيصلي بالسيد المسيح عليه السلام، عند نزوله!! في الخطاب الذي أعلن فيه « أردوغان» الترشح، ركّز كعادته على الإنجازات التي ستجعل منه رئيساً قوياً لتركيا، التي سينقلها حسب تطلعاته من نظام الحكم البرلماني إلى نظام الحكم الرئاسي، ليُحكم قبضته على المفاصل الأساسية في الدولة فيتكرس رئيساً (إلى الأبد)، مع أنه كان يؤكد مع بداية ربيع الدم العربي، أن على البعض أن يفهم أن زمن الحكم حتى الوفاة، انتهى... يحاول «أردوغان» التسلح بالارتكاز على فرضية نجاحه بأصوات الناخبين، باعتبار أنه سيكون أول رئيس مُنتخب من قبل الشعب لا البرلمان، مع الأخذ بالحسبان أن استطلاعات الرأي ترجح فوزه، وسط انقسام المعارضة التركية على نفسها، تحديداً مع وجود مرشح رئاسي للأكراد هو «صلاح الدين دميرطاش»، سيساهم بالمزيد من ضياع الأصوات. لكن تطلعات أردوغان ستكون مكبَّلة ولا قيمة لها، وعيناه لن تكونا على نتائج الانتخابات الرئاسية في آب القادم، بقدرِ ما تتطلعان لنتائج الانتخابات البرلمانية في منتصف العام القادم. يكثر الحديث بأن خطوة «أردوغان» ستكون نوعاً من تبادل الأدوار مع الرئيس الحالي «عبد اللـه غول»، وهو ما يترتب عليه إدخال تركية في حالةٍ من الجمود السياسي، حتى إجراء الانتخابات النيابية، فإن حصل حزبه على الأغلبية المطلقة فسيتمكن من إجراء التعديلات الدستورية اللازمة وتحقيق طموحه بنظام رئاسي، لكن ماذا لو فشل؟ دائماً ما تبدو مشكلة الأشخاص الذين يحملون عُقَد التسلط والغرور، أنهم يتحدثون فقط عن انجازاتهم، ويتجاهلون دائماً مواقع فشلهم. لا يحتاج البعض للكثير من السرد للحديث عن أكاذيب «أردوغان»، وتعاميه عن إخفاق سياساته وتبريرها بالمؤامرة تارة، وبـ(المؤامرة)، تارةً أخرى. حسب زعمه لايزال يصر على أن الاتحاد الأوروبي هو من بات بحاجة لدخول تركيا إليه، وليس العكس. كذلك الأمر فعلى الصعيد الداخلي لايزال يعاني الفشل تلو الآخر، من فضائح الفساد وصولا إلى الإساءة لمعارضيه والمتظاهرين ضد سياساته ووصفهم بأقذع الألفاظ. أما الأمر الأهم فهو إخفاقه الذريع في سورية مع خروج تحالفه مع المتطرفين و«الدواعش» إلى العلن. من هنا قد تبدأ حكاية تبادل الأدوار تلك، والتي لن يكون بطلاها كما كان متوقعاً الرئيس الحالي «عبد اللـه غول «، و«رجب طيب أردو غان»، فهل أن ما يجري هو نوع من ترسيخ لسلطة العدالة والتنمية بقيادة أردوغان أم إنها سياسة يقوم بها الحزب للتخلص بشكل تصاعدي من العبء الأردوغاني. تنطلق هذه الفرضية من بديهية أن العدالة والتنمية يدرك قدرة «أردوغان» على الفوز بالرئاسة، لكنهم يدركون أيضاً استحالة تحقيق الأغلبية المطلقة التي تتيح لهم تعديل الدستور وبالتالي نظام الحكم في تركية، تحديداً أن الحزب أخفق في تحقيق ذلك في الانتخابات الماضية مع أن الظروف كانت مناسبة جداً، فالفضائح الأردوغانية لم تكن بعد قد ظهرت للعلن. أما الربيع العربي والقضية الفلسطينية، اللتان امتطاهما «أردوغان» لتسويق نفسه، فكانتا مع مرور الأيام عبئاً عليه، فالرئيس المصري المعزول «محمد مرسي» أو كما يحلو لقناة الجزيرة أن تسميه «أردوغان مصر» سقط، والعلاقة مع مصر الآن في أسوأ حالاتها. كذلك الأمر تم تحجيم الدور الذي تلعبه حركة النهضة الإخوانية في تونس، مع خروج عدة تظاهرات في المدن التونسية تندد بالتدخل التركي بالشأن العربي. أما في سورية فلم يستطع المولود الأردوغاني المسخ، المسمى مجلس إسطنبول والمسيطر عليه سابقاً من قيادات الإخوان المسلمين يفرض نفسه كممثل للمعارضة السورية. وعليه، هل باتت السياسات الأردوغانية، نوعاً ما عبئاً على الحزب الحاكم، إن أراد أن يستمر في حكم تركيا لعقودٍ كما يخطط قادته؟ يمكننا هنا الحديث عن صفقة داخلية، تقضي بإزاحة «أردوغان» بطريقةٍ تبدو منطقية، وبعيداً عن التشفيات الداخلية والخارجية، تحديداً أن أردوغان حتى الآن هو الوحيد الذي يتشارك مع الرئيس الأميركي «باراك أوباما» صفة مهمة، وهي أنهما الوحيدان اللذان طالبا الأسد بالرحيل خلال أسابيع، ولا يزالان في منصبهما. لذا يبدو سقوط «أردوغان» بطريقةٍ تشبه من سبقه من عتاة الحرب على سورية، هو نوعٌ من الإهانة ليس لـ«أردوغان» فحسب، وإنما للحزب الحاكم بشكلٍ كامل، وعليه هناك من يدرك أن تبديل القدر أمر مستحيل لكن هناك محاولة أخيرة لتجيير القدر نحو أقل الأضرار. في الحالة العامة هناك طريقان واضحان لبقاء «أردوغان» في السلطة، الطريق الأول وهو الطريق السهل جداً الذي لا يستوجب أكثر من اجتماع اللجنة المركزية في حزب العدالة والتنمية، وتعديل المادة المتعلقة بعدد مرات الترشح المسموحة للانتخابات، وهي ثلاث مرات فقط، وهي المادة التي تمنع «أردوغان» من الاستمرار في الترشح باسم الحزب، لأنه استوفى عدد المرات المسموحة، لأن رئيس الوزراء يجب أن يكون حكماً عضواً في البرلمان التركي. أما الطريق الثاني وهو الأصعب والشاق، فهو السير بالترشح للانتخابات الرئاسية على أمل الفوز بعد ذلك بالأغلبية المطلقة التي تتيح لهم تحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي. إن اتخاذ الحزب الطريق الأصعب، يوحي لنا بأن هناك أحاديث كثيرة تجري حول الورطة التي وقع فيها «أردوغان»، وأنّ تعديل المادة الداخلية للحزب ستعني استمرار العبء «الأردوغاني» عليه. أما الطريق الثاني فهي ستكون كفيلة بالتخلص من هذ العبء، تحديداً أن علاقة أردوغان بحزبه تنتهي تلقائياً بعد انتخابه رئيساً، فالرئيس يجب ألا يمثل أي حزب. تدرك بعض قيادات العدالة والتنمية أن القيادة السورية فرضت أمراً واقعاً لم يعد بإمكانهم تجاهله، وأنّ الاستمرار في إغلاق العمق الحيوي لتركيا نحو العالم العربي أمر لا يحمل الكثير من البشائر للقيادة الطامحة بالمزيد من الإنجازات بعيداً عن تقديس الفرد، وربط مصير الحزب وإنجازاته بالحالة الأردوغانية، إضافة الى تفشي وجود الجماعات الإرهابية المسلحة في الجنوب التركي الذي لم يعد بالإمكان إخفاؤه. ومن ثم يتم إبعاد «أردوغان» نحو الرئاسة، لأن الرئاسة من دون التعديلات الدستورية ستبقى فخرية أشبه برئاسة الرئيس الألماني، تحديداً أن صديق أردوغان المقرب وهو الرئيس عبد اللـه غول رفض (حتى الآن على الأقل)، فكرة تبادل الأدوار التي تسحب الصلاحيات من رئيس الوزراء وتحوله إلى تابع لرئيس الجمهورية. في حديثه لصحيفة الصنداي تايمز، قال الرئيس الأسد في العام الماضي: من يرد أن يساعد سورية فليذهب إلى «أردوغان» ويقول له اوقف تهريب الإرهابيين إلى سورية. ربما لن نعود بعد اليوم بحاجة للطلب من أحد أن يوقف إرسال إرهابيّيه، تحديداً أن مجال تحرك هؤلاء الإرهابيين في الاتجاهين بات متاحاً، فهل بدأ الوعي لخطورة ما يجري يشق طريقه نحو قيادات العدالة والتنمية؟ بالتأكيد ستمر الأيام، سيفوز «أردوغان» بالرئاسة التركية، وسيبدأ بالحديث عن شعبيته وقدراته أملاً منه في اجتذاب أصوات الناخبين في الانتخابات القادمة لتحقيق إنجاز التعديل الدستوري، لكنه سيتفاجأ فيما بعد أنه سيصبح أشبه بطائرٍ فقد ريشه، لينتحر «سياسياً» وببطء.

المصدر : الماسة السورية/ الوطن


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة