دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بدا اللقاء الأول بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز غير مألوف في تفاصيله التي ظلت طي الكتمان الى أن هبطت الطائرة الملكية على أحد مدرّجات مطار القاهرة الدولي.
حطت الطائرة على أرض المطار، واعتلى السيسي السلّم لاستقبال الملك عبد الله، في إجراء بروتوكولي بدا مماثلاً لما تظهره اللقطات التوثيقية للاستقبال الذي حظي به الملك سعود في مطار الماظة العسكري، في عهد الرئيس محمد نجيب، وكانت تلك أول زيارة يقوم بها ملك سعودي لمصر منذ قيام النظام الجمهوري عقب "ثورة يوليو" العام 1952.
حتى تلك اللحظة لم يكن في المشهد البروتوكولي ما يثير الانتباه، كما ان النزر القليل مما تسرّب للإعلام المصري، سواء من رئاسة الجمهورية في مصر أو الديوان الملكي في السعودية، بشأن تفاصيل الزيارة، كان يوحي أن اللقاء بين السيسي وعبد الله لن يتجاوز في نطاقه الجغرافي مطار القاهرة الدولي – ما يعني من الناحية العملية أنه سيعقد في الاستراحة الرئاسية – وذلك بالنظر إلى طابع الزيارة الملكية (توقف قصير في مطار القاهرة خلال عودته من المغرب إلى السعودية)، أو بسبب الوضع الصحي للملك السعودي.
لكن ما جرى منذ لحظة صعود السيسي سلّم الطائرة الملكية بدا مثيراً للانتباه، فقد تبع الرئيس المصري كل من رئيس الحكومة ابراهيم محلب، ووزير الدفاع والإنتاج الحربي الفريق أول صدقي صبحي، ووزير الخارجية سامح شكري، ووزير المال هاني دميان، ومعهم السفير السعودي في القاهرة أحمد قطان، لتعقد إثر ذلك جلسة محادثات داخل الطائرة استغرقت قرابة 40 دقيقة، بحضور وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل والأمين العام لمجلس الأمن الوطني الأمير بندر بن سلطان ومستشار الملك تركي بن محمد ووزير المال ابراهيم العساف.
وبحسب قانون جنسية الطائرة، فإن الطائرة الملكية السعودية هي الامتداد الإقليمي للمملكة العربية السعودية، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان حدث أمس زيارة قام بها الملك عبد الله إلى مصر أم زيارة قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السعودية!
وبحسب وكالة "الأنباء السعودية" فقد قدم الملك عبد الله التهنئة للسيسي على توليه مهام الرئاسة في مصر، فيما رد الأخير بتقديم الشكر على الدعم السعودي الكبير لمصر خلال الفترة الماضية، ومبادرة الملك عبد الله لعقد مؤتمر "أصدقاء وأشقاء مصر" لتقديم الدعم اللازم للاقتصاد المصري خلال المرحلة المقبلة.
وتناولت المباحثات المصرية السعودية التطورات الأخيرة في العراق وسوريا وليبيا، وأهمية التنسيق والعمل المشترك بين البلدين لمواجهة التحديات التي تسود المنطقة، كما تناولت العلاقات الثنائية بين مصر والسعودية.
وبرغم الطابع السريع للزيارة الملكية، والتي يتوقع أن تستتبع بزيارة للسيسي إلى الرياض أو جدّة خلال الأيام المقبلة، فإن حرص الملك عبد الله على لقاء السيسي بعد نحو أسبوعين على تسلمه منصبه الرئاسي، يأتي بمثابة تأكيد إضافي على الدعم السعودي للعهد الجديد في مصر.
ويمكن النظر إلى العلاقات المصرية السعودية باعتبارها أحد المفاتيح المهمة لفهم التوازنات والتوجهات في المنطقة العربية. فالبلدان يعتبران مركزاً ثقل في المنطقة.
ويعد التقاء مصالح مصر والسعودية وتوجهاتهما خطوة مهمة في حسم مختلف القضايا، سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي. أما الاختلاف بينهما فقد يتحوّل إلى صراع ممتد على النفوذ وقيادة المنطقة.
وخلال عهد الرئيس جمال عبد الناصر، شهدت العلاقات المصرية - السعودية تنازعاً قوياً بين الجمهورية التحررية والمملكة المحافظة.
وبعد فترة من التحسن خلال السنوات الأولى من عهد الرئيس أنور السادات، عادت العلاقات المصرية – السعودية إلى مجاريها، وشهدت تطوراً نوعياً في حرب تشرين الأول العام 1973، إلى أن اتجه السادات إلى صلح منفرد مع إسرائيل في نهاية السبعينيات، ما أدى إلى خروج مصر من المشهد العربي وترك الساحة للسعودية لكي تلعب دورا قياديا فيها.
وفي عهد الرئيس حسني مبارك عادت العلاقات المصرية السعودية على أساس من التوافق والتلاقي على الأسس العامة للسياسة في المنطقة، وقد مثلت حملة "عاصفة الصحراء" التي قادتها الولايات المتحدة ضد الجيش العراقي في الكويت انطلاقا من الأراضي السعودية وبمشاركة القوات المصرية نقطة تحول مهمة في العلاقات على خط الرياض – القاهرة، حيث أظهرت أهمية التقاء مركزي القوة في الوطن العربي، وجمع القدرات الاقتصادية والعسكرية والسياسة في موقف واحد.
وكان ارتباط كل من مصر والسعودية بالمشروع الأميركي في مطلع التسعينيات أهم دفعة شهدها هذا المشروع وما ترتب عليه من إعادة صوغ المنطقة وفقا لقواعد جديدة استمرت حتى انفجار الثورات العربية.
وكانت تلك الثورات نفسها نقطة تحول مهمة في العلاقات المصرية – السعودية، إذ رأت الرياض في تلك الثورات نوعاً من الجحود ونكران الجميل من قبل الشعوب العربية تجاه الحكام، كما نظرت إلى محاكمة مبارك باعتبارها إهانة لرمز عربي. وبهذه المواقف أخفت السعودية مخاوفها من امتداد الغضب الشعبي إلى داخل المملكة، خصوصاً في ظل الحراك الشعبي في المنطقة الشرقية.
وكان وصول "الإخوان المسلمين" إلى الحكم في مصر يمثل أسوأ الخيارات للسعودية، وذلك لسببين، أولهما داخلي، ويتعلق باحتمال أن تنتعش طموحات "الإخوان" داخل المملكة، ما يجعل العرش الملكي نفسه مهدداً، وثانيهما إقليمي، ويتمثل في بروز تحالفات جديدة تنضم من خلالها مصر إلى محور يضم قطر وتركيا، بما يؤدي إلى تهميش كامل للدور السعودي.
ولذلك، لم يكن مفاجئا أن تكون السعودية أول المرحبين بإطاحة مرسي من الحكم في الثالث من تموز العام 2013. ولم يكن مفاجئا أيضا أن تفتح خزائن السعودية والإمارات والكويت لدعم النظام الجديد في مصر وإنقاذه من أزمة اقتصادية عاصفة.
ومع وصول السيسي إلى السلطة في مصر، بما يعنيه ذلك للسعودية من انتهاء الموجة الثورية وانحسار خطرها عن أراضيها، وبما يعنيه أيضا من فضل للتحالف الإقليمي المذكور. ويمكن أن يتحول الدعم السعودي للسيسي إلى تحالف استراتيجي ترسم فيه كل من مصر والسعودية الخطوط العامة لمستقبل المنطقة.
وكانت التحية الخاصة التي وجهها السيسي في خطاب حفل تنصيبه للملك السعودي دون كل الحاضرين إشارة خاصة. كذلك، فإن زيارة الملك السعودي - الذي توقف منذ فترة عن أي زيارات نظرا لظروفه الصحية - للقاهرة كانت أيضا إشارة خاصة جداً.
وليست الزيارة بالتالي مجرد تحية عابرة أو زيارة خاطفة، فالتقاء السياسة المصرية والسعودية يعني أولا وقبل كل شيء خلق مركز ثقل قوي في المنطقة، ستكون له تداعياته على مستقبل الأوضاع العربية، سواء في سوريا أو ليبيا واليمن، أو في مسار الصراع العربي – الإسرائيلي، والموقف من إيران.
وبالنسبة إلى القاهرة، فإن تطوير العلاقة بالسعودية اليوم يعد بمثابة طوق نجاة. فمصر التي تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة أرجأ تأثيرها الكارثي تدفق المنح الخليجية في العام الماضي، تنتظر بفارغ الصبر ليس منح الإنقاذ التي وعدت بها السعودية في حال فوز السيسي فحسب، بل تنتظر من "الشقيق السعودي" حشد قدرات تمويلية عربية وعالمية عبر مؤتمر المانحين الذي بادر الملك السعودي إلى الدعوة لعقده فور الإعلان رسمياً عن فوز السيسي في انتخابات الرئاسة المصرية.
المصدر :
السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة