بينما يقول الحسم العسكري كلمته الفصل في الميدان، قال السوريون كلمتهم في صناديق الاقتراع، ليكون بذلك الحسم الدستوري، وهذا يدلّ على درجة الوعي السوري وصلابته وتماسكه واقتناعه بأنّ الدولة السورية صعبة المراس قوية الأساس بعدما جرت عدة محاولات لخطف انتباهه باختلاق مجموعة من الانطباعات لاستبدالها باقتناعه، إذ لا يتمّ الانتصار على أصحاب الحقوق بصراع الإرادات بل باستبدال الاقتناع بالانطباع.

الديمقراطية هي العامل الأساسي في إضفاء ثوب الشرعية على جسد الدولة عندما يبلغ هذا الشعب مستوى مرتفعاً من الوعي السياسي ويتمكّن من امتلاك رصيد كاف من ثقافة المواطنة تؤهّله لممارسة الديمقراطية.

خيار إسقاط النظام السوري كان منذ البدء قرار إسقاط رأس الهرم في الدولة، فكلمة نظام لا تقف إلاّ على النقيض تماماً من كلمة فوضى، وفي محاولة لاستقراء الواقع السوري نرى أنّ كلمة نظام قريبة جداً من مفردة الدولة، لذلك اشتُغل على إسقاط الدولة السورية في عيون السوريين بطرح شعار «إسقاط النظام» كي يكون أرضية التحركات فيسقط رأس الهرم في الدولة السورية.

بذلك، شكل المفهوم المؤسساتي الهدف الرئيسي للقوى المعادية عبر امتداداتها الداخلية، في محاولة منهم لكسر الحلقة السورية وإعطاء فرصة للمعارضة الخارجية لتوطيد وجودها في الداخل عبر تكوين فئة شعبية تشكل الحاضنة الشرعية لهم عبر تشويه صورة المؤسسات والاعتداء عليها وإبداء عدم فاعليتها للتصدّي.

إسقاط الدولة السورية كان يستلزم إحداث شرخ في الشارع السوري عبر شقّه بين موالاة ومعارضة، وتظهير أن ثمة صراعاً واضحاً بين طرفين سوريين متناظرين، بيد أنهم لم يدركوا أنّ الموالاة والمعارضة حالات نسبية تتسع وتضيق من خلال الوعي السياسي لمفهوم الموالاة والمعارضة.

أما الآن، وبعدما قال الشعب السوري كلمته الفصل وظهّر رغبته في بقائه خلف القيادة السورية، فإنّه أنهى بذلك حرب العقول، إذ نُسقط من تفكيرنا المصطلحات المغلوطة والمشككة التي حاولوا تعظيمها عبر استقطابها الحضور الشعبي وعبر شعارات براقة، فإننا نكون أنهينا الحرب بذلك. صحيح أن رحى الحرب تدور داخل الجغرافيا السورية بكثافة النيران المطلقة… لكنها في النهاية لعبة عقول.

  • فريق ماسة
  • 2014-06-19
  • 9276
  • من الأرشيف

الحرب على سورية... لعبة عقول

بينما يقول الحسم العسكري كلمته الفصل في الميدان، قال السوريون كلمتهم في صناديق الاقتراع، ليكون بذلك الحسم الدستوري، وهذا يدلّ على درجة الوعي السوري وصلابته وتماسكه واقتناعه بأنّ الدولة السورية صعبة المراس قوية الأساس بعدما جرت عدة محاولات لخطف انتباهه باختلاق مجموعة من الانطباعات لاستبدالها باقتناعه، إذ لا يتمّ الانتصار على أصحاب الحقوق بصراع الإرادات بل باستبدال الاقتناع بالانطباع. الديمقراطية هي العامل الأساسي في إضفاء ثوب الشرعية على جسد الدولة عندما يبلغ هذا الشعب مستوى مرتفعاً من الوعي السياسي ويتمكّن من امتلاك رصيد كاف من ثقافة المواطنة تؤهّله لممارسة الديمقراطية. خيار إسقاط النظام السوري كان منذ البدء قرار إسقاط رأس الهرم في الدولة، فكلمة نظام لا تقف إلاّ على النقيض تماماً من كلمة فوضى، وفي محاولة لاستقراء الواقع السوري نرى أنّ كلمة نظام قريبة جداً من مفردة الدولة، لذلك اشتُغل على إسقاط الدولة السورية في عيون السوريين بطرح شعار «إسقاط النظام» كي يكون أرضية التحركات فيسقط رأس الهرم في الدولة السورية. بذلك، شكل المفهوم المؤسساتي الهدف الرئيسي للقوى المعادية عبر امتداداتها الداخلية، في محاولة منهم لكسر الحلقة السورية وإعطاء فرصة للمعارضة الخارجية لتوطيد وجودها في الداخل عبر تكوين فئة شعبية تشكل الحاضنة الشرعية لهم عبر تشويه صورة المؤسسات والاعتداء عليها وإبداء عدم فاعليتها للتصدّي. إسقاط الدولة السورية كان يستلزم إحداث شرخ في الشارع السوري عبر شقّه بين موالاة ومعارضة، وتظهير أن ثمة صراعاً واضحاً بين طرفين سوريين متناظرين، بيد أنهم لم يدركوا أنّ الموالاة والمعارضة حالات نسبية تتسع وتضيق من خلال الوعي السياسي لمفهوم الموالاة والمعارضة. أما الآن، وبعدما قال الشعب السوري كلمته الفصل وظهّر رغبته في بقائه خلف القيادة السورية، فإنّه أنهى بذلك حرب العقول، إذ نُسقط من تفكيرنا المصطلحات المغلوطة والمشككة التي حاولوا تعظيمها عبر استقطابها الحضور الشعبي وعبر شعارات براقة، فإننا نكون أنهينا الحرب بذلك. صحيح أن رحى الحرب تدور داخل الجغرافيا السورية بكثافة النيران المطلقة… لكنها في النهاية لعبة عقول.

المصدر : البناء /عدي رستم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة