تواجه تركيا مأزقاً جديداً في العراق يتعرى أكثر بالمزيد من الشواهد. ففي كلمة أمام الجالية التركية في فيينا أمس الأول انتقد رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، جماعة فتح الله غولين، قائلاً إنها كانت تحاول ايقاف الشاحنات التي كانت تركيا ترسلها الى "اخوتنا التركمان" في سوريا وكانت تحمل مساعدات إنسانية لتضلل الرأي العام "بأننا نرسل أسلحة الى هناك".

كلام أردوغان يطرح سؤالاً عن السياسات العرقية التي تتبعها حكومته، بحيث تركّز على إرسال المساعدات الى التركمان، تحديداً، في سوريا، وليس الى المكونات الأخرى من الشعب السوري.

هذا الأمر يعكس سياسة تركية ثابتة في استخدام الأقليات العرقية والمذهبية من أجل تمرير سياسات خارجية أو تحقيق مكاسب داخلية. وهي بالمناسبة سياسة لا تقتصر على إسلاميي "حزب العدالة والتنمية"، بل على كل العقل السياسي التركي منذ استقلال الجمهورية في العام 1923. ولكن كما أن كلام أردوغان عن شاحنات "إنسانية" الى سوريا غير صحيح، اذ إن هذه الشاحنات كانت ملأى بالصواريخ والقذائف؛ وقد تم عرضُ بعضها سابقاً، فإن "انسانية" أردوغان تظهر في مكان ولكنها بقدرة قادر تختفي في مكان آخر. وهكذا مثلاً، لم يكن ممكناً على تركمان مدينة تلعفر ومحيطها أن يحظوا بأي لفتة من أردوغان.

لقد هدد أردوغان بالتدخل في سوريا عسكرياً في حال سيطر مقاتلو "حزب العمال الكردستاني" على مناطق في شمال سوريا. وهؤلاء هم أكراد سوريون والأرض سورية. ومع ذلك هدد أردوغان باجتياح المناطق الكردية.

أما اليوم، ففي حين يدّعي أردوغان أنه يدافع عن التركمان في سوريا، فإنه وقف هو وإعلامه ساكتين ليس فقط عن مجازر "داعش" في العراق ولا سيما إعدام 1700 مجند في تكريت، بل أيضاً على المجازر في مدينة تلعفر وكلهم من التركمان لكن من طائفة أخرى. وقال إن تركمان العراق لا ينتظرون سوى دعم إنساني.

وفي لقائه الآنف الذكر في فيينا عارض أردوغان أي تدخل عسكري أميركي ضد "داعش"، قائلاً إن أي هجمات جوية ستودي بمئات القتلى من المدنيين.

لم ينتقد أحد من مسؤولي "العدالة والتنمية" مجازر "داعش" في العراق ولا وصفها أي منهم بالإرهابية، ولكنهم يعترضون على غارات لم تقع بعد وقد لا تقع.

أيضاً كلنا يذكر كيف أن أردوغان خرق الدستور التركي وكان مستعداً لدعم عملية عسكرية أميركية ضد الدولة السورية في الصيف الماضي بسبب مجزرة لم يكن حينها قد تأكد أحد مَن هو مرتكبها. كان مستعداً للمشاركة في العملية خارج أي قرار لمجلس الأمن الدولي وما قد يترتب على ذلك من مجازر.

وأشارت صحيفة "زمان" في عددها الصادر أمس، أن الحدود التركية مع سوريا والعراق قد تحولت الى مركز لتهريب النفط الذي تُستَخدم أمواله لتمويل المنظمات الإرهابية مثل "داعش". وقالت الصحيفة إن غالبية محطات المحروقات في جنوب تركيا قد تأثرت بذلك سلباً، نتيجة بيع كميات الوقود المُهرّبة خارج المحطات، ولا سيما في ايلازيغ وتونجيلي وغازي عينتاب.

من ناحية أخرى، بدأت ترتفع الأصوات المؤيدة لـ"حزب العدالة والتنمية" من مخاطر ما يحدث في العراق على الاقتصاد التركي. وقد رأى الكاتب في صحيفة "يني شفق" المؤيدة للحزب الحاكم، أونسال بان، أن سيطرة "داعش" على مساحات واسعة من العراق يخلق قلقاً كبيراً للاقتصاد التركي لجهة تأثيرها على واردات النفط. يقول الكاتب إن سعر برميل النفط قد ارتفع الى 115 دولاراً؛ وهو السعر الأعلى خلال تسعة أشهر.

ووفقاً لوكالة الطاقة العالمية، فإن الطلب اليومي على النفط سيكون خلال العام 2014 حوالي 93 مليار دولار. كما سيرتفع الطلب على النفط من 92 مليون برميل يومياً الى 94 مليوناً. ويمكن للطلب أن يتزايد مع بدء تعافي الاقتصاد الأميركي وبدء خروج أوروبا من جمودها الاقتصادي.

يقول الكاتب إن كلفة هجوم "داعش" ستكون كبيرة جداً على الاقتصاد العالمي. اذ إن ارتفاع سعر برميل النفط من 109 الى 115 دولاراً، يجعل الكلفة اليومية في العالم للنفط 557 مليون دولار. وفي حال ارتفع سعر البرميل الى 120 دولاراً مع نهاية العام الجاري فإن الكلفة ستكون ضخمة.

 

وهذا المشهد سيؤثر على تركيا وسيزداد الإحساس بالضغط لكون تركيا بلداً مستورداً للنفط. وأي متغيرات صغيرة تؤثر على ميزان التجارة الخارجية ونسبة العجز.

فالفاتورة النفطية التركية في العام 2013 كانت 56 مليار دولار. وكلما ارتفع سعر البرميل دولاراً واحداً زادت الكلفة سنوياً 550-600 مليون دولار.

ومنذ أن ازداد سعر البرميل بعد احتلال الموصل ستة دولارات، فإن الكلفة ارتفعت الى 1.7 مليار دولار. واذا وصل سعر النفط الى 122-123 في نهاية العام فستبلغ الكلفة أربعة مليارات دولار. وفي ظل تأثير الارتفاع والكلفة على سعر الفائدة فإن العجز التجاري التركي قد يزداد من 50 الى 54 مليار دولار.

  • فريق ماسة
  • 2014-06-20
  • 10591
  • من الأرشيف

كلفة "غزوة داعش" على أنقرة وازدواجية المعايير في العراق

تواجه تركيا مأزقاً جديداً في العراق يتعرى أكثر بالمزيد من الشواهد. ففي كلمة أمام الجالية التركية في فيينا أمس الأول انتقد رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، جماعة فتح الله غولين، قائلاً إنها كانت تحاول ايقاف الشاحنات التي كانت تركيا ترسلها الى "اخوتنا التركمان" في سوريا وكانت تحمل مساعدات إنسانية لتضلل الرأي العام "بأننا نرسل أسلحة الى هناك". كلام أردوغان يطرح سؤالاً عن السياسات العرقية التي تتبعها حكومته، بحيث تركّز على إرسال المساعدات الى التركمان، تحديداً، في سوريا، وليس الى المكونات الأخرى من الشعب السوري. هذا الأمر يعكس سياسة تركية ثابتة في استخدام الأقليات العرقية والمذهبية من أجل تمرير سياسات خارجية أو تحقيق مكاسب داخلية. وهي بالمناسبة سياسة لا تقتصر على إسلاميي "حزب العدالة والتنمية"، بل على كل العقل السياسي التركي منذ استقلال الجمهورية في العام 1923. ولكن كما أن كلام أردوغان عن شاحنات "إنسانية" الى سوريا غير صحيح، اذ إن هذه الشاحنات كانت ملأى بالصواريخ والقذائف؛ وقد تم عرضُ بعضها سابقاً، فإن "انسانية" أردوغان تظهر في مكان ولكنها بقدرة قادر تختفي في مكان آخر. وهكذا مثلاً، لم يكن ممكناً على تركمان مدينة تلعفر ومحيطها أن يحظوا بأي لفتة من أردوغان. لقد هدد أردوغان بالتدخل في سوريا عسكرياً في حال سيطر مقاتلو "حزب العمال الكردستاني" على مناطق في شمال سوريا. وهؤلاء هم أكراد سوريون والأرض سورية. ومع ذلك هدد أردوغان باجتياح المناطق الكردية. أما اليوم، ففي حين يدّعي أردوغان أنه يدافع عن التركمان في سوريا، فإنه وقف هو وإعلامه ساكتين ليس فقط عن مجازر "داعش" في العراق ولا سيما إعدام 1700 مجند في تكريت، بل أيضاً على المجازر في مدينة تلعفر وكلهم من التركمان لكن من طائفة أخرى. وقال إن تركمان العراق لا ينتظرون سوى دعم إنساني. وفي لقائه الآنف الذكر في فيينا عارض أردوغان أي تدخل عسكري أميركي ضد "داعش"، قائلاً إن أي هجمات جوية ستودي بمئات القتلى من المدنيين. لم ينتقد أحد من مسؤولي "العدالة والتنمية" مجازر "داعش" في العراق ولا وصفها أي منهم بالإرهابية، ولكنهم يعترضون على غارات لم تقع بعد وقد لا تقع. أيضاً كلنا يذكر كيف أن أردوغان خرق الدستور التركي وكان مستعداً لدعم عملية عسكرية أميركية ضد الدولة السورية في الصيف الماضي بسبب مجزرة لم يكن حينها قد تأكد أحد مَن هو مرتكبها. كان مستعداً للمشاركة في العملية خارج أي قرار لمجلس الأمن الدولي وما قد يترتب على ذلك من مجازر. وأشارت صحيفة "زمان" في عددها الصادر أمس، أن الحدود التركية مع سوريا والعراق قد تحولت الى مركز لتهريب النفط الذي تُستَخدم أمواله لتمويل المنظمات الإرهابية مثل "داعش". وقالت الصحيفة إن غالبية محطات المحروقات في جنوب تركيا قد تأثرت بذلك سلباً، نتيجة بيع كميات الوقود المُهرّبة خارج المحطات، ولا سيما في ايلازيغ وتونجيلي وغازي عينتاب. من ناحية أخرى، بدأت ترتفع الأصوات المؤيدة لـ"حزب العدالة والتنمية" من مخاطر ما يحدث في العراق على الاقتصاد التركي. وقد رأى الكاتب في صحيفة "يني شفق" المؤيدة للحزب الحاكم، أونسال بان، أن سيطرة "داعش" على مساحات واسعة من العراق يخلق قلقاً كبيراً للاقتصاد التركي لجهة تأثيرها على واردات النفط. يقول الكاتب إن سعر برميل النفط قد ارتفع الى 115 دولاراً؛ وهو السعر الأعلى خلال تسعة أشهر. ووفقاً لوكالة الطاقة العالمية، فإن الطلب اليومي على النفط سيكون خلال العام 2014 حوالي 93 مليار دولار. كما سيرتفع الطلب على النفط من 92 مليون برميل يومياً الى 94 مليوناً. ويمكن للطلب أن يتزايد مع بدء تعافي الاقتصاد الأميركي وبدء خروج أوروبا من جمودها الاقتصادي. يقول الكاتب إن كلفة هجوم "داعش" ستكون كبيرة جداً على الاقتصاد العالمي. اذ إن ارتفاع سعر برميل النفط من 109 الى 115 دولاراً، يجعل الكلفة اليومية في العالم للنفط 557 مليون دولار. وفي حال ارتفع سعر البرميل الى 120 دولاراً مع نهاية العام الجاري فإن الكلفة ستكون ضخمة.   وهذا المشهد سيؤثر على تركيا وسيزداد الإحساس بالضغط لكون تركيا بلداً مستورداً للنفط. وأي متغيرات صغيرة تؤثر على ميزان التجارة الخارجية ونسبة العجز. فالفاتورة النفطية التركية في العام 2013 كانت 56 مليار دولار. وكلما ارتفع سعر البرميل دولاراً واحداً زادت الكلفة سنوياً 550-600 مليون دولار. ومنذ أن ازداد سعر البرميل بعد احتلال الموصل ستة دولارات، فإن الكلفة ارتفعت الى 1.7 مليار دولار. واذا وصل سعر النفط الى 122-123 في نهاية العام فستبلغ الكلفة أربعة مليارات دولار. وفي ظل تأثير الارتفاع والكلفة على سعر الفائدة فإن العجز التجاري التركي قد يزداد من 50 الى 54 مليار دولار.

المصدر : السفير /محمد نورالدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة