المعارضة السورية والخارجية منها على وجه الخصوص باتت مثل من يدور في متاهة، يبحث عن من يدله إلى باب الخروج منها، ومن سوء طالعها، أن هذا الدليل غير موجود في الوقت الراهن على الأقل، ولا يوجد أي مؤشر بأنه سيتم العثور عليه في المستقبل القريب.

فمجموعة “أصدقاء سورية” بدأت تلفظ أنفاسها، والأخضر الإبراهيمي المبعوث الدولي والعربي استقال من مهامه يائِسا محبطا لاعنا اليوم الذي قبل فيه بهذه المهمة، ولولا أن شعر رأسه أشيب من الأساس لقلنا أن بياضه من شدة معاناته من السوريين حكومة ومعارضة! وها هو يغادر منصبه دون وداع، تماما مثلما حصل مع الضحية السابقة كوفي انان.

أما مؤتمر جنيف وصيغته الذي كان بمثابة عنصر  “الإلهاء” في المشهد السوري و”عظمة” لإشغال السياسيين والإعلاميين معا، ولإبقاء ملف الأزمة السورية حيا في وجدان الرأي العام العربي والعالمي فقد لفظ أنفاسه دون أن يتقبل احد العزاء فيه.

***

عندما تدعو وزارة الخارجية المصرية 11 معارضا سوريا مستقلا من الوزن الثقيل، ومن مختلف ألوان الطيف السياسي والديني والعرقي إلى القاهرة تحت غطاء المشاركة في ندوة حوارية نظمها المجلس المصري للشؤون الخارجية (رسمي) مطلع هذا الأسبوع، فان هذا يعني أن مصر تريد البحث عن جسم سياسي سوري جديد، وبلورة موقف مختلف أو متواز مع منظومة أصدقاء سورية التي هي عضو فيها، وبما يؤدي إلى إعادة تأهيل النظام السوري واستيعابه مجددا في المحيط الرسمي العربي.

أهمية هذا التحرك الرسمي المصري تنبع من ثلاثة أمور أساسية يجب التوقف عندها متأملين ومحللين:

*الأول: أن هذه الندوة الحوارية تأتي قبل اقل من عشرة أيام لانتخابات الرئاسة المصرية التي من المؤكد أن يفوز فيها المشير عبد الفتاح السيسي (فاز بنسبة 94.4 في المئة من أصوات المصريين في الخارج)، ولن نستغرب تكرار النسبة نفسها في النتائج النهائية بسبب شعبيته أولا ومقاطعة الإخوان المسلمين وأنصارهم ثانيا.

*الثاني: أن نبيل فهمي وزير الخارجية المصري التقى المشاركين فيها والمنتقين بعناية من بينهم (معاذ الخطيب، هيثم مناع، عارف دليلة، جهاد مقدسي، وليد البني، والممثل جمال سليمان وآخرين) في خطوة لافتة تعكس “سورية المستقبل” التي تتطلع الحكومة المصرية اليها.

*الثالث: أن القاسم المشترك بين جميع أفراد المجموعة هذه كونهم علمانيين ليس من بينهم إسلامي واحد، على عكس الائتلاف الوطني السوري الذي يضم عددا كبيرا من الإخوان المسلمين وجميعهم يرفضون تسليح المعارضة والخيار العسكري لإسقاط النظام، وهذا يعني أن الحكومة المصرية الحالية تريد أن تكون “سورية الجديدة” نسخة من “مصر السيسي” بشكل أو بآخر.

لا نعرف ما إذا كان هذا التوجه لسلطة الانقلاب العسكري تجاه الأزمة السورية يعكس موقفا جديدا، أم أنه تطوير لسياسة قديمة، والسؤال الآخر حول ما إذا كان هذا التوجه تم بالتنسيق مع حلفاء مصر في الخليج أولا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ثانيا”، أم انه مبادرة مصرية بحتة؟

نطرح هذه الأسئلة لأننا نعلم جيدا أن المملكة العربية السعودية هي الداعم الأكبر للائتلاف الوطني السوري ورئيسه السيد احمد الجربا، مثلما نعلم أيضا أن فرنسا قررت قبل يومين فتح سفارة لهذا الائتلاف في باريس استتباعا لقرار أمريكي أوروبي برفع مستوى تمثيل مكاتب الائتلاف إلى مستوى بعثة دبلوماسية، فإذا كان الموقف المصري المتبلور جاء بالتنسيق المسبق مع الرياض، فهذا قد يعكس تغييرا وشيكا في السياسة السعودية تجاه الملف السوري، والتخلي عن الائتلاف، وما يرجح ذلك رغبة القيادة السعودية في فتح حوار مع إيران حول كل القضايا الخلافية معها ومن بينها الأزمة السورية.

لا يخامرنا أدنى شك بأن الائتلاف السوري يعاني من أزمات متلاحقة، بعد فشله في أن يكون “الخيمة الجامعة” لمختلف الجماعات والفصائل السورية المعارضة، وإحكام سيطرته ونفوذه على الكتائب المقاتلة على الأرض، وتكوين حكومة بديلة في المناطق التي من المفترض أن يكون صاحب الكلمة العليا فيها في الداخل السوري، وتفاقم الانقسامات في صفوفه.

اتفاق حمص الأخير الذي أدى إلى انسحاب المقاتلين من المدينة القديمة، كان بمثابة الصفعة الأقوى للائتلاف وكل القوى العربية والأجنبية الداعمة له، لأنه تم بين النظام والمقاتلين المحاصرين بصورة مباشرة ودون وسطاء، وبحضور مندوبين الأول الإيراني والثاني من الأمم المتحدة، وبينما كان دور الأول فاعلا ومشاركا في كل التفاصيل، كان الثاني مراقبا أو شاهد زور، ولإضفاء طابع أممي شكلي، وليس ضامنا للاتفاق.

الائتلاف السوري “يترنح”، ويخرج من أزمة ليقع في أخرى، فبعد الانشقاقات في صفوفه، واستقالة “وزير” الدفاع في حكومته (اسعد مصطفى)، وتزايد التكهنات حول الاجتماع المقرر الشهر المقبل في اسطنبول لانتخاب رئيس جديد، وقد تجد المعارضة السورية نفسها أمام فراغ سياسي وقيادي غير مسبوق، في وقت يقيم فيه النظام سرادق الفرح استعدادا للاحتفال بفوز الرئيس بشار الأسد بولاية ثالثة.

***

الدور المصري ربما يكون في تقديرنا الأنشط في الأزمة السورية في المرحلة المقبلة، ولكن بطريقة مختلفة فهناك قواسم مشتركة بين الرئيسين المصري والسوري وانتخاباتها الرئاسية، أولها أن فوزهما مؤكد فيها، وثانيهما أن منافسيهما مجرد “ديكور” وثالثهما أن الاثنين خلفيتهما ونظامهما عسكرية (الأسد يحمل رتبة عسكرية وخدم في الجيش بعد عودته من لندن)، ورابعهما عداؤهما الصارخ للإسلام السياسي، والإخوان المسلمين على وجه الخصوص، وهذه كلها أرضيات مشتركة تحتم التقارب لا التنافس أو التصادم.

لا نستبعد أن يزيل المشير “الرئيس″ عبد الفتاح السيسي في الأسابيع المقبلة “قناع الحياد” عن وجهه الذي ارتداه طوال العامين الماضيين، ويعلن تأييده المبطن أو العلني التدريجي للنظام في سورية تحت عنوان “محاربة الإرهاب”، ومن يريد أن يعرف ما سيجري في سورية عليه أن يتابع ما يجري في ليبيا والجنرال خليفة حفتر على وجه الخصوص.

  • فريق ماسة
  • 2014-05-20
  • 8425
  • من الأرشيف

الائتلاف يلفظ أنفاسه الاخيرة.. هل يعلن السيسي تأييده للأسد ؟

المعارضة السورية والخارجية منها على وجه الخصوص باتت مثل من يدور في متاهة، يبحث عن من يدله إلى باب الخروج منها، ومن سوء طالعها، أن هذا الدليل غير موجود في الوقت الراهن على الأقل، ولا يوجد أي مؤشر بأنه سيتم العثور عليه في المستقبل القريب. فمجموعة “أصدقاء سورية” بدأت تلفظ أنفاسها، والأخضر الإبراهيمي المبعوث الدولي والعربي استقال من مهامه يائِسا محبطا لاعنا اليوم الذي قبل فيه بهذه المهمة، ولولا أن شعر رأسه أشيب من الأساس لقلنا أن بياضه من شدة معاناته من السوريين حكومة ومعارضة! وها هو يغادر منصبه دون وداع، تماما مثلما حصل مع الضحية السابقة كوفي انان. أما مؤتمر جنيف وصيغته الذي كان بمثابة عنصر  “الإلهاء” في المشهد السوري و”عظمة” لإشغال السياسيين والإعلاميين معا، ولإبقاء ملف الأزمة السورية حيا في وجدان الرأي العام العربي والعالمي فقد لفظ أنفاسه دون أن يتقبل احد العزاء فيه. *** عندما تدعو وزارة الخارجية المصرية 11 معارضا سوريا مستقلا من الوزن الثقيل، ومن مختلف ألوان الطيف السياسي والديني والعرقي إلى القاهرة تحت غطاء المشاركة في ندوة حوارية نظمها المجلس المصري للشؤون الخارجية (رسمي) مطلع هذا الأسبوع، فان هذا يعني أن مصر تريد البحث عن جسم سياسي سوري جديد، وبلورة موقف مختلف أو متواز مع منظومة أصدقاء سورية التي هي عضو فيها، وبما يؤدي إلى إعادة تأهيل النظام السوري واستيعابه مجددا في المحيط الرسمي العربي. أهمية هذا التحرك الرسمي المصري تنبع من ثلاثة أمور أساسية يجب التوقف عندها متأملين ومحللين: *الأول: أن هذه الندوة الحوارية تأتي قبل اقل من عشرة أيام لانتخابات الرئاسة المصرية التي من المؤكد أن يفوز فيها المشير عبد الفتاح السيسي (فاز بنسبة 94.4 في المئة من أصوات المصريين في الخارج)، ولن نستغرب تكرار النسبة نفسها في النتائج النهائية بسبب شعبيته أولا ومقاطعة الإخوان المسلمين وأنصارهم ثانيا. *الثاني: أن نبيل فهمي وزير الخارجية المصري التقى المشاركين فيها والمنتقين بعناية من بينهم (معاذ الخطيب، هيثم مناع، عارف دليلة، جهاد مقدسي، وليد البني، والممثل جمال سليمان وآخرين) في خطوة لافتة تعكس “سورية المستقبل” التي تتطلع الحكومة المصرية اليها. *الثالث: أن القاسم المشترك بين جميع أفراد المجموعة هذه كونهم علمانيين ليس من بينهم إسلامي واحد، على عكس الائتلاف الوطني السوري الذي يضم عددا كبيرا من الإخوان المسلمين وجميعهم يرفضون تسليح المعارضة والخيار العسكري لإسقاط النظام، وهذا يعني أن الحكومة المصرية الحالية تريد أن تكون “سورية الجديدة” نسخة من “مصر السيسي” بشكل أو بآخر. لا نعرف ما إذا كان هذا التوجه لسلطة الانقلاب العسكري تجاه الأزمة السورية يعكس موقفا جديدا، أم أنه تطوير لسياسة قديمة، والسؤال الآخر حول ما إذا كان هذا التوجه تم بالتنسيق مع حلفاء مصر في الخليج أولا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ثانيا”، أم انه مبادرة مصرية بحتة؟ نطرح هذه الأسئلة لأننا نعلم جيدا أن المملكة العربية السعودية هي الداعم الأكبر للائتلاف الوطني السوري ورئيسه السيد احمد الجربا، مثلما نعلم أيضا أن فرنسا قررت قبل يومين فتح سفارة لهذا الائتلاف في باريس استتباعا لقرار أمريكي أوروبي برفع مستوى تمثيل مكاتب الائتلاف إلى مستوى بعثة دبلوماسية، فإذا كان الموقف المصري المتبلور جاء بالتنسيق المسبق مع الرياض، فهذا قد يعكس تغييرا وشيكا في السياسة السعودية تجاه الملف السوري، والتخلي عن الائتلاف، وما يرجح ذلك رغبة القيادة السعودية في فتح حوار مع إيران حول كل القضايا الخلافية معها ومن بينها الأزمة السورية. لا يخامرنا أدنى شك بأن الائتلاف السوري يعاني من أزمات متلاحقة، بعد فشله في أن يكون “الخيمة الجامعة” لمختلف الجماعات والفصائل السورية المعارضة، وإحكام سيطرته ونفوذه على الكتائب المقاتلة على الأرض، وتكوين حكومة بديلة في المناطق التي من المفترض أن يكون صاحب الكلمة العليا فيها في الداخل السوري، وتفاقم الانقسامات في صفوفه. اتفاق حمص الأخير الذي أدى إلى انسحاب المقاتلين من المدينة القديمة، كان بمثابة الصفعة الأقوى للائتلاف وكل القوى العربية والأجنبية الداعمة له، لأنه تم بين النظام والمقاتلين المحاصرين بصورة مباشرة ودون وسطاء، وبحضور مندوبين الأول الإيراني والثاني من الأمم المتحدة، وبينما كان دور الأول فاعلا ومشاركا في كل التفاصيل، كان الثاني مراقبا أو شاهد زور، ولإضفاء طابع أممي شكلي، وليس ضامنا للاتفاق. الائتلاف السوري “يترنح”، ويخرج من أزمة ليقع في أخرى، فبعد الانشقاقات في صفوفه، واستقالة “وزير” الدفاع في حكومته (اسعد مصطفى)، وتزايد التكهنات حول الاجتماع المقرر الشهر المقبل في اسطنبول لانتخاب رئيس جديد، وقد تجد المعارضة السورية نفسها أمام فراغ سياسي وقيادي غير مسبوق، في وقت يقيم فيه النظام سرادق الفرح استعدادا للاحتفال بفوز الرئيس بشار الأسد بولاية ثالثة. *** الدور المصري ربما يكون في تقديرنا الأنشط في الأزمة السورية في المرحلة المقبلة، ولكن بطريقة مختلفة فهناك قواسم مشتركة بين الرئيسين المصري والسوري وانتخاباتها الرئاسية، أولها أن فوزهما مؤكد فيها، وثانيهما أن منافسيهما مجرد “ديكور” وثالثهما أن الاثنين خلفيتهما ونظامهما عسكرية (الأسد يحمل رتبة عسكرية وخدم في الجيش بعد عودته من لندن)، ورابعهما عداؤهما الصارخ للإسلام السياسي، والإخوان المسلمين على وجه الخصوص، وهذه كلها أرضيات مشتركة تحتم التقارب لا التنافس أو التصادم. لا نستبعد أن يزيل المشير “الرئيس″ عبد الفتاح السيسي في الأسابيع المقبلة “قناع الحياد” عن وجهه الذي ارتداه طوال العامين الماضيين، ويعلن تأييده المبطن أو العلني التدريجي للنظام في سورية تحت عنوان “محاربة الإرهاب”، ومن يريد أن يعرف ما سيجري في سورية عليه أن يتابع ما يجري في ليبيا والجنرال خليفة حفتر على وجه الخصوص.

المصدر : رأي اليوم/ عبد الباري عطوان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة