يعقد اليوم في لندن اجتماع لمجموعة ‘أصدقاء سوريا’ الذي يبدو استكمالا للمحادثات التي أجراها وفد المعارضة السورية بقيادة زعيم الإئتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة أحمد الجربا وانتهت أمس الأول باجتماع مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي كرر تأكيده على فقدان الرئيس السوري بشار الأسد شرعيته وأن لا مكان له في سوريا المستقبل.

وسيغيب عن اجتماعات لندن الأخضر الإبراهيمي الذي فشل في وقف الحرب وترك سوريا كما قال في وضع بائس.

ورغم عدم توقع السوريين الكثير من اجتماع لندن إلا انه يأتي وسط تحولات في الموقفين البريطاني والفرنسي تجاه الأزمة السورية، خاصة بعد فشل ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني في الحصول على دعم من البرلمان للمشاركة في عمل عسكري ضد النظام السوري.

ووجه التحول هو تركير فرنسا وبريطانيا على ملف تحويل النظام السوري لمحكمة جرائم الحرب الدولية وأقناعهما الرئيس الأمريكي أوباما بدعم الخطوة الذي وافق عليها بعد تغيير صيغة المشروع وتحديد الصراع بسوريا بين النظام والمعارضة واستثناء الولايات المتحدة وجنودها وإسرائيل التي تحتل مرتفعات الجولان منذ عام 1967.

وفي تعليق لها على هذه الخطوة دعت صحيفة ‘نيويورك تايمز′ لتحقيق العدالة للسوريين، وفي واحدة من افتتاحياتها اتهمت مجلس الأمن الدولي بالفشل في وقف العنف في سوريا، بسبب الموقف الروسي والصيني الذي وقف بعناد أمام أي قرار يدعو لاتخاذ فعل ضد النظام السوري، وقامتا في الوقت نفسه بحماية الرئيس بشار الأسد.

وترى الصحيفة أن إحالة النظام السوري لمحكمة جرائم الحرب لن يوقف الحرب ولكنه تعبر عن حالة القرف العالمي من المذابح التي يرتكبها طرفا النزاع هناك، وتؤكد في الوقت نفسه أهمية تقديم المسؤولين للعدالة.

وسيجري التصويت على المشروع قريبا، والداعي له هو عدم انضمام سوريا لوثيقة روما التي ادت لولادة المحكمة مما يعني صعوبة تقديم المسؤولين السوريين ومحاكمتهم دون إحالتهم الى مجلس الأمن.

وأشارت الصحيفة للدور البريطاني والفرنسي باقناع واشنطن التي تخلت عن معارضتها لفكرة محاكمة سوريا بعد أن تم تعديل النص بشكل لا يورطها وإسرائيل. وفي مشروع القرار تم التحايل على النص وتعريف النزاع في إطاره الضيق بين الحكومة السورية والميليشيات الداعمة لها من جهة والمعارضة المسلحة من جهة آخرى حيث حدد النص النزاع بأنه بدأ في آذار/ مارس حتى الآن. ويستنثني ‘المسؤولين والأشخاص الحاليين’ من الدول التي لم تصادق على معاهدة إنشاء المحكمة إلا سوريا.

 

أداة مفيدة لأمريكا

وتقول الصحيفة إن الحالة تعكس علاقة الولايات المتحدة المتناقضة مع المحكمة، فقد وقع الرئيس بيل كلينتون على المعاهدة لكن الرئيس جورج دبليو بوش حاول إضعافها حتى وجدها المسؤولون في إدارته أداة مفيدة لملاحقة الرئيس السوداني عمر حسن احمد البشير. وتقول الصحيفة إن الرئيس أوباما أكثر دعما للمحكمة، فقد دعمت إدارته عام 2011 الجهود لفتح تحقيقات مع نظام معمر القذافي.

وترى الصحيفة إن هناك مبررا واضحا لفتح التحقيق في سوريا من قبل محكمة جرائم الحرب وهو مقتل أكثر من 15.000 سوري وتشريد 2.5 مليون لخارج بلادهم و تشريد 9 ملايين داخل سوريا. كما وتعرض المدنيون للتجويع والبراميل المتفجرة والعمليات الإنتحارية. ووصفت نافي بيلاي، مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان انتهاكات الحكومة بأنها تتفوق على تلك التي قامت بها قوات المعارضة، مع أن الأمم المتحدة وثقت عمليات قتل وتعذيب قامت بها قوات المعارضة.

ولا حاجة للتفكير في أن تدعم روسيا التي تواجه الغرب بسبب أوكرانيا أو الصين القرار، وفي الجانب الآخر هل تريدان حماية مجرمي الحرب؟

 

لحظة رواندا

ولا تزال الإدارة تواجه خيارات صعبة تترواح بين التدخل الكامل في الأزمة السورية وعدم التدخل بالكامل.

وتقول إدارة أوباما إنها تدعم المعارضة في محاولتها للإطاحة بنظام الأسد لكنها تتردد بتزويدهم بالسلاح النوعي والفعال القادر على نزع سيادة الأسد على الجو.

وبسبب الموقف المتردد والذي قاد لأزمات دبلوماسية ولحديث عن تغير في أولويات أمريكا في المنطقة يرى معلقون إن الادارة الأمريكية تعيش وضعا مثل الذي واجهه بيل كلينتون في رواندا.

واللافت للنظر ان الكثير من رموز تلك الفترة سواء كانوا نقادا لموقف كلينتون والداعين للتدخل هم من أعمدة إدارة أوباما، مثل سوزان رايس التي كانت موظفة صغيرة في مجلس الأمن القومي الأمريكي في حين الأزمة ودعت لعدم التدخل في المذابح في رواندا، وكانت هناك سامنثا باور مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة وكانت تعمل صحافية في حينه، وبنت سمعتها لنقدها الشديد لإدارة كلينتون الذي لم يتحرك أمام المذابح في رواندا. وبينهما هناك توم مالينوسكي، مدير منظمة هيومان رايتس ووتش الذي عين حديثا كمساعد لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون الديمقراطية، حقوق الإنسان والعمل.

وتعبر مواقف الثلاثة عن العلاقة بين رواندا وسوريا. وقد حلل مواقفهم مارك لاندر بمقال نشرته صحيفة ‘نيويورك تايمز′ جاء فيه أن مساعد وزيرالخارجية الجديد لشؤون نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان يستشف ‘لحظة رواندا’ في الأزمة المتصاعدة في سوريا. وتحدث ماليونسكي عن ابنته التي سألته عن الدور الذي لعبته إدارة الرئيس كلينتون قبل 20 عاما عندما فشلت الإدارة في منع حرب الإبادة في رواندا.. وقال مالينوسكي الذي كان كاتب خطابات وزير الخارجية في حينه وارن كريستوفر ‘ماذا سيقول أبناؤنا وأحفادنا عن زمننا عشرين عاما من الآن؟!’، و ‘مهما فعلنا فالإجابة التي سنقولها لن ترضيهم بالكامل’.

ويرى الكاتب أن الوضع مشابه لرد إدارة أوباما على الكارثة الإنسانية في عصرنا: الحرب الأهلية السورية فـ ‘ظلال رواندا تحوم على إدارة أوباما التي يلعب عدد كبير من أفرادها ممن كانوا مع كلينتون دورا مهما في النقاش حول رواندا. وبحلول الذكرى العشرين للإبادة في رواندا التي تأتي في ظل التراجعات في الدبلوماسية السورية مما يعني أن إدارة اوباما ‘تعيش لحظة رواندا’.

 

باور تتعاطف

وأشار الكاتب إلى خطاب ألقته باور قبل اسبوعين ربطت فيه بوضوح بين الحالتين، وكان الخطاب في المتحف الأمريكي لضحايا الهولوكوست بعد زيارة لرواندا للمشاركة في إحياء ذكرى المذابح.

ورغم نقدها الحاد لكلينتون عام 1994 إلا أنها أثنت على الرئيس أوباما الذي قالت إنه أنشأ لجنة رد سريع على العنف الذي يتطور إلى مذبحة، معددة منجزات هذه اللجنة من الرد على معمر القذافي والإطاحة به عام 2011، إلى عمل المستشارين العسكريين الأمريكيين في البحث عن زعيم ميليشيا جيش الرب اليوغندي، جوزف كوني.

ولم تنس سوريا حيث أحصت سلسلة من الفظائع التي شهدتها الأعوام الثلاثة الماضية من التجويع والبراميل المتفجرة والتعذيب المبرمج معترفة أن رد العالم لم يكن مناسبا و ‘هناك حاجة للقيام بجهود أكثر’.

 

سوزان رايس

ويذكر الكاتب بانتقادات باور في تلك الفترة لرايس، مستشارة الأمن القومي الحالية. وقد اعترفت رايس بخطئها وعبرت عن ندمها، وقالت’عاهدت نفسي أن لا أواجه أزمة مثلها أبدا، وسأقف إلى جانب اتخاذ فعل، وأتحمل اللهيب الذي تحتاجه الأزمة’.

مع أن موقف رايس من الأزمة الحالية هو الدفاع عن قرار الرئيس اوباما بعدم التدخل في سوريا وقالت ‘إن كان البديل هنا هو التدخل وإرسال قوات أمريكية هناك كما يناقش البعض، لكن تقدير الرئيس أنها ليست في المصلحة القومية’.

وهذا الموقف يؤشر لخيار خاطيء ترى فيه باور نوعا من التسليم وعدم التورط.

 

غياب الحماس

يرى الكاتب إن موقف مالينوسكي الذي كان مديرا لمنظمة ‘هيومان رايتس ووتش’ ففي خطاب لمشروع ترومان للأمن القومي بداية هذا الشهر تحدث مالينوسكي عن غياب الحماس العام لفعل شيء بشأن سوريا.

وقارن المزاج العام غير المبالي بالخوف والقلق الذي رافق النقاش حول رواندا وكوسوفو والبوسنة خلال فترة كلينتون.

واقتبس من كتاب باور ‘مشكلة من الجحيم’ والذي ذكرت كيف قالت لناشطي حوق الإنسان أنهم بحاجة لدعم الرأي العام إن ارادوا وقف المذابح في راوندا. وعلق مالينوسكي ‘وعدت نفسي أن لا أتخلى عن المسؤولية إن حصل وتسلمت منصبا في الحكومة’.

وكناشط حقوق إنسان دعا مالينوسكي الإدارة الأمريكية إلى العمل وتقديم الدعم الإنساني ووقف المذابح في سوريا، ولكنه تعاطف مع وضع أوباما والخيارات الصعبة التي يواجهها هناك. ومن خلال موقعه كمسؤول في مجال حقوق الإنسان فيمكنه ممارسة الضغط من الداخل. ويعتقد الكاتب أن اللغط حول سوريا مرتبط بنهاية ولاية أوباما الثانية ورغبة المسؤولين فيها بالحفاظ على سمعتهم بعد مغادرتهم المناصب مما يعني ان دوافعهم شخصية.

مما يترك امر سوريا معلقا ورهنا بهذا الواقع. ما لم يقله المسؤول أن غياب الحماس حول سوريا متعلق بالعامل الجهادي وهو ما التفت اليه المعلق في صحيفة ‘واشنطن بوست’ ديفيد إغناطيوس الذي حذر من الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) التي قال إنها تقوم بتعزيز وجودها في شرق سوريا مما يعطيها القدرة على شن هجمات ضد الولايات المتحدة.

 

غرفة الرعب تبني’داعش’

وكتب إغناطيوس ‘غرفة الرعب في الحرب الأهلية السورية ولدت جماعة إرهابية متطرفة جدا لدرجة أنها رفضت من تنظيم القاعدةـ هذه الجماعة السامة تقوم بإنشاء ملجأ آمنا لها في مدينة الرقة في شمال سوريا والتي يمكن أن تستخدم قريبا للهجوم على أهداف أجنبية’. وأضاف أن هدف داعش هو إنشاء خلافة إسلامية في العراق والشام ودمج جماعة أخرى موالية للقاعدة في سوريا وهي جبهة النصرة لأهل الشام، وهي الجماعة التي اختارها أيمن الظواهري العام الماضي لكي تكون ممثلا للقاعدة في سوريا بعد انتقاده وتوبيخه لأبو بكر البغدادي وأساليبه.

ويرى إغناطيوس إن التهديد الإرهابي في سوريا ينمو في مساحة مظلمة بين ضعف المعارضة المعتدلة والتي تناشد حلفاءها في الغرب تزويدها بالسلاح المتقدم، وبين الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه المحاصر.

 

حجم قواتها

وكشف الكاتب عن العمل الذي تقوم به المخابرات الأمريكية بالتعاون مع المخابرات في مخابرات الدول في الشرق الأوسط وأوروبا من أجل ملاحقة عناصر داعش والنصرة ومراقبة المقاتلين الأجانب الذين ينضمون إليهم. وقد أثمرت الجهود عن رسم ‘صورة’ عن الجهاديين السنة وشبكاتهم.

وكشفت الجهود عن عدد مقاتلي داعش الذي يتراوح ما بين 5.000 ـ 10.000 مقاتل وعدد أقل لجبهة النصرة 5.000 ـ 6.000 مقاتل من بين 110.000 مقاتل سوري، فيما يصل عدد مقاتلي أحرار الشام وهي جماعة سلفية متشددة إلى ما بين 10.000 ـ 15.000 مقاتل، ومع ذلك ينظر للمقاتلين في هذه الجماعات باعتبارهم الأشد اندفاعا وحماسا من بين مقاتلي المعارضة.

وكشفت التحقيقات الأمنية عن وجود 10.000- 15.000 مقاتل أجنبي رحلوا من مناطق متعددة وانضموا للجماعات الجهادية، من الشيشان، استراليا، ليبيا، بلجيكا. وعبرت المخابرات الأمريكية عن قلقها من 1.500 مقاتل يحملون الجوازات الأوروبية والتي تسمح لهم بالتحرك والسفر بحرية لأوروبا ودخول الولايات المتحدة بسهولة.

ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن داعش تقوم بتقديم خبرات تكتيكية ومعسكرات تدريب، وبناء بنى تحتية للمقاتلين الأجانب. كما وأصدر البغدادي وقادة أخرون في التنظيم عددا من التهديدات خلال العامين الماضين بضرب المصالح الأجنبية.

وبناء على هذا فستحاول داعش القيام بهجمات خارج الشرق الأوسط، فيما يقول المسؤولون إنهم استطاعوا ‘إحباط’ عددا من المؤامرت. فيما يرى المحللون أن الجماعة تركز جهودها في الوقت الحالي على مواجهة النظامين في بغداد ودمشق.

 

تمول نفسها

ومن أجل هذا تسيطر داعش على مدينة الرقة التي يعيش فيها حوالي 22.000 مواطن وتتحكم بمداخل ومخارج المدينة. وتستخدم داعش نفط المنطقة وتبيعه لتمويل عملياتها وتدعم خزينتها من عوائد النفط بعمليات الإختطاف والنشاطات الإجرامية الأخرى. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن داعش تعتمد في التمويل على نفسها ولم تعد بحاجة لدعم المتبرعين ومؤيديها في دول الخليج. وكما يشي اسمها، تطمح داعش لتحشيد السنة في كل من العراق وسوريا، ويتميز الفرع العراقي بتجربته الطويلة وسنوات القتال في ظل قيادة أبو مصعب الزرقاوي ضد القوات الأمريكية التي احتلت العراق. ويظل عدد المقاتلين في الفرع العراقي اقل من الفرع السوري، وقد لا يتجاوز المئات.

ويتميز مع ذلك بالتسلسل القيادي المحكم ويقود العمليات ضد قوات حكومة بغداد. وأكثر ما يخشاه مسؤولوا مكافحة الإرهاب ومحللوه هو قيام هذه الفروع التابعة للقاعدة أو الخارجة من عباءتها باستهداف اللاجئين الذين يعيشون في ظروف قاسية في لبنان والأردن وتركيا وداخل سوريا لخدمة أهدافها.

ويرى الكاتب في هذا ‘كابوسا’. ونقل عن مسؤول أمريكي مجرب نظره للتهديد الإرهابي القادم من سوريا والعراق باعتباره تطورا مثيرا للقلق منذ سنوات السبعينات من القرن الماضي. وفي الوقت الذي لم تعد الولايات المتحدة تركز كثيرا على الجهاديين مثلما فعلت قبل عقد إلا انهم لا يزالون مهتمين بها.

  • فريق ماسة
  • 2014-05-14
  • 12669
  • من الأرشيف

‘داعش’ تبني قوتها في الرقة… تمول عملياتها وتدرب جهاديين أجانب لضرب الغرب

يعقد اليوم في لندن اجتماع لمجموعة ‘أصدقاء سوريا’ الذي يبدو استكمالا للمحادثات التي أجراها وفد المعارضة السورية بقيادة زعيم الإئتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة أحمد الجربا وانتهت أمس الأول باجتماع مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي كرر تأكيده على فقدان الرئيس السوري بشار الأسد شرعيته وأن لا مكان له في سوريا المستقبل. وسيغيب عن اجتماعات لندن الأخضر الإبراهيمي الذي فشل في وقف الحرب وترك سوريا كما قال في وضع بائس. ورغم عدم توقع السوريين الكثير من اجتماع لندن إلا انه يأتي وسط تحولات في الموقفين البريطاني والفرنسي تجاه الأزمة السورية، خاصة بعد فشل ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني في الحصول على دعم من البرلمان للمشاركة في عمل عسكري ضد النظام السوري. ووجه التحول هو تركير فرنسا وبريطانيا على ملف تحويل النظام السوري لمحكمة جرائم الحرب الدولية وأقناعهما الرئيس الأمريكي أوباما بدعم الخطوة الذي وافق عليها بعد تغيير صيغة المشروع وتحديد الصراع بسوريا بين النظام والمعارضة واستثناء الولايات المتحدة وجنودها وإسرائيل التي تحتل مرتفعات الجولان منذ عام 1967. وفي تعليق لها على هذه الخطوة دعت صحيفة ‘نيويورك تايمز′ لتحقيق العدالة للسوريين، وفي واحدة من افتتاحياتها اتهمت مجلس الأمن الدولي بالفشل في وقف العنف في سوريا، بسبب الموقف الروسي والصيني الذي وقف بعناد أمام أي قرار يدعو لاتخاذ فعل ضد النظام السوري، وقامتا في الوقت نفسه بحماية الرئيس بشار الأسد. وترى الصحيفة أن إحالة النظام السوري لمحكمة جرائم الحرب لن يوقف الحرب ولكنه تعبر عن حالة القرف العالمي من المذابح التي يرتكبها طرفا النزاع هناك، وتؤكد في الوقت نفسه أهمية تقديم المسؤولين للعدالة. وسيجري التصويت على المشروع قريبا، والداعي له هو عدم انضمام سوريا لوثيقة روما التي ادت لولادة المحكمة مما يعني صعوبة تقديم المسؤولين السوريين ومحاكمتهم دون إحالتهم الى مجلس الأمن. وأشارت الصحيفة للدور البريطاني والفرنسي باقناع واشنطن التي تخلت عن معارضتها لفكرة محاكمة سوريا بعد أن تم تعديل النص بشكل لا يورطها وإسرائيل. وفي مشروع القرار تم التحايل على النص وتعريف النزاع في إطاره الضيق بين الحكومة السورية والميليشيات الداعمة لها من جهة والمعارضة المسلحة من جهة آخرى حيث حدد النص النزاع بأنه بدأ في آذار/ مارس حتى الآن. ويستنثني ‘المسؤولين والأشخاص الحاليين’ من الدول التي لم تصادق على معاهدة إنشاء المحكمة إلا سوريا.   أداة مفيدة لأمريكا وتقول الصحيفة إن الحالة تعكس علاقة الولايات المتحدة المتناقضة مع المحكمة، فقد وقع الرئيس بيل كلينتون على المعاهدة لكن الرئيس جورج دبليو بوش حاول إضعافها حتى وجدها المسؤولون في إدارته أداة مفيدة لملاحقة الرئيس السوداني عمر حسن احمد البشير. وتقول الصحيفة إن الرئيس أوباما أكثر دعما للمحكمة، فقد دعمت إدارته عام 2011 الجهود لفتح تحقيقات مع نظام معمر القذافي. وترى الصحيفة إن هناك مبررا واضحا لفتح التحقيق في سوريا من قبل محكمة جرائم الحرب وهو مقتل أكثر من 15.000 سوري وتشريد 2.5 مليون لخارج بلادهم و تشريد 9 ملايين داخل سوريا. كما وتعرض المدنيون للتجويع والبراميل المتفجرة والعمليات الإنتحارية. ووصفت نافي بيلاي، مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان انتهاكات الحكومة بأنها تتفوق على تلك التي قامت بها قوات المعارضة، مع أن الأمم المتحدة وثقت عمليات قتل وتعذيب قامت بها قوات المعارضة. ولا حاجة للتفكير في أن تدعم روسيا التي تواجه الغرب بسبب أوكرانيا أو الصين القرار، وفي الجانب الآخر هل تريدان حماية مجرمي الحرب؟   لحظة رواندا ولا تزال الإدارة تواجه خيارات صعبة تترواح بين التدخل الكامل في الأزمة السورية وعدم التدخل بالكامل. وتقول إدارة أوباما إنها تدعم المعارضة في محاولتها للإطاحة بنظام الأسد لكنها تتردد بتزويدهم بالسلاح النوعي والفعال القادر على نزع سيادة الأسد على الجو. وبسبب الموقف المتردد والذي قاد لأزمات دبلوماسية ولحديث عن تغير في أولويات أمريكا في المنطقة يرى معلقون إن الادارة الأمريكية تعيش وضعا مثل الذي واجهه بيل كلينتون في رواندا. واللافت للنظر ان الكثير من رموز تلك الفترة سواء كانوا نقادا لموقف كلينتون والداعين للتدخل هم من أعمدة إدارة أوباما، مثل سوزان رايس التي كانت موظفة صغيرة في مجلس الأمن القومي الأمريكي في حين الأزمة ودعت لعدم التدخل في المذابح في رواندا، وكانت هناك سامنثا باور مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة وكانت تعمل صحافية في حينه، وبنت سمعتها لنقدها الشديد لإدارة كلينتون الذي لم يتحرك أمام المذابح في رواندا. وبينهما هناك توم مالينوسكي، مدير منظمة هيومان رايتس ووتش الذي عين حديثا كمساعد لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون الديمقراطية، حقوق الإنسان والعمل. وتعبر مواقف الثلاثة عن العلاقة بين رواندا وسوريا. وقد حلل مواقفهم مارك لاندر بمقال نشرته صحيفة ‘نيويورك تايمز′ جاء فيه أن مساعد وزيرالخارجية الجديد لشؤون نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان يستشف ‘لحظة رواندا’ في الأزمة المتصاعدة في سوريا. وتحدث ماليونسكي عن ابنته التي سألته عن الدور الذي لعبته إدارة الرئيس كلينتون قبل 20 عاما عندما فشلت الإدارة في منع حرب الإبادة في رواندا.. وقال مالينوسكي الذي كان كاتب خطابات وزير الخارجية في حينه وارن كريستوفر ‘ماذا سيقول أبناؤنا وأحفادنا عن زمننا عشرين عاما من الآن؟!’، و ‘مهما فعلنا فالإجابة التي سنقولها لن ترضيهم بالكامل’. ويرى الكاتب أن الوضع مشابه لرد إدارة أوباما على الكارثة الإنسانية في عصرنا: الحرب الأهلية السورية فـ ‘ظلال رواندا تحوم على إدارة أوباما التي يلعب عدد كبير من أفرادها ممن كانوا مع كلينتون دورا مهما في النقاش حول رواندا. وبحلول الذكرى العشرين للإبادة في رواندا التي تأتي في ظل التراجعات في الدبلوماسية السورية مما يعني أن إدارة اوباما ‘تعيش لحظة رواندا’.   باور تتعاطف وأشار الكاتب إلى خطاب ألقته باور قبل اسبوعين ربطت فيه بوضوح بين الحالتين، وكان الخطاب في المتحف الأمريكي لضحايا الهولوكوست بعد زيارة لرواندا للمشاركة في إحياء ذكرى المذابح. ورغم نقدها الحاد لكلينتون عام 1994 إلا أنها أثنت على الرئيس أوباما الذي قالت إنه أنشأ لجنة رد سريع على العنف الذي يتطور إلى مذبحة، معددة منجزات هذه اللجنة من الرد على معمر القذافي والإطاحة به عام 2011، إلى عمل المستشارين العسكريين الأمريكيين في البحث عن زعيم ميليشيا جيش الرب اليوغندي، جوزف كوني. ولم تنس سوريا حيث أحصت سلسلة من الفظائع التي شهدتها الأعوام الثلاثة الماضية من التجويع والبراميل المتفجرة والتعذيب المبرمج معترفة أن رد العالم لم يكن مناسبا و ‘هناك حاجة للقيام بجهود أكثر’.   سوزان رايس ويذكر الكاتب بانتقادات باور في تلك الفترة لرايس، مستشارة الأمن القومي الحالية. وقد اعترفت رايس بخطئها وعبرت عن ندمها، وقالت’عاهدت نفسي أن لا أواجه أزمة مثلها أبدا، وسأقف إلى جانب اتخاذ فعل، وأتحمل اللهيب الذي تحتاجه الأزمة’. مع أن موقف رايس من الأزمة الحالية هو الدفاع عن قرار الرئيس اوباما بعدم التدخل في سوريا وقالت ‘إن كان البديل هنا هو التدخل وإرسال قوات أمريكية هناك كما يناقش البعض، لكن تقدير الرئيس أنها ليست في المصلحة القومية’. وهذا الموقف يؤشر لخيار خاطيء ترى فيه باور نوعا من التسليم وعدم التورط.   غياب الحماس يرى الكاتب إن موقف مالينوسكي الذي كان مديرا لمنظمة ‘هيومان رايتس ووتش’ ففي خطاب لمشروع ترومان للأمن القومي بداية هذا الشهر تحدث مالينوسكي عن غياب الحماس العام لفعل شيء بشأن سوريا. وقارن المزاج العام غير المبالي بالخوف والقلق الذي رافق النقاش حول رواندا وكوسوفو والبوسنة خلال فترة كلينتون. واقتبس من كتاب باور ‘مشكلة من الجحيم’ والذي ذكرت كيف قالت لناشطي حوق الإنسان أنهم بحاجة لدعم الرأي العام إن ارادوا وقف المذابح في راوندا. وعلق مالينوسكي ‘وعدت نفسي أن لا أتخلى عن المسؤولية إن حصل وتسلمت منصبا في الحكومة’. وكناشط حقوق إنسان دعا مالينوسكي الإدارة الأمريكية إلى العمل وتقديم الدعم الإنساني ووقف المذابح في سوريا، ولكنه تعاطف مع وضع أوباما والخيارات الصعبة التي يواجهها هناك. ومن خلال موقعه كمسؤول في مجال حقوق الإنسان فيمكنه ممارسة الضغط من الداخل. ويعتقد الكاتب أن اللغط حول سوريا مرتبط بنهاية ولاية أوباما الثانية ورغبة المسؤولين فيها بالحفاظ على سمعتهم بعد مغادرتهم المناصب مما يعني ان دوافعهم شخصية. مما يترك امر سوريا معلقا ورهنا بهذا الواقع. ما لم يقله المسؤول أن غياب الحماس حول سوريا متعلق بالعامل الجهادي وهو ما التفت اليه المعلق في صحيفة ‘واشنطن بوست’ ديفيد إغناطيوس الذي حذر من الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) التي قال إنها تقوم بتعزيز وجودها في شرق سوريا مما يعطيها القدرة على شن هجمات ضد الولايات المتحدة.   غرفة الرعب تبني’داعش’ وكتب إغناطيوس ‘غرفة الرعب في الحرب الأهلية السورية ولدت جماعة إرهابية متطرفة جدا لدرجة أنها رفضت من تنظيم القاعدةـ هذه الجماعة السامة تقوم بإنشاء ملجأ آمنا لها في مدينة الرقة في شمال سوريا والتي يمكن أن تستخدم قريبا للهجوم على أهداف أجنبية’. وأضاف أن هدف داعش هو إنشاء خلافة إسلامية في العراق والشام ودمج جماعة أخرى موالية للقاعدة في سوريا وهي جبهة النصرة لأهل الشام، وهي الجماعة التي اختارها أيمن الظواهري العام الماضي لكي تكون ممثلا للقاعدة في سوريا بعد انتقاده وتوبيخه لأبو بكر البغدادي وأساليبه. ويرى إغناطيوس إن التهديد الإرهابي في سوريا ينمو في مساحة مظلمة بين ضعف المعارضة المعتدلة والتي تناشد حلفاءها في الغرب تزويدها بالسلاح المتقدم، وبين الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه المحاصر.   حجم قواتها وكشف الكاتب عن العمل الذي تقوم به المخابرات الأمريكية بالتعاون مع المخابرات في مخابرات الدول في الشرق الأوسط وأوروبا من أجل ملاحقة عناصر داعش والنصرة ومراقبة المقاتلين الأجانب الذين ينضمون إليهم. وقد أثمرت الجهود عن رسم ‘صورة’ عن الجهاديين السنة وشبكاتهم. وكشفت الجهود عن عدد مقاتلي داعش الذي يتراوح ما بين 5.000 ـ 10.000 مقاتل وعدد أقل لجبهة النصرة 5.000 ـ 6.000 مقاتل من بين 110.000 مقاتل سوري، فيما يصل عدد مقاتلي أحرار الشام وهي جماعة سلفية متشددة إلى ما بين 10.000 ـ 15.000 مقاتل، ومع ذلك ينظر للمقاتلين في هذه الجماعات باعتبارهم الأشد اندفاعا وحماسا من بين مقاتلي المعارضة. وكشفت التحقيقات الأمنية عن وجود 10.000- 15.000 مقاتل أجنبي رحلوا من مناطق متعددة وانضموا للجماعات الجهادية، من الشيشان، استراليا، ليبيا، بلجيكا. وعبرت المخابرات الأمريكية عن قلقها من 1.500 مقاتل يحملون الجوازات الأوروبية والتي تسمح لهم بالتحرك والسفر بحرية لأوروبا ودخول الولايات المتحدة بسهولة. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن داعش تقوم بتقديم خبرات تكتيكية ومعسكرات تدريب، وبناء بنى تحتية للمقاتلين الأجانب. كما وأصدر البغدادي وقادة أخرون في التنظيم عددا من التهديدات خلال العامين الماضين بضرب المصالح الأجنبية. وبناء على هذا فستحاول داعش القيام بهجمات خارج الشرق الأوسط، فيما يقول المسؤولون إنهم استطاعوا ‘إحباط’ عددا من المؤامرت. فيما يرى المحللون أن الجماعة تركز جهودها في الوقت الحالي على مواجهة النظامين في بغداد ودمشق.   تمول نفسها ومن أجل هذا تسيطر داعش على مدينة الرقة التي يعيش فيها حوالي 22.000 مواطن وتتحكم بمداخل ومخارج المدينة. وتستخدم داعش نفط المنطقة وتبيعه لتمويل عملياتها وتدعم خزينتها من عوائد النفط بعمليات الإختطاف والنشاطات الإجرامية الأخرى. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن داعش تعتمد في التمويل على نفسها ولم تعد بحاجة لدعم المتبرعين ومؤيديها في دول الخليج. وكما يشي اسمها، تطمح داعش لتحشيد السنة في كل من العراق وسوريا، ويتميز الفرع العراقي بتجربته الطويلة وسنوات القتال في ظل قيادة أبو مصعب الزرقاوي ضد القوات الأمريكية التي احتلت العراق. ويظل عدد المقاتلين في الفرع العراقي اقل من الفرع السوري، وقد لا يتجاوز المئات. ويتميز مع ذلك بالتسلسل القيادي المحكم ويقود العمليات ضد قوات حكومة بغداد. وأكثر ما يخشاه مسؤولوا مكافحة الإرهاب ومحللوه هو قيام هذه الفروع التابعة للقاعدة أو الخارجة من عباءتها باستهداف اللاجئين الذين يعيشون في ظروف قاسية في لبنان والأردن وتركيا وداخل سوريا لخدمة أهدافها. ويرى الكاتب في هذا ‘كابوسا’. ونقل عن مسؤول أمريكي مجرب نظره للتهديد الإرهابي القادم من سوريا والعراق باعتباره تطورا مثيرا للقلق منذ سنوات السبعينات من القرن الماضي. وفي الوقت الذي لم تعد الولايات المتحدة تركز كثيرا على الجهاديين مثلما فعلت قبل عقد إلا انهم لا يزالون مهتمين بها.

المصدر : القدس العربي’/ إبراهيم درويش


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة