طلبت المملكة العربية السعودية من الجامعة العربية توجيه الدعوة لعقد اجتماع طارىء لوزراء الخارجية العرب

لبحث تطورات الاوضاع في سورية، وخاصة الانتخابات الرئاسية المقررة في الثلث الاخير من الشهر الحالي.

طلبات السعودية لا ترد، ولذلك قرر السيد نبيل العربي الامين العام للجامعة تحديد يوم الاثنين المقبل لعقد الاجتماع الطارىء في العاصمة السعودية الرياض، وابلغ وزراء الخارجية العرب بالموعد الجديد.

فجأة، ودون ابداء اي اسباب، طلبت الخارجية السعودية الغاء هذا الاجتماع، وقال السيد احمد بن حلي نائب الامين العام للجامعة المتخصص في امتصاص مثل هذه الصدمات في تصريح مقتضب جدا عكس حالة من الحرج “تقرر تأجيل الاجتماع بناء على طلب السعودية” ولم يدل بأي معلومات اضافية، فالرجل معذور فهو مجرد ساعي بريد وليس صاحب قرار.

السؤال الذي يفرض نفسه بالحاح هو عن الاسباب التي دعت السلطات السعودية الى الدعوة المفاجئة لهذا الاجتماع الطارىء، والمسارعة الى الغائه بسرعة قياسية وفي غضون ساعات، ودون تحديد اي موعد جديد مثلما تجرى العادة في مثل هذه الحالات؟

***

لا بد ان تطورا هاما كان وراء هذا الالغاء لا نعلمه في الايام القادمة، وربما لن نعلمه بحكم حالة التكتم السعودية المعروفة، ولذلك لم يبق امامنا غير التكهن، كأن يكون بعض الوزراء اعترضوا او اعتذروا عن المشاركة بحجة ارتباطات مسبقة، وقرروا ارسال من ينوب عنهم خاصة ان اجتماعا لمنظومة "اصدقاء سورية" سيعقد يوم الخميس المقبل في لندن بحضور خمسة وزراء خارجية عرب (السعودية، مصر، قطر، الاردن، الامارات) الى جانب وزراء خارجية امريكا وبريطانيا وايطاليا وفرنسا وتركيا والمانيا، ولبحث الموضوع نفسه اي الاوضاع في سورية.

 

الامر الاكثر احتمالا ان قضيتين اساسيتين دفعتا القيادة السعودية للدعوة لعقد هذا المؤتمر الطارىء لوزراء الخارجية العرب بمثل هذه السرعة.

*الاولى: اصرار الرئيس السوري بشار الاسد على المضي قدما في اجراء انتخابات رئاسية في الثلث الاخير من هذا الشهر تجدد فترة رئاسته لسبعة اعوام اخرى.

*الثانية: صفقة التبادل في حمص بين النظام والجماعات المسلحة مما ادى الى انتهاء الحصار، وخروج المقاتلين، والافراج عن معتقلين موالين للنظام، والسماح بدخول مواد اغاثة لمدينتين معظم سكانها  في نبل والزهراء قرب حلب محاصرتين من قبل قوات المعارضة.

المضي قدما في الانتخابات الرئاسية خطوة تشكل تحديا للدول الداعمة للمعارضة السورية المسلحة، لانها تعني وأد مؤتمر جنيف ودفن قراراته، خاصة تلك التي تطالب بانشاء هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة تضم اعضاء من النظام والمعارضة وتستثني الرئيس الاسد شخصيا وتلغي اي دور مستقبلي له في سورية، وتبديد اي امل، ولو ضعيف، حول امكانية رحيله، وبقاءه في قمة السلطة، لو كتبت له الحياة، بالتالي لسنوات قد تشهد خروج خصومه منها واحدا بعد الآخر، سواء بقضاء الله، او بانقلابات، او بنهاية الولاية ديمقراطيا.

اما صفقة التبادل في حمص فتنطوي على معاني ورموز لا تقل خطورة، لانها تمت تحت اشراف الامم المتحدة، ودون اي دور للمعارضة الخارجية التي يمثلها الائتلاف الوطني السوري المعارض، بل ولم يعلم بتفاصيلها الا من خلال الصحف ومحطات التلفزة، والاهم من ذلك دون اي دور للجامعة العربية والدول العربية التي انفقت المليارات من الدولارات لدعم المعارضة السورية وتسليحها على مدى السنوات الثلاث الماضية.

المملكة العربية السعودية الداعم الاكبر للمعارضة السورية تخشى من سابقة هذا الاختراق الكبير المتمثل في المفاوضات المباشرة بين النظام وبعض الفصائل المعارضة، وتخشى اكثر من تكرارها في مناطق اخرى مع قيادات عسكرية ميدانية، مما يلغي عمليا وجود مظلة الائتلاف الوطني السياسية التي من المفترض ان تكون" ندا وبديلا"، للنظام في" تمثيل الشعب السوري"، ويكشف الهشاشة التمثيلية لهذه المظلة.

نجاح النظام في اعادة فرض سيطرته الكاملة على مدينة حمص “عاصمة” انطلاق " الثورة السورية المسلحة"، تشكل ضربة ثلاثية: معنوية وسياسية وعسكرية للمعارضة السورية والدول الداعمة لها، عربية كانت ام غربية، لان هذا النجاح الذي جاء بعد استعادة مناطق مثل اقليم القلمون والقصير ويبرود شكل، ويشكل، تغييرا كبيرا لصالح النظام في معادلة القوة والنفوذ على الارض.

***

ان يشاهد مسؤولون عرب الرئيس السوري بشار الاسد في كامل اناقته ولياقته البدنية وبصحبته زوجته، يتجولون في احياء سورية في وضح النهار، ويحمل اطفالا بين ذراعيه، ويربت على رؤوس آخرين، امام عدسات التلفزة وكاميراتها، وبعد ثلاث سنوات من الحرب والحصار، والابعاد من الجامعة العربية، واعطاء منبر القمة للسيد الجربا، والسيد معاذ الخطيب من قبله، لالقاء كلمة سورية، فان هذا يصيبهم قطعا بغصة مريرة في الحلق، وربما اغماءة، قصيرة كانت او طويلة كمدا واحباطا.

لا نبالغ اذا قلنا ان الدعوة السعودية هذه، ورغم الغائها، تنطوي على رغبة في عمل “انتقامي ما” لا نعرف كنهه للرد على النظام واستفزازه المذكور آنفا، ولذلك لو كنت مكان النظام لشعرت بالقلق، لان احتمالات تزويد المعارضة بصواريخ مضادة للطائرات لتغيير معادلة القوة على الارض، وتحييد سلاح الطيران السوري، وغاراته وبراميله المتفجرة قد تكون باتت وشيكة، فمن الواضح ان السعودية التي تضغط في هذا الاتجاه تعيش فورة غضب قوية في ظل تقدم النظام وتراجع المعارضة المسلحة في ميادين المعارك، وتفاقم الخلافات والانقسامات وحرب التصفيات الدموية فيما بينها.

مؤتمر" اصدقاء سورية" المنعقد في لندن اواخر الاسبوع المقبل قد يكون مختلفا هذه المرة، او هكذا نعتقد، لانه مؤتمر الغاضبين المحبطين المحرجين والله اعلم.

  • فريق ماسة
  • 2014-05-13
  • 12737
  • من الأرشيف

لماذا طلبت السعودية اجتماعا طارئا حول سورية لوزراء الخارجية العرب ثم الغته بسرعة؟

طلبت المملكة العربية السعودية من الجامعة العربية توجيه الدعوة لعقد اجتماع طارىء لوزراء الخارجية العرب لبحث تطورات الاوضاع في سورية، وخاصة الانتخابات الرئاسية المقررة في الثلث الاخير من الشهر الحالي. طلبات السعودية لا ترد، ولذلك قرر السيد نبيل العربي الامين العام للجامعة تحديد يوم الاثنين المقبل لعقد الاجتماع الطارىء في العاصمة السعودية الرياض، وابلغ وزراء الخارجية العرب بالموعد الجديد. فجأة، ودون ابداء اي اسباب، طلبت الخارجية السعودية الغاء هذا الاجتماع، وقال السيد احمد بن حلي نائب الامين العام للجامعة المتخصص في امتصاص مثل هذه الصدمات في تصريح مقتضب جدا عكس حالة من الحرج “تقرر تأجيل الاجتماع بناء على طلب السعودية” ولم يدل بأي معلومات اضافية، فالرجل معذور فهو مجرد ساعي بريد وليس صاحب قرار. السؤال الذي يفرض نفسه بالحاح هو عن الاسباب التي دعت السلطات السعودية الى الدعوة المفاجئة لهذا الاجتماع الطارىء، والمسارعة الى الغائه بسرعة قياسية وفي غضون ساعات، ودون تحديد اي موعد جديد مثلما تجرى العادة في مثل هذه الحالات؟ *** لا بد ان تطورا هاما كان وراء هذا الالغاء لا نعلمه في الايام القادمة، وربما لن نعلمه بحكم حالة التكتم السعودية المعروفة، ولذلك لم يبق امامنا غير التكهن، كأن يكون بعض الوزراء اعترضوا او اعتذروا عن المشاركة بحجة ارتباطات مسبقة، وقرروا ارسال من ينوب عنهم خاصة ان اجتماعا لمنظومة "اصدقاء سورية" سيعقد يوم الخميس المقبل في لندن بحضور خمسة وزراء خارجية عرب (السعودية، مصر، قطر، الاردن، الامارات) الى جانب وزراء خارجية امريكا وبريطانيا وايطاليا وفرنسا وتركيا والمانيا، ولبحث الموضوع نفسه اي الاوضاع في سورية.   الامر الاكثر احتمالا ان قضيتين اساسيتين دفعتا القيادة السعودية للدعوة لعقد هذا المؤتمر الطارىء لوزراء الخارجية العرب بمثل هذه السرعة. *الاولى: اصرار الرئيس السوري بشار الاسد على المضي قدما في اجراء انتخابات رئاسية في الثلث الاخير من هذا الشهر تجدد فترة رئاسته لسبعة اعوام اخرى. *الثانية: صفقة التبادل في حمص بين النظام والجماعات المسلحة مما ادى الى انتهاء الحصار، وخروج المقاتلين، والافراج عن معتقلين موالين للنظام، والسماح بدخول مواد اغاثة لمدينتين معظم سكانها  في نبل والزهراء قرب حلب محاصرتين من قبل قوات المعارضة. المضي قدما في الانتخابات الرئاسية خطوة تشكل تحديا للدول الداعمة للمعارضة السورية المسلحة، لانها تعني وأد مؤتمر جنيف ودفن قراراته، خاصة تلك التي تطالب بانشاء هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة تضم اعضاء من النظام والمعارضة وتستثني الرئيس الاسد شخصيا وتلغي اي دور مستقبلي له في سورية، وتبديد اي امل، ولو ضعيف، حول امكانية رحيله، وبقاءه في قمة السلطة، لو كتبت له الحياة، بالتالي لسنوات قد تشهد خروج خصومه منها واحدا بعد الآخر، سواء بقضاء الله، او بانقلابات، او بنهاية الولاية ديمقراطيا. اما صفقة التبادل في حمص فتنطوي على معاني ورموز لا تقل خطورة، لانها تمت تحت اشراف الامم المتحدة، ودون اي دور للمعارضة الخارجية التي يمثلها الائتلاف الوطني السوري المعارض، بل ولم يعلم بتفاصيلها الا من خلال الصحف ومحطات التلفزة، والاهم من ذلك دون اي دور للجامعة العربية والدول العربية التي انفقت المليارات من الدولارات لدعم المعارضة السورية وتسليحها على مدى السنوات الثلاث الماضية. المملكة العربية السعودية الداعم الاكبر للمعارضة السورية تخشى من سابقة هذا الاختراق الكبير المتمثل في المفاوضات المباشرة بين النظام وبعض الفصائل المعارضة، وتخشى اكثر من تكرارها في مناطق اخرى مع قيادات عسكرية ميدانية، مما يلغي عمليا وجود مظلة الائتلاف الوطني السياسية التي من المفترض ان تكون" ندا وبديلا"، للنظام في" تمثيل الشعب السوري"، ويكشف الهشاشة التمثيلية لهذه المظلة. نجاح النظام في اعادة فرض سيطرته الكاملة على مدينة حمص “عاصمة” انطلاق " الثورة السورية المسلحة"، تشكل ضربة ثلاثية: معنوية وسياسية وعسكرية للمعارضة السورية والدول الداعمة لها، عربية كانت ام غربية، لان هذا النجاح الذي جاء بعد استعادة مناطق مثل اقليم القلمون والقصير ويبرود شكل، ويشكل، تغييرا كبيرا لصالح النظام في معادلة القوة والنفوذ على الارض. *** ان يشاهد مسؤولون عرب الرئيس السوري بشار الاسد في كامل اناقته ولياقته البدنية وبصحبته زوجته، يتجولون في احياء سورية في وضح النهار، ويحمل اطفالا بين ذراعيه، ويربت على رؤوس آخرين، امام عدسات التلفزة وكاميراتها، وبعد ثلاث سنوات من الحرب والحصار، والابعاد من الجامعة العربية، واعطاء منبر القمة للسيد الجربا، والسيد معاذ الخطيب من قبله، لالقاء كلمة سورية، فان هذا يصيبهم قطعا بغصة مريرة في الحلق، وربما اغماءة، قصيرة كانت او طويلة كمدا واحباطا. لا نبالغ اذا قلنا ان الدعوة السعودية هذه، ورغم الغائها، تنطوي على رغبة في عمل “انتقامي ما” لا نعرف كنهه للرد على النظام واستفزازه المذكور آنفا، ولذلك لو كنت مكان النظام لشعرت بالقلق، لان احتمالات تزويد المعارضة بصواريخ مضادة للطائرات لتغيير معادلة القوة على الارض، وتحييد سلاح الطيران السوري، وغاراته وبراميله المتفجرة قد تكون باتت وشيكة، فمن الواضح ان السعودية التي تضغط في هذا الاتجاه تعيش فورة غضب قوية في ظل تقدم النظام وتراجع المعارضة المسلحة في ميادين المعارك، وتفاقم الخلافات والانقسامات وحرب التصفيات الدموية فيما بينها. مؤتمر" اصدقاء سورية" المنعقد في لندن اواخر الاسبوع المقبل قد يكون مختلفا هذه المرة، او هكذا نعتقد، لانه مؤتمر الغاضبين المحبطين المحرجين والله اعلم.

المصدر : رأي اليوم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة