دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بعد صولات وجولات في عواصم العالم، حط “منشق” سوري في عاصمة عربية. اعتاد على بث المعنويات في صفوف المعارضين وخصوصا المنشقين. كانوا ينتظرونه لتمضية سهرات عامرة بالمعلومات عن تحرك أميركي ضد دمشق او فرض عقوبات جديدة على “رجال النظام” او خطة لتزويد المقاتلين بسلاح نوعي أو وصول مسلحين إضافيين. لم يكن ذاك “المنشق” من الوزن العادي. زملاؤه يحسدونه على قدرته على اقامة علاقات طيبة متوازنة مع عواصم غربية وعربية دون ان يغضب احداً. يعترف أصدقاؤه المعارضون انه كان الاكثر واقعية من بين الاخرين. كان يجزم ان لا سقوط للرئيس السوري بشار الاسد الا بعد مرور سنتين، في وقت كان يراهن معارضون على سقوط يحسبون له أسابيع او بضعة اشهر بأحسن الأحوال.
السهرة الاخيرة بدأها “المنشق” بجملة: “راحت علينا يا شباب”.. أساساً كان عدد الحاضرين أقل من اعداد اي جلسة. لم يسأل هو عن الغياب. مرّ سريعاً عن تراجع اهتمام الأميركيين بما يجري في سوريا، أشار الى زيارة رئيس “الائتلاف” احمد الجربا، جازماً بأنها كانت “لرفع العتب”. لم يخف سر تبدل الأولويات عند الأميركيين، الهم الاساسي بالنسبة اليهم تسوية الملف النووي الإيراني. بات على يقين ان هناك صفقة كبرى يتدرج “الكبار” في عقدها.
تابع “المنشق” نفسه الحديث عن خوف الأوروبيين من تمدد المتطرفين انطلاقاً من سوريا، هواجس عواصم اوروبا تتسابق. لم تعد تصدق ما يقال عن قدرة المعارضين على محاربة المتطرفين. وعرج على الدول العربية بقوله: سئموا منا. قال ان مصر غيرت المعطيات حول سوريا. اقسم ان الجيش المصري ينسّق سراً مع الجيش السوري خصوصا في المجال الاستخباراتي. يجمعهما العداء للإخوان المسلمين. وأشار الى تواصل قطري مع ايران فرمل اندفاعة الدوحة نسبياً تجاه سوريا. تحدث عن وفاء السعودية لكنه فصّل في القدرة والدور وحسابات المنطقة وتوجه الاميركيين والتغييرات الداخلية في المملكة، ليصل لاستنتاج: ماذا يمكن ان يفعلوا اكثر؟
النقاش توسع بين “نجم الجلسات” والحاضرين خصوصا حول الأوضاع الميدانية. سألوا عن سر تنفيذ اتفاق حمص: ما هو سبب التخلي عن هذه المدينة؟ ما هو الثمن؟ لقد قضى الاتفاق على ما تبقى من امل لهم بتعديل ميداني. جزم هو ان لا قدرة على تغيير التوازنات. سقطت القلمون و جاء اتفاق حمص واصبحت المساحة الممتدة من اللاذقية الى طرطوس وحمص وريف دمشق فالعاصمة مستقرة. لقد ذهب زمن الوعيد بإجتياح العاصمة الى فترة مضت. بالكاد يصمد المقاتلون في جوبر ومحيطها كتهديد لدمشق. سألوا: ما المانع ان تشهد تلك الاحياء ما شهدته حمص؟
صمتٌ رافق الحديث عن خلافات المجموعات. كتائب “الجيش الحر” لم تعد قادرة. وصلت أنباء عن تعاون مع “جيش النظام” او هروب الى خارج سوريا، او التحاق بجبهات اسلامية متشددة. الواقع مأساوي تزيده اخبار القتال بين “داعش” والآخرين في الشمال والشرق. لم يقتنع معظم الحاضرين في السهرة بصدفة مقتل اكثر من عشرة قياديين في غضون ساعات في الحسكة ودير الزور وريف حلب وصولا الى درعا. ثمة امر مريب بالنسبة اليهم. سألوا: هل تصفية القيادات مقدمة لفكفكة المجموعات؟.
جردة حساب لم تكن بالحسبان توسعت للحديث عن تقارير ومعطيات عن تبدل أجواء الرأي العام. المفاجأة كانت في حمص التي تدفق اليها الأهالي فورا بعد ساعات من خروج المقاتلين من الاحياء القديمة. العودة السريعة كانت مؤشرا سلبيا بالنسبة الى المعارضين، ستتكرر في المناطق التالية.
نكات خرقت تلك الأجواء حول انتخابات الرئاسة. احدهم سأل “نجمَ السهرة” : لماذا لم تترشح؟ لكن بالمحصلة اجمع الحاضرون على ان الانتخابات ستجري والعالم سيتعامل مع الواقع.
المفاجأة ان أحد الحاضرين اعترف بقدرة الاسد على الصمود بنجاح: لم نكن نتوقع ذلك. كان الاعتقاد ان حجم الهجوم عليه سيؤدي الى هروبه.
خلال السهرة تذمر احد الحاضرين- عادة يستمع ويوافق دون نقاش على اي تدبير- قائلا: انظروا الى داعمي الاسد دوليا وإقليميا باتوا أقوى، الأميركيون يريدون التسوية على حسابنا، والأوروبيون يخافون من التطرف ويلحقون بالأميركيين، لا بيئة حاضنة لطروحاتنا اليوم بعكس الأعوام السابقة، ماذا سنقول؟ بماذا سنعد؟ نظمنا حملات إعلامية وسياسية، أقنعنا العالم بطروحاتنا، أرضينا اسرائيل، صورنا ان الجيش فرط، خضنا حربا على الداعمين الاقتصاديين للنظام، ” أتذكرون الحرب التي خضناها ضد رامي مخلوف ؟ لكن من يصدقنا اليوم؟ أجزم بأن شعبية الاسد ازدادت في الأشهر الماضية، كان اصدق منا.
الحاضرون ذُهلوا من حدة الكلام، سأله أحدهم: كآنك تنوي العودة الى دمشق؟ رد وهو يغادر: لو استطعت لسافرت من صباح الغد. تصبحون على خير.
المصدر :
النشرة /عباس ضاهر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة