كان قد أحكم الخطّة التالية، بعد نجاح عملية حبيب الشرتوني بتفجير بيت الكتائب والتخلّص من الرئيس الذي جاء به "الإسرائيلي" للبنان اي بشير الجميّل، الخطة كانت هي اغتيال رئيس أركان الجيش "الإسرائيلي" إرييل شارون وعدد من مرافقيه وضبّاطه، وذلك في فندق ألكسندر في الأشرفية في بيروت، غير أن تغيير المكان المحدد للاجتماع أنقذ شارون ومن معه من موت محتّم، ذلك أن من وضع الخطّة رجل لم يسجّل له فشل في أي من الأعمال التي أوكلت إليه أو تلك التي خطط لها ونفّذها، كما يقول مقرّبون كانوا على علاقة وثيقة وقريبة منه أيام كان يمسك بالملفّ الأمني أيام الاجتياح "الإسرائيلي" للبنان عام ١٩٨٢.

واحد، من بين قلائل لا نعرف الكثير عنهم، نذروا حياتهم من أجل ما هو أسمى من كل متع الحياة وهو حياة أمتهم. هو نبيل العلم الذي صرعه المرض أخيرًا، وقد صارع في حياته دولاً كبرى وهزم مشاريعها ومخططاتها. فقد تناقلت أوساط السوريين القوميين خبر موته من دون الإفصاح عن مكان وفاته الذي يعتقد بعض المقرّبين من رعيل المقاومة القومية أنه توفي في البرازيل، وفي ظلّ صمت مطبق من الحزب القومي الذي بدا وكأن الأمر لا يعنيه، وأن من مات مجرّد مغترب في بلاد الله الواسعة تعود أصوله إلى جبيل اللبنانية، وهو الذي عاش الاثنتين وثلاثين سنة الأخيرة من عمره متخفّيًا، ذلك أنه مطلوب للدولة اللبنانية بـ"جرم" اغتيال بشير الجميل، وملاحق من الاستخبارات "الإسرائيلية" والأميركية، كونه العقل المدبّر للكثير من العمليات التي استهدفت "إسرائيل" وعملاءها، سواء في لبنان أو في قلب فلسطين المحتلة.

مات نبيل العلم أخيرًا،.. ولا أخفي أني مسرور لموته بعيدًا، ومن دون أن يعرف عنه الحزب القومي الكثير. فلقد شاهدت صورة تجمعه بشريكيه الأساسيين حبيب الشرتوني وحسين الشيخ في عملية اغتيال بشير الجميل، فحبيب كان البطل المنفّذ، وحسين كان مرافق العلم وساعده الأيمن الذي يؤكّد مقرّبون أنه رافقه إلى الصين وقام بإدخال المتفجّرات من مطار بيروت. لكن المؤكّد والمعروف للجميع أن حسين الشيخ هو من قام بإطلاق النار في شباط عام ١٩٥٤ على القاضي يوسف شربل الذي أصدر الحكم في اغتيال أنطون سعاده عام ١٩٤٩، وجعلت رصاصات حسين الشيخ الثلاث يوسف شربل مقعدًا مشلولاً مدى الحياة كعقوبة له.

تعرّفت إلى حسين الشيخ عام ٢٠٠٤ في مركز الحزب القومي في الروشة، وكانت آخر مرة أزور فيها هذا المركز، ذلك أن هذا البطل الذي نذر حياته من أجل "قضية تساوي وجوده" كان يعمل في بوفيه المركز ويقدّم القهوة والشاي وزهورات العدوى التي كسبها الحزب من غازي كنعان.

مسرور بموت نبيل العلم بعيدًا، في مكان من المؤكّد أن رفقاء له يقدّسون ما نذر حياته لأجله كانوا يرعونه ويحضنونه بصمت، ويؤثرونه على أنفسهم لأنهم يعرفون أن به خصاصة يدّعيها غيره.

مات في المنفى، وقد قضى حياته شهيدًا، ويموت اليوم شهيدًا تزيّن ذكراه أولى قلائد الشجاعة والذكاء، لأنه حاز واحدة من وقفات العزّ النادرة، حين تحدّى وحبيب الشرتوني الجميع ونفّذا حكم الأمة بخونتها، فحاز الخلود، وهو الذي فكّر وخطّط وفعل.

  • فريق ماسة
  • 2014-05-13
  • 10124
  • من الأرشيف

رحيل صامت للعقل المقاوم نبيل العلم

كان قد أحكم الخطّة التالية، بعد نجاح عملية حبيب الشرتوني بتفجير بيت الكتائب والتخلّص من الرئيس الذي جاء به "الإسرائيلي" للبنان اي بشير الجميّل، الخطة كانت هي اغتيال رئيس أركان الجيش "الإسرائيلي" إرييل شارون وعدد من مرافقيه وضبّاطه، وذلك في فندق ألكسندر في الأشرفية في بيروت، غير أن تغيير المكان المحدد للاجتماع أنقذ شارون ومن معه من موت محتّم، ذلك أن من وضع الخطّة رجل لم يسجّل له فشل في أي من الأعمال التي أوكلت إليه أو تلك التي خطط لها ونفّذها، كما يقول مقرّبون كانوا على علاقة وثيقة وقريبة منه أيام كان يمسك بالملفّ الأمني أيام الاجتياح "الإسرائيلي" للبنان عام ١٩٨٢. واحد، من بين قلائل لا نعرف الكثير عنهم، نذروا حياتهم من أجل ما هو أسمى من كل متع الحياة وهو حياة أمتهم. هو نبيل العلم الذي صرعه المرض أخيرًا، وقد صارع في حياته دولاً كبرى وهزم مشاريعها ومخططاتها. فقد تناقلت أوساط السوريين القوميين خبر موته من دون الإفصاح عن مكان وفاته الذي يعتقد بعض المقرّبين من رعيل المقاومة القومية أنه توفي في البرازيل، وفي ظلّ صمت مطبق من الحزب القومي الذي بدا وكأن الأمر لا يعنيه، وأن من مات مجرّد مغترب في بلاد الله الواسعة تعود أصوله إلى جبيل اللبنانية، وهو الذي عاش الاثنتين وثلاثين سنة الأخيرة من عمره متخفّيًا، ذلك أنه مطلوب للدولة اللبنانية بـ"جرم" اغتيال بشير الجميل، وملاحق من الاستخبارات "الإسرائيلية" والأميركية، كونه العقل المدبّر للكثير من العمليات التي استهدفت "إسرائيل" وعملاءها، سواء في لبنان أو في قلب فلسطين المحتلة. مات نبيل العلم أخيرًا،.. ولا أخفي أني مسرور لموته بعيدًا، ومن دون أن يعرف عنه الحزب القومي الكثير. فلقد شاهدت صورة تجمعه بشريكيه الأساسيين حبيب الشرتوني وحسين الشيخ في عملية اغتيال بشير الجميل، فحبيب كان البطل المنفّذ، وحسين كان مرافق العلم وساعده الأيمن الذي يؤكّد مقرّبون أنه رافقه إلى الصين وقام بإدخال المتفجّرات من مطار بيروت. لكن المؤكّد والمعروف للجميع أن حسين الشيخ هو من قام بإطلاق النار في شباط عام ١٩٥٤ على القاضي يوسف شربل الذي أصدر الحكم في اغتيال أنطون سعاده عام ١٩٤٩، وجعلت رصاصات حسين الشيخ الثلاث يوسف شربل مقعدًا مشلولاً مدى الحياة كعقوبة له. تعرّفت إلى حسين الشيخ عام ٢٠٠٤ في مركز الحزب القومي في الروشة، وكانت آخر مرة أزور فيها هذا المركز، ذلك أن هذا البطل الذي نذر حياته من أجل "قضية تساوي وجوده" كان يعمل في بوفيه المركز ويقدّم القهوة والشاي وزهورات العدوى التي كسبها الحزب من غازي كنعان. مسرور بموت نبيل العلم بعيدًا، في مكان من المؤكّد أن رفقاء له يقدّسون ما نذر حياته لأجله كانوا يرعونه ويحضنونه بصمت، ويؤثرونه على أنفسهم لأنهم يعرفون أن به خصاصة يدّعيها غيره. مات في المنفى، وقد قضى حياته شهيدًا، ويموت اليوم شهيدًا تزيّن ذكراه أولى قلائد الشجاعة والذكاء، لأنه حاز واحدة من وقفات العزّ النادرة، حين تحدّى وحبيب الشرتوني الجميع ونفّذا حكم الأمة بخونتها، فحاز الخلود، وهو الذي فكّر وخطّط وفعل.

المصدر : محمد سعيد حمادة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة