العملية العسكرية التي شنها الجيش السوري في منطقة حمص القديمة، كانت استكمالاً لما بدأه في منطقة القصير والريف الجنوبي والجنوبي الغربي لحمص، حيث استطاع استراتيجياً قطع أهم طرق الإمداد والتمويل من لبنان، على جميع المسلحين في المناطق الوسطى في سورية، وحتى في القلمون والغوطة، ما جعل المسلحين في حمص القديمة دون أي عمق استراتيجي، يساعدهم في الصمود داخل احيائها الضيقة. حتى منطقة الوعر والريف الشمالي، أصبح غير قادر على تقديم أي مساعدة للمسلحين داخل حمص. هذه الانجازات للجيش السوري دفعت المجموعات المسلحة كي تلجأ لاستخدام تكتيك السيارات المخففة في أحياء حمص الآمنة، لترتكب مجازر يندى لها الجبين وبالذات في منطقة حي الزهراء.

القرار العسكري المتخذ لدى قيادة العملية في الجيش السوري كان يقضي بدخول حمص القديمة ومحاصرة المجموعات المسلحة من الجامع الكبير وسوق الدجاج والسوق المسقوف وحتى حي القرابيص مروراً بأحياء الحميدية وباب هود وباب السايح لتشمل العملية العسكرية جميع تلك الاحياء. كان القرار واضحاً، بأنه يجب أن لا يبقى أي مسلح داخل حمص، الكثافة النارية والتكتيكات التي استخدمها الجيش السوري أوصلت المجموعات المسلحة إلى وضع سيء جداً .

الضغط العسكري الذي حققه الجيش السوري جعل المسلحين في أحياء حمص القديمة أمام خيار القبول بالانسحاب من دون شروط يصعب على الجيش السوري تنفيذها كي تكون لهم مبرراً منطقياً أمام المجموعات المسلحة في الريف الشمالي. المفاوضات مع المجموعات المسلحة كانت عبر وساطات أهلية محلية، تولت مهمة نقل طلبات الجيش السوري إلى المجموعات المسلحة، واستمرت تلك المفاوضات لأيام لتتوج بإعلان وقف إطلاق نار، ليتسنى للمفاوضين انجاز الاتفاق الذي سيشمل أكثر من ٩٠٠ مسلح، معظمهم من الفارين من منطقة القصير وريفها، بالإضافة إلى عدد من المسلحين جاؤوا من أحياء باب عمرو وسواها، وبعض المسلحين من أبناء المنطقة، حيث يتوزع هؤلاء المسلحون على 52 مجموعة، تندرج بين المبايعين لـ"داعش" و"جبهة النصرة" وبقايا "الجيش الحر" ومن تبقى من "كتيبة الفاروق"

جلسات المفاوضات كانت في منطقة محايدة في حمص القديمة وتحديداً في منطقة ديك الجن، حيث حضر مندوب من الأمم المتحدة وثلاثة قادة من المجموعات المسلحة، فيما حضر مندوب من الجيش السوري، ويشار إلى أنه حضر الجلسة ضباط أجانب يعتقد أنهم فرنسيون وكان همهم الأول ، مجموعة من المسلحين يعتقد أنهم أوروبيين، داخل حمص القديمة، ما يدلل على حرص الأمم المتحدة على انجاز الاتفاق في هذه المنطقة دون أي مناطق أخرى في سورية، بالذات بعد أن طلب وفد ما يسمى "ائتلاف المعارض" ذلك علانية وبأوامر من فورد شخصياً أثناء مفاوضات جنيف 2، وما تلاه من حرص شديد من المنظمة الدولية على إدخال المساعدات الغذائية للمجموعات المسلحة داخل حمص القديمة!.

في المفاوضات، كان ممثلوا الجيش والدولة السورية يصرون على تسليم المجموعات المسلحة وبشكل كامل خريطة الأنفاق التي حفروها داخل المدينة القديمة بالإضافة للإنفاق الرومانية القديمة التي جعلوا منها مقرات لهم بالإضافة إلى خريطة واضحة لتوزع العبوات الناسفة و الألغام. وقدم مندوب الدولة السورية لائحة بأسماء أكثر من 70 شخصاً مخطوفاً داخل أحياء حمص طالب بتسليمهم، بالإضافة إلى المطالبة بإخراج أكثر من 2500 من أهالي المدينة القديمة الذين احتجزتهم المجموعات المسلحة داخلها واتخذتهم كدروع بشرية، فضلاً عن المطالبة بطريق آمن يصل بلدتي نبل والزهراء لتزويدها بالإمدادت الغذائية والطبية في شمال حلب.

التحضيرات اللوجستية التي بدأت المجموعات المسلحة عاجزة عن تنفيذها، كانت أحد العوائق لتوقف المفاوضات ومطالبة المجموعات المسلحة بمراقبة دولية عليه، بعد أن فرض الجيش السوري ممراً وحيداً لخروج المجموعات المسلحة وعوائلها نحو ريف حمص الشمالي، وهو الطريق الواصل من طريق حمص حماة إلى تير معلة - الدار الكبير، والذي يصل نحو تلبيسة احد المعاقل الرئيسية للمجموعات المسلحة في الشمال الحمصي.

الشرط الذي أصر ممثلوا الدولة السورية هو وصولهم إلى منطقة الدار الكبيرة، لمعرفتهم التامة بالخلافات الواقعة بين المجموعات المسلحة في حمص القديمة والمسلحين في الدار الكبيرة وتلبيسة، ما يجعل عودتهم لحمل السلاح شبه مستحيلة، كونهم لن يفرغوا من حل إشكالياتهم مع المجموعات المسلحة المبايعة لـ"داعش" بيعة حرب، فيما أمهل الجيش السوري المجموعات المسلحة مهلة 48 ساعة لإتمام الاتفاق أو العودة للعملية العسكرية.

الإدارة الجيدة لملف المفاوضات، كان سببها الحقيقي هو الانجازات العسكرية للجيش السوري على الأرض، وهي التي دفعت مسلحي حي الوعر إلى تسليم أنفسهم للجيش السوري، فكان أكثر من 50 مسلحاً جلهم من الفارين من الجيش والقوى الأمنية يسلمون أنفسهم للجيش السوري، بالتزامن مع استلام الجيش السوري منطقة الوعر أمنيا، ويتولى فيها مهامه كاملة، وسيدخل الجيش إلى كافة المناطق التي سيتم الانسحاب منها في داخل حمص القديمة.

إن إخراج المجموعات المسلحة من حمص القديمة سيمنح الجيش السوري قدرة أوسع على المناورات القتالية في مواجهتها في مناطق الريف، وابعاد خطرها عن المدنيين داخل مدينة حمص، تمهيداً لعودة اهلها اليها.

  • فريق ماسة
  • 2014-05-03
  • 10929
  • من الأرشيف

بينهم ضباط أوروبيون..المفاوضات تمت في ديك الجن بإشراف أممي ..الجيش سيتسلم خريطة بالأنفاق المحفورة والألغام ويحرر المخطوفين

العملية العسكرية التي شنها الجيش السوري في منطقة حمص القديمة، كانت استكمالاً لما بدأه في منطقة القصير والريف الجنوبي والجنوبي الغربي لحمص، حيث استطاع استراتيجياً قطع أهم طرق الإمداد والتمويل من لبنان، على جميع المسلحين في المناطق الوسطى في سورية، وحتى في القلمون والغوطة، ما جعل المسلحين في حمص القديمة دون أي عمق استراتيجي، يساعدهم في الصمود داخل احيائها الضيقة. حتى منطقة الوعر والريف الشمالي، أصبح غير قادر على تقديم أي مساعدة للمسلحين داخل حمص. هذه الانجازات للجيش السوري دفعت المجموعات المسلحة كي تلجأ لاستخدام تكتيك السيارات المخففة في أحياء حمص الآمنة، لترتكب مجازر يندى لها الجبين وبالذات في منطقة حي الزهراء. القرار العسكري المتخذ لدى قيادة العملية في الجيش السوري كان يقضي بدخول حمص القديمة ومحاصرة المجموعات المسلحة من الجامع الكبير وسوق الدجاج والسوق المسقوف وحتى حي القرابيص مروراً بأحياء الحميدية وباب هود وباب السايح لتشمل العملية العسكرية جميع تلك الاحياء. كان القرار واضحاً، بأنه يجب أن لا يبقى أي مسلح داخل حمص، الكثافة النارية والتكتيكات التي استخدمها الجيش السوري أوصلت المجموعات المسلحة إلى وضع سيء جداً . الضغط العسكري الذي حققه الجيش السوري جعل المسلحين في أحياء حمص القديمة أمام خيار القبول بالانسحاب من دون شروط يصعب على الجيش السوري تنفيذها كي تكون لهم مبرراً منطقياً أمام المجموعات المسلحة في الريف الشمالي. المفاوضات مع المجموعات المسلحة كانت عبر وساطات أهلية محلية، تولت مهمة نقل طلبات الجيش السوري إلى المجموعات المسلحة، واستمرت تلك المفاوضات لأيام لتتوج بإعلان وقف إطلاق نار، ليتسنى للمفاوضين انجاز الاتفاق الذي سيشمل أكثر من ٩٠٠ مسلح، معظمهم من الفارين من منطقة القصير وريفها، بالإضافة إلى عدد من المسلحين جاؤوا من أحياء باب عمرو وسواها، وبعض المسلحين من أبناء المنطقة، حيث يتوزع هؤلاء المسلحون على 52 مجموعة، تندرج بين المبايعين لـ"داعش" و"جبهة النصرة" وبقايا "الجيش الحر" ومن تبقى من "كتيبة الفاروق" جلسات المفاوضات كانت في منطقة محايدة في حمص القديمة وتحديداً في منطقة ديك الجن، حيث حضر مندوب من الأمم المتحدة وثلاثة قادة من المجموعات المسلحة، فيما حضر مندوب من الجيش السوري، ويشار إلى أنه حضر الجلسة ضباط أجانب يعتقد أنهم فرنسيون وكان همهم الأول ، مجموعة من المسلحين يعتقد أنهم أوروبيين، داخل حمص القديمة، ما يدلل على حرص الأمم المتحدة على انجاز الاتفاق في هذه المنطقة دون أي مناطق أخرى في سورية، بالذات بعد أن طلب وفد ما يسمى "ائتلاف المعارض" ذلك علانية وبأوامر من فورد شخصياً أثناء مفاوضات جنيف 2، وما تلاه من حرص شديد من المنظمة الدولية على إدخال المساعدات الغذائية للمجموعات المسلحة داخل حمص القديمة!. في المفاوضات، كان ممثلوا الجيش والدولة السورية يصرون على تسليم المجموعات المسلحة وبشكل كامل خريطة الأنفاق التي حفروها داخل المدينة القديمة بالإضافة للإنفاق الرومانية القديمة التي جعلوا منها مقرات لهم بالإضافة إلى خريطة واضحة لتوزع العبوات الناسفة و الألغام. وقدم مندوب الدولة السورية لائحة بأسماء أكثر من 70 شخصاً مخطوفاً داخل أحياء حمص طالب بتسليمهم، بالإضافة إلى المطالبة بإخراج أكثر من 2500 من أهالي المدينة القديمة الذين احتجزتهم المجموعات المسلحة داخلها واتخذتهم كدروع بشرية، فضلاً عن المطالبة بطريق آمن يصل بلدتي نبل والزهراء لتزويدها بالإمدادت الغذائية والطبية في شمال حلب. التحضيرات اللوجستية التي بدأت المجموعات المسلحة عاجزة عن تنفيذها، كانت أحد العوائق لتوقف المفاوضات ومطالبة المجموعات المسلحة بمراقبة دولية عليه، بعد أن فرض الجيش السوري ممراً وحيداً لخروج المجموعات المسلحة وعوائلها نحو ريف حمص الشمالي، وهو الطريق الواصل من طريق حمص حماة إلى تير معلة - الدار الكبير، والذي يصل نحو تلبيسة احد المعاقل الرئيسية للمجموعات المسلحة في الشمال الحمصي. الشرط الذي أصر ممثلوا الدولة السورية هو وصولهم إلى منطقة الدار الكبيرة، لمعرفتهم التامة بالخلافات الواقعة بين المجموعات المسلحة في حمص القديمة والمسلحين في الدار الكبيرة وتلبيسة، ما يجعل عودتهم لحمل السلاح شبه مستحيلة، كونهم لن يفرغوا من حل إشكالياتهم مع المجموعات المسلحة المبايعة لـ"داعش" بيعة حرب، فيما أمهل الجيش السوري المجموعات المسلحة مهلة 48 ساعة لإتمام الاتفاق أو العودة للعملية العسكرية. الإدارة الجيدة لملف المفاوضات، كان سببها الحقيقي هو الانجازات العسكرية للجيش السوري على الأرض، وهي التي دفعت مسلحي حي الوعر إلى تسليم أنفسهم للجيش السوري، فكان أكثر من 50 مسلحاً جلهم من الفارين من الجيش والقوى الأمنية يسلمون أنفسهم للجيش السوري، بالتزامن مع استلام الجيش السوري منطقة الوعر أمنيا، ويتولى فيها مهامه كاملة، وسيدخل الجيش إلى كافة المناطق التي سيتم الانسحاب منها في داخل حمص القديمة. إن إخراج المجموعات المسلحة من حمص القديمة سيمنح الجيش السوري قدرة أوسع على المناورات القتالية في مواجهتها في مناطق الريف، وابعاد خطرها عن المدنيين داخل مدينة حمص، تمهيداً لعودة اهلها اليها.

المصدر : العهد /حسين مرتضى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة