يتجمهر العامة، وترتفع اليافطات، في عمان ومدن أخرى، لبّيك يا معان…

 يصدمك الخبر وتتساءل: وماذا في معان؟ ويأتيك الجواب على لسان مسؤول أردني، غوغاء ومخرّبون يعبثون بالأمن… وتتحرّك السلطات لمواجهتهم.

 المشهد والخبر يفرضان عليك العودة بالذاكرة إلى مطلع ربيع العام 2011، يوم هبّت وسائل الإعلام العربية والعالمية لتنشر أخبار «القمع» في درعا، وأنّ السلطة تقتل أبرياء… يطالبون بحقوقهم وقد امتُهنَت كراماتهم و…

 يومذاك تساءلنا وماذا في درعا؟ وكان الجواب نفسه، لكنّهم مسلحون ظهرت صورهم وأسلحتهم على الصفحات وهم يستهدفون المنشآت والمراكز ورجال الأمن والجيش، أحرقوا قصر العدل والمؤسسات بعد نهبها… قالوا: فورة دم، وادعوا أن السلطة لم تحسن إدارة أزمة محلية رغم الحقائق على أرض الواقع، فالسلطة بدأت إجراءات التحقيق واتخاذ الإجراءات التي من شأنها معالجة حالة مطلبية حقيقية، لكنها لم تكن كذلك.

 الذين كانوا يبيّتون لسورية سارعوا إلى أدواتهم وباشروا التحريض عبر الشاشات والصحف والمحافل الدولية، وخرجت الجموع في أماكن عديدة بحمية واندفاع غير مدركة الحقيقة وكان شعار: لبّيك يا درعا…! وهمسوا بصوت مسموع: هو الربيع السوري!

 النخوة العربانية أخرجت جموع مدينة دير الزور، تحرّكت خلايا الوهّابية النائمة على رأسها وحملت اليافطة نفسها، وأذكر أنّ مسؤولاً أمنياً كبيراً يتصف بالحكمة والعقلانية خرج ليشارك الجموع صراخها حتى وصل إلى المقدمة، التفت وقال بصوت جهوريّ: هيّا إلى درعا لنصرتها… عليهم يا شباب، وكان قبل ذلك أمر بإحضار سائر الحافلات الموجودة في المدينة لتأخذ مواقعها قرب الساحة، أشار إليها أن اصعدوا، وبعد قليل… دقائق، خلت الساحة ولاذ الصاخبون بالفرار بعد أن رموا يافطاتهم كأنّهم تناولوا جرعة من مضادات النخوة، لكنه استطرد قائلاً لمن بقي حوله: كنا سنذهب لنصرة درعا ومن هناك نتابع لنصرة فلسطين والقدس الشريف!

 بعد درعا، تكرّرت المشاهد وتعدّدت اليافطات، مرة لبّيك يا إدلب، وبعدها حماه، وبعدها حمص… ولا ننسى لبّيك يا بانياس مع من كان بداخلها من غرباء متعدّدي الجنسية، جواسيس ورجال استخبارات أجانب وعرب، وهكذا دبّت الفوضى في جميع المدن، ولم يلبّ أحد أياً من المدن المنكوبة حيث تخرج الجموع، ويطلق عليها المأجورون النار فيسقط الأبرياء ويتعالى الصراخ متهماً أجهزة الدولة التي أُسقط في يدها، فقرّرت خروج رجال الأمن من دون سلاح ليُذبحوا بالخناجر والسيوف وسواطير القصابين، أو رمياً بالرصاص بلا خجل، وتبدلت التهمة فأصبحت: الدولة تقتل رجال الأمن والجيش لأنهم يرفضون إطلاق النار على المتظاهرين… ونجح التضليل إلى حين!

 الدولة التي أدركت أبعاد اللعبة منذ البداية سارعت إلى التوضيح والتوعية وتطبيق الإصلاح، لكن النجاح ظلّ حليف الإعلام الخارجي الكثيف، الذي كان يشكك. لم يصدق كثر أنها مؤامرة إلاّ بعد خراب البصرة… ودفع الثمن الباهظ، وانجلى الغبار عن حقيقة تقول إنهم يريدون السلطة وإنهم يريدون سورية غير مقاومة وإنهم تحالفوا مع الشيطان الصهيو وهابي لإسقاطها انتقاماً لهزائم سابقة ألحقتها بهم/وموقفها الداعم لمقاومة هزمتهم.

 السلطة الأردنية لن تتعرّض لأمر مشابه، إذ يقف الغرب وإعلامه إلى جانبها، فقد كانت جزءاً من اللعبة، وضالعة في الحرب على الدولة السورية، أو منساقة إليها بعوامل خارجية ضاغطة وإغراءات مالية واقتصادية جعلتها على الأقلّ تغضّ الطرف عمّا يجري على الأرض الأردنية من حشد وتدريب وغرف عمليات، لكنها حفظت شعرة معاوية وأعلنت أنها ستحارب الإرهاب على غرار ما أعلنته راعية الإرهاب الأولى مملكة آل سعود أسمع كلامك يعجبني، أشوف فعالك أتحيّر . المملكة الأردنية شاركت في طبخة السمّ الكبرى للوطن الأمّ، لسورية الدولة والشعب، وليست أمنيتنا أن تتذوّق من هذه الطبخة.

 السلطة في الأردن توصّف الحراك في معان بأنه تخريبي، وأنّ القائمين عليه عصابات تستهدف أمن المملكة ومصيرها، ولكن لمصلحة من؟ هذا ما لن تجيب عليه، ونعلم أنّ الوضع الاقتصادي والضائقة المعيشية في الأردن لا مثيل لها في البلاد العربية… دولة تعيش على المعونات – وأنّ أيّ حراك سيكون نتيجة لذلك خاصة مع ما يُقال ويتسرّب عن تمييز في التعامل مع المدن الأردنية وإهمال بعضها واستبعاده من عمليات التنمية الأساسية إلاّ ما ندر، ولأننا لا نهدف التحريض ولا الخوض في الشأن الداخلي الأردني وهو الجزء من أمتنا، لا نسفّه ادعاءات السلطة. ولن نقول إنّ الحراك بدفع خارجي وهو ليس كذلك، لكن، يمكن التأكيد أنّ كلّ حراك داخلي ضمن المنطقة العربية، خصوصاً في كيانات بلاد الشام لا يمكن إلاّ أن يكون موضع استغلال واستثمار يخدم أهداف الصهيونية العالمية وأمن كيان العدو الذي يعمل جاهداً لتوفير ظروف استكمال مشروع ابتلاع فلسطين وتهويدها وطرد من بقي فيها على قاعدة الاعتراف بيهوديّتها، وإنشاء الوطن البديل شرق الأردن وهو مشروع أعلنه السيّئ الذكر السفاح شارون آخر ملوك اليهود كما يسمّونه، وهذا الأمر تدركه السلطة الأردنية ويعتبر الهاجس الأكبر للملك الذي ربما حصل على كتاب أميركي أبيض، لن يصمد طويلاً في حال توفير الإدارة الأميركية أرضاً بديلة للمليك عبد الله ويبقى السؤال أين، وعلى حساب منْ؟

 اليوم: لبيك يا معان، وربما غداً… لبيك يا كرك، ويا زرقا ويا إربد، بل وعمّان ذاتها، وهذه خشية مشروعة وأمر لا نرغب في تحقيقه إذ يبقى الأردنيون جزءاً من شعبنا وأمتنا، وندرك أنّ معظمهم كان مغلوباً على أمره، مع ذلك لم يصمتوا بل رفعوا صوتهم الرافض للحرب على سورية… الوطن الأم، وكانوا بحدسهم وحسّهم القومي استشرفوا أنّ فوضى الخريف العربي العاصف لن توفر أياً من كيانات الأمة، وإنْ هي إلاّ فوضى تخدم العدو ويفيد منها ضعاف النفوس والعملاء والطامحون إلى سلطة تبدو بعيدة المنال، أو إمارة أو خلافة أكل الدهر عليها وشرب وفات أوانها في زمن استعمار الكواكب وإقامة المستوطنات على متن المركبات العملاقة…

 يا إخوة الماسون الوهابيين، غادروا عقولكم المتحجّرة، أخرجوا منها الجواري والحوريات، والغلمان والأقيان… دعوا الشعب الأردني وشأنه، لن تصلوا، أبداً.

  • فريق ماسة
  • 2014-04-29
  • 9727
  • من الأرشيف

لبّيك يا معان... والبداية: لبّيك يا درعا...

يتجمهر العامة، وترتفع اليافطات، في عمان ومدن أخرى، لبّيك يا معان…  يصدمك الخبر وتتساءل: وماذا في معان؟ ويأتيك الجواب على لسان مسؤول أردني، غوغاء ومخرّبون يعبثون بالأمن… وتتحرّك السلطات لمواجهتهم.  المشهد والخبر يفرضان عليك العودة بالذاكرة إلى مطلع ربيع العام 2011، يوم هبّت وسائل الإعلام العربية والعالمية لتنشر أخبار «القمع» في درعا، وأنّ السلطة تقتل أبرياء… يطالبون بحقوقهم وقد امتُهنَت كراماتهم و…  يومذاك تساءلنا وماذا في درعا؟ وكان الجواب نفسه، لكنّهم مسلحون ظهرت صورهم وأسلحتهم على الصفحات وهم يستهدفون المنشآت والمراكز ورجال الأمن والجيش، أحرقوا قصر العدل والمؤسسات بعد نهبها… قالوا: فورة دم، وادعوا أن السلطة لم تحسن إدارة أزمة محلية رغم الحقائق على أرض الواقع، فالسلطة بدأت إجراءات التحقيق واتخاذ الإجراءات التي من شأنها معالجة حالة مطلبية حقيقية، لكنها لم تكن كذلك.  الذين كانوا يبيّتون لسورية سارعوا إلى أدواتهم وباشروا التحريض عبر الشاشات والصحف والمحافل الدولية، وخرجت الجموع في أماكن عديدة بحمية واندفاع غير مدركة الحقيقة وكان شعار: لبّيك يا درعا…! وهمسوا بصوت مسموع: هو الربيع السوري!  النخوة العربانية أخرجت جموع مدينة دير الزور، تحرّكت خلايا الوهّابية النائمة على رأسها وحملت اليافطة نفسها، وأذكر أنّ مسؤولاً أمنياً كبيراً يتصف بالحكمة والعقلانية خرج ليشارك الجموع صراخها حتى وصل إلى المقدمة، التفت وقال بصوت جهوريّ: هيّا إلى درعا لنصرتها… عليهم يا شباب، وكان قبل ذلك أمر بإحضار سائر الحافلات الموجودة في المدينة لتأخذ مواقعها قرب الساحة، أشار إليها أن اصعدوا، وبعد قليل… دقائق، خلت الساحة ولاذ الصاخبون بالفرار بعد أن رموا يافطاتهم كأنّهم تناولوا جرعة من مضادات النخوة، لكنه استطرد قائلاً لمن بقي حوله: كنا سنذهب لنصرة درعا ومن هناك نتابع لنصرة فلسطين والقدس الشريف!  بعد درعا، تكرّرت المشاهد وتعدّدت اليافطات، مرة لبّيك يا إدلب، وبعدها حماه، وبعدها حمص… ولا ننسى لبّيك يا بانياس مع من كان بداخلها من غرباء متعدّدي الجنسية، جواسيس ورجال استخبارات أجانب وعرب، وهكذا دبّت الفوضى في جميع المدن، ولم يلبّ أحد أياً من المدن المنكوبة حيث تخرج الجموع، ويطلق عليها المأجورون النار فيسقط الأبرياء ويتعالى الصراخ متهماً أجهزة الدولة التي أُسقط في يدها، فقرّرت خروج رجال الأمن من دون سلاح ليُذبحوا بالخناجر والسيوف وسواطير القصابين، أو رمياً بالرصاص بلا خجل، وتبدلت التهمة فأصبحت: الدولة تقتل رجال الأمن والجيش لأنهم يرفضون إطلاق النار على المتظاهرين… ونجح التضليل إلى حين!  الدولة التي أدركت أبعاد اللعبة منذ البداية سارعت إلى التوضيح والتوعية وتطبيق الإصلاح، لكن النجاح ظلّ حليف الإعلام الخارجي الكثيف، الذي كان يشكك. لم يصدق كثر أنها مؤامرة إلاّ بعد خراب البصرة… ودفع الثمن الباهظ، وانجلى الغبار عن حقيقة تقول إنهم يريدون السلطة وإنهم يريدون سورية غير مقاومة وإنهم تحالفوا مع الشيطان الصهيو وهابي لإسقاطها انتقاماً لهزائم سابقة ألحقتها بهم/وموقفها الداعم لمقاومة هزمتهم.  السلطة الأردنية لن تتعرّض لأمر مشابه، إذ يقف الغرب وإعلامه إلى جانبها، فقد كانت جزءاً من اللعبة، وضالعة في الحرب على الدولة السورية، أو منساقة إليها بعوامل خارجية ضاغطة وإغراءات مالية واقتصادية جعلتها على الأقلّ تغضّ الطرف عمّا يجري على الأرض الأردنية من حشد وتدريب وغرف عمليات، لكنها حفظت شعرة معاوية وأعلنت أنها ستحارب الإرهاب على غرار ما أعلنته راعية الإرهاب الأولى مملكة آل سعود أسمع كلامك يعجبني، أشوف فعالك أتحيّر . المملكة الأردنية شاركت في طبخة السمّ الكبرى للوطن الأمّ، لسورية الدولة والشعب، وليست أمنيتنا أن تتذوّق من هذه الطبخة.  السلطة في الأردن توصّف الحراك في معان بأنه تخريبي، وأنّ القائمين عليه عصابات تستهدف أمن المملكة ومصيرها، ولكن لمصلحة من؟ هذا ما لن تجيب عليه، ونعلم أنّ الوضع الاقتصادي والضائقة المعيشية في الأردن لا مثيل لها في البلاد العربية… دولة تعيش على المعونات – وأنّ أيّ حراك سيكون نتيجة لذلك خاصة مع ما يُقال ويتسرّب عن تمييز في التعامل مع المدن الأردنية وإهمال بعضها واستبعاده من عمليات التنمية الأساسية إلاّ ما ندر، ولأننا لا نهدف التحريض ولا الخوض في الشأن الداخلي الأردني وهو الجزء من أمتنا، لا نسفّه ادعاءات السلطة. ولن نقول إنّ الحراك بدفع خارجي وهو ليس كذلك، لكن، يمكن التأكيد أنّ كلّ حراك داخلي ضمن المنطقة العربية، خصوصاً في كيانات بلاد الشام لا يمكن إلاّ أن يكون موضع استغلال واستثمار يخدم أهداف الصهيونية العالمية وأمن كيان العدو الذي يعمل جاهداً لتوفير ظروف استكمال مشروع ابتلاع فلسطين وتهويدها وطرد من بقي فيها على قاعدة الاعتراف بيهوديّتها، وإنشاء الوطن البديل شرق الأردن وهو مشروع أعلنه السيّئ الذكر السفاح شارون آخر ملوك اليهود كما يسمّونه، وهذا الأمر تدركه السلطة الأردنية ويعتبر الهاجس الأكبر للملك الذي ربما حصل على كتاب أميركي أبيض، لن يصمد طويلاً في حال توفير الإدارة الأميركية أرضاً بديلة للمليك عبد الله ويبقى السؤال أين، وعلى حساب منْ؟  اليوم: لبيك يا معان، وربما غداً… لبيك يا كرك، ويا زرقا ويا إربد، بل وعمّان ذاتها، وهذه خشية مشروعة وأمر لا نرغب في تحقيقه إذ يبقى الأردنيون جزءاً من شعبنا وأمتنا، وندرك أنّ معظمهم كان مغلوباً على أمره، مع ذلك لم يصمتوا بل رفعوا صوتهم الرافض للحرب على سورية… الوطن الأم، وكانوا بحدسهم وحسّهم القومي استشرفوا أنّ فوضى الخريف العربي العاصف لن توفر أياً من كيانات الأمة، وإنْ هي إلاّ فوضى تخدم العدو ويفيد منها ضعاف النفوس والعملاء والطامحون إلى سلطة تبدو بعيدة المنال، أو إمارة أو خلافة أكل الدهر عليها وشرب وفات أوانها في زمن استعمار الكواكب وإقامة المستوطنات على متن المركبات العملاقة…  يا إخوة الماسون الوهابيين، غادروا عقولكم المتحجّرة، أخرجوا منها الجواري والحوريات، والغلمان والأقيان… دعوا الشعب الأردني وشأنه، لن تصلوا، أبداً.

المصدر : البناء/محمد ح. الحاج


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة