دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بعد مرور ثلاث سنوات على شنّ الحرب على سورية، سقطت جميع الأوهام والأكاذيب التي رُوّجت لحجب حقيقة هذه الحرب وتحويلها إلى«حراك ثوري» غايته تحقيق العدالة والحرية.
في بداية الحوادث، ظهر لفترة وجيزة حراك رفع شعار الحرية والديمقراطية، وهذا أمر بديهي، يحصل في الأنظمة السياسية كافة في العالم، لكن ما ليس بديهياً في الأمر أن تزول سريعاً هذه الصورة لمصلحة الجنوح إلى العنف ضد قوى الأمن، وبالتالي ظهور المستور الذي تجسد في التنظيم الدولي الممتد من أميركا مروراً بأوروبا وليس انتهاءً بالخليج.
عندما نقول تنظيماً، فهو حقاً كذلك، لأنه لو لم يكن تنظيماً لما كان ممكناً وضع كل هذه القوى الدولية العملاقة في سياق هادف ومُبرمج في توقيته وأدواره.
لنأخذ ستة أطراف أساسية تشارك في الحرب على سورية، فنلقي أضواء على أدوارها، لتأكيد ما ذهبنا إلى ذكره أعلاه:
أولاً، ألمانيا:
أوكل«مجلس الحرب على سورية» ـ وهو مجلس صهيو ـ أميركي ـ إلى ألمانيا دوراً ثلاثي الطرف:
I ـ تقديم المعلومات الاستخبارية التي تتحصل لدى البحرية الألمانية في المتوسط هنا نذكر كيف اقترح أن تكون البحرية الألمانية الجزء الاساس من البحرية الأوروبية التي تراقب بحرنا بعد عدوان تموز 2006 . وأبلغت ألمانيا أخيراً شركاءها في الحرب على سورية أنها توقفت عن إدارة غرفة عمليات أضنة غرفة عمليات مجلس الحرب على سورية في الشمال ما يثبت قولنا إن ثمة تنظيماً دقيقاً بدأ وضعه قبل بدء حوادث سورية.
II ـ تحليل التنصت الذي تجريه البحرية الألمانية وسواها، فهو من مهمة الفريق الألماني.
III ـ المسح الراداري لمنطقة عمليات الجيش السوري.
ثانياً، بريطانيا: أناط بها مجلس الحرب على سورية مهمة قيادة غرف عمليات العدوان المنطلق من الأردن، وتوجيه مجموعات ميدانية عائدة لها، لتقوم بالمهمات المطلوبة لنجاح العدوان.
ثالثاً، الأميركيون: إضافة إلى كونهم المايسترو الأخير لكامل العدوان، إلاّ أنهم يديرون جبهة الشمال، فهم حريصون على تعزيز موقع حليفهم الطوراني التركي في المواجهة الاستراتيجية مع روسيا الاتحادية من جهة، وفي توظيفه في مهمة الاختراق الأميركية لوسط آسيا، وصولاً إلى العتبة الصينية الآيلة إلى الاستئصال، أي التيبت.
رابعاً، الفرنسيون: أعطي الفرنسيون الجبهة اللبنانية، نظراً إلى حماستهم المعادية المسعورة ضدّ سورية أصلاً، ولكونهم أكثر أطراف الحرب على سورية قرباً من هذه الجبهة في المعنى التاريخي لا الجغرافي.
منذ بداية الحوادث في سورية والفرنسيون يتموضعون في الشمال ويقيمون مراكز إيواء ودعم لوجستي لمجموعات من النخب الأمنية والعسكرية الفرنسية التي استقدموها إلى شمال لبنان وبعض المناطق اللبنانية. كانت غرفة العمليات الفرنسية هي الناشطة والمشرفة على المشهد الإرهابي كلّه من لبنان إلى سورية والعكس. وما عملية اغتيال الضباط الأربعة الكبار إلاّ دليل على ذلك.
خامساً،«إسرائيل»: لا شك في أن لـ»إسرائيل» الدور المفصلي والأساس في قيادة هذه الحرب، ذلك أن نتائجها لا تصب إلا في خانة المصلحة«الإسرائيلية» القاضية بتدمير سورية وتقسيمها وبالتالي الهيمنة الكاملة على العالم العربي. فكم من مرة تدخلت«إسرائيل» عسكرياً لرفع الضغط عن الإرهابيين؟ وكم من مرة كشف السلاح«الإسرائيلي» والعربات العسكرية«الإسرائيلية» بحوزة الإرهابيية؟
سادساً، الدور الخليجي: أناط مجلس الحرب على سورية بالخليج دوراً مثلث الضلع:
I ـ التمويل، وقد بلغ تمويل الحرب على سورية من الخليجيين مئات مليارات الدولارات.
II ـ الإعلام، وهو السلاح الأمضى، وقد وظفت دول الخليج إعلامها من«جزيرة» و»عربية» إضافة إلى تمويلها شبكات واسعة خارج الخليج لتساهم في تشويه الحقائق وتدفع في اتجاه إسقاط الدولة السورية.
III ـ إرسال الإرهابيين إلى سورية ورعايتهم.
إزاء هذه الحقائق، يظهر بوضوح أن ما بُدئ به في سورية منذ ثلاث سنوات كحراك شعبي يطالب بالحرية والديمقراطية، ليس إلا وصلة تمثيلية استهدف منها المخططون خلق الفوضى على مدى سورية لبدء تنفيذ المشروع الذي خططوا له منذ هزيمة«إسرائيل» الاستراتيجية عقب انسحابها من جنوب لبنان عام 2000 تحت ضغط المقاومة، ما شكل طعنة قاتلة لكامل الاستراتيجيا«الإسرائيلية» العسكرية في مواجهة مجتمعنا القومي.
أمام حجم هذا الإعداد العسكري والاستخباري والإعلامي والمالي والإرهابي، تشجع المتآمرون على تأكيد سقوط الدولة السورية، خلال مهل عديدة كانوا يحددونها.
أما وقد… سقطت أوهامهم بإسقاط الدولة في سورية، وأخذوا يندحرون أمام جيش سورية ويتهاوون كالبناء الكرتوني، أما وقد أسقط هذا الجيش البطل مؤامراتهم بحيث صار سقوط الدولة هدفاً مستحيلاً، وتقسيم سورية هدفاً أكثر استحالة، وها هي الجبهات في الشمال والغوطة والقلمون تؤكد ذلك، فإن محصلة استراتيجية كبيرة فرضت نفسها على المشهد الإقليمي والدولي تتمثل في ما يلي:
أولاً: أن تكسر دمشق بمنظومة تحالفاتها الإقليمية والدولية مخطط تدمير الدولة والوطن هو انتصار استراتيجي على المستويين الإقليمي والدولي.
ثانياً: أن تدحر سورية قطعان الإرهاب وتجعل من ترابها مقبرة له وترفع عن الإقليم والعالم خطره فهذا يعطيها موقعاً متقدماً في قيادة الجبهة المقاومة للإرهاب على المستويين الإقليمي والدولي.
ثالثاً: أن تثبت الدولة في مواجهة العدوان وبالتالي كسر أدواته فهذا يؤكد ويكرس دور سورية كسيف العالم العربي وترسه، وقلب العروبة النابض، وكل ذلك يمكن سورية من أن تعيد صوغ النظام الغربي الجديد بما يتوافق مع مستقبل الشعوب العربية في السيادة والاستقلال.
رابعاً: إن الحقائق الجيوـ سياسية والجيو ـ استراتيجية التي أفرزتها مواجهة العدوان، تؤكد حتمية قيام استراتيجية واحدة لدول المشرق، في الأمن والتنمية والطاقة والاقتصاد والأسواق..
خامساً: إن التحالف الدولي الذي ولد في كنف الحوادث السورية الممتد من دول البريكس مروراً بإيران ودول أميركا الجنوبية، يؤسس لقيام نظام عالمي جديد متعدد الطرف، ما يسقط إحدى أهم نتائج الحرب العالمية الثانية، ونتائج الحرب الباردة بعد عام 1991.
سادساً: إن هزيمة العدوان على سورية هو الهزيمة الاستراتيجية الرابعة«للكيان الإسرائيلي» بعد حرب تشرين عام 1973 وانسحاب«إسرائيل» من جنوب لبنان عام 2000. ولأنه كذلك، فهذا يعني تطوراً استراتيجياً في سياق الصراع مع اليهود وسيقلب كامل الاتجاه التسووي التراجعي الذي بدأ بأوسلو 1993.
إذا كانت نتائج الحرب العالمية الثانية جعلت ولادة«إسرائيل» ممكنة، فإن نتائج الحرب على سورية ستحصل من زوالها ممكناً بعد انتصار محور المقاومة مدعوماً بظهيره الدولي العريض.
المصدر :
البناء / نسيب أبو ضرغم
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة