مرّت العلاقات الأمريكية – السورية بالكثير من المحطات المفصلية , والتي كانت سمتها ,مداً وجزراً , ضمن العهود الأمريكية المتعاقبة

من ديموقراطية إلى جمهورية , لتتأرجح هذه العلاقة صعوداً وهبوطاً , وذلك بحسب تقلبات الإستراتيجية الأمريكية المعتمدة من قبل هذه الإدارات المتعاقبة في كيفية " ردع الخصوم أو زجرهم أو حتى احتوائهم".

تدحرجت تلك العلاقة كأشبه بكرة ثلج تطايرت أجزائها , وذلك عندما وصلت أمريكا إلى اقتناع راسخ بأنه لا جدوى في العودة مع سوريا إلى تكتيك التفاوض المباشر وغير المباشر , لأن ذلك غير مُجدٍ لقلب الثوابت السورية ... وكذلك أن التهديد بالعصا في زمن الهزائم الصهيونية والأفول الأمريكي , قد غدا غير ذي جدوى ... وأن سياسة التحايل وإظهار اللين , والإنخراط البنّاء في الحوار مع دمشق , لن يزيد هذه الأخيرة إلاّ مزيداً من التمسك بثوابتها وموقعها الإستراتيجي في قلب محور الممانعة .

أمريكا – سوريا - تركيا

لأجل ذلك كلّه , اتخذت أمريكا قراراً مبرماً , بضرورة التخلّص من نظام الرئيس الأسد , وبأية طريقة كانت - عدا الحرب المباشرة – فركبت موجة الحراك الشعبي , ومن ثم موجة الإعتدال تارةً , والإرهاب أطواراً أخرى في سبيل تحقيق حلمهم , وحلم الصهاينة الإستراتيجي في سوريا ..

اليوم , وبعد كل التطورات الميدانية على الأرض السورية , والتي قلبت المشهد فيها لصالح النظام والدولة السورية بشكل مطلق , تقف أمريكا عند مفترق طرق في ممرٍ إجباري , لا تسطيع فيه المجازفة بإعادة إضفاء ما تُسميه الشرعية للنظام السوري ... فهذا أمرٌ مستبعد لعدة عوامل أمريكية داخلية , وأيضاً صهيونية , وحتى دولية , وبعض من العوامل العربية المرتبطة حصراً بمصالح أمريكا في المنطقة ....فهي , والحال كذلك مضطرة إلى السير بأحد هذين الطريقين :

إمّا تُشجع حلفائها على تفعيل التسليح والتدريب لكل من تسميهم المعتدلين ( إرهابيي الأمس ) الجدد , وانتظار نتائج المعركة , وهذا ما تُفسرّه اليوم المعركة الجديدة التي فُتحت في الريف الشمالي للاذقية على الحدود مع تركيا , والتي يبدو أن مشاركة تركيا المباشرة فيها , يأتي كنوع من تجديد لدورها في الحرب على سوريا , وليكون ذلك مقدمةً لإعادة تقديم أوراق أردوغان السياسية إلى الإدارة الأمريكية , على حساب غريمه فتح الله غولن وجماعته المرتبطين بأمريكا على أبواب الإنتخابات البلدية في تركيا ... وليكن ذلك تعويضاً عن الفشل السعودي في جبهات سوريا الأخرى ... وبعد ذلك تبني أمريكا على الشيء مقتضاه ... وفي هذه الحالة فإن ما تخشاه أمريكا , ليس كما يُشاع وقوع سوريا في أيدي الإرهابيين , لأن هؤلاء وجهتهم لم تكن يوماً الكيان الصهيوني , وإزالته من الوجود , وذلك ما تثبته أفعالهم المنفصلة تماماً عن أدبياتهم .. إنما سيكون هلعها الحقيقي من إمكانية الإنتصار الباهر لمحور الممانعة في سوريا , وبالتالي تحمّل تداعيات تلك النتيجة الإستراتيجية على الكيان الصهيوني والمنطقة وحلفاء أمريكا فيها , لا بل نجزم أيضاً على وزن التكتلات في النظام العالمي الجديد برمته ...

وبالتالي فإن صمود سوريا مجدداً من خاصرتها التركية , سيفرض على أمريكا سلوك الطريق الثاني ... وهو أنها ستسعى لتتلقف من جديد سلم نجاة روسي , يُخفف من وقع الهزيمة الجديدة في الميدان السوري , وذلك يتم ربما عبر جنيف 3 جديد يكون سقف التنازل الأمريكي فيه عدم الإعتراف السياسي ببقاء وشرعية النظام في سوريا , وفرض نوع من العزلة السياسية على النظام السوري فيما تبقى من عمر الإدارة الأمريكية الحالية , وذلك تُقدَّمه أمريكا لحلفائها بأنه التزامٌ أمريكي لم تحد عنه ... بحيث يمكن لها ساعتئذٍ , تحميلهم وحدهم مسؤولية بقاء النظام بسبب عجزهم في الميدان السوري عبر أدواتهم .

الكيان الصهيوني – سوريا - روسيا

لقد انتهيت في مقالتي السابقة ( ما بعد يبرود والجولان .. دلالات استراتيجية ) , إلى أن نصر يبرود الذي تحقق مؤخراً , وإفشال محور الممانعة – وبشكل مسبق – للهدف الصهيوني من إقامة " الجدار الطيّب " على تخوم الجولان المحرر , سيضع الكيان الصهيوني أمام معضلة الإنتظار المخيف للتحولات الإستراتيجية في الميدان السوري , بعد أن كاد يسقط من يديه حلم الإستنزاف المديد لمحور الممانعة في تلك الحرب .. أو أمام اندفاعه بحربٍ , كَثُر الحديث عنها مؤخراً لتعديل موازين القوى على الأرض السورية لصالح الإرهاب على حساب الدولة السورية , وبالتالي إمّا يُعوَّم الإستنزاف مجدداً , وإما يكون الخلاص الأخير من النظام في سوريا , وحتى لو كان ذلك لصالح القاعدة وشياطين الأرض كما عبّر مؤخراً عاموس يادلين رئيس شعبة الإستخبارات السابق ..

ولكن السؤال اليوم : ماذا لو فشلت تركيا مجدداً , كما فشل خصومها وحلفائها بالأمس من دول تحالف العدوان على سوريا ؟

لقد فندنا بأكثر من مقالة سابقة , أن العودة الصهيونية لإعتماد الإستراتيجية الهدّامة , للحفاظ على إستراتيجيته الإنطوائية الحالية , هو أمرٌ ليس بمضمون النتائج لصالحه ... فهل يمكن للكيان الصهيوني أن يكون أمامه خيارٌ ثالث يقيه تجرُّع أحد السيناريوهين أعلاهما ؟

الصورة عن الوضع في سوريا لدى الكيان الصهيوني - لغاية اليوم - سوداوية .. ولا نعتقد أن في ذلك مبالغة ؟ كيف؟

-أهداف العدوان على سوريا أسقطت , من فشل إخراج سوريا من محور الممانعة , إلى الفشل في عزل المقاومة سياسياً وأمنياً ..أو حتى محاصرتها وإضعافها وضرب بيئاتها الحاضنة , وما الإنجازات الأخيرة في سوريا ولبنان إلاّ دليلاً إضافياً على فشل تلك الأهداف , وكذلك الفشل في إثارة حرب ببعدٍ مذهبي , فلم تستطع دول تحالف العدوان على سوريا إلصاق التكفيريين بالأمة الإسلامية ... فأفعال هؤلاء الشنيعة جعلت من الأمة تلفظهم وترفضهم .. ليصل الأمر إلى تيرُؤ بعض ولاة الأمر منهم !

-خروج المقاومة وسوريا من ستاتيكو ما قبل أذار من العام 2011 , والذي كان قائماً على معادلة الهدوء في جبهتي الجنوب والجولان , مقابل مراكمة القوة في المحور الممانع , وإحياء استراتيجية التحرير – ولو غير المعلن والبطيء لغاية اليوم – للأرض المحتلة في الجنوب والجولان ... والتخلّي عن استراتيجية الرد على العدوان الصهيوني المتكرر في جبهات القتال السورية فقط , بل تعداه الأمر إلى زعزعة أمن الكيان الصهيوني في مقابل عبث هذا الأخير بالأمن الممانع

-إرسال رسائل أمنية إلى الكيان الصهيوني في مقلبي الضفة الغربية , وقطاع غزة على حد سواء ...وبث اليأس لديه من الركون لإستراتيجيته القائمة على " استقرار الطوق " لديه ...

ماذا بعد كل هذا الفشل السابق في القلمون والجولان , وربما اللاحق في اللاذقية ؟

من الممكن –إذا ما زال بعض من العقل موجوداً في الكيان الصهيوني – أن يكون البديل المتاح عن اندفاعة هذا الكيان بشن حرب على سوريا , لا يعرف شعاعها ولا نتائجها , أن يطلب من روسيا تحديداً ,الترويج لدى محور الممانعة لإحياء تفاهم نيسان للعام 1996 على مختلف الجبهات مع حدود الكيان , وذلك ربما يكون بمثابة سُلّم نجاة لديه من خوض مغامرة عسكرية , لا يضمن فيها الدخول الأمريكي المباشر فيها في حال مالت الكفة في نتائجها لغير صالحه , وذلك نظراً للحساسية الأمريكية المفرطة التي تعيشها أمريكا اليوم من الدخول بأية مغامرة عسكرية جديدة , قد تجرُّ عليها المزيد المزيد من فقدان الدور والنجومية في العالم بأسره ...

السؤال : كيف سيكون الموقف الروسي ؟ وخصوصاً بعد انسداد الأفق السياسي لغاية اليوم حيال الأزمة الأوكرانية ...

وضمن أي مسارٍ ستسير به السياسة الروسية في سوريا , بعد ذاك الكباش المستجد مع الغرب وأمريكا ؟ فالمعطيات توحي بأن روسيا أضحت أكثر تشدداً حيال الملف السوري .. وبالتالي كيف سيكون رد الفعل عند أطراف الممانعة ؟ وضمن أية شروط حينها قد توافق على ذلك ؟ و خصوصاً أن اللعب الصهيوني ومعه التركي قد أصبحا على المكشوف تماماً ... فالتطورات الميدانية – ولغاية اليوم – تشي بأن هؤلاء وأمريكا ومعهم كافة دول تحالف العدوان على سوريا ما زالوا يعتقدون أنه بالإمكان الإستمرار بمشروع الإستنزاف لسوريا ومحور الممانعة لأمد طويل ... هذا بحده الأدنى , وأن هدف إسقاط الدولة السورية ما زال لغاية اليوم يُدغدغ أحلامهم , في حده الأقصى ....

نختم دائماً بأن الميدان هو الفيصل في لعبة السياسة الدولية , والحرب على سوريا , وكذا اللاعبون فيها من تحالف العدوان عليها , يقفون جميعاً اليوم عند مفترقات الطرق .

  • فريق ماسة
  • 2014-03-25
  • 10587
  • من الأرشيف

سورية... الأزمة عند مفترقات الطرق

 مرّت العلاقات الأمريكية – السورية بالكثير من المحطات المفصلية , والتي كانت سمتها ,مداً وجزراً , ضمن العهود الأمريكية المتعاقبة من ديموقراطية إلى جمهورية , لتتأرجح هذه العلاقة صعوداً وهبوطاً , وذلك بحسب تقلبات الإستراتيجية الأمريكية المعتمدة من قبل هذه الإدارات المتعاقبة في كيفية " ردع الخصوم أو زجرهم أو حتى احتوائهم". تدحرجت تلك العلاقة كأشبه بكرة ثلج تطايرت أجزائها , وذلك عندما وصلت أمريكا إلى اقتناع راسخ بأنه لا جدوى في العودة مع سوريا إلى تكتيك التفاوض المباشر وغير المباشر , لأن ذلك غير مُجدٍ لقلب الثوابت السورية ... وكذلك أن التهديد بالعصا في زمن الهزائم الصهيونية والأفول الأمريكي , قد غدا غير ذي جدوى ... وأن سياسة التحايل وإظهار اللين , والإنخراط البنّاء في الحوار مع دمشق , لن يزيد هذه الأخيرة إلاّ مزيداً من التمسك بثوابتها وموقعها الإستراتيجي في قلب محور الممانعة . أمريكا – سوريا - تركيا لأجل ذلك كلّه , اتخذت أمريكا قراراً مبرماً , بضرورة التخلّص من نظام الرئيس الأسد , وبأية طريقة كانت - عدا الحرب المباشرة – فركبت موجة الحراك الشعبي , ومن ثم موجة الإعتدال تارةً , والإرهاب أطواراً أخرى في سبيل تحقيق حلمهم , وحلم الصهاينة الإستراتيجي في سوريا .. اليوم , وبعد كل التطورات الميدانية على الأرض السورية , والتي قلبت المشهد فيها لصالح النظام والدولة السورية بشكل مطلق , تقف أمريكا عند مفترق طرق في ممرٍ إجباري , لا تسطيع فيه المجازفة بإعادة إضفاء ما تُسميه الشرعية للنظام السوري ... فهذا أمرٌ مستبعد لعدة عوامل أمريكية داخلية , وأيضاً صهيونية , وحتى دولية , وبعض من العوامل العربية المرتبطة حصراً بمصالح أمريكا في المنطقة ....فهي , والحال كذلك مضطرة إلى السير بأحد هذين الطريقين : إمّا تُشجع حلفائها على تفعيل التسليح والتدريب لكل من تسميهم المعتدلين ( إرهابيي الأمس ) الجدد , وانتظار نتائج المعركة , وهذا ما تُفسرّه اليوم المعركة الجديدة التي فُتحت في الريف الشمالي للاذقية على الحدود مع تركيا , والتي يبدو أن مشاركة تركيا المباشرة فيها , يأتي كنوع من تجديد لدورها في الحرب على سوريا , وليكون ذلك مقدمةً لإعادة تقديم أوراق أردوغان السياسية إلى الإدارة الأمريكية , على حساب غريمه فتح الله غولن وجماعته المرتبطين بأمريكا على أبواب الإنتخابات البلدية في تركيا ... وليكن ذلك تعويضاً عن الفشل السعودي في جبهات سوريا الأخرى ... وبعد ذلك تبني أمريكا على الشيء مقتضاه ... وفي هذه الحالة فإن ما تخشاه أمريكا , ليس كما يُشاع وقوع سوريا في أيدي الإرهابيين , لأن هؤلاء وجهتهم لم تكن يوماً الكيان الصهيوني , وإزالته من الوجود , وذلك ما تثبته أفعالهم المنفصلة تماماً عن أدبياتهم .. إنما سيكون هلعها الحقيقي من إمكانية الإنتصار الباهر لمحور الممانعة في سوريا , وبالتالي تحمّل تداعيات تلك النتيجة الإستراتيجية على الكيان الصهيوني والمنطقة وحلفاء أمريكا فيها , لا بل نجزم أيضاً على وزن التكتلات في النظام العالمي الجديد برمته ... وبالتالي فإن صمود سوريا مجدداً من خاصرتها التركية , سيفرض على أمريكا سلوك الطريق الثاني ... وهو أنها ستسعى لتتلقف من جديد سلم نجاة روسي , يُخفف من وقع الهزيمة الجديدة في الميدان السوري , وذلك يتم ربما عبر جنيف 3 جديد يكون سقف التنازل الأمريكي فيه عدم الإعتراف السياسي ببقاء وشرعية النظام في سوريا , وفرض نوع من العزلة السياسية على النظام السوري فيما تبقى من عمر الإدارة الأمريكية الحالية , وذلك تُقدَّمه أمريكا لحلفائها بأنه التزامٌ أمريكي لم تحد عنه ... بحيث يمكن لها ساعتئذٍ , تحميلهم وحدهم مسؤولية بقاء النظام بسبب عجزهم في الميدان السوري عبر أدواتهم . الكيان الصهيوني – سوريا - روسيا لقد انتهيت في مقالتي السابقة ( ما بعد يبرود والجولان .. دلالات استراتيجية ) , إلى أن نصر يبرود الذي تحقق مؤخراً , وإفشال محور الممانعة – وبشكل مسبق – للهدف الصهيوني من إقامة " الجدار الطيّب " على تخوم الجولان المحرر , سيضع الكيان الصهيوني أمام معضلة الإنتظار المخيف للتحولات الإستراتيجية في الميدان السوري , بعد أن كاد يسقط من يديه حلم الإستنزاف المديد لمحور الممانعة في تلك الحرب .. أو أمام اندفاعه بحربٍ , كَثُر الحديث عنها مؤخراً لتعديل موازين القوى على الأرض السورية لصالح الإرهاب على حساب الدولة السورية , وبالتالي إمّا يُعوَّم الإستنزاف مجدداً , وإما يكون الخلاص الأخير من النظام في سوريا , وحتى لو كان ذلك لصالح القاعدة وشياطين الأرض كما عبّر مؤخراً عاموس يادلين رئيس شعبة الإستخبارات السابق .. ولكن السؤال اليوم : ماذا لو فشلت تركيا مجدداً , كما فشل خصومها وحلفائها بالأمس من دول تحالف العدوان على سوريا ؟ لقد فندنا بأكثر من مقالة سابقة , أن العودة الصهيونية لإعتماد الإستراتيجية الهدّامة , للحفاظ على إستراتيجيته الإنطوائية الحالية , هو أمرٌ ليس بمضمون النتائج لصالحه ... فهل يمكن للكيان الصهيوني أن يكون أمامه خيارٌ ثالث يقيه تجرُّع أحد السيناريوهين أعلاهما ؟ الصورة عن الوضع في سوريا لدى الكيان الصهيوني - لغاية اليوم - سوداوية .. ولا نعتقد أن في ذلك مبالغة ؟ كيف؟ -أهداف العدوان على سوريا أسقطت , من فشل إخراج سوريا من محور الممانعة , إلى الفشل في عزل المقاومة سياسياً وأمنياً ..أو حتى محاصرتها وإضعافها وضرب بيئاتها الحاضنة , وما الإنجازات الأخيرة في سوريا ولبنان إلاّ دليلاً إضافياً على فشل تلك الأهداف , وكذلك الفشل في إثارة حرب ببعدٍ مذهبي , فلم تستطع دول تحالف العدوان على سوريا إلصاق التكفيريين بالأمة الإسلامية ... فأفعال هؤلاء الشنيعة جعلت من الأمة تلفظهم وترفضهم .. ليصل الأمر إلى تيرُؤ بعض ولاة الأمر منهم ! -خروج المقاومة وسوريا من ستاتيكو ما قبل أذار من العام 2011 , والذي كان قائماً على معادلة الهدوء في جبهتي الجنوب والجولان , مقابل مراكمة القوة في المحور الممانع , وإحياء استراتيجية التحرير – ولو غير المعلن والبطيء لغاية اليوم – للأرض المحتلة في الجنوب والجولان ... والتخلّي عن استراتيجية الرد على العدوان الصهيوني المتكرر في جبهات القتال السورية فقط , بل تعداه الأمر إلى زعزعة أمن الكيان الصهيوني في مقابل عبث هذا الأخير بالأمن الممانع -إرسال رسائل أمنية إلى الكيان الصهيوني في مقلبي الضفة الغربية , وقطاع غزة على حد سواء ...وبث اليأس لديه من الركون لإستراتيجيته القائمة على " استقرار الطوق " لديه ... ماذا بعد كل هذا الفشل السابق في القلمون والجولان , وربما اللاحق في اللاذقية ؟ من الممكن –إذا ما زال بعض من العقل موجوداً في الكيان الصهيوني – أن يكون البديل المتاح عن اندفاعة هذا الكيان بشن حرب على سوريا , لا يعرف شعاعها ولا نتائجها , أن يطلب من روسيا تحديداً ,الترويج لدى محور الممانعة لإحياء تفاهم نيسان للعام 1996 على مختلف الجبهات مع حدود الكيان , وذلك ربما يكون بمثابة سُلّم نجاة لديه من خوض مغامرة عسكرية , لا يضمن فيها الدخول الأمريكي المباشر فيها في حال مالت الكفة في نتائجها لغير صالحه , وذلك نظراً للحساسية الأمريكية المفرطة التي تعيشها أمريكا اليوم من الدخول بأية مغامرة عسكرية جديدة , قد تجرُّ عليها المزيد المزيد من فقدان الدور والنجومية في العالم بأسره ... السؤال : كيف سيكون الموقف الروسي ؟ وخصوصاً بعد انسداد الأفق السياسي لغاية اليوم حيال الأزمة الأوكرانية ... وضمن أي مسارٍ ستسير به السياسة الروسية في سوريا , بعد ذاك الكباش المستجد مع الغرب وأمريكا ؟ فالمعطيات توحي بأن روسيا أضحت أكثر تشدداً حيال الملف السوري .. وبالتالي كيف سيكون رد الفعل عند أطراف الممانعة ؟ وضمن أية شروط حينها قد توافق على ذلك ؟ و خصوصاً أن اللعب الصهيوني ومعه التركي قد أصبحا على المكشوف تماماً ... فالتطورات الميدانية – ولغاية اليوم – تشي بأن هؤلاء وأمريكا ومعهم كافة دول تحالف العدوان على سوريا ما زالوا يعتقدون أنه بالإمكان الإستمرار بمشروع الإستنزاف لسوريا ومحور الممانعة لأمد طويل ... هذا بحده الأدنى , وأن هدف إسقاط الدولة السورية ما زال لغاية اليوم يُدغدغ أحلامهم , في حده الأقصى .... نختم دائماً بأن الميدان هو الفيصل في لعبة السياسة الدولية , والحرب على سوريا , وكذا اللاعبون فيها من تحالف العدوان عليها , يقفون جميعاً اليوم عند مفترقات الطرق .

المصدر : حسن شقير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة