بعد فترة طويلة من "الممانعة"، جاء رئيس «الائتلاف الوطني السوري» المُعارض، أحمد الجربا، على رأس وفد من «الائتلاف» إلى العاصمة الروسية، وبحث مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأزمة السورية والإعداد لجولة المفاوضات الثانية في "جنيف" في العاشر من الشهر الحالي. وترددت في أوساط الوفد المرافق للجربا أن الهدف من زيارة موسكو يتلخص في إقناع روسيا بضرورة تنفيذ بيان "جنيف ــ 1" لعام 2012 بالكامل، وبضرورة الضغط على الأسد لقبول هيئة الحكم الانتقالية، وبعدم وجود إمكانية لبقاء بشار الأسد في الحكم في ظل تشكيل الهيئة المذكورة. وبالرغم من العبارات الديبلوماسية المتبادلة بين لافروف والجربا، يمكن ملاحظة أن هذه المباحثات لم تقرب المسافات بين موسكو والائتلاف بشأن قراءة كل منهما لبيان "جنيف" الأول. فالجربا و"رفاقه" يرون البدء بتشكيل الهيئة أو الحكومة الانتقالية، التي من المفترض أن تتولى تنفيذ النقاط الأخرى المنصوص عليها في "بيان جنيف"، بينما ترى روسيا ضرورة تنفيذ هذا البيان وفق التسلسل المُتضمن فيه. وللخروج من هذا المأزق، اقترحت موسكو على الائتلاف تشكيل فرق عمل أثناء الجولة الثانية من مفاوضات "جنيف ــ 2 " (10/2)، يختص كل منها ببحث قضية معينة. فريق لتسوية المسائل الإنسانية، وآخر لنظر موضوع المعتقلين والمحتجزين لدى الطرفين، وثالث للبت في تشكيل الهيئة الانتقالية. ولكن الجربا لم يحبذ هذا المقترح الروسي خشية أن يكون الهدف منه المماطلة في المباحثات والغرق في التفاصيل الفنية، ووعد فقط بدراسته.

ولم يفت لافروف، كعادته، أثناء مباحثاته مع الجربا التركيز على ضرورة محاربة الإرهاب في سوريا واستثناء الإرهابيين من الالتحاق بوفد المعارضة المفاوض. فموسكو ترفض، ولو نظرياً، مشاركة "داعش" أو "النصرة" أو "الجبهة الإسلامية" في المفاوضات. ويتفق الائتلاف مع هذا الموقف بالنسبة لــ"داعش"، وربما "للنصرة" أيضاً، ولكنه لا يعتبر "الجبهة الإسلامية" من المنظمات الإرهابية. وعبر الجربا عن ذلك في موسكو بالقول: "إن الائتلاف يعتبر الجبهة الإسلامية قوة ثورية وليست إرهابية»، مشيراً إلى أنها منظمة كانت تواجه النظام منذ البداية وشاركت في التظاهرات السلمية. وفي ما يتعلق بموضوع توسيع وفد المعارضة إلى مفاوضات الجولة الثانية، وهو ما تُصر عليه موسكو، بدا أن الجانبين وكأنهما لا يختلفان على هذا الأمر. فالجربا حمل معه أسماء بعض الشخصيات السورية المعارضة التي يمكن أن تنضم لوفده المفاوض، ولذلك انطلق من موسكو إلى القاهرة لبحث هذا الأمر مع حسن عبد العظيم، رئيس هيئة التنسيق الوطنية. ولكن الأمين العام لـ«الائتلاف الوطني السوري» المعارض بدر جاموس، أعلن في موسكو أن الائتلاف مستعد لتوسيع وفده في الجولة المقبلة من المفاوضات مع الحكومة السورية بشخصيات تكون "مُمثلة للشعب السوري بالفعل"، أي أن هذه الموافقة مشروطة.

وكانت إيران حاضرة أثناء مباحثات الجربا ولافروف، حيث دعا الأخير «الائتلاف» إلى أخذ مصالح إيران في الحسبان أثناء التسوية السورية. وهنا كان موقف «الائتلاف» أيضاً مشروطاً، حيث أعلن بدر جاموس أن الائتلاف لا يعارض مشاركة إيران في "جنيف -2"، إلا أن ذلك يجب أن يتم بشروط معينة، مؤكداً أنه يجب على طهران الاعتراف بنتائج "جنيف-1"، وقبولها بتشكيل هيئة الحكم الانتقالية، واعترافها أيضاً بالثورة في سوريا ورحيل عسكرييها و"حزب الله" عن الأراضي السورية.

وبالرغم من تلك الشروط، يبدو أن موسكو وواشنطن في طريقهما إلى تفاهم معين بشأن المشاركة الإيرانية. فقد سربت صحيفة "كوميرسانت" الروسية في يوم مباحثات الجربا في موسكو (4/2) أن كيري اقترح على لافروف أثناء لقائهما في مؤتمر "ميونخ" للأمن إنشاء آلية إضافية لتسوية النزاع في سوريا. ونقلت الصحيفة عن مصدر ديبلوماسي أميركي أن هذه الآلية تمثل صيغة إقليمية تكمل المفاوضات الجارية بين السوريين في إطار "جنيف -2". وهي عبارة عن عقد مؤتمر مواز لــ"جنيف" تشارك فيه خمس دول، روسيا والولايات المتحدة الأميركية والسعودية وتركيا وإيران. بالطبع اختيار هذه البلدان بالذات يعد أمراً مفهوماً تماماً. فروسيا والولايات المتحدة تلعبان دوراً مركزياً في التسوية السورية، والسعودية وتركيا يدعمان معارضي نظام بشار الأسد، وإيران تعد حليفته الرئيسة.

ومن المعروف أن روسيا كانت قد اقترحت على واشنطن العام الماضي بدء مباحثات إقليمية، بجانب "جنيف ــ 2"، ولكن الولايات المتحدة آنذاك لم تنظر إلى تلك المبادرة بإيجابية. وربما يعود التغيير في سياسة الولايات المتحدة بهذا الشأن إلى النتائج المتواضعة، التي انتهت إليها جولة المفاوضات الأولى بين السوريين. ويبدو أن تلك الصيغة الإقليمية باتت مطلوبة حالياً لأن الأزمة السورية أوضحت أن القوى الإقليمية تلعب دوراً في تلك الأزمة لا يقل، إن لم يكن أكبر، عن دور القوى الدولية. ويعتقد الروس، ومنذ فترة، أن العلاقة بين السعودية وإيران هي المشكلة الأهم في الإقليم حالياً، ولذلك طرحوا قبل عدة سنوات مبادرة شاملة للأمن والتعاون في الخليج والشرق الأوسط. لكن بعض المراقبين الروس يشككون في إمكانية نجاح العرض الأميركي في التوصل إلى اتفاق سعودي إيراني سريع حول التسوية السورية والتسوية في المنطقة.

ويمكن القول إن لقاء لافروف والجربا في موسكو ربما يعزز ثقة الطرفين في بعضهما البعض لمواصلة المشاورات بينهما مستقبلا، وإن أقر الجربا بأنه "لا يمكن الحديث عن وجود منهج مشترك مع روسيا بشأن التسوية". ومع ذلك، تعد زيارة الجربا إلى العاصمة الروسية تغييراً في نظرة الائتلاف تجاه روسيا، وإقراراً بالدور الروسي والمصالح الروسية في أي تسوية مقبلة للوضع في سوريا. ونعتقد أن المشكلة الرئيسية بين موسكو والائتلاف ستتعلق دائماً بطبيعة هيئة الحكم الانتقالية ومصير الأسد. فبالرغم من أن موسكو تؤكد دائماً أنها "لا تتمسك بالأسد"، إلا أن مقاربتها هنا ترتبط بضرورة أن يقوم الشعب السوري نفسه بتقرير هذه المسألة عن طريق انتخابات رئاسية في سوريا. وهذه المقاربة، كما نرى، أقرب للموقف الرسمي السوري منها إلى موقف الائتلاف. فالمسافة بين موسكو و«الائتلاف السوري المعارض» كانت، ولا تزال، كبيرة، بالرغم من تراجع الجربا عن رفض زيارة موسكو.

  • فريق ماسة
  • 2014-02-06
  • 11908
  • من الأرشيف

لافروف والجربا والمسافة الطويلة بينهما

بعد فترة طويلة من "الممانعة"، جاء رئيس «الائتلاف الوطني السوري» المُعارض، أحمد الجربا، على رأس وفد من «الائتلاف» إلى العاصمة الروسية، وبحث مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأزمة السورية والإعداد لجولة المفاوضات الثانية في "جنيف" في العاشر من الشهر الحالي. وترددت في أوساط الوفد المرافق للجربا أن الهدف من زيارة موسكو يتلخص في إقناع روسيا بضرورة تنفيذ بيان "جنيف ــ 1" لعام 2012 بالكامل، وبضرورة الضغط على الأسد لقبول هيئة الحكم الانتقالية، وبعدم وجود إمكانية لبقاء بشار الأسد في الحكم في ظل تشكيل الهيئة المذكورة. وبالرغم من العبارات الديبلوماسية المتبادلة بين لافروف والجربا، يمكن ملاحظة أن هذه المباحثات لم تقرب المسافات بين موسكو والائتلاف بشأن قراءة كل منهما لبيان "جنيف" الأول. فالجربا و"رفاقه" يرون البدء بتشكيل الهيئة أو الحكومة الانتقالية، التي من المفترض أن تتولى تنفيذ النقاط الأخرى المنصوص عليها في "بيان جنيف"، بينما ترى روسيا ضرورة تنفيذ هذا البيان وفق التسلسل المُتضمن فيه. وللخروج من هذا المأزق، اقترحت موسكو على الائتلاف تشكيل فرق عمل أثناء الجولة الثانية من مفاوضات "جنيف ــ 2 " (10/2)، يختص كل منها ببحث قضية معينة. فريق لتسوية المسائل الإنسانية، وآخر لنظر موضوع المعتقلين والمحتجزين لدى الطرفين، وثالث للبت في تشكيل الهيئة الانتقالية. ولكن الجربا لم يحبذ هذا المقترح الروسي خشية أن يكون الهدف منه المماطلة في المباحثات والغرق في التفاصيل الفنية، ووعد فقط بدراسته. ولم يفت لافروف، كعادته، أثناء مباحثاته مع الجربا التركيز على ضرورة محاربة الإرهاب في سوريا واستثناء الإرهابيين من الالتحاق بوفد المعارضة المفاوض. فموسكو ترفض، ولو نظرياً، مشاركة "داعش" أو "النصرة" أو "الجبهة الإسلامية" في المفاوضات. ويتفق الائتلاف مع هذا الموقف بالنسبة لــ"داعش"، وربما "للنصرة" أيضاً، ولكنه لا يعتبر "الجبهة الإسلامية" من المنظمات الإرهابية. وعبر الجربا عن ذلك في موسكو بالقول: "إن الائتلاف يعتبر الجبهة الإسلامية قوة ثورية وليست إرهابية»، مشيراً إلى أنها منظمة كانت تواجه النظام منذ البداية وشاركت في التظاهرات السلمية. وفي ما يتعلق بموضوع توسيع وفد المعارضة إلى مفاوضات الجولة الثانية، وهو ما تُصر عليه موسكو، بدا أن الجانبين وكأنهما لا يختلفان على هذا الأمر. فالجربا حمل معه أسماء بعض الشخصيات السورية المعارضة التي يمكن أن تنضم لوفده المفاوض، ولذلك انطلق من موسكو إلى القاهرة لبحث هذا الأمر مع حسن عبد العظيم، رئيس هيئة التنسيق الوطنية. ولكن الأمين العام لـ«الائتلاف الوطني السوري» المعارض بدر جاموس، أعلن في موسكو أن الائتلاف مستعد لتوسيع وفده في الجولة المقبلة من المفاوضات مع الحكومة السورية بشخصيات تكون "مُمثلة للشعب السوري بالفعل"، أي أن هذه الموافقة مشروطة. وكانت إيران حاضرة أثناء مباحثات الجربا ولافروف، حيث دعا الأخير «الائتلاف» إلى أخذ مصالح إيران في الحسبان أثناء التسوية السورية. وهنا كان موقف «الائتلاف» أيضاً مشروطاً، حيث أعلن بدر جاموس أن الائتلاف لا يعارض مشاركة إيران في "جنيف -2"، إلا أن ذلك يجب أن يتم بشروط معينة، مؤكداً أنه يجب على طهران الاعتراف بنتائج "جنيف-1"، وقبولها بتشكيل هيئة الحكم الانتقالية، واعترافها أيضاً بالثورة في سوريا ورحيل عسكرييها و"حزب الله" عن الأراضي السورية. وبالرغم من تلك الشروط، يبدو أن موسكو وواشنطن في طريقهما إلى تفاهم معين بشأن المشاركة الإيرانية. فقد سربت صحيفة "كوميرسانت" الروسية في يوم مباحثات الجربا في موسكو (4/2) أن كيري اقترح على لافروف أثناء لقائهما في مؤتمر "ميونخ" للأمن إنشاء آلية إضافية لتسوية النزاع في سوريا. ونقلت الصحيفة عن مصدر ديبلوماسي أميركي أن هذه الآلية تمثل صيغة إقليمية تكمل المفاوضات الجارية بين السوريين في إطار "جنيف -2". وهي عبارة عن عقد مؤتمر مواز لــ"جنيف" تشارك فيه خمس دول، روسيا والولايات المتحدة الأميركية والسعودية وتركيا وإيران. بالطبع اختيار هذه البلدان بالذات يعد أمراً مفهوماً تماماً. فروسيا والولايات المتحدة تلعبان دوراً مركزياً في التسوية السورية، والسعودية وتركيا يدعمان معارضي نظام بشار الأسد، وإيران تعد حليفته الرئيسة. ومن المعروف أن روسيا كانت قد اقترحت على واشنطن العام الماضي بدء مباحثات إقليمية، بجانب "جنيف ــ 2"، ولكن الولايات المتحدة آنذاك لم تنظر إلى تلك المبادرة بإيجابية. وربما يعود التغيير في سياسة الولايات المتحدة بهذا الشأن إلى النتائج المتواضعة، التي انتهت إليها جولة المفاوضات الأولى بين السوريين. ويبدو أن تلك الصيغة الإقليمية باتت مطلوبة حالياً لأن الأزمة السورية أوضحت أن القوى الإقليمية تلعب دوراً في تلك الأزمة لا يقل، إن لم يكن أكبر، عن دور القوى الدولية. ويعتقد الروس، ومنذ فترة، أن العلاقة بين السعودية وإيران هي المشكلة الأهم في الإقليم حالياً، ولذلك طرحوا قبل عدة سنوات مبادرة شاملة للأمن والتعاون في الخليج والشرق الأوسط. لكن بعض المراقبين الروس يشككون في إمكانية نجاح العرض الأميركي في التوصل إلى اتفاق سعودي إيراني سريع حول التسوية السورية والتسوية في المنطقة. ويمكن القول إن لقاء لافروف والجربا في موسكو ربما يعزز ثقة الطرفين في بعضهما البعض لمواصلة المشاورات بينهما مستقبلا، وإن أقر الجربا بأنه "لا يمكن الحديث عن وجود منهج مشترك مع روسيا بشأن التسوية". ومع ذلك، تعد زيارة الجربا إلى العاصمة الروسية تغييراً في نظرة الائتلاف تجاه روسيا، وإقراراً بالدور الروسي والمصالح الروسية في أي تسوية مقبلة للوضع في سوريا. ونعتقد أن المشكلة الرئيسية بين موسكو والائتلاف ستتعلق دائماً بطبيعة هيئة الحكم الانتقالية ومصير الأسد. فبالرغم من أن موسكو تؤكد دائماً أنها "لا تتمسك بالأسد"، إلا أن مقاربتها هنا ترتبط بضرورة أن يقوم الشعب السوري نفسه بتقرير هذه المسألة عن طريق انتخابات رئاسية في سوريا. وهذه المقاربة، كما نرى، أقرب للموقف الرسمي السوري منها إلى موقف الائتلاف. فالمسافة بين موسكو و«الائتلاف السوري المعارض» كانت، ولا تزال، كبيرة، بالرغم من تراجع الجربا عن رفض زيارة موسكو.

المصدر : هاني شادي/ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة