كلام له ظهر وبطن، ولكنه أيضاً سلاح ذو حدّين. البيان الصادر عن «تنظيم قاعدة الجهاد ـــ القيادة العامة» حول عدم وجود أي صلة بين تنظيم «القاعدة» وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) هو أقلّ من إعلان حرب، ولكن أكثر من مجرد قطيعة وطلاق بائن.

في البداية ينبغي التنويه أن البيان يعود إلى تاريخ سابق، وتحديداً إلى 22 كانون الثاني الماضي، والأيام وإن كانت قليلة إلا أن لها حساباتها في مجريات المشهد «الجهادي» على الأراضي السورية، نظراً لتسارع الأحداث ووتيرة تطورها المتصاعدة. ففي ذلك التاريخ صدر التسجيل الصوتي لزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري «نداء عاجل لأهل الشام»، والذي طالب فيه بوقف إطلاق النار بين الفصائل الإسلامية، وتشكيل هيئة قضائية للنظر في النزاع.

وقد اعتبر هذا النداء تراجعاً في حدة موقف الظواهري من «داعش»، قياساً على الموقف الذي كان قد أعلن عنه أبو محمد الجولاني زعيم «جبهة النصرة» (فرع القاعدة في الشام)، وحمّل فيه «داعش» مسؤولية تصاعد النزاع نتيجة سياسته الخاطئة.

لكن «السفير» أشارت في حينه إلى أن التسجيل الصوتي للظواهري كان مصحوباً ببيان سري أكثر قسوة في مضمونه من التسجيل الصوتي المعلن، وهو هذا البيان الذي نشره مركز «الفجر»، التابع لتنظيم «القاعدة»، بعد أسبوعين من وصوله إلى بعض القيادات «الجهادية» في سوريا.

وجاء في البيان «تعلن جماعة قاعدة الجهاد أنها لا صلة لها بجماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، فلم تخطر بإنشائها، ولم تستأمر فيها ولم تستشر، ولم ترضها، بل أمرت بوقف العمل بها». وأضاف ان التنظيم «ليس فرعاً من جماعة قاعدة الجهاد، ولا تربطه بها علاقة تنظيمية، وليست الجماعة مسؤولة عن تصرفاته».

وشدد البيان على «البراءة من أي تصرف ينشأ عنه ظلم ينال مجاهداً أو مسلماً أو غير مسلم». وأشار خاصة الى «البراءة من الفتنة التي تحدث في الشام بين فصائل المجاهدين ومن الدماء المحرمة التي سفكت فيها من أي طرف كان». ودعت قيادة «القاعدة» «كل ذي عقل ودين وحرص على الجهاد، الى أن يسعى جاهداً في إطفاء الفتنة، بالعمل على الإيقاف الفوري للقتال، ثم السعي في حل النزاعات بالتحاكم إلى هيئات قضائية شرعية للفصل في ما شجر بين المجاهدين».

ظهر وبطن. لأن البيان من حيث الظاهر لم يأت بجديد على صعيد العلاقة بين «القاعدة» و«الدولة الإسلامية». فمن المعروف أنه ليس هناك علاقة تنظيمية بين الطرفين، كما أن الظواهري نفسه أعلن في رسالة سابقة أن «جبهة النصرة» هي فرع «القاعدة» في الشام وطالب «الدولة الإسلامية» بالعودة إلى العراق. أما في العمق، فالرسالة من البيان واضحة، وهي أن قيادة خراسان (تاريخياً كان يطلق على أفغانستان وجزء من باكستان اسم إقليم خراسان، وبناءً على منطقهم باستعادة كل شيء إسلامي فإن «القاعدة» يستخدم هذا الاسم) غير راضية عن «النهج» الذي يسلكه «الدولة الإسلامية»، وفيه تهديد مبطن بأن الوقت لن يطول قبل أن تعلن قيادة خراسان تبرؤها من هذا «النهج» الضالّ، كما تبرأت اليوم من العلاقة التنظيمية.

وسلاح ذو حدّين. لأن كل طرف سوف يجد السبيل المناسب إلى تفسير البيان وتأويله بما ينسجم مع مصالحه ومفاهيمه. فالقيادة العامة لتنظيم «القاعدة» تريد وضع مسافة بينها وبين «داعش» تسمح لها بالاستفادة من المناخ الجديد في المنطقة، الذي يوحي بتقبّله لـ«القاعدة» وتنظيماتها، ولا يمانع من اندماجها أو تحالفها مع تنظيمات أخرى، من دون أن يكون سيف مكافحة الإرهاب مسلطاً على رقابها.

أما تنظيم «الدولة الإسلامية» فسوف يتمسك بتفسير للبيان يخدم الأدبيات التي طالما شكلت أساس خطابه، وعلى رأسها تأكيده المستمر أنه تنظيم مستقل عن «القاعدة»، وأنه ليس ثمة بيعة في رقبة زعيمه أبي بكر البغدادي للظواهري. ومن الواضح أن البيان سيشكل مستنداً قوياً في أيدي أنصار «داعش» لهذه الجهة. كما أن صدور مبادرة «التبرؤ وإعلان عدم وجود علاقة» عن قيادة خراسان، من شأنه أن يزيح عن كاهل «داعش» عبئاً معنوياً كبيراً، طالما ترددت قياداته في التعبير عنه، رغم أنهم في منعطفات كثيرة كانوا راغبين فيه أكثر من رغبة قيادة خراسان.

علاوة على ما سبق، تجدر الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية، وقد تعطي مؤشراً لتحديد الشخصية الأكثر نفوذاً داخل المشهد «الجهادي» في سوريا، فالبيان الصادر عن قيادة خراسان أتى بعد أيام فقط من قيام أبو خالد السوري، «أمير أحرار الشام» في حلب، ومندوب الظواهري لحل الخلاف بين «النصرة» و«داعش»، بتوجيه نداء إلى أيمن الظواهري يطالبه فيه باتخاذ موقف حاسم من «داعش» والتبرؤ من أفعاله، حيث قال مخاطباً الظواهري: «يا شيخنا إن ما حدث ويحدث من قتل للمسلمين تحت أسباب واهية، ما أنزل الله بها من سلطان، بسبب ما يدعى الدولة في العراق ثم في الشام، سببه تأخركم كقيادة للجهاد في العالم في الإنكار عليهم والتبرؤ منهم ومن أفعالهم، حتى لا يخدع أحد بهم». وأضاف السوري ان «اعترافكم بهم، وإسباغكم الغطاء الشرعي عليهم، أساء ويسيء إلى الجهاد وإلى التنظيم»، وطالبه بأن «ابرأ إلى الله منهم، ولا تمهلهم مرة بعد مرة، واعلم أنك مسؤول ومحاسب».

وهذه الاستجابة من الظواهري أو قيادة خراسان لمطلب أبي خالد السوري، لا توحي بوجود علاقة بين «أحرار الشام» و«القاعدة» وحسب، بل إنها ترقى لتكون دليلاً على محورية الدور الذي يقوم به أبو خالد السوري، سواء داخل حركة «أحرار الشام» وإضفاء طابع «القاعدة» عليها، أو لجهة تأثيره على قيادة خراسان، واستدراج الأخيرة لاتخاذ مواقف لا تصب في النهاية إلا في مصلحة «حركة أحرار الشام» البعيدة كلياً عن أي انتقاد يربط بينها وبين الإرهاب كما هي الحال مع «جبهة النصرة».

وقال قائد من «جبهة النصرة» في شمال سوريا، لوكالة «رويترز»، إن البيان يعني أن موقف جماعته لم يعد على الحياد. وأضاف «نحن الآن في حرب مع جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، وسنقضي عليها نهائيا».

  • فريق ماسة
  • 2014-02-03
  • 11036
  • من الأرشيف

«القاعدة» يتبرأ من «داعش»: قطيعة .. أم إعلان حرب؟

كلام له ظهر وبطن، ولكنه أيضاً سلاح ذو حدّين. البيان الصادر عن «تنظيم قاعدة الجهاد ـــ القيادة العامة» حول عدم وجود أي صلة بين تنظيم «القاعدة» وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) هو أقلّ من إعلان حرب، ولكن أكثر من مجرد قطيعة وطلاق بائن. في البداية ينبغي التنويه أن البيان يعود إلى تاريخ سابق، وتحديداً إلى 22 كانون الثاني الماضي، والأيام وإن كانت قليلة إلا أن لها حساباتها في مجريات المشهد «الجهادي» على الأراضي السورية، نظراً لتسارع الأحداث ووتيرة تطورها المتصاعدة. ففي ذلك التاريخ صدر التسجيل الصوتي لزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري «نداء عاجل لأهل الشام»، والذي طالب فيه بوقف إطلاق النار بين الفصائل الإسلامية، وتشكيل هيئة قضائية للنظر في النزاع. وقد اعتبر هذا النداء تراجعاً في حدة موقف الظواهري من «داعش»، قياساً على الموقف الذي كان قد أعلن عنه أبو محمد الجولاني زعيم «جبهة النصرة» (فرع القاعدة في الشام)، وحمّل فيه «داعش» مسؤولية تصاعد النزاع نتيجة سياسته الخاطئة. لكن «السفير» أشارت في حينه إلى أن التسجيل الصوتي للظواهري كان مصحوباً ببيان سري أكثر قسوة في مضمونه من التسجيل الصوتي المعلن، وهو هذا البيان الذي نشره مركز «الفجر»، التابع لتنظيم «القاعدة»، بعد أسبوعين من وصوله إلى بعض القيادات «الجهادية» في سوريا. وجاء في البيان «تعلن جماعة قاعدة الجهاد أنها لا صلة لها بجماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، فلم تخطر بإنشائها، ولم تستأمر فيها ولم تستشر، ولم ترضها، بل أمرت بوقف العمل بها». وأضاف ان التنظيم «ليس فرعاً من جماعة قاعدة الجهاد، ولا تربطه بها علاقة تنظيمية، وليست الجماعة مسؤولة عن تصرفاته». وشدد البيان على «البراءة من أي تصرف ينشأ عنه ظلم ينال مجاهداً أو مسلماً أو غير مسلم». وأشار خاصة الى «البراءة من الفتنة التي تحدث في الشام بين فصائل المجاهدين ومن الدماء المحرمة التي سفكت فيها من أي طرف كان». ودعت قيادة «القاعدة» «كل ذي عقل ودين وحرص على الجهاد، الى أن يسعى جاهداً في إطفاء الفتنة، بالعمل على الإيقاف الفوري للقتال، ثم السعي في حل النزاعات بالتحاكم إلى هيئات قضائية شرعية للفصل في ما شجر بين المجاهدين». ظهر وبطن. لأن البيان من حيث الظاهر لم يأت بجديد على صعيد العلاقة بين «القاعدة» و«الدولة الإسلامية». فمن المعروف أنه ليس هناك علاقة تنظيمية بين الطرفين، كما أن الظواهري نفسه أعلن في رسالة سابقة أن «جبهة النصرة» هي فرع «القاعدة» في الشام وطالب «الدولة الإسلامية» بالعودة إلى العراق. أما في العمق، فالرسالة من البيان واضحة، وهي أن قيادة خراسان (تاريخياً كان يطلق على أفغانستان وجزء من باكستان اسم إقليم خراسان، وبناءً على منطقهم باستعادة كل شيء إسلامي فإن «القاعدة» يستخدم هذا الاسم) غير راضية عن «النهج» الذي يسلكه «الدولة الإسلامية»، وفيه تهديد مبطن بأن الوقت لن يطول قبل أن تعلن قيادة خراسان تبرؤها من هذا «النهج» الضالّ، كما تبرأت اليوم من العلاقة التنظيمية. وسلاح ذو حدّين. لأن كل طرف سوف يجد السبيل المناسب إلى تفسير البيان وتأويله بما ينسجم مع مصالحه ومفاهيمه. فالقيادة العامة لتنظيم «القاعدة» تريد وضع مسافة بينها وبين «داعش» تسمح لها بالاستفادة من المناخ الجديد في المنطقة، الذي يوحي بتقبّله لـ«القاعدة» وتنظيماتها، ولا يمانع من اندماجها أو تحالفها مع تنظيمات أخرى، من دون أن يكون سيف مكافحة الإرهاب مسلطاً على رقابها. أما تنظيم «الدولة الإسلامية» فسوف يتمسك بتفسير للبيان يخدم الأدبيات التي طالما شكلت أساس خطابه، وعلى رأسها تأكيده المستمر أنه تنظيم مستقل عن «القاعدة»، وأنه ليس ثمة بيعة في رقبة زعيمه أبي بكر البغدادي للظواهري. ومن الواضح أن البيان سيشكل مستنداً قوياً في أيدي أنصار «داعش» لهذه الجهة. كما أن صدور مبادرة «التبرؤ وإعلان عدم وجود علاقة» عن قيادة خراسان، من شأنه أن يزيح عن كاهل «داعش» عبئاً معنوياً كبيراً، طالما ترددت قياداته في التعبير عنه، رغم أنهم في منعطفات كثيرة كانوا راغبين فيه أكثر من رغبة قيادة خراسان. علاوة على ما سبق، تجدر الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية، وقد تعطي مؤشراً لتحديد الشخصية الأكثر نفوذاً داخل المشهد «الجهادي» في سوريا، فالبيان الصادر عن قيادة خراسان أتى بعد أيام فقط من قيام أبو خالد السوري، «أمير أحرار الشام» في حلب، ومندوب الظواهري لحل الخلاف بين «النصرة» و«داعش»، بتوجيه نداء إلى أيمن الظواهري يطالبه فيه باتخاذ موقف حاسم من «داعش» والتبرؤ من أفعاله، حيث قال مخاطباً الظواهري: «يا شيخنا إن ما حدث ويحدث من قتل للمسلمين تحت أسباب واهية، ما أنزل الله بها من سلطان، بسبب ما يدعى الدولة في العراق ثم في الشام، سببه تأخركم كقيادة للجهاد في العالم في الإنكار عليهم والتبرؤ منهم ومن أفعالهم، حتى لا يخدع أحد بهم». وأضاف السوري ان «اعترافكم بهم، وإسباغكم الغطاء الشرعي عليهم، أساء ويسيء إلى الجهاد وإلى التنظيم»، وطالبه بأن «ابرأ إلى الله منهم، ولا تمهلهم مرة بعد مرة، واعلم أنك مسؤول ومحاسب». وهذه الاستجابة من الظواهري أو قيادة خراسان لمطلب أبي خالد السوري، لا توحي بوجود علاقة بين «أحرار الشام» و«القاعدة» وحسب، بل إنها ترقى لتكون دليلاً على محورية الدور الذي يقوم به أبو خالد السوري، سواء داخل حركة «أحرار الشام» وإضفاء طابع «القاعدة» عليها، أو لجهة تأثيره على قيادة خراسان، واستدراج الأخيرة لاتخاذ مواقف لا تصب في النهاية إلا في مصلحة «حركة أحرار الشام» البعيدة كلياً عن أي انتقاد يربط بينها وبين الإرهاب كما هي الحال مع «جبهة النصرة». وقال قائد من «جبهة النصرة» في شمال سوريا، لوكالة «رويترز»، إن البيان يعني أن موقف جماعته لم يعد على الحياد. وأضاف «نحن الآن في حرب مع جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، وسنقضي عليها نهائيا».

المصدر : السفير /عبدالله سليمان علي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة