القتال في جرابلس في ريف حلب، بين الفصائل «الجهادية» بعضها ضد بعض كان قاسياً وعنيفاً ومروعاً.

وقد تكون معركة جرابلس أعنف معركة وقعت بين «الجبهة الإسلامية» وحلفائها «جبهة ثوار سوريا» و«جيش المجاهدين»، من جهة، وبين تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، من جهة ثانية.

ولا يعود السبب إلى أهمية موقع جرابلس كمعبر حدودي مع تركيا، ما يؤهلها لأن تكون دجاجة تبيض ذهباً، وحسب، فـ«أمير داعش» في جرابلس أبو حفص المصري معروف بعناده وعنفه ومدى ولائه لأميره أبي بكر البغدادي، لذلك استشرس بطريقة غير مألوفة في قتال من أسماهم «الصحوات» و«أعوان ماكين» في إشارة إلى السيناتور الأميركي جون ماكين.

ورغم أن «داعش» كان يسيطر على مدينة جرابلس منذ أشهر طويلة، حيث أنشأ فيها إحدى أولى إماراته في الريف الحلبي، إلا أن سيطرته لم تكن كاملة، فقد كان يوجد في المدينة وريفها مقرات لكتائب أخرى، أهمها كتائب تابعة لـ«لواء التوحيد» ومجموعات من آل الجادر. وكان «لواء التوحيد» هو الذي يتولى إدارة المعبر الحدودي مع تركيا، على خلفية رفض أنقرة الحاسم تولي «داعش» إدارة أي معبر حدودي معها، سواء معبر جرابلس أو تل أبيض أو باب السلامة. وكانت المرحلة السابقة تشهد الكثير من المناوشات بين عناصر «الدولة الإسلامية» وعناصر «لواء التوحيد»، ولا سيما آل الجادر، الذين اعتبرهم «داعش» أعداء له منذ اللحظات الأولى لدخوله المدينة.

ومع بداية المعارك، منذ أسبوعين، بين «الجبهة الإسلامية» وحلفائها، وبين «داعش»، كانت مدينة جرابلس من أولى المناطق التي تمدد إليها القتال، الذي اندلعت شرارته في مدينة الأتارب بعد إعلان «جيش المجاهدين» الحرب على «داعش» متهماً إياه بالبغي.

وقد قتل في اليوم الأول عدد من المقاتلين الأجانب، على رأسهم أبو عبيدة المصري وأبو محمد الأوزبكي، في ظل حملة شملت «المهاجرين» بهدف ترويعهم وتحييدهم عن القتال مع «الدولة الإسلامية». وبعد فشل المساعي لاحتواء الموقف ومنع تمدد القتال إلى المدينة، خرج «أمير داعش» في جرابلس أبو حفص المصري ببيان تهديدي، جدد فيه ولاءه للبغدادي، مهدداً من اسماهم «الصحوات وأعوان ماكين وثوار فنادق تركيا والرياض وعمان وقطر» بالسيارات المفخخة التي انتشرت في كل مكان لتقطف رؤوس الفتنة، مشيراً إلى أنه وكل عناصره قد ارتدوا الأحزمة الناسفة، ولن يضعوا السلاح حتى ينتصروا على «الصحوات».

في هذه الأثناء كانت عدة كتائب وألوية، منها «جند الحرمين» و«كتيبة الفاروق» و«لواء أحرار سوريا» و«كتيبة ثوار منبج»، تحشد قواتها في محيط المدينة بهدف اقتحامها، وقد نجحت في السيطرة على السجن المركزي، الذي يعتبر أحد أهم معاقل «داعش» وأخرجت السجناء المتواجدين فيه. وسارعت هذه الكتائب والألوية إلى إعلان نبأ سيطرتها على المدينة ودحر «داعش» منها، لتبدأ سلسلة تفجيرات بواسطة السيارات تهز أرجاء المدينة يوماً بعد يوم مستهدفة حواجز وتجمعات للكتائب والألوية المهاجمة، بينما أبو حفص المصري وعناصره محاصرون في مبنى المركز الثقافي. ومن المركز الثقافي أطلق المصري نداءه إلى عناصره من غير المحاصرين: «إلى جميع الخلايا في إمارة جرابلس خارج الحصار، كونوا على أهبة الاستعداد، فقد تركنا للعالم كله فرصة وهو يرى أعداء الله يحاصروننا من كل مكان، وانتظروا إشارة البدء الجديدة والهدف الجديد، فلقد تركنا الفرصة للعقلاء ولم يعتبر أحد».

وفي يوم الاثنين الماضي بلغت المواجهات ذروتها رغم استمرار الحصار لأكثر من أسبوع، حيث كانت التعزيزات والإمدادات لكلا الطرفين في طريقها إلى المدينة.

ومع بداية أمس الأول، بدا أن معركة الحسم قد بدأت، بالتزامن مع وصول رتل تابع لـ«الدولة الإسلامية» إلى قرية يوسف بيك القريبة، وشهدت شوارع المدينة ولا سيما محيط المركز الثقافي اشتباكات عنيفة استخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة، بينما كانت عدة سيارات تنفجر هنا وهناك، في تجمعات لـ«كتيبة الفاروق» و«جند الحرمين». كما تمكنت مجموعة تابعة لـ«داعش» من الوصول إلى الطريق بين جرابلس ومنبج، والاشتباك مع الحواجز المنتشرة عليه، ما أدّى في النهاية إلى وقف وصول الإمدادات للمهاجمين.

وتضاربت الأنباء، حيث كانت مصادر «الجبهة الإسلامية» وحلفائها تؤكد أنها تمكنت من السيطرة على المدينة، بعد هروب عناصر «داعش» منها ومقتل المصري، لكن الاشتباكات كانت لا تزال جارية وأصوات القصف وإطلاق الرصاص كان يملأ شوارع المدينة، ما أثار الشكوك حول مصداقية الخبر الذي أعلنته «الجبهة الإسلامية».

في المقابل، كانت مصادر «داعش» تؤكد أن عدداً من قيادات المهاجمين، مثل نورس العبد الملقب بـ«البرنس» وبعض وجهاء آل الجادر قد هربوا إلى تركيا، مشيرة إلى أن الشرطة التركية ألقت القبض على بعضهم بعد أن دخلوا الحدود وهم يحملون أسلحتهم.

واستمرت الاشتباكات طوال ليل أمس الأول، ليتبين مع صباح أمس، أن «داعش» تمكن بالفعل من فك الحصار الذي فرض على قواته على مدى أسبوعين كاملين، لتنقلب الأمور رأساً على عقب، ويصبح «داعش» هو من يحاصر مقرات الكتائب المهاجمة، بينما كانت تصدر عن هذه الكتائب نداءات استغاثة تطالب المتمركزين في مدينة منبج بمساعدتهم وفك حصار «داعش» عنهم.

وبحسب مصادر محلية فإن أكثر من 100 قتيل سقطوا، وأصيب العشرات، نتيجة هذه المعارك، بينما تمكن «داعش» من أسر العشرات من الكتائب المهاجمة، حيث قام على الفور بقطع رؤوس أعداد منهم وتعليقها على أسوار المركز الثقافي حيث حوصر أبو حفص ومقاتلوه على مدى 14 يوماً. كما استولى على الكثير من الغنائم، الممثلة بالعتاد والذخائر وبعض الآليات.

وفي نفي لخبر مقتله، كتب أبو حفص المصري، على حسابه على «تويتر»، عن نتائج المعركة الأخيرة، إن «صحوات الردة في جرابلس تولي هاربة لا تلوي على شيء بعد انسحاب وهرب الكثير منها إلى تركيا والتطهير مستمر»، مؤكداً أنه سيصدر بيانا رسميا ومفصلا حول ما جرى، والإجراءات التي سيتخذها في المدينة بعد استتباب الأمن له فيها.

وانسحب «داعش» من سراقب في الريف الشمالي الغربي لادلب، باتجاه سرمين، بعد ان حاصرت «الجبهة الإسلامية» المدينة.
  • فريق ماسة
  • 2014-01-17
  • 10591
  • من الأرشيف

علقت الرؤوس على سور المركز الثقافي..داعش تسيطر على جرابلس

القتال في جرابلس في ريف حلب، بين الفصائل «الجهادية» بعضها ضد بعض كان قاسياً وعنيفاً ومروعاً. وقد تكون معركة جرابلس أعنف معركة وقعت بين «الجبهة الإسلامية» وحلفائها «جبهة ثوار سوريا» و«جيش المجاهدين»، من جهة، وبين تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، من جهة ثانية. ولا يعود السبب إلى أهمية موقع جرابلس كمعبر حدودي مع تركيا، ما يؤهلها لأن تكون دجاجة تبيض ذهباً، وحسب، فـ«أمير داعش» في جرابلس أبو حفص المصري معروف بعناده وعنفه ومدى ولائه لأميره أبي بكر البغدادي، لذلك استشرس بطريقة غير مألوفة في قتال من أسماهم «الصحوات» و«أعوان ماكين» في إشارة إلى السيناتور الأميركي جون ماكين. ورغم أن «داعش» كان يسيطر على مدينة جرابلس منذ أشهر طويلة، حيث أنشأ فيها إحدى أولى إماراته في الريف الحلبي، إلا أن سيطرته لم تكن كاملة، فقد كان يوجد في المدينة وريفها مقرات لكتائب أخرى، أهمها كتائب تابعة لـ«لواء التوحيد» ومجموعات من آل الجادر. وكان «لواء التوحيد» هو الذي يتولى إدارة المعبر الحدودي مع تركيا، على خلفية رفض أنقرة الحاسم تولي «داعش» إدارة أي معبر حدودي معها، سواء معبر جرابلس أو تل أبيض أو باب السلامة. وكانت المرحلة السابقة تشهد الكثير من المناوشات بين عناصر «الدولة الإسلامية» وعناصر «لواء التوحيد»، ولا سيما آل الجادر، الذين اعتبرهم «داعش» أعداء له منذ اللحظات الأولى لدخوله المدينة. ومع بداية المعارك، منذ أسبوعين، بين «الجبهة الإسلامية» وحلفائها، وبين «داعش»، كانت مدينة جرابلس من أولى المناطق التي تمدد إليها القتال، الذي اندلعت شرارته في مدينة الأتارب بعد إعلان «جيش المجاهدين» الحرب على «داعش» متهماً إياه بالبغي. وقد قتل في اليوم الأول عدد من المقاتلين الأجانب، على رأسهم أبو عبيدة المصري وأبو محمد الأوزبكي، في ظل حملة شملت «المهاجرين» بهدف ترويعهم وتحييدهم عن القتال مع «الدولة الإسلامية». وبعد فشل المساعي لاحتواء الموقف ومنع تمدد القتال إلى المدينة، خرج «أمير داعش» في جرابلس أبو حفص المصري ببيان تهديدي، جدد فيه ولاءه للبغدادي، مهدداً من اسماهم «الصحوات وأعوان ماكين وثوار فنادق تركيا والرياض وعمان وقطر» بالسيارات المفخخة التي انتشرت في كل مكان لتقطف رؤوس الفتنة، مشيراً إلى أنه وكل عناصره قد ارتدوا الأحزمة الناسفة، ولن يضعوا السلاح حتى ينتصروا على «الصحوات». في هذه الأثناء كانت عدة كتائب وألوية، منها «جند الحرمين» و«كتيبة الفاروق» و«لواء أحرار سوريا» و«كتيبة ثوار منبج»، تحشد قواتها في محيط المدينة بهدف اقتحامها، وقد نجحت في السيطرة على السجن المركزي، الذي يعتبر أحد أهم معاقل «داعش» وأخرجت السجناء المتواجدين فيه. وسارعت هذه الكتائب والألوية إلى إعلان نبأ سيطرتها على المدينة ودحر «داعش» منها، لتبدأ سلسلة تفجيرات بواسطة السيارات تهز أرجاء المدينة يوماً بعد يوم مستهدفة حواجز وتجمعات للكتائب والألوية المهاجمة، بينما أبو حفص المصري وعناصره محاصرون في مبنى المركز الثقافي. ومن المركز الثقافي أطلق المصري نداءه إلى عناصره من غير المحاصرين: «إلى جميع الخلايا في إمارة جرابلس خارج الحصار، كونوا على أهبة الاستعداد، فقد تركنا للعالم كله فرصة وهو يرى أعداء الله يحاصروننا من كل مكان، وانتظروا إشارة البدء الجديدة والهدف الجديد، فلقد تركنا الفرصة للعقلاء ولم يعتبر أحد». وفي يوم الاثنين الماضي بلغت المواجهات ذروتها رغم استمرار الحصار لأكثر من أسبوع، حيث كانت التعزيزات والإمدادات لكلا الطرفين في طريقها إلى المدينة. ومع بداية أمس الأول، بدا أن معركة الحسم قد بدأت، بالتزامن مع وصول رتل تابع لـ«الدولة الإسلامية» إلى قرية يوسف بيك القريبة، وشهدت شوارع المدينة ولا سيما محيط المركز الثقافي اشتباكات عنيفة استخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة، بينما كانت عدة سيارات تنفجر هنا وهناك، في تجمعات لـ«كتيبة الفاروق» و«جند الحرمين». كما تمكنت مجموعة تابعة لـ«داعش» من الوصول إلى الطريق بين جرابلس ومنبج، والاشتباك مع الحواجز المنتشرة عليه، ما أدّى في النهاية إلى وقف وصول الإمدادات للمهاجمين. وتضاربت الأنباء، حيث كانت مصادر «الجبهة الإسلامية» وحلفائها تؤكد أنها تمكنت من السيطرة على المدينة، بعد هروب عناصر «داعش» منها ومقتل المصري، لكن الاشتباكات كانت لا تزال جارية وأصوات القصف وإطلاق الرصاص كان يملأ شوارع المدينة، ما أثار الشكوك حول مصداقية الخبر الذي أعلنته «الجبهة الإسلامية». في المقابل، كانت مصادر «داعش» تؤكد أن عدداً من قيادات المهاجمين، مثل نورس العبد الملقب بـ«البرنس» وبعض وجهاء آل الجادر قد هربوا إلى تركيا، مشيرة إلى أن الشرطة التركية ألقت القبض على بعضهم بعد أن دخلوا الحدود وهم يحملون أسلحتهم. واستمرت الاشتباكات طوال ليل أمس الأول، ليتبين مع صباح أمس، أن «داعش» تمكن بالفعل من فك الحصار الذي فرض على قواته على مدى أسبوعين كاملين، لتنقلب الأمور رأساً على عقب، ويصبح «داعش» هو من يحاصر مقرات الكتائب المهاجمة، بينما كانت تصدر عن هذه الكتائب نداءات استغاثة تطالب المتمركزين في مدينة منبج بمساعدتهم وفك حصار «داعش» عنهم. وبحسب مصادر محلية فإن أكثر من 100 قتيل سقطوا، وأصيب العشرات، نتيجة هذه المعارك، بينما تمكن «داعش» من أسر العشرات من الكتائب المهاجمة، حيث قام على الفور بقطع رؤوس أعداد منهم وتعليقها على أسوار المركز الثقافي حيث حوصر أبو حفص ومقاتلوه على مدى 14 يوماً. كما استولى على الكثير من الغنائم، الممثلة بالعتاد والذخائر وبعض الآليات. وفي نفي لخبر مقتله، كتب أبو حفص المصري، على حسابه على «تويتر»، عن نتائج المعركة الأخيرة، إن «صحوات الردة في جرابلس تولي هاربة لا تلوي على شيء بعد انسحاب وهرب الكثير منها إلى تركيا والتطهير مستمر»، مؤكداً أنه سيصدر بيانا رسميا ومفصلا حول ما جرى، والإجراءات التي سيتخذها في المدينة بعد استتباب الأمن له فيها. وانسحب «داعش» من سراقب في الريف الشمالي الغربي لادلب، باتجاه سرمين، بعد ان حاصرت «الجبهة الإسلامية» المدينة.

المصدر : السفير/ عبد الله علي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة