لم يذكر مؤتمر «جنيف 2» ولا مرة واحدة في البيان الختامي لاجتماع قرطبة للمعارضة السورية، ومثله لم يذكر «الائتلاف الوطني المعارض» أيضا، لكنهما كانا حاضرين بين السطور، وفي اتجاه واحد: مسعى لإيجاد بديل عن «الائتلاف» وبديل عن جنيف. بمعى أدق، رفض مقنّع للاثنين.

اللقاء استمر يومي 9 و10 كانون الثاني الحالي، وجمع حوالي 140 معارضا أتوا من داخل سورية ومن خارجها. قاطعته تكتلات المعارضة الرئيسية، في الداخل والخارج، لكنها قبلت بإرسال بعض أعضائها بصفتهم الشخصية.

يمكن وصفه بلقاء معارضين غالبيتهم «لا أصدقاء» لهم، ويقعون خارج ملاءة الدعم الدولي. إنه استمرار لنهج دعمته الحكومة الاسبانية، وقالت إنها تريد جمع المعارضين وتركهم يعملون وشأنهم. أرادت إعطاءهم منصة للقاء والنقاش، من دون وجود سفراء ووكلاء لدول القرار، كما يحدث في مؤتمرات أخرى.

قرطبة المحطة الثانية لهذا المسعى. المحطة الأولى كانت مع لمعان نجم معاذ الخطيب، الرئيس السابق لـ«الائتلاف»، وإطلاقه مبادرته المشروطة الشهيرة، التي تقبل مبدأ التفاوض مع النظام. فتحت له مدريد أبوابها، وهي الباحثة عن دور في إدارة الأزمة خارج الاحتكار الفرنسي - البريطاني ومشروعه ومعارضاته. التأم حول الخطيب طيف متنوع من معارضين ونشطاء، وأقاموا مؤتمر مدريد في أيار العام 2013. خرج بعنوان عريض كان «استعادة القرار الوطني»، وما يعنيه من توجس وانتقاد لتكتلات المعارضة التي صنعها ووجهها دعم الدول المقررة في الشأن السوري.

لقاء قرطبة جاء في السياق ذاته، وإن لم يحضره الخطيب شخصيا. في الأساس أصبح من يتولون زمام التحضير يسمون في الخارجية الاسبانية «مجموعة مدريد».

المحطة الثانية المنعقدة في مؤسسة «البيت العربي»، عادت لتضع «استقلال القرار الوطني» في مقدمة الأولويات، مؤكدة ضرورة توفير «مقومات» ذلك. كان واضحا في البيان الختامي أن هذه «المقومات» تنطلق من رفض أن يكون «الائتلاف» و«جنيف» قدرا دوليا لا مناص منه. لذا، كان لدى معارضي قرطبة تصور عن بدائل «وطنية». البديل عن جنيف هو الدعوة إلى «مؤتمر وطني شامل للإنقاذ»، يضم «ممثلي الثورة السورية بجميع مكوناتها»، بالتشاور مع المعارضات الأخرى وبإيجاد لجان تنسيق تحاور معارضة الداخل المسلحة والسياسية.

المطلوب هو «تقديم حل سياسي بأجندة وطنية». هذا يعني بديلا عن مسيرة جنيف، ذات الأطر المحددة مسبقا. ومثلما لم يعلن هذا مباشرة، لم يعلن أيضا أن البديل عن «الائتلاف» هو «تأمين أوسع تحالف للقوى الممثلة للثورة السورية».

في الأساس، وتمهيدا لتعداد ما اتفقت عليه معارضة قرطبة، تم تبيان أن من أسس الاجتماع وجود ضرورة ملحة لمواجهة أخطاء المعارضة و«أية محاولة لإعادة إنتاج النظام الاستبدادي». هذه المتوالية تصل إلى خلاصة: «رفض منطق المحاصصة السياسية والحزبية...». هذا يعني رفض جنيف من الأساس، فإعلانه الأول قائم على الوصول لمحاصصة حاكمة، بين النظام والمعارضة، عبر التفاوض.

كل هذا يبدو لافتا عند الأخذ بالاعتبار أن المؤتمر مدعوم ومقام بتمويل من خارجية الاتحاد الأوروبي والخارجية الاسبانية. كان يفترض به أن يقام مطلع تشرين الثاني الماضي لكنه أجّل. وقتها قالت مصادر الخارجية الاسبانية لـ«السفير» إن التأجيل يتعلق بتأخير جنيف، وان المؤتمر هو جزء من التحضيرات له.

وعلى أبواب انعقاده عادت المصادر الديبلوماسية، التي تفضل عدم الكشف عن هويتها، لتقول إن «تماسك المعارضة»، تحضيرا لجنيف، أحد أسباب الاجتماع. هذا ما يجعل من اللافت أن يخرج الاجتماع بإعلان يرفض «جنيف 2».

قبل تأجيله سألت «السفير» مكتب وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون ما علاقتكم بالمؤتمر، فجاء الرد مقتضبا وحاسما «لا مشاركة ولا رعاية». لكن أكثر من شهر تأجيل أحدث فرقا. من أسباب التأجيل أيضا، بحسب المصادر، كان تأمين الدعم الأوروبي، وهذا ما حصل، فالخارجية الاسبانية أعلنت أن الخارجية الأوروبية من رعاة قرطبة.

السبب الرئيسي للتردد كان موقف داعمي «الائتلاف»، وتحديدا فرنسا، غير الراغبة في أي مؤتمر أو تمثيل يشوش على المعارضة «الائتلافية» المحظية. هذا ما اضطر الخارجية الاسبانية إلى إعلان، لا يخلو من إحراج، أقرت فيه أن المؤتمر لا يهدف إلى التأثير على عملية جنيف أو تشكيل وفد المعارضة، بالرغم من قول مصادرها أنه في سياق التحضير لمؤتمر السلام.

وعندما طلبت «السفير» تبيان حقيقة الموقف الأوروبي الرسمي الجديد بعد انتقاله إلى موقع الدعم، استغرق تسطيره وتدبيجه عدة ساعات قبل أن يرسله مايكل مان، المتحدث الرسمي باسم آشتون. جاء فيه تحديد للأهداف العريضة للمؤتمر، والتي بناء عليها تقرر دعمه.

من دون أي التباس، وفي تكرار لاشتراط الانخراط، اعتبر مكتب آشتون أن «الاجتماع لا يهدف إلى تعيين أو التأثير في وفد المعارضة السورية التي ستشارك في جنيف 2، تحت القيادة المتفق عليها للائتلاف الوطني المعارض». جاء في الرد أن الهدف توفير الفرصة لممثلي المعارضة «المعتدلة» لنقاش وتحضير فاعلين من أجل «عملية الانتقال السياسي المعقدة التي من المأمول أن يحركها جنيف 2». وبكلمات أخرى، ذكرها البيان، المقصود هو «مرحلة ما بعد الحرب لانجاز انتقال سياسي حقيقي».

معارضو قرطبة طيف شخصيات متنوعة التوجهات: منشقون عن «الائتلاف»، منشقون عن النظام، ممثلون عن المعارضة المسلحة، شخصيات مسقلة، نشطاء من لجان التنسيق والمجتمع المدني، شخصيات من المعارضة الكردية، ممثلون عن أحزاب سياسية... رغم ذلك، تعرض الاجتماع لهجوم شديد وانتقادات من تكتلات المعارضة، بالجملة والمفرق، وتحت عناوين عديدة، من بينها الاتهام المتكرر بالتطبيع مع النظام.

ويقول مصدر ديبلوماسي أوروبي إن ما سبق يشير إلى حالة «الرهاب» التي يعيشها «الائتلاف الوطني» من أي مؤتمر خارج خيمته، ومن أية محاولة يستشعر فيها إمكان استبداله. في الوقت ذاته، يبدو أن الأوروبيين لا يمانعون في إرسال هكذا إشارات مزعجة، في وقت تضغط الولايات المتحدة على «الائتلافيين» لإعلان ذهابهم إلى «جنيف». لم يترك خيار أمام «الائتلاف» إلا المشاركة، ورفضها سيكون مغامرة فعلية بفقدان الدعم الدولي.

مراهنة «الائتلافيين» في المناورة لخصها أحد قيادييهم، وقال لـ «بي بي سي» ان المجتمع الدولي ليس لديه خيار معارض إلا «الائتلاف»، أو يكون بين النظام وتنظيم «القاعدة».

هذا شكل آخر للرهاب، وتصريح مكتوم الهوية كهذا أشبه بخائف يرفع صوت غنائه. يعرف «الائتلافيون» أن واشنطن، وهي عماد دعمهم الدولي، قالت لموسكو انها ستحضر المعارضة إلى جنيف. ليسوا في أفضل حال للمغامرة ولا الوقت يسمح باستمرار المناورة.

  • فريق ماسة
  • 2014-01-17
  • 11070
  • من الأرشيف

لقاء قرطبة: «معارضون لا أصدقاء لهم»..

لم يذكر مؤتمر «جنيف 2» ولا مرة واحدة في البيان الختامي لاجتماع قرطبة للمعارضة السورية، ومثله لم يذكر «الائتلاف الوطني المعارض» أيضا، لكنهما كانا حاضرين بين السطور، وفي اتجاه واحد: مسعى لإيجاد بديل عن «الائتلاف» وبديل عن جنيف. بمعى أدق، رفض مقنّع للاثنين. اللقاء استمر يومي 9 و10 كانون الثاني الحالي، وجمع حوالي 140 معارضا أتوا من داخل سورية ومن خارجها. قاطعته تكتلات المعارضة الرئيسية، في الداخل والخارج، لكنها قبلت بإرسال بعض أعضائها بصفتهم الشخصية. يمكن وصفه بلقاء معارضين غالبيتهم «لا أصدقاء» لهم، ويقعون خارج ملاءة الدعم الدولي. إنه استمرار لنهج دعمته الحكومة الاسبانية، وقالت إنها تريد جمع المعارضين وتركهم يعملون وشأنهم. أرادت إعطاءهم منصة للقاء والنقاش، من دون وجود سفراء ووكلاء لدول القرار، كما يحدث في مؤتمرات أخرى. قرطبة المحطة الثانية لهذا المسعى. المحطة الأولى كانت مع لمعان نجم معاذ الخطيب، الرئيس السابق لـ«الائتلاف»، وإطلاقه مبادرته المشروطة الشهيرة، التي تقبل مبدأ التفاوض مع النظام. فتحت له مدريد أبوابها، وهي الباحثة عن دور في إدارة الأزمة خارج الاحتكار الفرنسي - البريطاني ومشروعه ومعارضاته. التأم حول الخطيب طيف متنوع من معارضين ونشطاء، وأقاموا مؤتمر مدريد في أيار العام 2013. خرج بعنوان عريض كان «استعادة القرار الوطني»، وما يعنيه من توجس وانتقاد لتكتلات المعارضة التي صنعها ووجهها دعم الدول المقررة في الشأن السوري. لقاء قرطبة جاء في السياق ذاته، وإن لم يحضره الخطيب شخصيا. في الأساس أصبح من يتولون زمام التحضير يسمون في الخارجية الاسبانية «مجموعة مدريد». المحطة الثانية المنعقدة في مؤسسة «البيت العربي»، عادت لتضع «استقلال القرار الوطني» في مقدمة الأولويات، مؤكدة ضرورة توفير «مقومات» ذلك. كان واضحا في البيان الختامي أن هذه «المقومات» تنطلق من رفض أن يكون «الائتلاف» و«جنيف» قدرا دوليا لا مناص منه. لذا، كان لدى معارضي قرطبة تصور عن بدائل «وطنية». البديل عن جنيف هو الدعوة إلى «مؤتمر وطني شامل للإنقاذ»، يضم «ممثلي الثورة السورية بجميع مكوناتها»، بالتشاور مع المعارضات الأخرى وبإيجاد لجان تنسيق تحاور معارضة الداخل المسلحة والسياسية. المطلوب هو «تقديم حل سياسي بأجندة وطنية». هذا يعني بديلا عن مسيرة جنيف، ذات الأطر المحددة مسبقا. ومثلما لم يعلن هذا مباشرة، لم يعلن أيضا أن البديل عن «الائتلاف» هو «تأمين أوسع تحالف للقوى الممثلة للثورة السورية». في الأساس، وتمهيدا لتعداد ما اتفقت عليه معارضة قرطبة، تم تبيان أن من أسس الاجتماع وجود ضرورة ملحة لمواجهة أخطاء المعارضة و«أية محاولة لإعادة إنتاج النظام الاستبدادي». هذه المتوالية تصل إلى خلاصة: «رفض منطق المحاصصة السياسية والحزبية...». هذا يعني رفض جنيف من الأساس، فإعلانه الأول قائم على الوصول لمحاصصة حاكمة، بين النظام والمعارضة، عبر التفاوض. كل هذا يبدو لافتا عند الأخذ بالاعتبار أن المؤتمر مدعوم ومقام بتمويل من خارجية الاتحاد الأوروبي والخارجية الاسبانية. كان يفترض به أن يقام مطلع تشرين الثاني الماضي لكنه أجّل. وقتها قالت مصادر الخارجية الاسبانية لـ«السفير» إن التأجيل يتعلق بتأخير جنيف، وان المؤتمر هو جزء من التحضيرات له. وعلى أبواب انعقاده عادت المصادر الديبلوماسية، التي تفضل عدم الكشف عن هويتها، لتقول إن «تماسك المعارضة»، تحضيرا لجنيف، أحد أسباب الاجتماع. هذا ما يجعل من اللافت أن يخرج الاجتماع بإعلان يرفض «جنيف 2». قبل تأجيله سألت «السفير» مكتب وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون ما علاقتكم بالمؤتمر، فجاء الرد مقتضبا وحاسما «لا مشاركة ولا رعاية». لكن أكثر من شهر تأجيل أحدث فرقا. من أسباب التأجيل أيضا، بحسب المصادر، كان تأمين الدعم الأوروبي، وهذا ما حصل، فالخارجية الاسبانية أعلنت أن الخارجية الأوروبية من رعاة قرطبة. السبب الرئيسي للتردد كان موقف داعمي «الائتلاف»، وتحديدا فرنسا، غير الراغبة في أي مؤتمر أو تمثيل يشوش على المعارضة «الائتلافية» المحظية. هذا ما اضطر الخارجية الاسبانية إلى إعلان، لا يخلو من إحراج، أقرت فيه أن المؤتمر لا يهدف إلى التأثير على عملية جنيف أو تشكيل وفد المعارضة، بالرغم من قول مصادرها أنه في سياق التحضير لمؤتمر السلام. وعندما طلبت «السفير» تبيان حقيقة الموقف الأوروبي الرسمي الجديد بعد انتقاله إلى موقع الدعم، استغرق تسطيره وتدبيجه عدة ساعات قبل أن يرسله مايكل مان، المتحدث الرسمي باسم آشتون. جاء فيه تحديد للأهداف العريضة للمؤتمر، والتي بناء عليها تقرر دعمه. من دون أي التباس، وفي تكرار لاشتراط الانخراط، اعتبر مكتب آشتون أن «الاجتماع لا يهدف إلى تعيين أو التأثير في وفد المعارضة السورية التي ستشارك في جنيف 2، تحت القيادة المتفق عليها للائتلاف الوطني المعارض». جاء في الرد أن الهدف توفير الفرصة لممثلي المعارضة «المعتدلة» لنقاش وتحضير فاعلين من أجل «عملية الانتقال السياسي المعقدة التي من المأمول أن يحركها جنيف 2». وبكلمات أخرى، ذكرها البيان، المقصود هو «مرحلة ما بعد الحرب لانجاز انتقال سياسي حقيقي». معارضو قرطبة طيف شخصيات متنوعة التوجهات: منشقون عن «الائتلاف»، منشقون عن النظام، ممثلون عن المعارضة المسلحة، شخصيات مسقلة، نشطاء من لجان التنسيق والمجتمع المدني، شخصيات من المعارضة الكردية، ممثلون عن أحزاب سياسية... رغم ذلك، تعرض الاجتماع لهجوم شديد وانتقادات من تكتلات المعارضة، بالجملة والمفرق، وتحت عناوين عديدة، من بينها الاتهام المتكرر بالتطبيع مع النظام. ويقول مصدر ديبلوماسي أوروبي إن ما سبق يشير إلى حالة «الرهاب» التي يعيشها «الائتلاف الوطني» من أي مؤتمر خارج خيمته، ومن أية محاولة يستشعر فيها إمكان استبداله. في الوقت ذاته، يبدو أن الأوروبيين لا يمانعون في إرسال هكذا إشارات مزعجة، في وقت تضغط الولايات المتحدة على «الائتلافيين» لإعلان ذهابهم إلى «جنيف». لم يترك خيار أمام «الائتلاف» إلا المشاركة، ورفضها سيكون مغامرة فعلية بفقدان الدعم الدولي. مراهنة «الائتلافيين» في المناورة لخصها أحد قيادييهم، وقال لـ «بي بي سي» ان المجتمع الدولي ليس لديه خيار معارض إلا «الائتلاف»، أو يكون بين النظام وتنظيم «القاعدة». هذا شكل آخر للرهاب، وتصريح مكتوم الهوية كهذا أشبه بخائف يرفع صوت غنائه. يعرف «الائتلافيون» أن واشنطن، وهي عماد دعمهم الدولي، قالت لموسكو انها ستحضر المعارضة إلى جنيف. ليسوا في أفضل حال للمغامرة ولا الوقت يسمح باستمرار المناورة.

المصدر : السفير/ وسيم ابراهيم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة