بثقة المنفصل عن الواقع صرَّح رئيس “الائتلاف السوري” المعارض أحمد الجربا على هامش مؤتمر “أصدقاء سورية” في باريس، أن هناك قراراً لا لَبس فيه ضمن أروقة المؤتمر، بأن الرئيس الأسد وعائلته سيكونون خارج أي عملية سياسية في التسوية المستقبلية للأزمة السورية، رغم أن أحداً من وزراء الخارجية الحاضرين في المؤتمر لم يصَرّح أنه يجاري الجربا في توقّعاته.

ما كاد الجربا ينهي تصريحه الواثق، حتى كان اللقاء مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الموجود في باريس، وكان بحث بضرورة مشاركة الائتلاف في “جنيف-2″ بلا شروط مسبقة، والجربا يدرك طبعاً الرؤية الروسية لحلّ الأزمة السورية، والتي تتعارض مع فكرة إزاحة الرئيس الأسد.

هنا يجد الجربا وأعضاء “الائتلاف” أنفسهم، وقبل أيام من استحقاق “جنيف-2″، أنهم في مأزق حقيقي، الخروج منه سيقضي على وحدة “الائتلاف”، لأن الأعضاء الأربعين الذين انسحبوا من مؤتمر اسطمبول، جاء انسحابهم قبل مناقشة مسألة المشاركة بـ”جنيف”، اعتراضاً على إعادة انتخاب الجربا رئيساً بعد مواجهة مع رياض حجاب، مما خفّض عدد أعضاء “الائتلاف” إلى 81 من أصل 121، يضاف إليهم أعضاء المجلس الوطني العشرون المعارضون للحوار مع النظام، ويرفضون الذهاب إلى “جنيف-2″ إذا لم تكن المشاركة مشروطة برحيل الأسد، وبالتالي فإن الجربا لن يتمكن من تأمين نصاب الثلثين في الاجتماع المقرر لـ”الائتلاف” في السابع عشر من الجاري للتصويت على هذه المشاركة، علماً أنه يدرك أن راعيَيْ “جنيف-2″ يسيران بمسألة عقد المؤتمر بمعزل عن قرار “الائتلاف”؛ فيما يشبه الضغط على الجربا، الذي لو فشل في إيجاد مخرج للتباينات بين بقايا “الائتلاف”، سيرتدّ الأمر سلباً على شرعية “الائتلاف” وصحَّة تمثيله، ثم انهياره وإعادة البحث عن صيغة جديدة تجمع المعارضات السورية.

وإذا كان الجربا ليس أمامه خيار تجاه الغرب سوى المشاركة، ولو رمزياً، فإن هذه المشاركة ستنسف موقعه “الرئاسي” في حال تخطَّى نظام التصويت، والمشكلة الأدهى أن “الائتلاف” ليست لديه صفة تمثيلية للمتقاتلين على الأرض السورية، وقد تجلّى الإحباط الناتج عن انهيار “الجيش السوري الحر”، الذي كان يعتبر الذراع العسكرية لـ”الائتلاف”، بأن بدأ الرهان على “الإخوان المسلمين” لتقريب وجهات النظر السياسية بين المعارضين، والرهان على مقاتلي “الجبهة الإسلامية” لدَحر “داعش” و”النصرة”، وتحقيق نصر على الأرض يجيَّر لصالح “الائتلاف” على طاولة جنيف، وهذا النصر مطلوب من “الجبهة الإسلامية” خلال الأيام القليلة المقبلة التي تفصلنا عن موعد “جنيف-2″.

وكائناً ما كانت نتائج لقاء كيري – لافروف في باريس، لبحث دعوة إيران للمشاركة في المؤتمر، فإن الراعييْن أمام موقف صعب نتيجة “الفيتو” السعودي على مشاركتها، مما يرجّح عدم دعوة إيران رسمياً، لكنها ستكون موجودة من خلال مراقبين وخبراء على الأقل، وهي حتماً ستكون أول الموجودين على الطاولة في “جنيف-3 و4″ وما يليهما، خصوصاً بعد التقارب الأميركي – الإيراني في الملف النووي، والإعلان أن الاتفاق بين إيران والغرب سيبدأ تطبيقه في العشرين من الشهر الحالي من الطرف الإيراني، مع تخفيض طفيف في العقوبات الأميركية المفروضة على إيران كخطوة أولى.

 

ليس “جنيف” وحده على الساحة السورية حصان رهانات، بل إن “الجياد” التي تتسابق لتحقيق حسم على بعضها على أرض التناحر هي التي ستحدّد المسارات المقبلة، والميدان شَهدَ في اليومين الماضيين اندحاراً لـ”داعش” في منطقة حلب أمام “النصرة” و”الجبهة الإسلامية”، وانتصارها عليهما في الرقَّة يشبه القتال على بيدر حصاد بلا حنطة لأي من هذه التنظيمات، مع حرص الجيش السوري على “امتلاك” المدن، وبشكل خاص العاصمة دمشق وريفها، والعاصمة الثانية حلب وما تيسَّر من ريفها.

وأمام الاستحقاق الدستوري الذي سيستفيد منه الرئيس الأسد بعد أشهر قليلة، ومع الانتفاء النهائي لتوحيد المعارضات السورية، ومع تقدّم موضوع مكافحة الإرهاب في سورية والعراق على ما عداه، لا يرغب رئيس “الائتلاف” أن يدرك أن بعض الجالسين معه على طاولة “أصدقاء سورية” أجهزة مخابراتهم الرسمية تنسّق مع مخابرات النظام السوري لمحاربة “داعش” و”النصرة”، وأن الوضع الميداني باق على ما هو عليه، وأن الأسد بموجب الدستور السوري الجديد سيمدَّد له لمدة سنتين لتعذّر إجراء الانتخابات، وأن الوضع السياسي للنظام باق أيضاً على ما هو عليه، مهما توالت حلقات مسلسل المؤتمرات ما بعد “جنيف-2″ وحتى جنيف المئتين، والدول الأوروبية وأميركا ستكون في طليعة المهنئين لانتصار روسيا وإيران ومعهما كل أطراف “محور الشرّ”.

  • فريق ماسة
  • 2014-01-14
  • 9589
  • من الأرشيف

جنيف أمام قَدَر واحد : التمديد للأسد

بثقة المنفصل عن الواقع صرَّح رئيس “الائتلاف السوري” المعارض أحمد الجربا على هامش مؤتمر “أصدقاء سورية” في باريس، أن هناك قراراً لا لَبس فيه ضمن أروقة المؤتمر، بأن الرئيس الأسد وعائلته سيكونون خارج أي عملية سياسية في التسوية المستقبلية للأزمة السورية، رغم أن أحداً من وزراء الخارجية الحاضرين في المؤتمر لم يصَرّح أنه يجاري الجربا في توقّعاته. ما كاد الجربا ينهي تصريحه الواثق، حتى كان اللقاء مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الموجود في باريس، وكان بحث بضرورة مشاركة الائتلاف في “جنيف-2″ بلا شروط مسبقة، والجربا يدرك طبعاً الرؤية الروسية لحلّ الأزمة السورية، والتي تتعارض مع فكرة إزاحة الرئيس الأسد. هنا يجد الجربا وأعضاء “الائتلاف” أنفسهم، وقبل أيام من استحقاق “جنيف-2″، أنهم في مأزق حقيقي، الخروج منه سيقضي على وحدة “الائتلاف”، لأن الأعضاء الأربعين الذين انسحبوا من مؤتمر اسطمبول، جاء انسحابهم قبل مناقشة مسألة المشاركة بـ”جنيف”، اعتراضاً على إعادة انتخاب الجربا رئيساً بعد مواجهة مع رياض حجاب، مما خفّض عدد أعضاء “الائتلاف” إلى 81 من أصل 121، يضاف إليهم أعضاء المجلس الوطني العشرون المعارضون للحوار مع النظام، ويرفضون الذهاب إلى “جنيف-2″ إذا لم تكن المشاركة مشروطة برحيل الأسد، وبالتالي فإن الجربا لن يتمكن من تأمين نصاب الثلثين في الاجتماع المقرر لـ”الائتلاف” في السابع عشر من الجاري للتصويت على هذه المشاركة، علماً أنه يدرك أن راعيَيْ “جنيف-2″ يسيران بمسألة عقد المؤتمر بمعزل عن قرار “الائتلاف”؛ فيما يشبه الضغط على الجربا، الذي لو فشل في إيجاد مخرج للتباينات بين بقايا “الائتلاف”، سيرتدّ الأمر سلباً على شرعية “الائتلاف” وصحَّة تمثيله، ثم انهياره وإعادة البحث عن صيغة جديدة تجمع المعارضات السورية. وإذا كان الجربا ليس أمامه خيار تجاه الغرب سوى المشاركة، ولو رمزياً، فإن هذه المشاركة ستنسف موقعه “الرئاسي” في حال تخطَّى نظام التصويت، والمشكلة الأدهى أن “الائتلاف” ليست لديه صفة تمثيلية للمتقاتلين على الأرض السورية، وقد تجلّى الإحباط الناتج عن انهيار “الجيش السوري الحر”، الذي كان يعتبر الذراع العسكرية لـ”الائتلاف”، بأن بدأ الرهان على “الإخوان المسلمين” لتقريب وجهات النظر السياسية بين المعارضين، والرهان على مقاتلي “الجبهة الإسلامية” لدَحر “داعش” و”النصرة”، وتحقيق نصر على الأرض يجيَّر لصالح “الائتلاف” على طاولة جنيف، وهذا النصر مطلوب من “الجبهة الإسلامية” خلال الأيام القليلة المقبلة التي تفصلنا عن موعد “جنيف-2″. وكائناً ما كانت نتائج لقاء كيري – لافروف في باريس، لبحث دعوة إيران للمشاركة في المؤتمر، فإن الراعييْن أمام موقف صعب نتيجة “الفيتو” السعودي على مشاركتها، مما يرجّح عدم دعوة إيران رسمياً، لكنها ستكون موجودة من خلال مراقبين وخبراء على الأقل، وهي حتماً ستكون أول الموجودين على الطاولة في “جنيف-3 و4″ وما يليهما، خصوصاً بعد التقارب الأميركي – الإيراني في الملف النووي، والإعلان أن الاتفاق بين إيران والغرب سيبدأ تطبيقه في العشرين من الشهر الحالي من الطرف الإيراني، مع تخفيض طفيف في العقوبات الأميركية المفروضة على إيران كخطوة أولى.   ليس “جنيف” وحده على الساحة السورية حصان رهانات، بل إن “الجياد” التي تتسابق لتحقيق حسم على بعضها على أرض التناحر هي التي ستحدّد المسارات المقبلة، والميدان شَهدَ في اليومين الماضيين اندحاراً لـ”داعش” في منطقة حلب أمام “النصرة” و”الجبهة الإسلامية”، وانتصارها عليهما في الرقَّة يشبه القتال على بيدر حصاد بلا حنطة لأي من هذه التنظيمات، مع حرص الجيش السوري على “امتلاك” المدن، وبشكل خاص العاصمة دمشق وريفها، والعاصمة الثانية حلب وما تيسَّر من ريفها. وأمام الاستحقاق الدستوري الذي سيستفيد منه الرئيس الأسد بعد أشهر قليلة، ومع الانتفاء النهائي لتوحيد المعارضات السورية، ومع تقدّم موضوع مكافحة الإرهاب في سورية والعراق على ما عداه، لا يرغب رئيس “الائتلاف” أن يدرك أن بعض الجالسين معه على طاولة “أصدقاء سورية” أجهزة مخابراتهم الرسمية تنسّق مع مخابرات النظام السوري لمحاربة “داعش” و”النصرة”، وأن الوضع الميداني باق على ما هو عليه، وأن الأسد بموجب الدستور السوري الجديد سيمدَّد له لمدة سنتين لتعذّر إجراء الانتخابات، وأن الوضع السياسي للنظام باق أيضاً على ما هو عليه، مهما توالت حلقات مسلسل المؤتمرات ما بعد “جنيف-2″ وحتى جنيف المئتين، والدول الأوروبية وأميركا ستكون في طليعة المهنئين لانتصار روسيا وإيران ومعهما كل أطراف “محور الشرّ”.

المصدر : الثبات/ أمين أبو راشد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة