وجهه ليس حمّال اوجه. لغته ايضا، نظرته ايضا. هو ذلك المزيج الفظ، والفذ، من بطرس الاكبر و ايفان الرهيب. هكذا وصف جان دانييل فلاديمير بوتين، ليضيف ان وجهه حقا هو وجه القيصر.

اذاً، لا مجال الا للتعامل معه هكذا. خذوا كل كلمة يقولها بحرفيتها: لقد اعلن الحرب على الارهاب ليس في سورية فحسب وانما في ارجاء الشرق الاوسط...

قال هذا بوضوح، وقال للاميركيين ان دمشق على تخوم موسكو، والاستخبارات الروسية تملك الكثير من الوثائق، ومن المعلومات، حول جهاز الاستخبارات العربي الذي نسق عملانيا ولوجيستيا مع الاستخبارات التركية لاستجلاب مئات المقاتلين الشيشانيين الى سورية ليس فقط لمؤازرة «اخوانهم» في سورية، وانما ليشكلوا «قوة الصدم» في المواجهة المقبلة مع «الاحتلال الروسي».

والمثير ان احد المقاتلين الشيشانيين الاشداء لم يتخذ له اسما مثل ابي حفصة او ابي عبيدة، بل اطلق على نفسه اسم «بوتاخان»، مستخدما اسم القائد المغولي وحفيد جنكيز خان، الذي احتل موسكو في عام 1240، وهو ما عجز عنه نابليون بونابرت وادولف هتلر.

اذاً، اذا عادت الخلافة الاسلامية الى دمشق، فلا بد لحجارة الدومينو ان تتدحرج باتجاه آسيا الوسطى والقوقاز. جدلية التاريخ ام جدلية الايديوبوجيا؟ الجنرال جورج بوي كتب عن «جدلية الخيول»...

السناتور جون ماكين قال لهم في اسطنبول كما نجحت المسيحية، وعبر البابا يوحنا بولس الثاني، في تفكيك الاتحاد السوفياتي، وبعدما بدأ الزلزال في مرفأ غدانسك البولوني، لا بد للاسلام، وعبر اسامة بن لادن او ورثته، من تفكيك الاتحاد الروسي.

الثابت ان الجنرالات الروس مستعدون للحرب العالمية الثالثة. كتب عن ذلك اوبير فيدرين، وقال ان الروس شعروا بأن الاميركيين يريدون دفعهم الى ما وراء الثلوج. هكذا امتد حلف شمال الاطلسي الذي استبقي لاغراض استراتيجية بعد زوال حلف وارسو، الى الخاصرة الروسية في اوروبا، فيما كان الديبلوماسيون والجنرالات ورجال الاعمال الاميركيون يتوزعون بين جورجيا واذربيجان وصولا الى تركمانستان وقيرغيزستان لاقامة قواعد عسكرية عند الخاصرة الآسيوية لروسيا. فيدرين تحدث عن «حصار القرن». ولم يعد سرا ان وكالة الاستخبارات المركزية اضطلعت بدور محوري في تفجير الشيشان في وجه الكرملين الذي هدد باعادة احتلال آسيا الوسطى والقوقازحتى لو ادى الامر الى انفجار كوني..

الآن، وبعدما بدأ الاميركيون باعادة النظر في حساباتهم الاستراتيجية، يبدو الروس وجها لوجه امام الغول الايديولوجي. لو فكّر العرب، او بعضهم، بصورة عقلانية لما عملوا على تضخيم هذا الغول الذي لا بد ان يبتلعهم عاجلا او آجلا. هنا لا مجال البتة للبلاهة او للبداوة في مقاربة البرابرة، وبعدما بدا ان الاوروبيين هم اول من حاولوا اللعب بتلك اللحظات الدموية في التاريخ العربي وتوظيفها استراتيجيا. الاميركيون ومنذ جون فوستر دالاس، اقتفوا اثرهم..

المستشار يشدد على ان موسكو جاهزة للذهاب في خياراتها الى ابعد مدى. بكل وضوح ابلغت واشنطن بأن سقوط دمشق في ايدي الاسلاميين مسألة مستحيلة. هذا الموقف يعني ان الروس مستعدون للتدخل عسكريا لمنع ذلك. ثمة رسالة مباشرة وصلت الى رجب طيب اردوغان منذ نحو عام. سخر كثيرا من « هؤلاء الدببة» الذين لا يدركون ان من ترعرع بين الثلوج لا بد ان يموت بين الرمال، وكان الرجل قد قرر ان يعيد احياء العالم التركي الذي يمتد الى جنوب القوقاز مرورا باقليم سينكيانغ الصيني الذي كان ذات يوم تركستان الشرقية. حتما لم يقرأ اردوغان التاريخ ليعرف الى اين انتهت اللعبة بين السلاطين والقياصرة...

الآن، السيناريو شديد الشفافية. تحدثنا عنه في مقالة سابقة. يتم القضاء على تنظيم « الدولة الاسلامية في العراق و الشام» التي استخدمت تكتيكيا بطبيعة الحال، وبتواطؤ عجيب حقا بين اجهزة الاستخبارات، قبل ان يتبين ان هذا التنظيم تجاوز الحدود المرسومة له في سورية، الآن تنفيذ السيناريو الآخر الذي يتمحور حول اقامة «الجبهة الاسلامية» بلملمة ( وتوضيب) الفصائل المسلحة على انواعها، مع بقايا الجيش الحر الذي، وكما لاحظنا، عاد الى الظهور مجددا على السطح كواجهة فولكلورية لذلك الطراز الآخر من الذئاب الذين لا يختلفون في حال من الاحوال عن المنحى الايديولوجي لـ«داعش».

ما قالته موسكو في ابي بكر البغدادي تقوله في ابي محمد الجولاني. لا يتقن الروس الفقه ولا التفقه، لكنهم يفكرون استراتيجيا، ويدركون ان ثمة من لا يزال في واشنطن يصر على انتهاج سياسة الحصار، وها ان السناتور ماكين نفسه يطمئن عواصم عربية بأنه بعد باراك اوباما ثمة اميركا اخرى ستظهر او ستعود. اميركا جورج دبليو بوش و رونالدريغان وليندون جونسون لا اميركا دوايت ايزنهاور وجون كنيدي وبيل كلينتون، اي ان ما يحدث الآن ليس اكثر من مراقصة ( على الجليد) للدب الروسي. بعد ذلك لا بد ان يسقط ويحطم عظامه...

ولكن هل قرأ ماكين ما كتبه توماس فريدمان حول فلاديمير بوتين. نكتفي بعبارة واحدة «انه صاحب الوجه الذي لا يتحطم». اذاً، اي جدوى من اختراع «الجبهة الاسلامية» الا تدمير ما تبقى من سورية ليبدو، في نهاية المطاف، انه لا فارق البتة بين الهمجية بالرايات السود والهمجية بالرايات الحمر.

قرار الكرملين: تقويض الارهاب، والذهاب بهذا الخيار الى حدوده القصوى. تقويض النظام؟ حلم ليلة صيف...

  • فريق ماسة
  • 2014-01-07
  • 8358
  • من الأرشيف

القيصر ليس حمّال اوجه ....

وجهه ليس حمّال اوجه. لغته ايضا، نظرته ايضا. هو ذلك المزيج الفظ، والفذ، من بطرس الاكبر و ايفان الرهيب. هكذا وصف جان دانييل فلاديمير بوتين، ليضيف ان وجهه حقا هو وجه القيصر. اذاً، لا مجال الا للتعامل معه هكذا. خذوا كل كلمة يقولها بحرفيتها: لقد اعلن الحرب على الارهاب ليس في سورية فحسب وانما في ارجاء الشرق الاوسط... قال هذا بوضوح، وقال للاميركيين ان دمشق على تخوم موسكو، والاستخبارات الروسية تملك الكثير من الوثائق، ومن المعلومات، حول جهاز الاستخبارات العربي الذي نسق عملانيا ولوجيستيا مع الاستخبارات التركية لاستجلاب مئات المقاتلين الشيشانيين الى سورية ليس فقط لمؤازرة «اخوانهم» في سورية، وانما ليشكلوا «قوة الصدم» في المواجهة المقبلة مع «الاحتلال الروسي». والمثير ان احد المقاتلين الشيشانيين الاشداء لم يتخذ له اسما مثل ابي حفصة او ابي عبيدة، بل اطلق على نفسه اسم «بوتاخان»، مستخدما اسم القائد المغولي وحفيد جنكيز خان، الذي احتل موسكو في عام 1240، وهو ما عجز عنه نابليون بونابرت وادولف هتلر. اذاً، اذا عادت الخلافة الاسلامية الى دمشق، فلا بد لحجارة الدومينو ان تتدحرج باتجاه آسيا الوسطى والقوقاز. جدلية التاريخ ام جدلية الايديوبوجيا؟ الجنرال جورج بوي كتب عن «جدلية الخيول»... السناتور جون ماكين قال لهم في اسطنبول كما نجحت المسيحية، وعبر البابا يوحنا بولس الثاني، في تفكيك الاتحاد السوفياتي، وبعدما بدأ الزلزال في مرفأ غدانسك البولوني، لا بد للاسلام، وعبر اسامة بن لادن او ورثته، من تفكيك الاتحاد الروسي. الثابت ان الجنرالات الروس مستعدون للحرب العالمية الثالثة. كتب عن ذلك اوبير فيدرين، وقال ان الروس شعروا بأن الاميركيين يريدون دفعهم الى ما وراء الثلوج. هكذا امتد حلف شمال الاطلسي الذي استبقي لاغراض استراتيجية بعد زوال حلف وارسو، الى الخاصرة الروسية في اوروبا، فيما كان الديبلوماسيون والجنرالات ورجال الاعمال الاميركيون يتوزعون بين جورجيا واذربيجان وصولا الى تركمانستان وقيرغيزستان لاقامة قواعد عسكرية عند الخاصرة الآسيوية لروسيا. فيدرين تحدث عن «حصار القرن». ولم يعد سرا ان وكالة الاستخبارات المركزية اضطلعت بدور محوري في تفجير الشيشان في وجه الكرملين الذي هدد باعادة احتلال آسيا الوسطى والقوقازحتى لو ادى الامر الى انفجار كوني.. الآن، وبعدما بدأ الاميركيون باعادة النظر في حساباتهم الاستراتيجية، يبدو الروس وجها لوجه امام الغول الايديولوجي. لو فكّر العرب، او بعضهم، بصورة عقلانية لما عملوا على تضخيم هذا الغول الذي لا بد ان يبتلعهم عاجلا او آجلا. هنا لا مجال البتة للبلاهة او للبداوة في مقاربة البرابرة، وبعدما بدا ان الاوروبيين هم اول من حاولوا اللعب بتلك اللحظات الدموية في التاريخ العربي وتوظيفها استراتيجيا. الاميركيون ومنذ جون فوستر دالاس، اقتفوا اثرهم.. المستشار يشدد على ان موسكو جاهزة للذهاب في خياراتها الى ابعد مدى. بكل وضوح ابلغت واشنطن بأن سقوط دمشق في ايدي الاسلاميين مسألة مستحيلة. هذا الموقف يعني ان الروس مستعدون للتدخل عسكريا لمنع ذلك. ثمة رسالة مباشرة وصلت الى رجب طيب اردوغان منذ نحو عام. سخر كثيرا من « هؤلاء الدببة» الذين لا يدركون ان من ترعرع بين الثلوج لا بد ان يموت بين الرمال، وكان الرجل قد قرر ان يعيد احياء العالم التركي الذي يمتد الى جنوب القوقاز مرورا باقليم سينكيانغ الصيني الذي كان ذات يوم تركستان الشرقية. حتما لم يقرأ اردوغان التاريخ ليعرف الى اين انتهت اللعبة بين السلاطين والقياصرة... الآن، السيناريو شديد الشفافية. تحدثنا عنه في مقالة سابقة. يتم القضاء على تنظيم « الدولة الاسلامية في العراق و الشام» التي استخدمت تكتيكيا بطبيعة الحال، وبتواطؤ عجيب حقا بين اجهزة الاستخبارات، قبل ان يتبين ان هذا التنظيم تجاوز الحدود المرسومة له في سورية، الآن تنفيذ السيناريو الآخر الذي يتمحور حول اقامة «الجبهة الاسلامية» بلملمة ( وتوضيب) الفصائل المسلحة على انواعها، مع بقايا الجيش الحر الذي، وكما لاحظنا، عاد الى الظهور مجددا على السطح كواجهة فولكلورية لذلك الطراز الآخر من الذئاب الذين لا يختلفون في حال من الاحوال عن المنحى الايديولوجي لـ«داعش». ما قالته موسكو في ابي بكر البغدادي تقوله في ابي محمد الجولاني. لا يتقن الروس الفقه ولا التفقه، لكنهم يفكرون استراتيجيا، ويدركون ان ثمة من لا يزال في واشنطن يصر على انتهاج سياسة الحصار، وها ان السناتور ماكين نفسه يطمئن عواصم عربية بأنه بعد باراك اوباما ثمة اميركا اخرى ستظهر او ستعود. اميركا جورج دبليو بوش و رونالدريغان وليندون جونسون لا اميركا دوايت ايزنهاور وجون كنيدي وبيل كلينتون، اي ان ما يحدث الآن ليس اكثر من مراقصة ( على الجليد) للدب الروسي. بعد ذلك لا بد ان يسقط ويحطم عظامه... ولكن هل قرأ ماكين ما كتبه توماس فريدمان حول فلاديمير بوتين. نكتفي بعبارة واحدة «انه صاحب الوجه الذي لا يتحطم». اذاً، اي جدوى من اختراع «الجبهة الاسلامية» الا تدمير ما تبقى من سورية ليبدو، في نهاية المطاف، انه لا فارق البتة بين الهمجية بالرايات السود والهمجية بالرايات الحمر. قرار الكرملين: تقويض الارهاب، والذهاب بهذا الخيار الى حدوده القصوى. تقويض النظام؟ حلم ليلة صيف...

المصدر : الديار/ نبيه برجي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة