لم يكن عام إيران ككل عام، مر سريعاً لكن محملاً بالكثير من التغيرات التي تحتاج في العادة إلى أعوام، والمفارقة أن كل ما حدث حدث في نصف عام.

انتخابات رئاسية كانت نقطة تحول في المسار الديبلوماسي الإيراني، بل هي قلبت الصورة وأعادت ترتيب الأوراق الإيرانية الداخلية وتصنيف الأولويات الخارجية تحت عنوان موحد هو المرونة البطولية، وهو عنوان استورده المرشد الأعلى للثورة الإسلامية السيد علي خامنئي من أرشيف الكتب التي ترجمها، ومنها كتاب «صلح الإمام الحسن، أعظم مرونة بطولية».

كانت الانتخابات الرئاسية أولى المحطات الحاسمة في مسار العام الإيراني، فهي بدأت فعلياً قبل أن تفتح صناديق الاقتراع، بدأت حين وضعت الأسماء في التداول والتوقعات تعصف هنا وهنا، والرهان الخارجي والخشية الداخلية كانت من تكرار مشاهد العام 2009، لا سيما أن المنطقة بأسرها دخلت طور التغيير الذي أطلقت عليه إيران اسم «الصحوة الإسلامية».

المحسوم كان أن محمود أحمدي نجاد لن يعود رئيساً لإيران بعدما انقضت ولايته، لكن علامات الاستفهام كانت تدور حول الاسم الذي سيخلف الرجل الذي ظل لثماني سنوات محل جدال خارجي وداخلي.

اختار الإيرانيون الشيخ حسن روحاني رئيساً لهم، هكذا عاد الإصلاحيون إلى السلطة من الباب الكبير، وهو الباب عينه الذي فتحه الرئيس الجديد على العالم الخارجي فبدأت الرسائل تسلك طريقها شرقاً وغرباً، وفي وقت قياسي بدا وكأن المستحيل أصبح واقعاً.

للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود ونيف، عمر الثورة الإسلامية الإيرانية، يجمع خط هاتفي رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية برئيس الولايات المتحدة الأميركية، رئيس جمهورية قاعدة محور الشر ورئيس جمهورية الشيطان الأكبر، كانت سابقة أضيفت إلى لقاء وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والإيراني محمد جواد ظريف على هامش جلسات الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

التطور الأميركي الإيراني لم يكن منفصلاً عن تطور آخر بالأهمية ذاتها، التطورات على صعيد الملف النووي الإيراني وتقدم المحادثات سريعاً، إلى درجة أن أميركا بدت خلال جولتي المحادثات كمن يدفع باتجاه اتفاق، فيما بدت دول أخرى وتحديداً فرنسا معرقلة لأسباب مرتبطة بالسياسة الاقليمية والعلاقات الاقتصادية والاستثمارات الفرنسية في إيران.

وقع الاتفاق بعد حين ومعه شرعت أبواب العالم أمام إيران، فلا تكاد طهران تودع مبعوثاً دولياً أو وزيراً إقليمياً حتى تستقبل الآخر، ما انعكس إيجاباً على علاقات إيران بالجوار والعالم وهو ما ينظر إليه كقاعدة انطلاق لفك عقد المنطقة، لا سيما المعضلة السورية، والتي بات الجميع مقتنعاً بأن بيد إيران واحداً من مفاتيح الحل هناك.

إقليمياً، رسخت إيران تحالفاتها مع سوريا والعراق وعادت إلى الانفتاح على دول عدة كانت قبل أشهر في موقع الخصم، أو على الأقل في مصاف الدول التي تختلف أجنداتها معها، ولعل السبب الرئيس في هذه الاختلافات كان الأزمة السورية عينها.

هذه الدول دخلت في طور تغيير هي أيضاً، وتحديداً في ما يتعلق بالملف السوري، ولعل العامل الأبرز في حصول هذا التغيير تعاظم مقومات صمود نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بالدرجة الثانية بسبب الدعم السياسي والاقتصادي الذي يقدمه له الحلفاء وتحديداً إيران وروسيا، وبالدرجة الأولى بسبب العون العسكري الذي يقدمه له «حزب الله» اللبناني، وفي الحالتين تبدو إيران محورية. ولأنها كذلك، كانت هي الباب الأول الذي دقته تركيا وقطر عندما قررتا استبدال تأييدهما للتغيير في سوريا بقوة السلاح بتأييد خيار السياسة وهو الخيار الذي روجت له إيران منذ اليوم الأول لانطلاق «الثورة السورية».

لا شك في أن كل ما سلف له أقفاله التي إن سدت لسبب أو لآخر فستقلب الصورة رأساً على عقب، ففي الداخل هناك أيضاً من لا يرغب في نجاح مسعى فريق روحاني للانفتاح، ومن يعمل ليل نهار لعرقلة مشاريع الرجل في البرلمان والغمز من زاوية المشاكل الداخلية للقول إن الاتفاقات مع الخارج لم تغير شيئاً في الوضع الداخلي.

هنا يظهر دوماً المرشد الأعلى كضابط إيقاع يهدئ من روع المعترضين حيناً، ويشد من أزر الرئيس أحياناً، ومطالباً إياه بإيلاء الداخل والوضع الاقتصادي اهتماماً موازياً لاهتمامه بالحلول الخارجية.

على الصعيد الخارجي، لا مكان للشك في أن بعض الدول الاقليمية، بالإضافة إلى إسرائيل، غير راضية عن التوافق النووي والحوار مع أميركا، إذ ان هذه الدول ترى في التوجه الإيراني الأميركي المشترك نحو تحييد المشاكل وتعبيد طريق الثقة نحو علاقة مختلفة عن السابق، خسارة لموقعها وموقفها، وهي لهذا السبب تقوم بما أمكن لزرع ألغام وتفجير أخرى علها إن لم تعطل، تصيب وتؤخر، وهو أمر يتوقع أن يأخذ منحى أكثر تصعيداً مع انبلاج العام الجديد.

كذلك، فإن التحالفات التي تعمل إيران على نسجها في المنطقة والتي ينظر الإيرانيون إليها بعين الريبة، لا تبدو حتى اللحظة ذات أرضية صلبة، فتركيا اليوم تعيش أزمتها السياسية التي تبدو قاسية على رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، والتغيير هناك سيعني بطبيعة الحال عودة إيران إلى نقطة الصفر من جديد.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ليس في أفضل أيامه وهو اليوم يواجه حراكاً سنياً يهدد بالحد الأدنى في إطاحته، وإذا ما تطورت الأمور أكثر ربما تذهب البلاد نحو التقسيم، وعندها ستكون إيران أمام مشكلة تشبه المشكلة السورية، التي بدورها تعتبر القفل الرئيسي الذي تبقى الخشية في طهران من انسداده، فالدفاع عن دمشق بالنسبة إلى الإيرانيين تماماً كالدفاع عن طهران.

 

  • فريق ماسة
  • 2013-12-31
  • 12206
  • من الأرشيف

2013 الإيراني: عام المرونة البطولية

لم يكن عام إيران ككل عام، مر سريعاً لكن محملاً بالكثير من التغيرات التي تحتاج في العادة إلى أعوام، والمفارقة أن كل ما حدث حدث في نصف عام. انتخابات رئاسية كانت نقطة تحول في المسار الديبلوماسي الإيراني، بل هي قلبت الصورة وأعادت ترتيب الأوراق الإيرانية الداخلية وتصنيف الأولويات الخارجية تحت عنوان موحد هو المرونة البطولية، وهو عنوان استورده المرشد الأعلى للثورة الإسلامية السيد علي خامنئي من أرشيف الكتب التي ترجمها، ومنها كتاب «صلح الإمام الحسن، أعظم مرونة بطولية». كانت الانتخابات الرئاسية أولى المحطات الحاسمة في مسار العام الإيراني، فهي بدأت فعلياً قبل أن تفتح صناديق الاقتراع، بدأت حين وضعت الأسماء في التداول والتوقعات تعصف هنا وهنا، والرهان الخارجي والخشية الداخلية كانت من تكرار مشاهد العام 2009، لا سيما أن المنطقة بأسرها دخلت طور التغيير الذي أطلقت عليه إيران اسم «الصحوة الإسلامية». المحسوم كان أن محمود أحمدي نجاد لن يعود رئيساً لإيران بعدما انقضت ولايته، لكن علامات الاستفهام كانت تدور حول الاسم الذي سيخلف الرجل الذي ظل لثماني سنوات محل جدال خارجي وداخلي. اختار الإيرانيون الشيخ حسن روحاني رئيساً لهم، هكذا عاد الإصلاحيون إلى السلطة من الباب الكبير، وهو الباب عينه الذي فتحه الرئيس الجديد على العالم الخارجي فبدأت الرسائل تسلك طريقها شرقاً وغرباً، وفي وقت قياسي بدا وكأن المستحيل أصبح واقعاً. للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود ونيف، عمر الثورة الإسلامية الإيرانية، يجمع خط هاتفي رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية برئيس الولايات المتحدة الأميركية، رئيس جمهورية قاعدة محور الشر ورئيس جمهورية الشيطان الأكبر، كانت سابقة أضيفت إلى لقاء وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والإيراني محمد جواد ظريف على هامش جلسات الجمعية العمومية للأمم المتحدة. التطور الأميركي الإيراني لم يكن منفصلاً عن تطور آخر بالأهمية ذاتها، التطورات على صعيد الملف النووي الإيراني وتقدم المحادثات سريعاً، إلى درجة أن أميركا بدت خلال جولتي المحادثات كمن يدفع باتجاه اتفاق، فيما بدت دول أخرى وتحديداً فرنسا معرقلة لأسباب مرتبطة بالسياسة الاقليمية والعلاقات الاقتصادية والاستثمارات الفرنسية في إيران. وقع الاتفاق بعد حين ومعه شرعت أبواب العالم أمام إيران، فلا تكاد طهران تودع مبعوثاً دولياً أو وزيراً إقليمياً حتى تستقبل الآخر، ما انعكس إيجاباً على علاقات إيران بالجوار والعالم وهو ما ينظر إليه كقاعدة انطلاق لفك عقد المنطقة، لا سيما المعضلة السورية، والتي بات الجميع مقتنعاً بأن بيد إيران واحداً من مفاتيح الحل هناك. إقليمياً، رسخت إيران تحالفاتها مع سوريا والعراق وعادت إلى الانفتاح على دول عدة كانت قبل أشهر في موقع الخصم، أو على الأقل في مصاف الدول التي تختلف أجنداتها معها، ولعل السبب الرئيس في هذه الاختلافات كان الأزمة السورية عينها. هذه الدول دخلت في طور تغيير هي أيضاً، وتحديداً في ما يتعلق بالملف السوري، ولعل العامل الأبرز في حصول هذا التغيير تعاظم مقومات صمود نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بالدرجة الثانية بسبب الدعم السياسي والاقتصادي الذي يقدمه له الحلفاء وتحديداً إيران وروسيا، وبالدرجة الأولى بسبب العون العسكري الذي يقدمه له «حزب الله» اللبناني، وفي الحالتين تبدو إيران محورية. ولأنها كذلك، كانت هي الباب الأول الذي دقته تركيا وقطر عندما قررتا استبدال تأييدهما للتغيير في سوريا بقوة السلاح بتأييد خيار السياسة وهو الخيار الذي روجت له إيران منذ اليوم الأول لانطلاق «الثورة السورية». لا شك في أن كل ما سلف له أقفاله التي إن سدت لسبب أو لآخر فستقلب الصورة رأساً على عقب، ففي الداخل هناك أيضاً من لا يرغب في نجاح مسعى فريق روحاني للانفتاح، ومن يعمل ليل نهار لعرقلة مشاريع الرجل في البرلمان والغمز من زاوية المشاكل الداخلية للقول إن الاتفاقات مع الخارج لم تغير شيئاً في الوضع الداخلي. هنا يظهر دوماً المرشد الأعلى كضابط إيقاع يهدئ من روع المعترضين حيناً، ويشد من أزر الرئيس أحياناً، ومطالباً إياه بإيلاء الداخل والوضع الاقتصادي اهتماماً موازياً لاهتمامه بالحلول الخارجية. على الصعيد الخارجي، لا مكان للشك في أن بعض الدول الاقليمية، بالإضافة إلى إسرائيل، غير راضية عن التوافق النووي والحوار مع أميركا، إذ ان هذه الدول ترى في التوجه الإيراني الأميركي المشترك نحو تحييد المشاكل وتعبيد طريق الثقة نحو علاقة مختلفة عن السابق، خسارة لموقعها وموقفها، وهي لهذا السبب تقوم بما أمكن لزرع ألغام وتفجير أخرى علها إن لم تعطل، تصيب وتؤخر، وهو أمر يتوقع أن يأخذ منحى أكثر تصعيداً مع انبلاج العام الجديد. كذلك، فإن التحالفات التي تعمل إيران على نسجها في المنطقة والتي ينظر الإيرانيون إليها بعين الريبة، لا تبدو حتى اللحظة ذات أرضية صلبة، فتركيا اليوم تعيش أزمتها السياسية التي تبدو قاسية على رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، والتغيير هناك سيعني بطبيعة الحال عودة إيران إلى نقطة الصفر من جديد. وبالإضافة إلى ذلك، فإن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ليس في أفضل أيامه وهو اليوم يواجه حراكاً سنياً يهدد بالحد الأدنى في إطاحته، وإذا ما تطورت الأمور أكثر ربما تذهب البلاد نحو التقسيم، وعندها ستكون إيران أمام مشكلة تشبه المشكلة السورية، التي بدورها تعتبر القفل الرئيسي الذي تبقى الخشية في طهران من انسداده، فالدفاع عن دمشق بالنسبة إلى الإيرانيين تماماً كالدفاع عن طهران.  

المصدر : السفير /علي هاشم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة