لم تنتظر وزارة الخارجية الروسية نتائج رسمية للتحقيقات. حددت الجهة المخططة. قالت إن تفجيرات فولفوغراد تشبه الاعمال الإرهابية في الولايات المتحدة، وسوريا، والعراق، وليبيا، وأفغانستان، ونيجيريا، وغيرها من الدول.

 قالت أيضاً إن المخططين هم أنفسهم وإن السيناريو هو عينه. لا بد إذاً من عمل دولي ضد هذه الظاهرة. لا بد أيضاً من تفادي تأجيج العداء الطائفي.

الجهاد التكفيري إذن هو المستهدف. المخططون له إذن هم الاهداف المقبلة لروسيا. لا شك في أن الرئيس فلاديمير بوتين الذي اختارته صحيفة التايمز البريطانية العريقة رجل العام، بدأ منذ اللحظة الاولى للتفجير الاول في فولفوغراد يخطط للرد… ماذا سيفعل؟

لنراقب أولاً الإطار العام الذي حصلت فيه هذه التفجيرات الارهابية:

هي جاءت بعد معركة بوتين مع أوروبا حول أوكرانيا. سارع الاسد الروسي إلى إهداء «الدولة الشقيقة» 15 مليار دولار. سحب جزءاً كبيراً من البساط من تحت أقدام الاوروبيين. جاءت التفجيرات أيضاً قبيل الالعاب الاولمبية الشتوية التي من المفترض أن تُفتتح في سوتشي في 7 شباط فبراير المقبل.

قبل أن تنتقل المعركة الى قلب روسيا، كان بوتين تلقى تحذيرات تقارب التهديدات من نقل المعركة الى بلاده إن لم يتراجع عن دعم سوريا وإيران. يقول عارفوه إنه ردّ بالقول إنه سيقطع اليد التي تمتد الى الداخل الروسي.

جاءت التفجيرات بعد تقدم الملف السوري نحو الحل التفاوضي في جنيف 2. روسيا تريد للمؤتمر أن يُعقد تحت شعار مكافحة الارهاب. واشنطن وبعض حلفائها يمانعون. قد لا يستطيعون الاستمرار في الممانعة بعد دماء فولفوغراد.

جاءت التفجيرات بعد أن رفع بوتين صوته ومعه وزير خارجيته سيرغي لافروف بضرورة وقف الدول الإقليمية تهريب السلاح والتكفيريين الى سوريا. لن يستطيع العالم أن يقول لهما بعد دماء فولفوغراد إنهما يغاليان بهذا الطلب.

لم يكن الطلب موجهاً أصلاً الى واشنطن. روسيا ضغطت في هذا الاتجاه. نجح الضغط. قالت الخارجية الاميركية صراحة قبل أيام إن على قادة دول المنطقة «اتخاذ التدابير الفعالة لمنع تمويل وتجنيد عناصر في هذه المجموعات الارهابية، ومن بينها «دولة الإسلام في العراق والشام» و«جبهة النصرة»، وإيقاف تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا حيث يقوم الكثير منهم لاحقاً بتنفيذ تفجيرات انتحارية ضد مدنيين أبرياء في العراق».

بعد دماء فولفوغراد ستضطر واشنطن إلى الانتقال من القول الى الفعل مع حلفائها في الخليج وغيره. صار بعض دول الخليج متهماً مباشرة بتشجيع الارهاب على الاراضي الروسية. هذا خط أحمر. وحين يصل بوتين الى هذا الخط يجب الانتباه. ألم يتم اغتيال الرئيس الشيشاني سليم خان ياندرباييف بتفجير سيارته في قطر؟ ألم يُغتل أيضاً القيادي العسكري الشيشاني السابق سليم يامادايف في مرأب للسيارات في دبي؟

ماذا لو تبيّن أن دولة عربية أو أطرافاً في دولة عربية تقف خلف ما حصل في فولفوغراد. هل تسلم من ردّ فعل على أراضيها أو ضد مصالحها؟

يبدو على الأقل حتى الآن أن بوتين يسير على ما سارت عليه قبله طهران بعد تفجير سفارتها في بيروت. سيقول للعالم إنه ضحية، وإن على العالم أن يساعده في مكافحة الارهاب. تركيا بدأت التحرك لوقف تسلل إرهابيين صوب سوريا. يقال إن قطر كذلك. الجيش اللبناني سيكون مطالباً أكثر بضرب الارهاب.

تبقى السعودية في الواجهة

يبدو أن بوتين كان قد أفهم رئيس الاستخبارات السعودية الامير بندر أن الارهاب خط أحمر. سعى الأمير لإقناعه بأن إيران وحزب الله والرئيس بشار الأسد يعزّزون الارهاب. قال له أيضاً ما تقوله القيادة السعودية لزوارها من أن الارهاب هو «شيعيّ المنشأ». كان رأي بوتين أنه يعرف من أدخل الارهاب الى الجمهوريات السوفياتية السابقة، وأن من الأفضل التفاهم مع إيران.

قبل التفجيرات في روسيا، يُقتل الوزير محمد شطح بتفجير هزّ العالم، قبل أن تتحول الانظار صوب فولفوغراد. يعلن الرئيس فؤاد السنيورة معركة تحرير لبنان من السلاح غير الشرعي. يسبق الإعلان اتهامات وتلميحات مباشرة منه ومن الرئيس سعد الحريري لحزب الله وسوريا. تتهم البحرين سوريا وإيران بإدخال متفجرات الى أراضيها. يسبق ذلك اعتقال الزعيم المعارض الشيخ علي سلمان. تصدر من الرياض المستقبلة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند تصريحات ضد بقاء الاسد. يتم الاتفاق على دعم الجيش اللبناني بـ3 مليارات دولار. ترشح تخمينات عن خطوات سياسية من قبل الرئيس ميشال سليمان ضد خصومه. يتوتر الوضع سريعاً عند الحدود اللبنانية الاسرائيلية. يتوتر أيضاً عند مداخل عين الحلوة. يتدهور في جنوب اليمن حيث يقتل عدد من العسكريين. يغرق العراق أكثر في دم أبرياء التفجيرات الارهابية.

قد تكون كل هذه الأحداث معزولة، ولكن لا شيء يمنع التفكير في أنها مرتبطة بخيط واحد. المنطقة تعيش أسوأ صراعات القرن. تصفية الحسابات المحلية والاقليمية في أوجها. التفاهمات الدولية تصطدم بعناد إقليمي يترجم أمنياً في بعض المرات. ماذا يفعل الجيش اللبناني حين تصله الأموال والدعم؟ هل يضرب الإرهاب؟ أم ثمة من يريد له دوراً آخر ضد حزب الله؟ هل اغتيال شطح له علاقة بهذه الأسئلة؟

كل شيء وارد، لكن الأكيد أنه بعد تفجيرات فولفوغراد لا بد أن العالم سيتجه أكثر صوب الفكرة الروسية. مفاد هذه الفكرة أن الأولوية هي لمكافحة الارهاب. من يعاند سيدفع الثمن. بوتين ذو الوجه الرخامي قلّما يمزح حين يتعلق الامر بأمن بلاده ومصالحها…

  • فريق ماسة
  • 2013-12-30
  • 12582
  • من الأرشيف

هل يفجّر بوتين من فجّر بلاده ؟

لم تنتظر وزارة الخارجية الروسية نتائج رسمية للتحقيقات. حددت الجهة المخططة. قالت إن تفجيرات فولفوغراد تشبه الاعمال الإرهابية في الولايات المتحدة، وسوريا، والعراق، وليبيا، وأفغانستان، ونيجيريا، وغيرها من الدول.  قالت أيضاً إن المخططين هم أنفسهم وإن السيناريو هو عينه. لا بد إذاً من عمل دولي ضد هذه الظاهرة. لا بد أيضاً من تفادي تأجيج العداء الطائفي. الجهاد التكفيري إذن هو المستهدف. المخططون له إذن هم الاهداف المقبلة لروسيا. لا شك في أن الرئيس فلاديمير بوتين الذي اختارته صحيفة التايمز البريطانية العريقة رجل العام، بدأ منذ اللحظة الاولى للتفجير الاول في فولفوغراد يخطط للرد… ماذا سيفعل؟ لنراقب أولاً الإطار العام الذي حصلت فيه هذه التفجيرات الارهابية: هي جاءت بعد معركة بوتين مع أوروبا حول أوكرانيا. سارع الاسد الروسي إلى إهداء «الدولة الشقيقة» 15 مليار دولار. سحب جزءاً كبيراً من البساط من تحت أقدام الاوروبيين. جاءت التفجيرات أيضاً قبيل الالعاب الاولمبية الشتوية التي من المفترض أن تُفتتح في سوتشي في 7 شباط فبراير المقبل. قبل أن تنتقل المعركة الى قلب روسيا، كان بوتين تلقى تحذيرات تقارب التهديدات من نقل المعركة الى بلاده إن لم يتراجع عن دعم سوريا وإيران. يقول عارفوه إنه ردّ بالقول إنه سيقطع اليد التي تمتد الى الداخل الروسي. جاءت التفجيرات بعد تقدم الملف السوري نحو الحل التفاوضي في جنيف 2. روسيا تريد للمؤتمر أن يُعقد تحت شعار مكافحة الارهاب. واشنطن وبعض حلفائها يمانعون. قد لا يستطيعون الاستمرار في الممانعة بعد دماء فولفوغراد. جاءت التفجيرات بعد أن رفع بوتين صوته ومعه وزير خارجيته سيرغي لافروف بضرورة وقف الدول الإقليمية تهريب السلاح والتكفيريين الى سوريا. لن يستطيع العالم أن يقول لهما بعد دماء فولفوغراد إنهما يغاليان بهذا الطلب. لم يكن الطلب موجهاً أصلاً الى واشنطن. روسيا ضغطت في هذا الاتجاه. نجح الضغط. قالت الخارجية الاميركية صراحة قبل أيام إن على قادة دول المنطقة «اتخاذ التدابير الفعالة لمنع تمويل وتجنيد عناصر في هذه المجموعات الارهابية، ومن بينها «دولة الإسلام في العراق والشام» و«جبهة النصرة»، وإيقاف تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا حيث يقوم الكثير منهم لاحقاً بتنفيذ تفجيرات انتحارية ضد مدنيين أبرياء في العراق». بعد دماء فولفوغراد ستضطر واشنطن إلى الانتقال من القول الى الفعل مع حلفائها في الخليج وغيره. صار بعض دول الخليج متهماً مباشرة بتشجيع الارهاب على الاراضي الروسية. هذا خط أحمر. وحين يصل بوتين الى هذا الخط يجب الانتباه. ألم يتم اغتيال الرئيس الشيشاني سليم خان ياندرباييف بتفجير سيارته في قطر؟ ألم يُغتل أيضاً القيادي العسكري الشيشاني السابق سليم يامادايف في مرأب للسيارات في دبي؟ ماذا لو تبيّن أن دولة عربية أو أطرافاً في دولة عربية تقف خلف ما حصل في فولفوغراد. هل تسلم من ردّ فعل على أراضيها أو ضد مصالحها؟ يبدو على الأقل حتى الآن أن بوتين يسير على ما سارت عليه قبله طهران بعد تفجير سفارتها في بيروت. سيقول للعالم إنه ضحية، وإن على العالم أن يساعده في مكافحة الارهاب. تركيا بدأت التحرك لوقف تسلل إرهابيين صوب سوريا. يقال إن قطر كذلك. الجيش اللبناني سيكون مطالباً أكثر بضرب الارهاب. تبقى السعودية في الواجهة… يبدو أن بوتين كان قد أفهم رئيس الاستخبارات السعودية الامير بندر أن الارهاب خط أحمر. سعى الأمير لإقناعه بأن إيران وحزب الله والرئيس بشار الأسد يعزّزون الارهاب. قال له أيضاً ما تقوله القيادة السعودية لزوارها من أن الارهاب هو «شيعيّ المنشأ». كان رأي بوتين أنه يعرف من أدخل الارهاب الى الجمهوريات السوفياتية السابقة، وأن من الأفضل التفاهم مع إيران. قبل التفجيرات في روسيا، يُقتل الوزير محمد شطح بتفجير هزّ العالم، قبل أن تتحول الانظار صوب فولفوغراد. يعلن الرئيس فؤاد السنيورة معركة تحرير لبنان من السلاح غير الشرعي. يسبق الإعلان اتهامات وتلميحات مباشرة منه ومن الرئيس سعد الحريري لحزب الله وسوريا. تتهم البحرين سوريا وإيران بإدخال متفجرات الى أراضيها. يسبق ذلك اعتقال الزعيم المعارض الشيخ علي سلمان. تصدر من الرياض المستقبلة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند تصريحات ضد بقاء الاسد. يتم الاتفاق على دعم الجيش اللبناني بـ3 مليارات دولار. ترشح تخمينات عن خطوات سياسية من قبل الرئيس ميشال سليمان ضد خصومه. يتوتر الوضع سريعاً عند الحدود اللبنانية الاسرائيلية. يتوتر أيضاً عند مداخل عين الحلوة. يتدهور في جنوب اليمن حيث يقتل عدد من العسكريين. يغرق العراق أكثر في دم أبرياء التفجيرات الارهابية. قد تكون كل هذه الأحداث معزولة، ولكن لا شيء يمنع التفكير في أنها مرتبطة بخيط واحد. المنطقة تعيش أسوأ صراعات القرن. تصفية الحسابات المحلية والاقليمية في أوجها. التفاهمات الدولية تصطدم بعناد إقليمي يترجم أمنياً في بعض المرات. ماذا يفعل الجيش اللبناني حين تصله الأموال والدعم؟ هل يضرب الإرهاب؟ أم ثمة من يريد له دوراً آخر ضد حزب الله؟ هل اغتيال شطح له علاقة بهذه الأسئلة؟ كل شيء وارد، لكن الأكيد أنه بعد تفجيرات فولفوغراد لا بد أن العالم سيتجه أكثر صوب الفكرة الروسية. مفاد هذه الفكرة أن الأولوية هي لمكافحة الارهاب. من يعاند سيدفع الثمن. بوتين ذو الوجه الرخامي قلّما يمزح حين يتعلق الامر بأمن بلاده ومصالحها…

المصدر : الأخبار / سامي كليب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة