تغيّر المشهد على أوتوستراد دمشق ـ حمص الدولي. آلاف النازحين الهاربين من الموت الجاثم في بلدة عدرا العمالية في ريف دمشق، يتناثرون على جانبي الطريق أثناء عملية الخروج من الضاحية المنكوبة

ينتشر عناصر الجيش السوري على طول الأوتوستراد الدولي الذي يربط دمشق بحمص. بالقرب من مفرق ضاحية عدرا العمالية يختلط جنود الجيش بالمدنيين الخارجين بعد التسوية التي أشرفت عليها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل. آلاف المدنيين خرجوا بالملابس التي يرتدونها فقط. حملوا أطفالهم وهربوا بهم. أمعاؤهم الخاوية تعبّر عنها وجوههم الشاحبة. ملابسهم الرثّة التي تحاكي جوّ دمشق الماطر هذا اليوم، وكأن السماء تكمل معاناتهم بالبرد والمطر. معظم من التقت بهم «الأخبار» لا يعبّرون عن الوضع الذي تابعته التقارير الإعلامية خلال الأيام الماضية. غالبيتهم نازحون من دوما إلى عدرا العمالية. استطاعوا النجاة من الاشتباكات في بلدتهم قبل أشهر، ثم في عدرا العمالية خلال الأسابيع الماضية، تاركين خلفهم صوت الرصاص والمدفعية بين الجيش السوري والمسلحين. بعض نازحي حرستا في عدرا العمالية كُتب لهم النزوح الثاني. سيمرّون حتماً من الطريق المتجه إلى دمشق، الذي يتناثر عليه ركام منازلهم الأولى. حكايتهم حكاية كل السوريين. حالة من الاستياء قابلها بعض المنتظرين ذويهم من سكان الضاحية الأصليين. لم يستطع الجميع الهرب من العنف الدائر في المنطقة. وكانت المفاجأة القاسية أن المسلحين لم يسمحوا للكثير من أهالي البلدة الخروج، مستعيضين عنهم بنازحين استضافتهم الضاحية في مراحل سابقة. بعض هؤلاء النازحين أجار الكثير من أبناء عدرا العمالية. إحدى النسوة الواقفات بانتظار وسيلة نقل تقلها إلى حيث يقيم أقاربها في بلدة التل على أطراف العاصمة السورية، تحدثت لـ«الأخبار» بصعوبة عن الأهوال التي مرّوا بها. تقول السيدة بلهجتها الدومانية: «كانوا يقولون لنا يومياً سيقصفكم الجيش ويدمّر البيوت على رؤوسكم». وتتابع قولها: «أمرونا بألا نحاول الخروج، وإلا فسنُقتل على يد الجيش السوري، متذرّعين بأن الجيش سيمنعنا من الخروج لأنه يُصرّ على قتل المدنيين». ترفض السيدة الحديث عن المذابح التي ارتكبت بحق جيرانها، غير أنها لا تنكرها. نظرة خجل ومرارة تختفي وراء عينيها الصغيرتين. السيدة الخارجة مع عائلتها من إحدى جزر عدرا العمّالية، وصلت إلى الطريق الدولي بمساعدة جنود الجيش. تقف بانتظار من يوصلهم إلى الشام. البعض واصل التعبير عن استيائه من عملية التسوية التي لم تنظّم خروج المدنيين، ولم تعِ خطورة مثل هذا العمل على الصعيد الإنساني. بعض النازحين يفترشون المساحات الترابية الفاصلة بين الأوتوستراد والضاحية، فيما يحاول البعض الآخر إيقاف سيارات المسافرين على الطريق بشكل عشوائي للوصول إلى دمشق. لا يفضّل المسافرون التوقف لأي كان في ظل الظروف التي تعاني منها البلاد. ويستعيضون عن التوقف لهم بالتساؤل: لماذا لم تكمل الوزارة ومنظمة الهلال الأحمر معروفهما وتأتيا بوسائل نقل لتقلّ النازحين إلى أماكن محددة بدل تفرّقهم وتشرّدهم على مدخل دمشق الشمالي؟ الفوضى تحكم المكان. أحد أقارب النازحين المنتظرين ذويهم دون جدوى، يقول: «المسلحون يضعون نساءً في وسط منطقة الاشتباكات كي لا يرميهم الجيش بالرصاص»، ويتابع بأسى: «عندما ضرب الجيش أحد المباني بالمدفعية، جاء رد المسلحين برمي عدة نساء وأطفال من بعض الأبنية العالية». لا يستطيع الشاب إكمال الحديث عمّا فعله المسلحون في مخفر شرطة عدرا العمالية، بل يكمل زميله الجالس متأملاً عملية الإجلاء: «تناوبوا على اغتصاب الفتيات وتسييرهن سبايا إلى بلدة دوما». ويتساءل الشابان: «أين أهالينا؟ ولماذا جرى إجلاء فئة واحدة من المدنيين هُناك؟». يهمس الآخر قائلاً: «عدد من المدنيين الخارجين هم من عائلات المسلحين في الداخل». لا يمكن الوزارة أن تنكر أن معظم المدنيين المستهدفين في عملية الإجلاء، بقوا على الطريق الدولي لوقت طويل، ينتظرون من يقلهم، رغم أحوال الطقس السيئة. يبدو أن أمام الوزارة الكثير من العمل للدفاع عن أهمية «الإنجاز» الذي قام به القيّمون على ملف «مدنيي عدرا العمالية».

  • فريق ماسة
  • 2013-12-30
  • 9820
  • من الأرشيف

ما لم يذكر عن عملية إجلاء مدنيي عدرا العمالية

تغيّر المشهد على أوتوستراد دمشق ـ حمص الدولي. آلاف النازحين الهاربين من الموت الجاثم في بلدة عدرا العمالية في ريف دمشق، يتناثرون على جانبي الطريق أثناء عملية الخروج من الضاحية المنكوبة ينتشر عناصر الجيش السوري على طول الأوتوستراد الدولي الذي يربط دمشق بحمص. بالقرب من مفرق ضاحية عدرا العمالية يختلط جنود الجيش بالمدنيين الخارجين بعد التسوية التي أشرفت عليها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل. آلاف المدنيين خرجوا بالملابس التي يرتدونها فقط. حملوا أطفالهم وهربوا بهم. أمعاؤهم الخاوية تعبّر عنها وجوههم الشاحبة. ملابسهم الرثّة التي تحاكي جوّ دمشق الماطر هذا اليوم، وكأن السماء تكمل معاناتهم بالبرد والمطر. معظم من التقت بهم «الأخبار» لا يعبّرون عن الوضع الذي تابعته التقارير الإعلامية خلال الأيام الماضية. غالبيتهم نازحون من دوما إلى عدرا العمالية. استطاعوا النجاة من الاشتباكات في بلدتهم قبل أشهر، ثم في عدرا العمالية خلال الأسابيع الماضية، تاركين خلفهم صوت الرصاص والمدفعية بين الجيش السوري والمسلحين. بعض نازحي حرستا في عدرا العمالية كُتب لهم النزوح الثاني. سيمرّون حتماً من الطريق المتجه إلى دمشق، الذي يتناثر عليه ركام منازلهم الأولى. حكايتهم حكاية كل السوريين. حالة من الاستياء قابلها بعض المنتظرين ذويهم من سكان الضاحية الأصليين. لم يستطع الجميع الهرب من العنف الدائر في المنطقة. وكانت المفاجأة القاسية أن المسلحين لم يسمحوا للكثير من أهالي البلدة الخروج، مستعيضين عنهم بنازحين استضافتهم الضاحية في مراحل سابقة. بعض هؤلاء النازحين أجار الكثير من أبناء عدرا العمالية. إحدى النسوة الواقفات بانتظار وسيلة نقل تقلها إلى حيث يقيم أقاربها في بلدة التل على أطراف العاصمة السورية، تحدثت لـ«الأخبار» بصعوبة عن الأهوال التي مرّوا بها. تقول السيدة بلهجتها الدومانية: «كانوا يقولون لنا يومياً سيقصفكم الجيش ويدمّر البيوت على رؤوسكم». وتتابع قولها: «أمرونا بألا نحاول الخروج، وإلا فسنُقتل على يد الجيش السوري، متذرّعين بأن الجيش سيمنعنا من الخروج لأنه يُصرّ على قتل المدنيين». ترفض السيدة الحديث عن المذابح التي ارتكبت بحق جيرانها، غير أنها لا تنكرها. نظرة خجل ومرارة تختفي وراء عينيها الصغيرتين. السيدة الخارجة مع عائلتها من إحدى جزر عدرا العمّالية، وصلت إلى الطريق الدولي بمساعدة جنود الجيش. تقف بانتظار من يوصلهم إلى الشام. البعض واصل التعبير عن استيائه من عملية التسوية التي لم تنظّم خروج المدنيين، ولم تعِ خطورة مثل هذا العمل على الصعيد الإنساني. بعض النازحين يفترشون المساحات الترابية الفاصلة بين الأوتوستراد والضاحية، فيما يحاول البعض الآخر إيقاف سيارات المسافرين على الطريق بشكل عشوائي للوصول إلى دمشق. لا يفضّل المسافرون التوقف لأي كان في ظل الظروف التي تعاني منها البلاد. ويستعيضون عن التوقف لهم بالتساؤل: لماذا لم تكمل الوزارة ومنظمة الهلال الأحمر معروفهما وتأتيا بوسائل نقل لتقلّ النازحين إلى أماكن محددة بدل تفرّقهم وتشرّدهم على مدخل دمشق الشمالي؟ الفوضى تحكم المكان. أحد أقارب النازحين المنتظرين ذويهم دون جدوى، يقول: «المسلحون يضعون نساءً في وسط منطقة الاشتباكات كي لا يرميهم الجيش بالرصاص»، ويتابع بأسى: «عندما ضرب الجيش أحد المباني بالمدفعية، جاء رد المسلحين برمي عدة نساء وأطفال من بعض الأبنية العالية». لا يستطيع الشاب إكمال الحديث عمّا فعله المسلحون في مخفر شرطة عدرا العمالية، بل يكمل زميله الجالس متأملاً عملية الإجلاء: «تناوبوا على اغتصاب الفتيات وتسييرهن سبايا إلى بلدة دوما». ويتساءل الشابان: «أين أهالينا؟ ولماذا جرى إجلاء فئة واحدة من المدنيين هُناك؟». يهمس الآخر قائلاً: «عدد من المدنيين الخارجين هم من عائلات المسلحين في الداخل». لا يمكن الوزارة أن تنكر أن معظم المدنيين المستهدفين في عملية الإجلاء، بقوا على الطريق الدولي لوقت طويل، ينتظرون من يقلهم، رغم أحوال الطقس السيئة. يبدو أن أمام الوزارة الكثير من العمل للدفاع عن أهمية «الإنجاز» الذي قام به القيّمون على ملف «مدنيي عدرا العمالية».

المصدر : الأخبار /مرح ماشي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة