شهدت تركيا مؤخراً حراكاً شعبياً مطالباً بإسقاط رجب طيب أردوغان وحكومته، تعددت الأسباب الداخلية والخارجية لكن النتيجة بحسب المحللين ستكون واحدة، سقوط أردوغان ومشروعه السياسي في تركيا وما بعد تركيا

فضيحة الفساد التركية وأسباب الاحتجاجات

من يزور ساحة تكسيم في اسطنبول يسمع كلام عن أن أيام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان باتت معدودة. الجميع هنا يتحدث عن العنف المفرط من قبل قوات الأمن ومكافحة الشغب خلال تفريقها لمظاهرات المعارضة اليسارية والقومية المطالبة باستقالة "الفاشي"، لاسيما وأن فضيحة الفساد الأخيرة طالت ٥٢ شخصية مقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم وكذلك نجل أردوغان بلال الذي فر من البلاد.

المعارضة التي اشتد عزمها منذ أحداث حديقة جيزي الصيف الماضي، تتوعد الحكومة بمزيد من التصعيد، في حين أن موعد الانتخابات المحلية المقررة في مارس/ آذار المقبل، تجعل من موجة الاحتجاجات عاملاً أساسياً في رسم الخطوط العريضة لمستقبل السياسية الداخلية والخارجية التركية، وذلك في وقت تستمر فيه حملات الاعتقالات والاستقالات وكذلك إعلان الجيش التركي، حامي علمانية البلاد، أنه لن يتدخل في التطورات على الساحة التركية، أي أنه لن يحمي السلطة الحاكمة .

الخبراء في تركيا يتحدثون عن عوامل عدة للازمة السياسية المتجددة، بعضها على علاقة بالخلافات الداخلية في حزب العدالة والتنمية الحاكم وتيار الإسلام السياسي بشكل عام، وبعضها الآخر بالسياسات الخارجية للنخبة الحاكمة، ولاسيما الإقليمية منها وسورية تحديداً.

الصراعات الداخلية وانهيار الإسلام السياسي

منذ عشر سنوات عمل أردوغان على تصفية جميع منافسيه سياسياً، ضباط الجيش التركي باتوا خلف القطبان، الصحفيون مطاردون لدرجة باتت تركيا أكثر دولة إجحافاً بحق ممثلي السلطة الرابعة، أما مشروع أسلمة الدولة العلمانية فكان يمضي قدما تحت غطاء الانجازات الاقتصادية، التي حققها رجب طيب أردوغان، وهو ما يجب الاعتراف به أحببنا الرجل أم لا.

هذا كان يوم أمس، حينها اعتبر أردوغان وحزبه مثالاً للتغيير في الشرق الأوسط، ما سمح لمنظر سياساته الخارجية أحمد داؤود اوغلو للحديث عن إستراتيجية صفر مشاكل مع الجوار، والتي تحولت مع ما صار يعرف بالربيع العربي إلى صفر جيران من دول مشاكل. بعد أكثر من ثلاث سنوات من موجة الحراك في العديد من الدول العربي سقط مشروع الإسلام السياسي بشكل قوي، أردوغان الذي كان ينظر لهذا المشروع أراد الإمساك بقشة معاوية، لكنه تهاوى معها بشكل غير متوقع، اليوم أمام الحركة الإسلامية التركية خيار صعب وهو التضحية بالرجل وفريقه، من أجل الحفاظ على حزب العدالة والتنمية من الانهيار الكلي.

ما يمكننا تأكيده اليوم هو أن خصوم أردوغان كثر، منهم صديقه الرئيس عبد الله غل وكذلك معلمه فتح الله غولن، الداعية المقيم في الولايات المتحدة، والمتربع على شبكة إسلامية هائلة من المدارس والمصالح في تركيا وآسيا الوسطى وأفريقيا، وصاحب الوجود القوي في المجتمعات التركية الدنيا والطبقات الوسطى، والأوساط الدينية ورجال الأعمال، والمتغلغل بقوة في القضاء والشرطة، غولن يرفع شعار محاربة الفساد في حين أن لهيب الفضيحة الأخيرة طالت عائلة أردوغان، لذا يتوجب إسقاطه بالمنطق السياسي حفاظاً على الهيكلية.

أردوغان يدرك جيداً المتغيرات لذا عمل على تفريق المتظاهرين بقوة تجاوزت جميع الأعراف، حتى أن المتظاهرين قالوا إن الغاز الذي استخدم في إسطنبول كان من نوع جديد وأكثر فتكا، لكن الأمر لا يهم فالانتخابات البلدية في آذار/مارس المقبل، ومن بعدها ستكون تركية على موعد من الانتخابات البرلمانية، والجميع يتحدث عن احتمال ألا يكمل "الوالي" فترته.

للانتخابات البلدية أهمية بالغة لاسيما في اسطنبول، فمن يفوز في هذه المدينة يفوز بالحكومة بحسب المحللين، وهذا ما أوصل أردوغان الحكم قبل عشر سنوات، لكن اليوم اسطنبول لا تتعاطف مع هذا الرجل وتصفه بـ "الفاشي"، حتى أن جميع القوى المختلفة فيما بينها مستعدة للتوحد لإسقاطه، مهما حاول تبرير سياساته وتصرفاته.

فشل السياسة الخارجية وتأثير العامل السوري

مهما كانت الخلافات الداخلية حادة بين أبناء البيت الواحدة، إلا أن للملفات الخارجية والعلاقات الإقليمية حيز واسع من المتغيرات التركية، فغولن مثلاً مؤيد للغرب الأطلسي والعلاقة الجيدة مع إسرائيل، وكاره لإيران التي يحاول أردوغان التقرب منها في محاولة لإيجاد طوق نجاه لنفسه والمقربين منه. أضف إلى كل ذلك الفشل الذريع في سورية ومصر التي طردت سفير أردوغان واعتبرت جماعة الإخوان المسلمين إرهابية من دون رجعة، وكذلك الخلافات مع السعودية قائدة مشروع إسقاط الإخوان في المنطقة .

والي البيت العالي بات محاصراً من كل مكان وعليه امتهن مؤخراً الدفاع والشتم، وبات يتحدث عن مؤامرة كونية تستهدفه شخصيا ناسيا أنه من كان يعظ وينصح، لكن هل تحرك غولن الذي يعيش في الولايات المتحدة يأتي بضوء أخضر أميركي، أو على الأقل بغض الطرف عنه؟ سؤال بحد ذاته من شأنه قلب معادلات المنطقة.

اليوم نحن نقترب من مؤتمر جنيف – 2 للسلام حول سورية، في هذا المؤتمر سترسم معالم جديدة للنظام العالمي الجديد، وعليه فإن الحرب على الإرهاب التي ستتمخض عن المؤتمر بحاجة إلى إغلاق الحدود التركية، وهو ما لا يستطيع أردوغان فعله لأنه رفع سقف مطالبه عالياً، لذلك فإن خروج الرجل من المسرح السياسي أصبح ضرورة إقليمية، كجزء من عملية إزالة العوائق من أمام تسوية دولية مقبلة تشمل مجموعة من الملفات أبرزها سورية وإيران .

 

وعليه أيام "الوالي" باتت معدودة.. والعد العكسي قد بدأ.

 

  • فريق ماسة
  • 2013-12-30
  • 8327
  • من الأرشيف

كم بقي من أيام "الوالي العثماني" السياسية؟

شهدت تركيا مؤخراً حراكاً شعبياً مطالباً بإسقاط رجب طيب أردوغان وحكومته، تعددت الأسباب الداخلية والخارجية لكن النتيجة بحسب المحللين ستكون واحدة، سقوط أردوغان ومشروعه السياسي في تركيا وما بعد تركيا فضيحة الفساد التركية وأسباب الاحتجاجات من يزور ساحة تكسيم في اسطنبول يسمع كلام عن أن أيام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان باتت معدودة. الجميع هنا يتحدث عن العنف المفرط من قبل قوات الأمن ومكافحة الشغب خلال تفريقها لمظاهرات المعارضة اليسارية والقومية المطالبة باستقالة "الفاشي"، لاسيما وأن فضيحة الفساد الأخيرة طالت ٥٢ شخصية مقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم وكذلك نجل أردوغان بلال الذي فر من البلاد. المعارضة التي اشتد عزمها منذ أحداث حديقة جيزي الصيف الماضي، تتوعد الحكومة بمزيد من التصعيد، في حين أن موعد الانتخابات المحلية المقررة في مارس/ آذار المقبل، تجعل من موجة الاحتجاجات عاملاً أساسياً في رسم الخطوط العريضة لمستقبل السياسية الداخلية والخارجية التركية، وذلك في وقت تستمر فيه حملات الاعتقالات والاستقالات وكذلك إعلان الجيش التركي، حامي علمانية البلاد، أنه لن يتدخل في التطورات على الساحة التركية، أي أنه لن يحمي السلطة الحاكمة . الخبراء في تركيا يتحدثون عن عوامل عدة للازمة السياسية المتجددة، بعضها على علاقة بالخلافات الداخلية في حزب العدالة والتنمية الحاكم وتيار الإسلام السياسي بشكل عام، وبعضها الآخر بالسياسات الخارجية للنخبة الحاكمة، ولاسيما الإقليمية منها وسورية تحديداً. الصراعات الداخلية وانهيار الإسلام السياسي منذ عشر سنوات عمل أردوغان على تصفية جميع منافسيه سياسياً، ضباط الجيش التركي باتوا خلف القطبان، الصحفيون مطاردون لدرجة باتت تركيا أكثر دولة إجحافاً بحق ممثلي السلطة الرابعة، أما مشروع أسلمة الدولة العلمانية فكان يمضي قدما تحت غطاء الانجازات الاقتصادية، التي حققها رجب طيب أردوغان، وهو ما يجب الاعتراف به أحببنا الرجل أم لا. هذا كان يوم أمس، حينها اعتبر أردوغان وحزبه مثالاً للتغيير في الشرق الأوسط، ما سمح لمنظر سياساته الخارجية أحمد داؤود اوغلو للحديث عن إستراتيجية صفر مشاكل مع الجوار، والتي تحولت مع ما صار يعرف بالربيع العربي إلى صفر جيران من دول مشاكل. بعد أكثر من ثلاث سنوات من موجة الحراك في العديد من الدول العربي سقط مشروع الإسلام السياسي بشكل قوي، أردوغان الذي كان ينظر لهذا المشروع أراد الإمساك بقشة معاوية، لكنه تهاوى معها بشكل غير متوقع، اليوم أمام الحركة الإسلامية التركية خيار صعب وهو التضحية بالرجل وفريقه، من أجل الحفاظ على حزب العدالة والتنمية من الانهيار الكلي. ما يمكننا تأكيده اليوم هو أن خصوم أردوغان كثر، منهم صديقه الرئيس عبد الله غل وكذلك معلمه فتح الله غولن، الداعية المقيم في الولايات المتحدة، والمتربع على شبكة إسلامية هائلة من المدارس والمصالح في تركيا وآسيا الوسطى وأفريقيا، وصاحب الوجود القوي في المجتمعات التركية الدنيا والطبقات الوسطى، والأوساط الدينية ورجال الأعمال، والمتغلغل بقوة في القضاء والشرطة، غولن يرفع شعار محاربة الفساد في حين أن لهيب الفضيحة الأخيرة طالت عائلة أردوغان، لذا يتوجب إسقاطه بالمنطق السياسي حفاظاً على الهيكلية. أردوغان يدرك جيداً المتغيرات لذا عمل على تفريق المتظاهرين بقوة تجاوزت جميع الأعراف، حتى أن المتظاهرين قالوا إن الغاز الذي استخدم في إسطنبول كان من نوع جديد وأكثر فتكا، لكن الأمر لا يهم فالانتخابات البلدية في آذار/مارس المقبل، ومن بعدها ستكون تركية على موعد من الانتخابات البرلمانية، والجميع يتحدث عن احتمال ألا يكمل "الوالي" فترته. للانتخابات البلدية أهمية بالغة لاسيما في اسطنبول، فمن يفوز في هذه المدينة يفوز بالحكومة بحسب المحللين، وهذا ما أوصل أردوغان الحكم قبل عشر سنوات، لكن اليوم اسطنبول لا تتعاطف مع هذا الرجل وتصفه بـ "الفاشي"، حتى أن جميع القوى المختلفة فيما بينها مستعدة للتوحد لإسقاطه، مهما حاول تبرير سياساته وتصرفاته. فشل السياسة الخارجية وتأثير العامل السوري مهما كانت الخلافات الداخلية حادة بين أبناء البيت الواحدة، إلا أن للملفات الخارجية والعلاقات الإقليمية حيز واسع من المتغيرات التركية، فغولن مثلاً مؤيد للغرب الأطلسي والعلاقة الجيدة مع إسرائيل، وكاره لإيران التي يحاول أردوغان التقرب منها في محاولة لإيجاد طوق نجاه لنفسه والمقربين منه. أضف إلى كل ذلك الفشل الذريع في سورية ومصر التي طردت سفير أردوغان واعتبرت جماعة الإخوان المسلمين إرهابية من دون رجعة، وكذلك الخلافات مع السعودية قائدة مشروع إسقاط الإخوان في المنطقة . والي البيت العالي بات محاصراً من كل مكان وعليه امتهن مؤخراً الدفاع والشتم، وبات يتحدث عن مؤامرة كونية تستهدفه شخصيا ناسيا أنه من كان يعظ وينصح، لكن هل تحرك غولن الذي يعيش في الولايات المتحدة يأتي بضوء أخضر أميركي، أو على الأقل بغض الطرف عنه؟ سؤال بحد ذاته من شأنه قلب معادلات المنطقة. اليوم نحن نقترب من مؤتمر جنيف – 2 للسلام حول سورية، في هذا المؤتمر سترسم معالم جديدة للنظام العالمي الجديد، وعليه فإن الحرب على الإرهاب التي ستتمخض عن المؤتمر بحاجة إلى إغلاق الحدود التركية، وهو ما لا يستطيع أردوغان فعله لأنه رفع سقف مطالبه عالياً، لذلك فإن خروج الرجل من المسرح السياسي أصبح ضرورة إقليمية، كجزء من عملية إزالة العوائق من أمام تسوية دولية مقبلة تشمل مجموعة من الملفات أبرزها سورية وإيران .   وعليه أيام "الوالي" باتت معدودة.. والعد العكسي قد بدأ.  

المصدر : إلياس مارديني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة