تتواصل تداعيات عملية الفساد والرشوة التي انفجرت في وجه رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان الأسبوع الماضي، ولا يتوقع لها أن تنتهي إلا بتحولات بنيوية في خريطة الصراع الداخلي في تركيا.

ومن الواضح أن اردوغان رفع سقف المواجهة مع خصومه، بوضع عملية الفساد في إطار مؤامرة خارجية، أميركية تحديدا، للقضاء عليه، أي أن أهداف «المؤامرة» تتخطى الصراع الداخلي في تركيا إلى موقع البلاد من الترتيبات المستقبلية لخريطة الشرق الأوسط.

وذكرت وسائل إعلام تركية، امس، ان اردوغان يستعد لاجراء تعديل وزاري واسع بعد فضيحة الفساد التي هزت حكومته. وذكرت صحيفة «حرييت» ان اردوغان يمكن ان يغير عشرة من وزراء حكومته من الآن حتى نهاية الشهر الحالي، فيما ذكرت شبكة «سي ان ان» ان «التعديل الحكومي الواسع» سيجري اليوم بعد عودة رئيس الوزراء التركي من باكستان.

ودافع مصرف «خلق» التركي، الذي تديره الدولة، عن تعاملاته مع إيران. وذكر، في إشعار إلى بورصة اسطنبول، إنه ملتزم بالقانون في تعاملاته مع إيران. لا يوجد أي قانون محلي أو دولي أو حظر يمنع بيع معادن نفيسة لإيران حتى الأول من حزيران العام 2013»، مضيفا انه أوقف تلك التعاملات في العاشر من حزيران.

وفي المواقف السياسية، تهكم رئيس «حزب الشعب الجمهوري» المعارض كمال كيليتشدار اوغلو على «حزب العدالة والتنمية»، قائلا إن «ما شهدته تركيا هو فضيحة الفساد الأكبر في تاريخها، وكانت تحتاج إلى ثلاثة أطراف متواطئة وفرها حزب العدالة والتنمية، وهي: سياسة قذرة وموظف قذر بخدمتها ورجل أعمال قذر. ومن دونهم معا لا يمكن القيام بالفساد».

واعتبر انه «لو كان حزب العدالة والتنمية ناصع البياض (مختصر اسم الحزب بالتركية يعني الحزب الأبيض) لكنت قبلته من جبينه، لكن الاسم الذي يليق به هو الحزب الأسود. للمرة الأولى يتكون مجلس الوزراء نفسه من عصابة تدير البلاد». وتهكم من «اتهام قوى خارجية بالوقوف وراء فضيحة الفساد»، متسائلا: «هل آلات عد النقود في غرفة نوم منزل ابن احد الوزراء قد جاءت بها القوى الخارجية؟».

وفي صحيفة «راديكال» يشير متين أرجان إلى أن اردوغان مصمم على الذهاب حتى النهاية ضد رجل الدين فتح الله غولين، وبالتالي ضد الولايات المتحدة.

ويقول أرجان إن «أحدا لا يتذكر أن اردوغان استخدم مفردة عميل من قبل في وصف أي من خصومه، لكنه هذه المرة قال إن هناك عملاء يرتدون الكسوة الدينية يعملون لمصلحة مؤامرات دولية. وهو قصد غولين والولايات المتحدة. سببان يجعلان اردوغان يستشيط غضبا: الأول تتالي الاجتماعات الأميركية في واشنطن وفي أنقرة مع زعيم المعارضة كيليتشدار أوغلو واستمرار غولين في الإقامة في أميركا. ليس هذا فحسب، بل الخلاف مع أميركا حول الموقف من سوريا ومصر وإسرائيل. لكن رئيس الحكومة بدلا من الانشغال بقضية الفساد نفسها حوّل الواقفين خلفها إلى عملاء وعصابات. على ما يبدو اردوغان مصمم للذهاب إلى النهاية في مواجهة غولين، رغم تحذيرات مستشاريه من عواقب اتهام واشنطن بما يجري سياسيا واقتصاديا».

وتحذر صحيفة «زمان»، المؤيدة لغولين، من الخسائر الاقتصادية التي يمكن ان تنتج من الاتهامات السياسية لأردوغان ضد الخارج ووقوفه خلف فضيحة الفساد. وترى ان الاتهامات السياسية تضعف ثقة المستثمرين بالحكومة الحالية.

ومن واشنطن، كتب مراسل «زمان» علي أصلان عن نظرة الإدارة الأميركية إلى اردوغان، فقال إن أميركا ترى أن اردوغان يشكل الحلقة الأقوى وفي الوقت ذاته الأضعف في العلاقات التركية - الأميركية. فقوته أنه زعيم جاء عن طريق الانتخاب، لكن ضعفه يعود إلى مواقفه الانفعالية ومن عودته إلى جذوره الدينية القوية. وهو لا ينقطع عن اتهام إسرائيل بالعمل ضد تركيا، كما انه يبتعد مع كل يوم يمر عن الواقعية والتسامح ويضعف الثقة به، فيما واشنطن تريد إدارة في تركيا خالية من الفساد، لذا ترى أميركا أن فضيحة الفساد الأخيرة ستنعكس سلبا على اردوغان، وعليه ترك المغالاة في الاتهامات التي تفسد الاستقرار في تركيا».

ويرى مليح عاشق، في صحيفة «ميللييت»، أن «اردوغان يتبع تكتيكا خطرا من خلال اتباع تكتيك الهجوم أفضل وسيلة للدفاع». وقال: «يهدد اردوغان في تصريحاته الجميع، من الصحف المعارضة إلى الولايات المتحدة التي قال سفيرها إن إمبراطورية مصرف الشعب (خلق) ستنهار. الجبهة المعادية للأسطه اردوغان تتسع: أميركا، القضاء، أصحاب الثروات، جماعة غولين، حزب الشعب الجمهوري، حزب الحركة القومية... الخ. اردوغان، كما باتت الغالبية تردد، يلعب لعبة خطيرة. الهجوم أفضل وسيلة للدفاع. لكنه بذلك يهدد نفسه وتركيا واقتصادها أيضا، إذ إنه أثناء اتباع تكتيك الهجوم ينكشف الدفاع ويصبح تسجيل هدف في مرماه أكثر سهولة».

وتعتقد أصلي آيدين طاشباش، في «ميللييت»، ان «طريقة ردة فعل اردوغان على فضيحة الفساد، والقيام بحملة تصفية ضد جماعة فتح الله غولين، تجعله لا يختلف عن حكم الوصاية العسكرية في العام 1997، حين أطاحوا، في ما عرف بقرارات 28 شباط، نجم الدين أربكان، وشنوا حملة مشابهة للتي تجري اليوم في القضاء والشرطة والقطاع التعليمي ضد غولين نفسه الذي يواجه اليوم 28 شباط ثانية».

وقالت: «ما الفرق بين اردوغان ونظام العسكر سابقا في ما يقوم به الآن ضد جماعة غولين والتدخل في الشرطة والقضاء؟». وتضيف إن «اردوغان سيسخّر كل إمكانات الدولة لتصفية نفوذ غولين، لكن، لا يمكن بعد ذلك، أن نتحدث عن بقاء نظام ديموقراطي في تركيا، بل النظام الذي سيتأسس سيكون نظام رجب طيب اردوغان».

 

  • فريق ماسة
  • 2013-12-23
  • 4722
  • من الأرشيف

أردوغان يستعد لتعديل واسع في حكومته الإعلام يواصل انتقاداته: يضرب الاستقرار

تتواصل تداعيات عملية الفساد والرشوة التي انفجرت في وجه رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان الأسبوع الماضي، ولا يتوقع لها أن تنتهي إلا بتحولات بنيوية في خريطة الصراع الداخلي في تركيا. ومن الواضح أن اردوغان رفع سقف المواجهة مع خصومه، بوضع عملية الفساد في إطار مؤامرة خارجية، أميركية تحديدا، للقضاء عليه، أي أن أهداف «المؤامرة» تتخطى الصراع الداخلي في تركيا إلى موقع البلاد من الترتيبات المستقبلية لخريطة الشرق الأوسط. وذكرت وسائل إعلام تركية، امس، ان اردوغان يستعد لاجراء تعديل وزاري واسع بعد فضيحة الفساد التي هزت حكومته. وذكرت صحيفة «حرييت» ان اردوغان يمكن ان يغير عشرة من وزراء حكومته من الآن حتى نهاية الشهر الحالي، فيما ذكرت شبكة «سي ان ان» ان «التعديل الحكومي الواسع» سيجري اليوم بعد عودة رئيس الوزراء التركي من باكستان. ودافع مصرف «خلق» التركي، الذي تديره الدولة، عن تعاملاته مع إيران. وذكر، في إشعار إلى بورصة اسطنبول، إنه ملتزم بالقانون في تعاملاته مع إيران. لا يوجد أي قانون محلي أو دولي أو حظر يمنع بيع معادن نفيسة لإيران حتى الأول من حزيران العام 2013»، مضيفا انه أوقف تلك التعاملات في العاشر من حزيران. وفي المواقف السياسية، تهكم رئيس «حزب الشعب الجمهوري» المعارض كمال كيليتشدار اوغلو على «حزب العدالة والتنمية»، قائلا إن «ما شهدته تركيا هو فضيحة الفساد الأكبر في تاريخها، وكانت تحتاج إلى ثلاثة أطراف متواطئة وفرها حزب العدالة والتنمية، وهي: سياسة قذرة وموظف قذر بخدمتها ورجل أعمال قذر. ومن دونهم معا لا يمكن القيام بالفساد». واعتبر انه «لو كان حزب العدالة والتنمية ناصع البياض (مختصر اسم الحزب بالتركية يعني الحزب الأبيض) لكنت قبلته من جبينه، لكن الاسم الذي يليق به هو الحزب الأسود. للمرة الأولى يتكون مجلس الوزراء نفسه من عصابة تدير البلاد». وتهكم من «اتهام قوى خارجية بالوقوف وراء فضيحة الفساد»، متسائلا: «هل آلات عد النقود في غرفة نوم منزل ابن احد الوزراء قد جاءت بها القوى الخارجية؟». وفي صحيفة «راديكال» يشير متين أرجان إلى أن اردوغان مصمم على الذهاب حتى النهاية ضد رجل الدين فتح الله غولين، وبالتالي ضد الولايات المتحدة. ويقول أرجان إن «أحدا لا يتذكر أن اردوغان استخدم مفردة عميل من قبل في وصف أي من خصومه، لكنه هذه المرة قال إن هناك عملاء يرتدون الكسوة الدينية يعملون لمصلحة مؤامرات دولية. وهو قصد غولين والولايات المتحدة. سببان يجعلان اردوغان يستشيط غضبا: الأول تتالي الاجتماعات الأميركية في واشنطن وفي أنقرة مع زعيم المعارضة كيليتشدار أوغلو واستمرار غولين في الإقامة في أميركا. ليس هذا فحسب، بل الخلاف مع أميركا حول الموقف من سوريا ومصر وإسرائيل. لكن رئيس الحكومة بدلا من الانشغال بقضية الفساد نفسها حوّل الواقفين خلفها إلى عملاء وعصابات. على ما يبدو اردوغان مصمم للذهاب إلى النهاية في مواجهة غولين، رغم تحذيرات مستشاريه من عواقب اتهام واشنطن بما يجري سياسيا واقتصاديا». وتحذر صحيفة «زمان»، المؤيدة لغولين، من الخسائر الاقتصادية التي يمكن ان تنتج من الاتهامات السياسية لأردوغان ضد الخارج ووقوفه خلف فضيحة الفساد. وترى ان الاتهامات السياسية تضعف ثقة المستثمرين بالحكومة الحالية. ومن واشنطن، كتب مراسل «زمان» علي أصلان عن نظرة الإدارة الأميركية إلى اردوغان، فقال إن أميركا ترى أن اردوغان يشكل الحلقة الأقوى وفي الوقت ذاته الأضعف في العلاقات التركية - الأميركية. فقوته أنه زعيم جاء عن طريق الانتخاب، لكن ضعفه يعود إلى مواقفه الانفعالية ومن عودته إلى جذوره الدينية القوية. وهو لا ينقطع عن اتهام إسرائيل بالعمل ضد تركيا، كما انه يبتعد مع كل يوم يمر عن الواقعية والتسامح ويضعف الثقة به، فيما واشنطن تريد إدارة في تركيا خالية من الفساد، لذا ترى أميركا أن فضيحة الفساد الأخيرة ستنعكس سلبا على اردوغان، وعليه ترك المغالاة في الاتهامات التي تفسد الاستقرار في تركيا». ويرى مليح عاشق، في صحيفة «ميللييت»، أن «اردوغان يتبع تكتيكا خطرا من خلال اتباع تكتيك الهجوم أفضل وسيلة للدفاع». وقال: «يهدد اردوغان في تصريحاته الجميع، من الصحف المعارضة إلى الولايات المتحدة التي قال سفيرها إن إمبراطورية مصرف الشعب (خلق) ستنهار. الجبهة المعادية للأسطه اردوغان تتسع: أميركا، القضاء، أصحاب الثروات، جماعة غولين، حزب الشعب الجمهوري، حزب الحركة القومية... الخ. اردوغان، كما باتت الغالبية تردد، يلعب لعبة خطيرة. الهجوم أفضل وسيلة للدفاع. لكنه بذلك يهدد نفسه وتركيا واقتصادها أيضا، إذ إنه أثناء اتباع تكتيك الهجوم ينكشف الدفاع ويصبح تسجيل هدف في مرماه أكثر سهولة». وتعتقد أصلي آيدين طاشباش، في «ميللييت»، ان «طريقة ردة فعل اردوغان على فضيحة الفساد، والقيام بحملة تصفية ضد جماعة فتح الله غولين، تجعله لا يختلف عن حكم الوصاية العسكرية في العام 1997، حين أطاحوا، في ما عرف بقرارات 28 شباط، نجم الدين أربكان، وشنوا حملة مشابهة للتي تجري اليوم في القضاء والشرطة والقطاع التعليمي ضد غولين نفسه الذي يواجه اليوم 28 شباط ثانية». وقالت: «ما الفرق بين اردوغان ونظام العسكر سابقا في ما يقوم به الآن ضد جماعة غولين والتدخل في الشرطة والقضاء؟». وتضيف إن «اردوغان سيسخّر كل إمكانات الدولة لتصفية نفوذ غولين، لكن، لا يمكن بعد ذلك، أن نتحدث عن بقاء نظام ديموقراطي في تركيا، بل النظام الذي سيتأسس سيكون نظام رجب طيب اردوغان».  

المصدر : محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة