لا تنتهي نظريات لبنانيّي «داعش» وخصوصاً مسيحييها. ولا يجب السكوت عن أي منها. لأن المسألة باتت واجباً وجودياً كاملاً، يبدأ بقول الحق وينتهي بحق الحياة وصراع البقاء، مروراً بمقتضى الأخلاق والوطن والإنسانية…

من مقولات الداعشيين اللبنانيين أن التكفيريين في سوريا ـــ وبالتالي في لبنان بعد تسييل الحدود العرسالية وعولمة الجهاد التكفيري ـــ أن هؤلاء هم من صُنْع بشار الأسد. وهدف هذا الكلام مزدوج في خلفياتهم. أولاً تبرير حلفائهم، أو حتى محاولة تبرئتهم. وثانياً حشر خصومهم في موقع الدفاع عن نظام الأسد، وبالتالي محاولة إدانتهم. لكن الأخطر بين المحاولتين، هو تهريب التكفيريين من الضبط والقبض عليهم في فكرهم وفعلهم وإرهابهم وإجرامهم. وهذا هو الأساس. في السؤال: من أين يأتي هؤلاء بأشخاصهم وأفكارهم وأموالهم ووسائل القتل في الرأس أو في اليدين؟ والسؤال عن مصدر الفكر التكفيري يظل أساساً، وإن كان مجاله أكاديمياً أكثر مما هو صحافي. لكن يكفي سؤال أي إنسان في منطقتنا أو حتى في العالم: أي فكر في الشرق الأوسط يرفض أي آخر مختلف عنه؟ أي عقيدة دينية سياسية ترفض اسم الآخر وهويته ودينه ومعبده وطقوسه ورموزه؟ أي مذهب رسمي يفرض هدم كل ما هو مقدس لدى الآخر، وتسوية كل شيء بالأرض؟ والأسوأ، أي ظلامية تملك هذا السواد المتخلف، وتملك معه دولة وأموالاً أكثر اسوداداً لتنفيذ كل ما سبق؟

هذا لجهة مصدر ما في الرؤوس. أما لجهة مصادر ما في اليدين، فرداً على مقولة داعشيي لبنان، يكفي دليلان، مثلان من مئات، من مطولات وموسوعات. مع أنه يجدر جمعها كاملة، للحق وللتاريخ. مثل أول بقلم وصفحات بريطانية، والأهم أنه بمراجع ومصادر أميركية رسمية. قبل أسبوعين كتب باتريك بلاكبيرن في صحيفة «إندبندنت» بحثاً بعنوان بليغ بقدر ما هو دقيق مسند: «قتل جماعي في الشرق الأوسط مموّل من أصدقائنا السعوديين». يسهب البحث في التوصيف والتدقيق والتحقيق عن تلك الصلات التأسيسية والتمويلية والتشغيلية والتوظيفية بين الإرهاب التكفيري وبين أموال الخليج النفطي. لكن، وربما كي لا يزعل مرة جديدة ميشال سليمان ويجد نفسه مضطراً إلى الرد انتفاضاً لكرامة «طويل العمر» ودفاعاً عن مصلحة الأمة اللبنانية التي اؤتُمن على دستورها يوم انتخب خلافاً لهذا الدستور، لم يعتمد الباحث البريطاني إلا على أدلة أميركية ورسمية. يقول إنه في التقرير الرسمي الصادر عن لجنة التحقيق في هجوم 11 أيلول 2001، ثبت أن أسامة بن لادن لم يكن هو من موّل «القاعدة»، لأن أمواله الشخصية منذ عام 1994 لم تكن كافية أو تسمح بذلك. اعتمد في التمويل على صلاته الخليجية التي أقامها منذ حرب أفغانستان في الثمانينيات. وينقل الباحث عن تقرير رسمي للاستخبارات المركزية الأميركية، مؤرّخ في 14 تشرين الثاني 2002، أن «القاعدة» تعتمد على ما يبدو على فريق صلب من «المسهلين الماليين»، لجمع التبرعات من المتبرعين المانحين الخليجيين، وخصوصاً من السعوديين…

 

دليل رسمي أميركي ثان جاء بعد أعوام، وسط حرب العراق، برقية من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تحت عنوان «تمويل الإرهاب»، مؤرخة في 30 كانون الأول 2009، ومنشورة على موقع «ويكيليكس». وفيها أن «المتبرعين في السعودية يشكلون المصدر الأكثر قدرة للمجموعات الإرهابية السنية حول العالم». ثم تؤكد السيدة كلينتون «أن السعودية تظل الداعم المالي الأكثر أهمية لـ«القاعدة» و«طالبان» وغيرهما من مجموعات الإرهابيين السنّة…

قبل كلمات بلاكبيرن البريطانية الموثقة أميركياً بأيام، كانت كلمات مماثلة فرنسية، لا تقل رسمية وتوثيقاً. برنار سكوارسيني، مسؤول سابق لأحد الأجهزة الأمنية الفرنسية، وضع كتاباً كاملاً فيه فصول مذهلة وخلاصات دامغة من نوع أنه «في لبنان يظهر أن كل المجموعات الجهادية التي بايعت القاعدة، والمتمركزة في المخيمات الفلسطينية قرب صيدا وطرابلس، تتلقى تمويلها بشكل أساسي من الأمير بندر بن سلطان»، وأن للسعوديين دورهم، تمويلاً وتدريباً. ولتنظيم «الجهاد» السوري عاد السعوديون إلى وصفاتهم القديمة التي استخدموها في أفغانستان والبوسنة. أي قبل سنوات طويلة من نظرية توليد دمشق لجهاديي العراق…

لا نصدق هؤلاء؟ حسناً فلنسأل: لماذا يبدو المطلب النضالي الأول لكل داعشي في أي موقع كان هو إطلاق سراح الموقوفين الجهاديين؟ إذا كان هؤلاء من أعداء ثورتكم، وإذا كانوا فعلاً من صنيعة الأنظمة التي تعتقلهم، فلماذا يقفز مطلب خروجهم من سجونهم وعودتهم إلى ميادين نضالكم ونضالهم شرطاً أول لديكم عند كل تفاوض أو إرهاب جديد تقومون به؟ إذا خطفتم لبنانيين في أعزاز طالبتم بإطلاق «جهاديي الأسد»، وإذا ارتكبتم أبشع موبقة في تاريخ الحروب الأهلية، بأسر أسقفين وراهبات، اشترطتم لإطلاقهم تحرير «إرهابيي الأسد»، وحتى إذا وجدتم أنفسكم في حالة إفلاس سياسي في بيروت، قفزتم إلى العنوان نفسه: إخلاء سبيل جهاديي رومية ـــ غوانتنامو، أو جعل «الأسيريين» في ما يشبه حالة «إطلاق السراح المشروط» بنزهات يومية قرب المنزل بين جزين وصيدا، وصولاً إلى عفوكم العام ـــ الخاص عن جهاديي الضنية وتفجيرات السفارات. وهؤلاء لم يكن بطل اعتقالهم إلا حليفكم الياس المر، المفترض عليماً بهم وبكم، من مواقعه الماضية والراهنة… إذا كان الإرهابيون دمى يصنعها بشار الأسد بالسلسلة كما تصنع شانغهاي لعب العالم البخسة الثمن، فلماذا تكتب حكومات العالم كافة أن حلفاءكم هم من يموّلون هؤلاء المجرمين، ولماذا تطالبون أنتم وحلفاؤكم بإطلاق سراحهم؟

 

قد لا يكون المطلوب اعتذاراً، بل على الأقل اعتراف بغية الانطلاق نحو الأساس: تعالوا نبحث معاً كيف ننقذ بلادنا، وننقذ أنفسنا وننقذكم، مما ارتكبتموه، إما مباشرة، وإما بالصمت والتعمية على ما ارتكبه وليّ نعمتكم من «مكرمات».

  • فريق ماسة
  • 2013-12-23
  • 10774
  • من الأرشيف

إنها السعوديّة … بالأدلة الأميركيّة والرسميّة

لا تنتهي نظريات لبنانيّي «داعش» وخصوصاً مسيحييها. ولا يجب السكوت عن أي منها. لأن المسألة باتت واجباً وجودياً كاملاً، يبدأ بقول الحق وينتهي بحق الحياة وصراع البقاء، مروراً بمقتضى الأخلاق والوطن والإنسانية… من مقولات الداعشيين اللبنانيين أن التكفيريين في سوريا ـــ وبالتالي في لبنان بعد تسييل الحدود العرسالية وعولمة الجهاد التكفيري ـــ أن هؤلاء هم من صُنْع بشار الأسد. وهدف هذا الكلام مزدوج في خلفياتهم. أولاً تبرير حلفائهم، أو حتى محاولة تبرئتهم. وثانياً حشر خصومهم في موقع الدفاع عن نظام الأسد، وبالتالي محاولة إدانتهم. لكن الأخطر بين المحاولتين، هو تهريب التكفيريين من الضبط والقبض عليهم في فكرهم وفعلهم وإرهابهم وإجرامهم. وهذا هو الأساس. في السؤال: من أين يأتي هؤلاء بأشخاصهم وأفكارهم وأموالهم ووسائل القتل في الرأس أو في اليدين؟ والسؤال عن مصدر الفكر التكفيري يظل أساساً، وإن كان مجاله أكاديمياً أكثر مما هو صحافي. لكن يكفي سؤال أي إنسان في منطقتنا أو حتى في العالم: أي فكر في الشرق الأوسط يرفض أي آخر مختلف عنه؟ أي عقيدة دينية سياسية ترفض اسم الآخر وهويته ودينه ومعبده وطقوسه ورموزه؟ أي مذهب رسمي يفرض هدم كل ما هو مقدس لدى الآخر، وتسوية كل شيء بالأرض؟ والأسوأ، أي ظلامية تملك هذا السواد المتخلف، وتملك معه دولة وأموالاً أكثر اسوداداً لتنفيذ كل ما سبق؟ هذا لجهة مصدر ما في الرؤوس. أما لجهة مصادر ما في اليدين، فرداً على مقولة داعشيي لبنان، يكفي دليلان، مثلان من مئات، من مطولات وموسوعات. مع أنه يجدر جمعها كاملة، للحق وللتاريخ. مثل أول بقلم وصفحات بريطانية، والأهم أنه بمراجع ومصادر أميركية رسمية. قبل أسبوعين كتب باتريك بلاكبيرن في صحيفة «إندبندنت» بحثاً بعنوان بليغ بقدر ما هو دقيق مسند: «قتل جماعي في الشرق الأوسط مموّل من أصدقائنا السعوديين». يسهب البحث في التوصيف والتدقيق والتحقيق عن تلك الصلات التأسيسية والتمويلية والتشغيلية والتوظيفية بين الإرهاب التكفيري وبين أموال الخليج النفطي. لكن، وربما كي لا يزعل مرة جديدة ميشال سليمان ويجد نفسه مضطراً إلى الرد انتفاضاً لكرامة «طويل العمر» ودفاعاً عن مصلحة الأمة اللبنانية التي اؤتُمن على دستورها يوم انتخب خلافاً لهذا الدستور، لم يعتمد الباحث البريطاني إلا على أدلة أميركية ورسمية. يقول إنه في التقرير الرسمي الصادر عن لجنة التحقيق في هجوم 11 أيلول 2001، ثبت أن أسامة بن لادن لم يكن هو من موّل «القاعدة»، لأن أمواله الشخصية منذ عام 1994 لم تكن كافية أو تسمح بذلك. اعتمد في التمويل على صلاته الخليجية التي أقامها منذ حرب أفغانستان في الثمانينيات. وينقل الباحث عن تقرير رسمي للاستخبارات المركزية الأميركية، مؤرّخ في 14 تشرين الثاني 2002، أن «القاعدة» تعتمد على ما يبدو على فريق صلب من «المسهلين الماليين»، لجمع التبرعات من المتبرعين المانحين الخليجيين، وخصوصاً من السعوديين…   دليل رسمي أميركي ثان جاء بعد أعوام، وسط حرب العراق، برقية من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تحت عنوان «تمويل الإرهاب»، مؤرخة في 30 كانون الأول 2009، ومنشورة على موقع «ويكيليكس». وفيها أن «المتبرعين في السعودية يشكلون المصدر الأكثر قدرة للمجموعات الإرهابية السنية حول العالم». ثم تؤكد السيدة كلينتون «أن السعودية تظل الداعم المالي الأكثر أهمية لـ«القاعدة» و«طالبان» وغيرهما من مجموعات الإرهابيين السنّة… قبل كلمات بلاكبيرن البريطانية الموثقة أميركياً بأيام، كانت كلمات مماثلة فرنسية، لا تقل رسمية وتوثيقاً. برنار سكوارسيني، مسؤول سابق لأحد الأجهزة الأمنية الفرنسية، وضع كتاباً كاملاً فيه فصول مذهلة وخلاصات دامغة من نوع أنه «في لبنان يظهر أن كل المجموعات الجهادية التي بايعت القاعدة، والمتمركزة في المخيمات الفلسطينية قرب صيدا وطرابلس، تتلقى تمويلها بشكل أساسي من الأمير بندر بن سلطان»، وأن للسعوديين دورهم، تمويلاً وتدريباً. ولتنظيم «الجهاد» السوري عاد السعوديون إلى وصفاتهم القديمة التي استخدموها في أفغانستان والبوسنة. أي قبل سنوات طويلة من نظرية توليد دمشق لجهاديي العراق… لا نصدق هؤلاء؟ حسناً فلنسأل: لماذا يبدو المطلب النضالي الأول لكل داعشي في أي موقع كان هو إطلاق سراح الموقوفين الجهاديين؟ إذا كان هؤلاء من أعداء ثورتكم، وإذا كانوا فعلاً من صنيعة الأنظمة التي تعتقلهم، فلماذا يقفز مطلب خروجهم من سجونهم وعودتهم إلى ميادين نضالكم ونضالهم شرطاً أول لديكم عند كل تفاوض أو إرهاب جديد تقومون به؟ إذا خطفتم لبنانيين في أعزاز طالبتم بإطلاق «جهاديي الأسد»، وإذا ارتكبتم أبشع موبقة في تاريخ الحروب الأهلية، بأسر أسقفين وراهبات، اشترطتم لإطلاقهم تحرير «إرهابيي الأسد»، وحتى إذا وجدتم أنفسكم في حالة إفلاس سياسي في بيروت، قفزتم إلى العنوان نفسه: إخلاء سبيل جهاديي رومية ـــ غوانتنامو، أو جعل «الأسيريين» في ما يشبه حالة «إطلاق السراح المشروط» بنزهات يومية قرب المنزل بين جزين وصيدا، وصولاً إلى عفوكم العام ـــ الخاص عن جهاديي الضنية وتفجيرات السفارات. وهؤلاء لم يكن بطل اعتقالهم إلا حليفكم الياس المر، المفترض عليماً بهم وبكم، من مواقعه الماضية والراهنة… إذا كان الإرهابيون دمى يصنعها بشار الأسد بالسلسلة كما تصنع شانغهاي لعب العالم البخسة الثمن، فلماذا تكتب حكومات العالم كافة أن حلفاءكم هم من يموّلون هؤلاء المجرمين، ولماذا تطالبون أنتم وحلفاؤكم بإطلاق سراحهم؟   قد لا يكون المطلوب اعتذاراً، بل على الأقل اعتراف بغية الانطلاق نحو الأساس: تعالوا نبحث معاً كيف ننقذ بلادنا، وننقذ أنفسنا وننقذكم، مما ارتكبتموه، إما مباشرة، وإما بالصمت والتعمية على ما ارتكبه وليّ نعمتكم من «مكرمات».

المصدر : الأخبار/ جان عزيز


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة