في اللحظة التي سيطر فيها الجيش السوري على قرية قارة الإستراتيجية في القلمون، فجر انتحاريان نفسيهما أمام السفارة الإيرانية في بيروت.

كل من قرأ هذا التطور قرأ فيه إعلانا رسمياً عن توحيد الساحتين السورية واللبنانية وقراراً برفع مستوى الصراع مع طهران إلى مستوى لم يسبق له مثيل.

في «8 آذار» صدر الحكم السياسي على «جناح» اقليمي بإدانته بتفجيري «الجناح». حتى اتهام السفير الإيراني لإسرائيل، لم يُقرأ إلا بوصفه إشارة إضافية على تورط «احد ما»، وإن بأسلوب إيران المعهود الذي يعتبر أن أي استهداف لمحور المقاومة هو خدمة لإسرائيل.

بعد أن خفضت كل الدول رؤوسها لتحجز مكاناً لها بين «جنيف النووي الإيراني» و«جنيف الحل السلمي السوري»، بقيت دولتان تكابران: الأولى تقوم بكل ما بوسعها لعرقلة الاتفاق النووي، والثانية تحارب الحل السلمي بكل ما أوتيت من أسلحة.

ومع أن لإسرائيل مصلحة دائمة في تفجير الوضع اللبناني، إلا أن فريقي النزاع في لبنان اتفقا على ربط تفجيري السفارة بالصراع السوري.. كل من زاويته.

في الحالتين، لم يتوقع أحد أن يغير ما قد رسم في المعركة السورية: الجيش سيتابع سياسة القضم في معاركه لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها المعارضة. و«حزب الله» وإيران سيتابعان ما بدآه في سوريا. إذاً ما هي الفائدة التي يتوخاها من خطط ونفذ عملية الجناح الانتحارية؟.

بالنسبة لـ«14 آذار»، وتحديداً تيار «المستقبل»، صارت الخشية كبيرة من دخول لبنان في السيناريو العراقي. أما المسؤولية فتتجه حصراً نحو «حزب الله» الذي «جر لبنان إلى جهنم وأيقظ المتطرفين بعدما أغلق الأبواب أمام المعتدلين».

وإذا كانت «8 آذار»، بسياسييها وخبرائها، قد رفعت بصمات جهة اقليمية من مكان التفجير، فإن «المستقبل» يسهب في التذكير بمآثر حلفائه الخليجيين في مواجهة «القاعدة».

في الحالتين يتعامل المسؤولون مع ما يجري على أرضهم كمحللين أجانب، في ظل تسليم الجميع لمصيرهم إلى الرعاة الإقليميين. وإلى أن تتضح وجهة الصراع في المنطقة، يبدو أن اللبنانيين سيكونون مضطرين للتعامل مع مصطلح «الانتحاريين» الذي دخل إلى حياتهم من بوابة السفارة الإيرانية.

يدعو أحد الباحثين المحسوبين على «خط المقاومة» لفصل مسار تفجير الجناح عن سياق التفجيرات السابقة التي طالت الضاحية الجنوبية وطرابلس، وإن كانا يصبان في إطار المعركة الدائرة في سوريا.

حدث الأمس يشكل مفصلاً جديداً في تاريخ الصراع على دمشق: أن يدخل عامل الانتحاريين إلى الساحة اللبنانية، فذلك تطور يتوقف عنده المصدر مطولاً، مشيراً إلى أنه رفع لمنسوب المواجهة وكسر لكل المحرمات. أما استهداف السفارة الإيرانية، فذلك أيضاً، بالنسبة له، محاولة لرفع مستوى الصراع الإقليمي. أما اختيار السفارة الإيرانية في بيروت تحديداً، إنما يراد منه أن تكون الرسالة شديدة اللهجة.

كل ذلك يقود إلى استنتاج واحد: قرر الطرف المتضرر من التسوية السلمية طرح كل أوراقه على الطاولة، لم يعد يكتفي بالاستعانة بأدواته ليعلن أنه موجود، نزل إلى أرض المعركة مطالباً الخصم إما بالتنازل أو بالتفاهم. هكذا يفكّر سياسيو «8 آذار».

وإذا كان التنازل مستحيلاً في ظل وقائع الأرض السورية التي يحسمها النظام السوري لصالحه، مبعداً أي مبرر لانعقاد «جنيف2»، فإن السعودية ما تزال تصر، بحسب المصدر، على أن تعيش حلم امتلاك الساحة العربية، رافضة النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان. ولأن هذه الدول أصبحت ساحة واحدة بقوة الأمر الواقع، فإن السعودي ما يزال يشعر أن لبنان هو أرض خصبة لتعويض خسائره في العراق وسوريا. ولذلك فهو ظل يراهن على إمكانية التفاهم على تثبيت لبنان في حصته، إلى أن أعلن السيد حسن نصر الله رفضه أن يكون لبنان جائزة ترضية لأحد، معلناً في المقابل أن تخطي «حزب الله» في المعادلة الداخلية هو من الكبائر.

يعرف السعودي أن الانصياع للرغبة الأميركية، كما فعل الأتراك والقطريون، هو أمر غير ممكن لمن يبحث عن تثبيت موقعه في المنطقة، خاصة أن الأميركي تخلى عنه علناً مفضلاً الخروج من مستنقع الحروب في المنطقة.

عرف السعوديون أن عليهم أن يتحملوا مسؤولية الدفاع عن وجودهم، في ظل قناعتهم أن النفوذ الإيراني يقضي على أي أمل في ضمان مستقبل العائلة الحاكمة في السعودية أو حتى وحدة الجزيرة العربية. يقول المصدر إنهم «لم يجدوا بين أيديهم سوى الشبكات السلفية التي رعوها لسنوات طويلة في أفغانستان ثم في العراق، والتي تحولت إلى بنية تحتية ثمينة يستطيعون تحريكها من ساحة إلى أخرى». هؤلاء لم يعد النظام السوري يشكل العدو الأول لهم إنما إيران.

لا يرى الباحث في الشؤون الإيرانية فرصة أمام السعودية سوى دخول الحل السلمي، أسوة بباقي أطراف الحرب على سوريا. لا أثمان جدية يمكن أن تحصل عليها سوى التأكيد على أنها دولة كبيرة شريكة في التسوية وقادرة على المساعدة في استقرار المنطقة ولعب دور، بالتعاون مع جيرانها، في استقرار أسواق النفط.. أما الحديث عن دولة قائدة للدول العربية، فذلك حجم لا يتناسب مع قدرات السعودية.

ماذا عن الدور الإيراني؟ يؤكد المصدر أن من يملك الأوراق التي تملكها طهران لا يمكن تصورها تنقاد وراء رد فعل موضعي. اتهام السفير الإيراني لإسرائيل يؤكد أن طهران ترفض الدخول بمواجهة علنية مع اية جهة اقليمية. تفضل المحافظة على توازنها واستكمال استراتيجيتها السورية التي تثبت نجاحها يوماً بعد يوم، بما يعزز ثقتها بأن النصر سيكون حليفها في النهاية.

  • فريق ماسة
  • 2013-11-18
  • 6741
  • من الأرشيف

«الانتحار الإقليمي» في لبنان .. بحثاً عن «دور ما»!

في اللحظة التي سيطر فيها الجيش السوري على قرية قارة الإستراتيجية في القلمون، فجر انتحاريان نفسيهما أمام السفارة الإيرانية في بيروت. كل من قرأ هذا التطور قرأ فيه إعلانا رسمياً عن توحيد الساحتين السورية واللبنانية وقراراً برفع مستوى الصراع مع طهران إلى مستوى لم يسبق له مثيل. في «8 آذار» صدر الحكم السياسي على «جناح» اقليمي بإدانته بتفجيري «الجناح». حتى اتهام السفير الإيراني لإسرائيل، لم يُقرأ إلا بوصفه إشارة إضافية على تورط «احد ما»، وإن بأسلوب إيران المعهود الذي يعتبر أن أي استهداف لمحور المقاومة هو خدمة لإسرائيل. بعد أن خفضت كل الدول رؤوسها لتحجز مكاناً لها بين «جنيف النووي الإيراني» و«جنيف الحل السلمي السوري»، بقيت دولتان تكابران: الأولى تقوم بكل ما بوسعها لعرقلة الاتفاق النووي، والثانية تحارب الحل السلمي بكل ما أوتيت من أسلحة. ومع أن لإسرائيل مصلحة دائمة في تفجير الوضع اللبناني، إلا أن فريقي النزاع في لبنان اتفقا على ربط تفجيري السفارة بالصراع السوري.. كل من زاويته. في الحالتين، لم يتوقع أحد أن يغير ما قد رسم في المعركة السورية: الجيش سيتابع سياسة القضم في معاركه لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها المعارضة. و«حزب الله» وإيران سيتابعان ما بدآه في سوريا. إذاً ما هي الفائدة التي يتوخاها من خطط ونفذ عملية الجناح الانتحارية؟. بالنسبة لـ«14 آذار»، وتحديداً تيار «المستقبل»، صارت الخشية كبيرة من دخول لبنان في السيناريو العراقي. أما المسؤولية فتتجه حصراً نحو «حزب الله» الذي «جر لبنان إلى جهنم وأيقظ المتطرفين بعدما أغلق الأبواب أمام المعتدلين». وإذا كانت «8 آذار»، بسياسييها وخبرائها، قد رفعت بصمات جهة اقليمية من مكان التفجير، فإن «المستقبل» يسهب في التذكير بمآثر حلفائه الخليجيين في مواجهة «القاعدة». في الحالتين يتعامل المسؤولون مع ما يجري على أرضهم كمحللين أجانب، في ظل تسليم الجميع لمصيرهم إلى الرعاة الإقليميين. وإلى أن تتضح وجهة الصراع في المنطقة، يبدو أن اللبنانيين سيكونون مضطرين للتعامل مع مصطلح «الانتحاريين» الذي دخل إلى حياتهم من بوابة السفارة الإيرانية. يدعو أحد الباحثين المحسوبين على «خط المقاومة» لفصل مسار تفجير الجناح عن سياق التفجيرات السابقة التي طالت الضاحية الجنوبية وطرابلس، وإن كانا يصبان في إطار المعركة الدائرة في سوريا. حدث الأمس يشكل مفصلاً جديداً في تاريخ الصراع على دمشق: أن يدخل عامل الانتحاريين إلى الساحة اللبنانية، فذلك تطور يتوقف عنده المصدر مطولاً، مشيراً إلى أنه رفع لمنسوب المواجهة وكسر لكل المحرمات. أما استهداف السفارة الإيرانية، فذلك أيضاً، بالنسبة له، محاولة لرفع مستوى الصراع الإقليمي. أما اختيار السفارة الإيرانية في بيروت تحديداً، إنما يراد منه أن تكون الرسالة شديدة اللهجة. كل ذلك يقود إلى استنتاج واحد: قرر الطرف المتضرر من التسوية السلمية طرح كل أوراقه على الطاولة، لم يعد يكتفي بالاستعانة بأدواته ليعلن أنه موجود، نزل إلى أرض المعركة مطالباً الخصم إما بالتنازل أو بالتفاهم. هكذا يفكّر سياسيو «8 آذار». وإذا كان التنازل مستحيلاً في ظل وقائع الأرض السورية التي يحسمها النظام السوري لصالحه، مبعداً أي مبرر لانعقاد «جنيف2»، فإن السعودية ما تزال تصر، بحسب المصدر، على أن تعيش حلم امتلاك الساحة العربية، رافضة النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان. ولأن هذه الدول أصبحت ساحة واحدة بقوة الأمر الواقع، فإن السعودي ما يزال يشعر أن لبنان هو أرض خصبة لتعويض خسائره في العراق وسوريا. ولذلك فهو ظل يراهن على إمكانية التفاهم على تثبيت لبنان في حصته، إلى أن أعلن السيد حسن نصر الله رفضه أن يكون لبنان جائزة ترضية لأحد، معلناً في المقابل أن تخطي «حزب الله» في المعادلة الداخلية هو من الكبائر. يعرف السعودي أن الانصياع للرغبة الأميركية، كما فعل الأتراك والقطريون، هو أمر غير ممكن لمن يبحث عن تثبيت موقعه في المنطقة، خاصة أن الأميركي تخلى عنه علناً مفضلاً الخروج من مستنقع الحروب في المنطقة. عرف السعوديون أن عليهم أن يتحملوا مسؤولية الدفاع عن وجودهم، في ظل قناعتهم أن النفوذ الإيراني يقضي على أي أمل في ضمان مستقبل العائلة الحاكمة في السعودية أو حتى وحدة الجزيرة العربية. يقول المصدر إنهم «لم يجدوا بين أيديهم سوى الشبكات السلفية التي رعوها لسنوات طويلة في أفغانستان ثم في العراق، والتي تحولت إلى بنية تحتية ثمينة يستطيعون تحريكها من ساحة إلى أخرى». هؤلاء لم يعد النظام السوري يشكل العدو الأول لهم إنما إيران. لا يرى الباحث في الشؤون الإيرانية فرصة أمام السعودية سوى دخول الحل السلمي، أسوة بباقي أطراف الحرب على سوريا. لا أثمان جدية يمكن أن تحصل عليها سوى التأكيد على أنها دولة كبيرة شريكة في التسوية وقادرة على المساعدة في استقرار المنطقة ولعب دور، بالتعاون مع جيرانها، في استقرار أسواق النفط.. أما الحديث عن دولة قائدة للدول العربية، فذلك حجم لا يتناسب مع قدرات السعودية. ماذا عن الدور الإيراني؟ يؤكد المصدر أن من يملك الأوراق التي تملكها طهران لا يمكن تصورها تنقاد وراء رد فعل موضعي. اتهام السفير الإيراني لإسرائيل يؤكد أن طهران ترفض الدخول بمواجهة علنية مع اية جهة اقليمية. تفضل المحافظة على توازنها واستكمال استراتيجيتها السورية التي تثبت نجاحها يوماً بعد يوم، بما يعزز ثقتها بأن النصر سيكون حليفها في النهاية.

المصدر : السفير /ايلي الفرزلي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة