جون كيري يجول في المنطقة، وفي كل مكان حطّ فيه تحدّث بطريقة ترضي مضيفه، لكن الدبلوماسي الشاطر هو من يجيد القراءة بين السطور، ويجمع حروف الكلمات، لينجز حلاً صحيحاً لشبكة الكلمات المتقاطعة.

الدبلوماسية المصرية انتبهت جيداً لكلام جون كيري، وعرفت تماماً مدى مآزق الآخرين، خصوصاً الأميركي والسعودي، لأنه ما كان أمام الضيف الأميركي إلا أن يعترف بدور الدبلوماسية المصرية الفاعل، وأنها مؤتمَنة على السياسات العربية المعتدلة، خصوصاً في الملفيْن السوري والإيراني.

هذا الرضوخ الأميركي انعكس في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير الذي خططت وعملت له السعودية ليخرج بموقف متشدد من اجتماعات "جنيف-2" ومن الدولة الوطنية السورية، ولهذا دعت "ائتلاف المعارضات السورية" لحضوره، لمنحه تغطية من جامعة نبيل العربي كشرط للذهاب إلى جنيف.

وهكذا انتهى الاجتماع الوزاري العربي إلى لا شيء، في ظل ما تبيّن من مواقف عربية متناقضة، جعلت الدبلوماسية السعودية الهرمة تزداد اهتزازاً، وهذه المواقف تمثلت في عدة اتجاهات:

- الجزائر ولبنان والعراق رفضوا التصعيد السعودي ضد دمشق.

- البعض عارض التصعيد السعودي، لكنه لم يجهر بموقفه خوفاً من العقاب السعودي أو الأميركي، كالمغرب والسلطة الفلسطينية والكويت.

- هناك أيضاً المرتبكون الذين ملّوا التصعيد السعودي ضد إيران وسورية والمقاومة، لكنهم لا يستطيعون ولا يريدون إحراج السعودية، ولهذا لم يقاتلوا كما قبل سنة ونيف لدعم موقف الدبلوماسية المهزوزة.

- وهناك أيضاً وأيضاً من يهمه من كل ما يجري تجاه سورية البوصلة الأميركية ليس إلا، وهذا حال الأردن.

إذاً، انتهى اجتماع الجامعة العربية إلى لا شيء، وأبرز هشاشة هذه الجامعة، وبالتالي صارت في مهب الريح.

عودة إلى جون كيري الذي انطلق من مصر إلى السعودية، حيث قدّم الكثير من الهدايا الملغومة للمملكة الهرمة:

فلنلاحظ الهدايا والوعود الأميركية التي شرحت قلب سعود الفيصل:

- الأسد فقد شرعيته.

- لن يُسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي، علماً أن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية السيد علي خامنئي يشدد على أن السلاح النووي محرّم فقهياً وشرعياً.

- لن يُسمح لحزب الله بتشكيل الحكومة اللبنانية (لاحظوا كلمة تشكيل).

مع هذه الوعود الذي أفرجت أسارير الفيصل، أكد جون كيري الآتي:

- أن واشنطن مع الحل الدبلوماسي للنووي الإيراني.

- مع الحل السياسي في سورية، لأن الحل العسكري لن يوصل إلى نتيجة.

- مع مكافحة الإرهاب بكل أشكاله.

- مع مؤتمر "جنيف-2".

ماذا بقي من الهدايا السياسية الأميركية؟

المهم أن سعود الفيصل حينما طمأنه جون كيري بشنّه هجوماً على حزب الله، وعلى سورية، بدا وكأنه يدافع عن الرياض التي اتهمها السيد نصرالله في خطابه الأخير بالاسم، وعلى الرئيس الأسد الذي اتهم في مقابلته الأخيرة السعودية وقطر وتركيا والولايات المتحدة بدعم الإرهاب والمشاركة في سفك الدم السوري.

الخلاصة التي أفهمها كيري لسعود الفيصل، أن موسكو وواشنطن قرّرتا الذهاب إلى "جنيف-2" و"نقطة على السطر"، وبالتالي ثمة حقيقة واضحة صارت مفهومة تماماً، وهي أنه إذا تم تعطيل "جنيف"، فإن الجيش العربي السوري ستكون له هجماته الحاسمة، لكن السؤال الذي يُطرح: متى سيُعقد "جنيف-2"؟

لم يعد هاماً تحديد الموعد، خصوصاً أن التباينات بين حلف أعداء سورية واسعة، وبالتالي ربما كان مرجحاً تأخير هذا المؤتمر إلى العام المقبل، خصوصاً بعد أن بات المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي بلا أسنان بعد أن أفهمته الدبلوماسية السورية والروسية أن دوره مجرد وسيط، وليس تحديد المواقف التي تروق للأميركي أو لمن يموّله خليجياً.

هل انتهى "الحرد" السعودي وغضبها من الولايات المتحدة؟

تحسم مصادر خليجية على صلة وثيقة بدوائر القرار الأميركي، أن الرياض ليست غاضبة من واشنطن بسبب مواقفها المستجدة من إيران وسورية فحسب، إنما هناك ما هو أخطر وأدهى بالنسبة إلى العائلة السعودية الحاكمة، وهو ما قد يتكشف من فضائح كبرى ومذهلة في ملفات التنصت التي كشفها المخبر الأميركي سنودن المقيم الآن في العاصمة الروسية موسكو.

وأكثر ما يثير رعب وخوف الأسرة السعودية الحاكمة، ما تتضمنه هذه الملفات من جرائم وفضائح مالية وأخلاقية، وسمسرات وارتباطات متعددة ومشبوهة، ولهذا فالرياض تصعّد ضد موسكو وحليفتها دمشق.

 

وبرأي هذه المصادر فإن جون كيري نقل إلى السعوديين وعداً من الرئيس الأميركي باراك أوباما، بناء على وعد تلقّاه الأخير من القيصر الروسي فلاديمير بوتين، بأنه لن يتم نشر فضائح العائلة المالكة السعودية، وأن التفاوض سيستمر من أجل استردادها، حتى لا يعرف ماذا يجري في القصور السعودية في سويسرا والمغرب وإسبانيا، وحتى لا تُنشر فضائح العائلة المالكة في نوادي القمار والتعري والملاهي الليلية..

ويختم هذا المصدر بالتأكيد على أن الأميركي وحلفاءه الغربيين يعرفون أن مملكة آل سعود جعلتها التطورات السورية وصمود الدولة الوطنية السورية، تبلغ "سن اليأس".. فكيف إذا نُشرت ملفات سنودن؟

  • فريق ماسة
  • 2013-11-06
  • 12014
  • من الأرشيف

سورية تدفع بالسعودية إلى "سنّ اليأس

جون كيري يجول في المنطقة، وفي كل مكان حطّ فيه تحدّث بطريقة ترضي مضيفه، لكن الدبلوماسي الشاطر هو من يجيد القراءة بين السطور، ويجمع حروف الكلمات، لينجز حلاً صحيحاً لشبكة الكلمات المتقاطعة. الدبلوماسية المصرية انتبهت جيداً لكلام جون كيري، وعرفت تماماً مدى مآزق الآخرين، خصوصاً الأميركي والسعودي، لأنه ما كان أمام الضيف الأميركي إلا أن يعترف بدور الدبلوماسية المصرية الفاعل، وأنها مؤتمَنة على السياسات العربية المعتدلة، خصوصاً في الملفيْن السوري والإيراني. هذا الرضوخ الأميركي انعكس في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير الذي خططت وعملت له السعودية ليخرج بموقف متشدد من اجتماعات "جنيف-2" ومن الدولة الوطنية السورية، ولهذا دعت "ائتلاف المعارضات السورية" لحضوره، لمنحه تغطية من جامعة نبيل العربي كشرط للذهاب إلى جنيف. وهكذا انتهى الاجتماع الوزاري العربي إلى لا شيء، في ظل ما تبيّن من مواقف عربية متناقضة، جعلت الدبلوماسية السعودية الهرمة تزداد اهتزازاً، وهذه المواقف تمثلت في عدة اتجاهات: - الجزائر ولبنان والعراق رفضوا التصعيد السعودي ضد دمشق. - البعض عارض التصعيد السعودي، لكنه لم يجهر بموقفه خوفاً من العقاب السعودي أو الأميركي، كالمغرب والسلطة الفلسطينية والكويت. - هناك أيضاً المرتبكون الذين ملّوا التصعيد السعودي ضد إيران وسورية والمقاومة، لكنهم لا يستطيعون ولا يريدون إحراج السعودية، ولهذا لم يقاتلوا كما قبل سنة ونيف لدعم موقف الدبلوماسية المهزوزة. - وهناك أيضاً وأيضاً من يهمه من كل ما يجري تجاه سورية البوصلة الأميركية ليس إلا، وهذا حال الأردن. إذاً، انتهى اجتماع الجامعة العربية إلى لا شيء، وأبرز هشاشة هذه الجامعة، وبالتالي صارت في مهب الريح. عودة إلى جون كيري الذي انطلق من مصر إلى السعودية، حيث قدّم الكثير من الهدايا الملغومة للمملكة الهرمة: فلنلاحظ الهدايا والوعود الأميركية التي شرحت قلب سعود الفيصل: - الأسد فقد شرعيته. - لن يُسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي، علماً أن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية السيد علي خامنئي يشدد على أن السلاح النووي محرّم فقهياً وشرعياً. - لن يُسمح لحزب الله بتشكيل الحكومة اللبنانية (لاحظوا كلمة تشكيل). مع هذه الوعود الذي أفرجت أسارير الفيصل، أكد جون كيري الآتي: - أن واشنطن مع الحل الدبلوماسي للنووي الإيراني. - مع الحل السياسي في سورية، لأن الحل العسكري لن يوصل إلى نتيجة. - مع مكافحة الإرهاب بكل أشكاله. - مع مؤتمر "جنيف-2". ماذا بقي من الهدايا السياسية الأميركية؟ المهم أن سعود الفيصل حينما طمأنه جون كيري بشنّه هجوماً على حزب الله، وعلى سورية، بدا وكأنه يدافع عن الرياض التي اتهمها السيد نصرالله في خطابه الأخير بالاسم، وعلى الرئيس الأسد الذي اتهم في مقابلته الأخيرة السعودية وقطر وتركيا والولايات المتحدة بدعم الإرهاب والمشاركة في سفك الدم السوري. الخلاصة التي أفهمها كيري لسعود الفيصل، أن موسكو وواشنطن قرّرتا الذهاب إلى "جنيف-2" و"نقطة على السطر"، وبالتالي ثمة حقيقة واضحة صارت مفهومة تماماً، وهي أنه إذا تم تعطيل "جنيف"، فإن الجيش العربي السوري ستكون له هجماته الحاسمة، لكن السؤال الذي يُطرح: متى سيُعقد "جنيف-2"؟ لم يعد هاماً تحديد الموعد، خصوصاً أن التباينات بين حلف أعداء سورية واسعة، وبالتالي ربما كان مرجحاً تأخير هذا المؤتمر إلى العام المقبل، خصوصاً بعد أن بات المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي بلا أسنان بعد أن أفهمته الدبلوماسية السورية والروسية أن دوره مجرد وسيط، وليس تحديد المواقف التي تروق للأميركي أو لمن يموّله خليجياً. هل انتهى "الحرد" السعودي وغضبها من الولايات المتحدة؟ تحسم مصادر خليجية على صلة وثيقة بدوائر القرار الأميركي، أن الرياض ليست غاضبة من واشنطن بسبب مواقفها المستجدة من إيران وسورية فحسب، إنما هناك ما هو أخطر وأدهى بالنسبة إلى العائلة السعودية الحاكمة، وهو ما قد يتكشف من فضائح كبرى ومذهلة في ملفات التنصت التي كشفها المخبر الأميركي سنودن المقيم الآن في العاصمة الروسية موسكو. وأكثر ما يثير رعب وخوف الأسرة السعودية الحاكمة، ما تتضمنه هذه الملفات من جرائم وفضائح مالية وأخلاقية، وسمسرات وارتباطات متعددة ومشبوهة، ولهذا فالرياض تصعّد ضد موسكو وحليفتها دمشق.   وبرأي هذه المصادر فإن جون كيري نقل إلى السعوديين وعداً من الرئيس الأميركي باراك أوباما، بناء على وعد تلقّاه الأخير من القيصر الروسي فلاديمير بوتين، بأنه لن يتم نشر فضائح العائلة المالكة السعودية، وأن التفاوض سيستمر من أجل استردادها، حتى لا يعرف ماذا يجري في القصور السعودية في سويسرا والمغرب وإسبانيا، وحتى لا تُنشر فضائح العائلة المالكة في نوادي القمار والتعري والملاهي الليلية.. ويختم هذا المصدر بالتأكيد على أن الأميركي وحلفاءه الغربيين يعرفون أن مملكة آل سعود جعلتها التطورات السورية وصمود الدولة الوطنية السورية، تبلغ "سن اليأس".. فكيف إذا نُشرت ملفات سنودن؟

المصدر : أحمد زين الدين - الثبات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة