دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
خلال العامين الأولين من الأزمة السورية، تعاطت عمان معها بميزان حسّاس للغاية يرضي الحليف الأميركي ـ الخليجي، ولا يُغضب القوميين واليساريين والوطنيين في الداخل، ولا ينصرف لمصلحة الصعود الإخواني، لكن، بسقوط إخوان مصر وتقدم السعودية إلى واجهة أعداء سوريا،شعر النظام الأردني بالاطمئنان الكافي للانخراط في أعمال عدائية ضد الجمهورية العربية السورية، إلا أنه، على عكس الرياض، لم يرد حرباً أميركية على البلد الجار تقود إلى نتائج كارثية على الأردن. لكن انكفاء الحرب لصالح التسوية الروسية ــــ الأميركية، وانطلاق الغزل بين واشنطن وطهران على حساب السعودية، وضع المملكة الهاشمية في مأزق استراتيجي؛ فالخطوط العامة للتقسيمات الدولية ــــ الإقليمية التي تتبلور في المثلث الروسي ــــ الإيراني ــــ الأميركي، تضع الدولة الأردنية في حال ضياع استراتيجي؛ فلا هي جزء من المحور المشرقي الذي ينشأ بين سوريا والعراق، ولا هي جزء من نسيج الخليج والتسويات الخاصة به (التفاهم السياسي ــــ الأمني مع إيران، وحل مشكلة البحرين، وتحديث السعودية). وفيما سلّم الأميركيون الفلسطينيين وقضيتهم إلى إسرائيل ــــ من دون أي اعتراض إقليمي وفي ظل انهيار حمساوي ــــ يبدو الأردن وحيداً خارج المعادلات، إلا معادلة واحدة هي استيعاب نتائج تصفية القضية الفلسطينية.
في خطاب العرش لافتتاح الدورة البرلمانية لخريف 2013، لم يبد الملك عبدالله الثاني منشغلاً بهذا المأزق؛ تحدث عن الانتقال التدريجي نحو الملكية الدستورية، وأفاض في الشؤون المحلية، وظهر كمنتصر، لا يشكو من هول المستقبل المنظور: لم يعد الأردن، دولياً، تحت المظلة الأميركية المنسحبة من المنطقة، ولا تحت مظلة الاعتدال العربي التي تمزّقت، ولا يحتمي من الخطط الإسرائيلية بالممانعة السورية الجريحة. لكن الأردنيين، في المقابل، ينتابهم قلق عميق على المصير.
هناك فارق نوعي بين سلام مع إسرائيل ـــ تراه هي لازماً لها ـــ ويتموضع في إطار الاستقرار المصري ــــ السعودي، وبين مظلّة إسرائيلية تتحكّم بمملكة من دون قوة ولا حلفاء؛ فهل تعرف عمان ماذا يحدث، بالضبط، على مائدة المفاوضات الإسرائيلية ــــ الفلسطينية؟ وهل لدى السلطة الفلسطينية أي خيار سوى المضيّ قدماً، برغم الاستيطان واقتطاع الأراضي وتهويد القدس؟ وهل ثمّة مَن يأخذ المصالح الأردنية العليا، في تل أبيب أو واشنطن، في الاعتبار؟
رئيس وزراء العدوّ بنيامين نتنياهو أصدر، وسط صمت أردني مطبق، قراراً بإقامة جدار أمني على الحدود الأردنية ــــ الفلسطينية في غور الأردن. وهذا القرار لا يمسّ، فقط، بالسيادة والمصالح الفلسطينية، وإنما بتلك الأردنية الصميمة؛ فعلاوة على أنه يعني، بوضوح، اقتطاعاً جديداً من أراضي الضفة، وخطاً إسرائيلياً أحمر تجاه قيام دولة فلسطينية ذات حدود دولية، فإنه يؤكد الموقف الإسرائيلي العدائي بمنع قيام حدود مفتوحة تحت سيادة الدولتين، الأردنية والفلسطينية. وهو ما سيحول دون حل ثنائي لمشكلة النازحين واللاجئين، ويعرقل أي حل قومي لمشكلة تداخل الهويتين والكيانين السياسيين، ويمنع التعاون الأمني والتكامل الاقتصادي والمالي بين الأردن وفلسطين. وفي النهاية، هذا هو تعهّد نتنياهو الصريح: «إن إسرائيل تعتزم حماية حدودها الشرقية في غور الأردن، وليست مستعدة لإخلاء المنطقة في أي اتفاق مستقبلي».
المسؤولة الإسرائيلية عن المفاوضات مع الفلسطينيين تسيبي ليفني تقول، ومعها حق، إن فرصة النجاح في التوصل إلى اتفاق نهائي، لم يسبق أنها توفرت كما هو الحال في هذه المفاوضات. يعني ذلك، واقعياً، توفر امكانية فرض الشروط الإسرائيلية على السلطة الفلسطينية الآن من دون وجود عراقيل إقليمية؛ فهل مَن يتحدث، إذاً، عن تسوية حق العودة للاجئين والنازحين؟ إنه التوطين. وهو يتخذ، في الخطاب الرسميّ، شعاراً ليبرالياً: «المواطنة» بالنسبة لحوالي ثلاثة ملايين لاجئ ونازح، بالإضافة إلى مليون مقيم من مواطني الضفة الغربية، تتلاحق الضغوط لمنحهم الجنسية الأردنية أيضاً.
هذا من الغرب، أما شمالاً، فقد انتهت عمليات تهريب السلاح والمقاتلين نحو جنوب سوريا، لحساب بندر بن سلطان، إلى تراجع المسلحين «المعتدلين» لمصلحة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» التي تزمع إقامة «ولاية درعا» التكفيرية الإرهابية على الحدود الأردنية. ومع ذلك، لا تزال عمان مشغولة بتقديم الشكاوى ضد دمشق بحجة سقوط قذائف عبر الحدود، وتواصل التنسيق السياسي والأمني مع الرياض المصممة على إسقاط النظام السوري بالإرهاب!
يبدو وكأن السياسة الأردنية فقدت عقلها وإرادتها معاً، بينما هي تدعم المفاوضات الفلسطينية ــــ الإسرائيلية، وتعمل لدى السعوديين في سوريا، ولا ترى الوحشين اللذين يتقدمان نحو البلاد: المشروع الصهيوني من الغرب، والإرهاب من الشمال، وفقا" لصحيفة الاخبار.
المصدر :
الماسة السورية/ ناهض حتر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة