هل اتخذت الولايات المتحدة الأميركية قرارا بطي صفحة رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان أو على الأقل قصقصة جوانحه حتى لا يكون الرجل الأقوى في تركيا؟

منشأ التساؤل يكمن في تصاعد السجال في تركيا بين مؤيدي «حزب العدالة والتنمية» ومعارضيه. وانطلقت شرارة النقاش بسبب تردي العلاقات بين أنقرة وواشنطن بعد نية تركيا شراء صواريخ باليستية بعيدة المدى من الصين وبعد تكرار تصريحات من قادة «حزب العدالة والتنمية» ضد إسرائيل واتهامها بالوقوف وراء مقالة ديفيد ايغناتيوس في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في 17 تشرين الأول الحالي ضد رئيس الاستخبارات التركي حاقان فيدان بسبب ما قيل عن ابلاغه الإيرانيين بأسماء عشرة جواسيس إيرانيين يعملون لمصلحة إسرائيل.

واستكملت الحملة على حكومة «حزب العدالة والتنمية» في تقرير نشره «مركز السياسات غير الحزبية» الأميركي، مؤخراً، بقلم اثنين من السفراء الأميركيين السابقين في تركيا وهما مورتون ابراموفيتس واريك ايديلمان.

وتضمن التقرير نقدا لاذعا لسياسات اردوغان. ورأى أن تركيا لم يبق لها قوة تأثير في أحداث الشرق الأوسط، ولم يبق لها سوى المشكلات بعد انتهاء سياسة «صفر مشكلات» مع دول الجوار.

هي أرادت رحيل الرئيس السوري بشار الأسد ووقفت ضد الحكومة العسكرية في مصر. وقطعت العلاقات الديبلوماسية مع اسرائيل. وأغضبت ايران بسبب نشر منظومات «الباتريوت» وبسبب تقديمها الدعم إلى المعارضة السورية. ودخلت في شجار مع حكومة بغداد المركزية. وأثارت بدعمها المتطرف لجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر سخط الدول الخليجية. وابتعدت عن أوروبا بنظريات المؤامرة والاتهامات التي لا أساس لها من الصحة.

وجاء في تقرير السفيرين أن تركيا اتبعت في الشرق الأوسط، خصوصا في سوريا ومصر، سياسات مذهبية من اجل تعزيز نفوذها.

وأثار التقرير ردود فعل واسعة في تركيا. فهمي قورو، وهو الكاتب المقرب من اردوغان والرئيس التركي عبد الله غول ووزير الخارجية أحمد داود اوغلو، وصف التقرير بأنه كتلة من الكلام المعادي لـ«حزب العدالة والتنمية» وتركيا. واعتبره حلقة في سلسلة مواقف تهدف إلى الضغط على الإدارة الأميركية والرئيس باراك أوباما لتصعيد الضغوط على تركيا.

بدوره، دعا الكاتب جنكيز تشاندار، الذي يتعرض لحملات متتالية من جانب الإعلام التابع لـ«حزب العدالة والتنمية»، قادة الحزب إلى أن يقرأوا بعقل هادئ التقرير، ففي ذلك فائدة لهم.

وقال تشاندار إن قادة «العدالة والتنمية»، إذا لم ينغلقوا على طروحاتهم الخاصة، وإذا كانوا مدركين عن قناعة أن للولايات المتحدة نصيب في وصولهم إلى السلطة وفي استمرارهم فيها وفي سياسة تركيا، فيمكن أن يأخذوا بالجدية اللازمة هذا التقرير.

وتابع انه إذا كان «حزب العدالة والتنمية» يظن انه جاء فقط بأصوات صندوق الاقتراع في تركيا ويتجاهلون دور البيت الأبيض في واشنطن، فهي أشياء تستوجب تذكيرهم بها. ورأى تشاندار في التقرير الأميركي دعوة لواشنطن لكي تصحح السياسات التركية، خصوصا أن التقرير صادر عن مؤسسة أسسها الديموقراطيون والجمهوريون معا وتكون فوق الأحزاب وهو واضح من اسم المركز. فأبراموفيتس مثلا ديموقراطي وأيديلمان جمهوري.

ويقول تشاندار إنه يفهم من التقرير انه مع استمرار سلطة «حزب العدالة والتنمية» كحزب الشخص الواحد، اردوغان، فمن الصعوبة تغيير السياسات التركية.

وانتفض فهمي قورو ساخرا من كلام تشاندار، من دون أن يسميه، حول أن «حزب العدالة والتنمية» يمثل مشروعا أميركيا. واعتبر، في مقال في صحيفة «ستار»، ان ما يجمع الكتاب الأتراك في الداخل مع ما يصدر عن واشنطن هو خط مشترك من المعاداة لسياسة «حزب العدالة والتنمية» في سوريا وفي مصر. وقال إنها مفارقة أن ينقلب البعض من مواقف ضد أميركا ليكونوا معا في العداء لـ«حزب العدالة والتنمية».

وردت ناغيهان ألتشي، في صحيفة «ميللييت»، على تشاندار بالقول إن السفيرين ابراموفيتس وايديلمان كانا من مهندسي الانقلاب العام 1997 ضد رئيس الحكومة الأسبق نجم الدين اربكان وهما من مناصري حكم الوصاية العسكرية في تركيا، فكيف يمكن لهما أن يكونا وراء وصول «العدالة والتنمية» إلى السلطة وكيف يمكن لضحية لانقلاب 1997 مثل تشاندار أن يساند تقريرا من سفيرين معاديين للديموقراطية لمجرد أن العداء لـ«حزب العدالة والتنمية» يجمعهم.

وتفتح هذه النقاشات على كلام يتداول في دوائر متعددة حول رغبة أميركية في أن يغادر اردوغان موقعه في رئاسة الحكومة ليصبح رئيسا للجمهورية محدود الصلاحيات، وأن يتبوأ الرئيس الحالي عبد الله غول رئاسة الحكومة ما يساعد على مواكبة المرحلة المقبلة من السياسة الأميركية في المنطقة وما يرسم من تسويات من الصعب أن يكون اردوغان جزءا منها كونه كان من أعمدة الصقور في المنطقة لا سيما في الأزمتين السورية والمصرية، ولا يمكن له أن يكون بالتالي جزءا من عملية الحل.

  • فريق ماسة
  • 2013-10-27
  • 11911
  • من الأرشيف

تصاعد السجال في تركيا: واشنطن وأردوغان ومصيره

هل اتخذت الولايات المتحدة الأميركية قرارا بطي صفحة رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان أو على الأقل قصقصة جوانحه حتى لا يكون الرجل الأقوى في تركيا؟ منشأ التساؤل يكمن في تصاعد السجال في تركيا بين مؤيدي «حزب العدالة والتنمية» ومعارضيه. وانطلقت شرارة النقاش بسبب تردي العلاقات بين أنقرة وواشنطن بعد نية تركيا شراء صواريخ باليستية بعيدة المدى من الصين وبعد تكرار تصريحات من قادة «حزب العدالة والتنمية» ضد إسرائيل واتهامها بالوقوف وراء مقالة ديفيد ايغناتيوس في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في 17 تشرين الأول الحالي ضد رئيس الاستخبارات التركي حاقان فيدان بسبب ما قيل عن ابلاغه الإيرانيين بأسماء عشرة جواسيس إيرانيين يعملون لمصلحة إسرائيل. واستكملت الحملة على حكومة «حزب العدالة والتنمية» في تقرير نشره «مركز السياسات غير الحزبية» الأميركي، مؤخراً، بقلم اثنين من السفراء الأميركيين السابقين في تركيا وهما مورتون ابراموفيتس واريك ايديلمان. وتضمن التقرير نقدا لاذعا لسياسات اردوغان. ورأى أن تركيا لم يبق لها قوة تأثير في أحداث الشرق الأوسط، ولم يبق لها سوى المشكلات بعد انتهاء سياسة «صفر مشكلات» مع دول الجوار. هي أرادت رحيل الرئيس السوري بشار الأسد ووقفت ضد الحكومة العسكرية في مصر. وقطعت العلاقات الديبلوماسية مع اسرائيل. وأغضبت ايران بسبب نشر منظومات «الباتريوت» وبسبب تقديمها الدعم إلى المعارضة السورية. ودخلت في شجار مع حكومة بغداد المركزية. وأثارت بدعمها المتطرف لجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر سخط الدول الخليجية. وابتعدت عن أوروبا بنظريات المؤامرة والاتهامات التي لا أساس لها من الصحة. وجاء في تقرير السفيرين أن تركيا اتبعت في الشرق الأوسط، خصوصا في سوريا ومصر، سياسات مذهبية من اجل تعزيز نفوذها. وأثار التقرير ردود فعل واسعة في تركيا. فهمي قورو، وهو الكاتب المقرب من اردوغان والرئيس التركي عبد الله غول ووزير الخارجية أحمد داود اوغلو، وصف التقرير بأنه كتلة من الكلام المعادي لـ«حزب العدالة والتنمية» وتركيا. واعتبره حلقة في سلسلة مواقف تهدف إلى الضغط على الإدارة الأميركية والرئيس باراك أوباما لتصعيد الضغوط على تركيا. بدوره، دعا الكاتب جنكيز تشاندار، الذي يتعرض لحملات متتالية من جانب الإعلام التابع لـ«حزب العدالة والتنمية»، قادة الحزب إلى أن يقرأوا بعقل هادئ التقرير، ففي ذلك فائدة لهم. وقال تشاندار إن قادة «العدالة والتنمية»، إذا لم ينغلقوا على طروحاتهم الخاصة، وإذا كانوا مدركين عن قناعة أن للولايات المتحدة نصيب في وصولهم إلى السلطة وفي استمرارهم فيها وفي سياسة تركيا، فيمكن أن يأخذوا بالجدية اللازمة هذا التقرير. وتابع انه إذا كان «حزب العدالة والتنمية» يظن انه جاء فقط بأصوات صندوق الاقتراع في تركيا ويتجاهلون دور البيت الأبيض في واشنطن، فهي أشياء تستوجب تذكيرهم بها. ورأى تشاندار في التقرير الأميركي دعوة لواشنطن لكي تصحح السياسات التركية، خصوصا أن التقرير صادر عن مؤسسة أسسها الديموقراطيون والجمهوريون معا وتكون فوق الأحزاب وهو واضح من اسم المركز. فأبراموفيتس مثلا ديموقراطي وأيديلمان جمهوري. ويقول تشاندار إنه يفهم من التقرير انه مع استمرار سلطة «حزب العدالة والتنمية» كحزب الشخص الواحد، اردوغان، فمن الصعوبة تغيير السياسات التركية. وانتفض فهمي قورو ساخرا من كلام تشاندار، من دون أن يسميه، حول أن «حزب العدالة والتنمية» يمثل مشروعا أميركيا. واعتبر، في مقال في صحيفة «ستار»، ان ما يجمع الكتاب الأتراك في الداخل مع ما يصدر عن واشنطن هو خط مشترك من المعاداة لسياسة «حزب العدالة والتنمية» في سوريا وفي مصر. وقال إنها مفارقة أن ينقلب البعض من مواقف ضد أميركا ليكونوا معا في العداء لـ«حزب العدالة والتنمية». وردت ناغيهان ألتشي، في صحيفة «ميللييت»، على تشاندار بالقول إن السفيرين ابراموفيتس وايديلمان كانا من مهندسي الانقلاب العام 1997 ضد رئيس الحكومة الأسبق نجم الدين اربكان وهما من مناصري حكم الوصاية العسكرية في تركيا، فكيف يمكن لهما أن يكونا وراء وصول «العدالة والتنمية» إلى السلطة وكيف يمكن لضحية لانقلاب 1997 مثل تشاندار أن يساند تقريرا من سفيرين معاديين للديموقراطية لمجرد أن العداء لـ«حزب العدالة والتنمية» يجمعهم. وتفتح هذه النقاشات على كلام يتداول في دوائر متعددة حول رغبة أميركية في أن يغادر اردوغان موقعه في رئاسة الحكومة ليصبح رئيسا للجمهورية محدود الصلاحيات، وأن يتبوأ الرئيس الحالي عبد الله غول رئاسة الحكومة ما يساعد على مواكبة المرحلة المقبلة من السياسة الأميركية في المنطقة وما يرسم من تسويات من الصعب أن يكون اردوغان جزءا منها كونه كان من أعمدة الصقور في المنطقة لا سيما في الأزمتين السورية والمصرية، ولا يمكن له أن يكون بالتالي جزءا من عملية الحل.

المصدر : السفير/محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة