دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تحتاج منظومة «اصدقاء سورية» التي عقدت اجتماعا لوزراء خارجيتها امس في لندن الى اعادة النظر في تسميتها، وربما حتى في استمراريتها، ليس لانها تضاءلت او تقلص عددها الى اقل من 11 دولة،
بعد ان فاق 150 دولة، وانما لان هذه التسمية غير صحيحة، وفقدت مدلولاتها ومعانيها، بعد التطورات الاخيرة على جبهات القتال وفي المعطيات السياسية الاقليمية والدولية.
ونشرح اكثر ونقول ان هناك مجموعتين او معسكرين ينطبق عليهما هذا التعريف، او هذه التسمية: الاول اصدقاء النظام السوري ومن يدعمه، ويضم هذا المعسكر الاتحاد الروسي وايران والصين و«حزب الله» ودول «البريكس» عموما، والثاني «اصدقاء سوريا» بزعامة الولايات المتحدة ودول اوروبا وبعض الدول العربية الخليجية ولا ننسى تركيا رجب طيب اردوغان.
المعسكر الاول، اي معسكر النظام صلب متماسك بدأ يفرض وجهة نظره بقوة ويفرض شروطه، والثاني معسكر كرتوني مضعضع يتآكل موقفه تدريجيا، وكذلك اولوياته السياسية والعسكرية، وبات اكثر قربا من النظام ويبتعد بشكل متسارع عن المعارضة تحت حجج مختلفة.
وعندما نقول ان معسكر اصدقاء سوريا النظام اكثر تماسكا وصلابة، فاننا نعني عدم وجود اي خلافات بين اعضائه، بل اتفاق كامل، ووضوح رؤية، بينما الخلافات على اشدها في المعسكر الآخر، خلافات بين الدول الاعضاء والعربية منها على وجه الخصوص، وخلافات بين فصائل المعارضة، المعتدلة منها والاسلامية المتشددة.
فالخلافات في ذروتها حاليا بين السعودية والولايات المتحدة. واكد رئيس الاستخبارات السعودية الامير بندر بن سلطان في حديث لصحيفة «وول ستريت جورنال» ان رفض بلاده احتلال مقعدها في مجلس الامن هو رسالة موجهة الى الادارة الاميركية بسبب موقفها المتراخي في الملف السوري. وحذر من ان التعاون بين البلدين سيتراجع.
ولنضع العلاقات السعودية - الاميركية جانبا، ونتحدث عن نظيرتها بين الدول العربية نفسها، حيث تبلغ الخلافات والتناقضات حول سورية وازمتها درجة غير مسبوقة، فهناك حرب شبه معلنة بين السعودية وقطر، وكل منهما تدعم فصائل جهادية او غير جهادية مختلفة، واحيانا متقاتلة. وتتقاتل الدولتان ايضا على الارض المصرية، حيث تدعم السعودية الفريق اول عبد الفتاح السيسي ونظامه، بينما ما زالت تحنّ دولة قطر لعودة نظام الرئيس المنتخب محمد مرسي، وتدعم جماعة الاخوان المسلمين.
ومن المفارقة ان نظام الفريق السيسي الذي تدعمه السعودية بقوة يتعاطف مع النظام السوري الذي تريد اسقاطه، بينما تقف دولة الامارات العضو المواظب على حضور مؤتمرات «اصدقاء سوريا» موقفا محايدا، وما زالت تقيم اتصالات سرية مع نظام الرئيس بشار الاسد، وتفتح ابوابها على مصراعيها امام رجالاته واستثماراتهم فيها.
نعود الى اجتماع لندن الذي بدأنا به ونقول ان الهدف منه هو الضغط على المعارضة السورية «المعتدلة» للمشاركة في مؤتمر جنيف الذي يشكل «افضل الفرص» المتاحة لها، مثلما قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ في المؤتمر الصحافي الذي عقده في نهاية الاجتماع.
هيغ بشر وفد «الائتلاف الوطني السوري» المشارك في الاجتماع، بانه لا يوجد حل عسكري للازمة، ولن يكون هناك الا الحل السياسي السلمي في سوريا، وحتى هذا الحل السياسي لا يمكن ان يتحقق من دون مشاركة المعارضة المعتدلة.
سؤالنا لهيغ الذي كان احد ابرز الصقور المطالبة بالحل العسكري في سوريا، والضاغط على الاتحاد الاوروبي لرفع الحظر المفروض على ارسال السلاح للمعارضة، سؤالنا له هو «ما هو تعريفك للاعتدال يا سيد هيغ وعلى من ينطبق هذا التعريف، وماذا عن المعارضة غير المعتدلة التي باتت تشكل اكثر من ثمانين في المئة من عدد المقاتلين على الارض السورية؟».
معظم الجماعات الجهادية الاسلامية اتفقت على اسقاط تمثيل «الائتلاف الوطني» للمعارضة، وقالت انها لن تلتزم بأي اتفاقات يوقعها، اما «المجلس الوطني السوري» العمود الفقري في هذا «الائتلاف» فاتخذ موقفا مماثلا، وان كان اكثر ديبلوماسية واقل حدة، بينما سحب «الجيش الحر» دعمه وتفويضه لـ«الائتلاف» على رؤوس الاشهاد.
البيان الختامي لاجتماع لندن القى بـ«عظمة» لـ«الائتلاف الوطني» من قبيل جبر الخواطر عندما اكد ان لا يكون هناك اي دور للرئيس الاسد في الحكومة السورية المقبلة، وهذا الكلام عمومي تنسفه تصريحات وليام هيغ كليا التي اكد فيها على الحل السياسي وطالب الائتلاف بالقبول بحلول وسط.
كلام غريب فعلا، كيف سيكون هناك حل سياسي في ما لو كان عنوان هذا الحل الرئيسي رحيل الرئيس الاسد، ..الرئيس الاسد قال، في مقابلته مع محطة «الميادين»، انه سيترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولن يتفاوض او يعترف بالمعارضة الخارجية التي وصفها بالعمالة. وقال انه يحارب الارهاب على الارض السورية، ولا نعتقد انه سيغير موقفه هذا بعد ان ادرك اضمحلال فرص التدخل العسكري، وتغيير الغرب لاولوياته في سوريا، وجعل الحرب على الجماعات الجهادية هو الهدف الاساسي، وكل هذا يعني اللقاء مع الرئيس الاسد على الارضية نفسها، بعد ان اعرب الاخير عن استعداده للتعاون مع اميركا في هذه الحرب.
الرئيس الاسد يعيش حالة من الارتياح انعكست جليا في مقابلته المذكورة آنفا، فقد حدد ممثله في مؤتمر جنيف المقبل، بينما لا يعرف اعضاء منظومة «اصدقاء سوريا» من يمثل المعارضة فيه، وهنا يكمن المأزق الاميركي العربي.
«اصدقاء سوريا» انفرط عقدهم، وكذلك المعارضة التي اعلنوها الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري قبل عام في مراكش بينما الشعب السوري مستمر في دفع ثمن هذه الخديعة الكبرى، فالحل الوسط الذي يطرحه هيغ هو القبول بصيغة ما بنظام الاسد الذي انتفضوا ضده وهكذا تعـود الامور الى المربع الاول، مربع ما قبل درعا.
السيناريو المقبل الذي نراه واضحا هو حرب مشتركة يخوضها نظام الرئيس الاسد جنبا الى جنب مع المعارضة المسلحة «المعتدلة» ضد الجماعات الجهادية، ولن نستغرب اذا ما انضمت تركيا الى هذه الجبهة بالنظر الى قصفها غير المسبوق لقواعد تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» وتجميد اموال من يعتنقون الفكر الجهادي.
المصدر :
عبد الباري عطوان
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة