دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ان يواجه العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز دعوة الى الرئيس الايراني حسن روحاني لاداء فريضة الحج هذا الموسم الذي يصادف منتصف الشهر المقبل، فهذه اول ثمار المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيس الايراني ونظيره الامريكي باراك اوباما قبل بضعة ايام التي اسست لانهاء القطيعة والتوتر بين بلديهما.
وربما يجادل البعض بان هذه الدعوة روتينية، ويجري توجيهها للرؤساء الايرانيين وغير الايرانيين، وكانت هناك دعوة مماثلة جرى توجيهها الى الرئيس السابق محمد احمدي نجاد عام 2007 ولا تجوز اي قراءة لها في غير هذا الاطار، وهذه الدعوة وصلت الى الرئيس الايراني الجديد منتصف الشهر الحالي، اي قبل المكالمة المذكورة، ولكن الموافقة عليها وصلت قبل يومين فقط اي انها تأخرت اسبوعين تقريبا، وهذا التأخير ليس محض صدفة، او بسبب ضعف الاداء البريدي، وله معان كثيرة في العرفين السياسي والدبلوماسي.
معادلات كثيرة ستتغير في المنطقة بعد التقارب الايراني الامريكي المفاجئ اولها انهيار المشروع الخليجي الذي كان يراهن على هجوم عسكري امريكي على ايران لتدمير ترسانتها العسكرية وطموحاتها النووية على غرار الهجوم الذي ايدته الدول الخليجية لتدمير العراق، وثانيها الدور السعودي القيادي في الازمة السورية، فالاتفاق الروسي الامريكي الذي اجل او الغى الضربة العسكرية الامريكية التي كانت الرهان الثاني في هذا المشروع، كشف الدور الهامشي لدول الخليج، والسعودية وقطر على وجه الخصوص، خاصة بعد ان عرفت به هذه الدول بعد توقيعه وعبر شاشات التلفزة مثلها مثل الآخرين في جمهوريات الموز.
الحكومة السعودية لا تستطيع الانخراط في حرب عدائية ضد ايران، سياسية او عسكرية، دون الدعم الامريكي الكامل، والا لما احتاجت لنصف مليون جندي لاخراج القوات العراقية من الكويت، فالمئة مليار دولار التي انفقتها لشراء طائرات حربية من واشنطن لا تؤهلها، مهما كانت متطورة، لمواجهة القوة الايرانية الجبارة، ولذلك بات لزاما عليها اتباع المثل الانكليزي الذي يقول اذا لم تستطع هزيمتهم عليك الانضمام اليهم!
***
دعوة الحج للرئيس روحاني هي بداية التراجع عن السياسات المتشنجة والعدائية السابقة، واعادة السفير السعودي الى سفارته الاضخم في طهران بعد غياب استمر اشهر هي خطوة اخرى في الاتجاه نفسه اتخدتها القيادة السعودية قبل يومين فقط، ولا نستغرب ان نرى خطوات اكبر مماثلة في الايام والاشهر القليلة المقبلة.
الجنرال محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الايراني يستطيع ان ينتقد المكالمة الهاتفية بين الرئيس روحاني ونظيره الامريكي، ويقول انه قد استطاع رفض لقاء الرئيس الامريكي وجها لوجه، كان باستطاعته رفض مهاتفته، ولكن المؤسسة الدينية السعودية الرسمية التي كانت من ابرز المحرضين ضد ايران، لا تستطيع انتقاد التقارب السعودي الايراني الموازي للتقارب الايراني الامريكي او المكمل له.
خيارات القيادة السعودية محددة اذا اصرت على الاستمرار في اشهار سيف العداء لايران، فلا توجد قوة تستطيع قطع "راس الافعى" الايرانية مصدر كل المشاكل في المنطقة حسب توصيف العاهل السعودي غير المطرقة الامريكية، ولا نعتقد ان القيادة السعودية ستلجأ الى التقارب مع اسرائيل رغم العداء المشترك بينهما لايران وخطر طموحاتها النووية.
ومن تابع خطاب السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري من على منصة الجمعية العامة للامم المتحدة ظهر امس والتصريحات التي ادلى بها قبيل هذا الخطاب، يدرك هذه الحقيقة جيدا، مثلما يدرك حقيقة التغييرات المتسارعة في المنطقة، فالسيد المعلم كان يتحدث من موقع قوة، حيث شن هجوما شرسا على السعودية وقطر وتركيا واتهمها بدعم الارهاب في بلاده، وتزويد المعارضة المسلحة ضد نظامه بالاسلحة الكيماوية، وقال ان من يريد حلا سياسيا يحب ان يتوقف عن كل الممارسات ضد سورية ويتجه بعد ذلك الى مؤتمر جنيف الثاني.
والمعلم قدم بلاده على انها ضحية الارهاب القادم من 83 دولة، واكد انه لن يذهب الى جنيف من اجل تسليم السلطة، ولن يتفاوض مع الائتلاف لانه لا يملك اي شرعية، مؤكدا ان الرئيس الاسد هو الرئيس الشرعي للبلاد حتى انتهاء فترة رئاسته منتصف العام المقبل، وانه سيترشح في الانتخابات المقبلة اذا اراد الشعب ذلك، ...فالفرق واضح جدا بين هذا الخطاب ونظيره في الدورة الماضية ومن فوق المنصة نفسها.
***
واذا كان السيد روحاني خطف الاضواء من كل نظرائه العرب، وكان نجم الدورة الحالية للجمعية العامة، فان السيد المعلم قد احرج جميع نظرائه العرب الذين اتخذوا قرارا بتجميد عضوية بلاده في جامعتهم في ذروة نشوتهم بقرب سقوط النظام السوري قبل عامين، ولا نستغرب ان يغير هذا الوضع في الاسابيع المقبلة بعد انهيار محور الممانعة العربي للنظام السوري وشرعيته، في ظل الاعتراف الامريكي غير المباشر به،..
حجيج السيد روحاني الى مكة لن يكون من اجل اداء الفريضة المقدسة فقط، وانما لاجراء مباحثات مع العاهل السعودي تحت ظلال الكعبة المشرفة، حول التطورات الجديدة في المنطقة، والملف السوري على وجه التحديد، فالسعودية عارضت اي دور ايراني سياسي في هذا الملف، واستبعدت ايران كليا من مؤتمر جنيف الاول، ورفضت المشاركة في اللجنة الرباعية التي اقترح تشكيلها الرئيس محمد مرسي من تركيا ومصر والسعودية وايران للبحث في ايجاد حل سياسي للازمة لوجود ايران فيها.
المعادلات السياسية في المنطقة تغيرت، بل انقلبت رأسا على عقب، وما كان حراما بالامس القريب، بات حلالا هذه الايام، ولا بد ان القيادة السعودية تدرك هذه الحقائق جيدا، وباتت مضطرة للتعامل على اساسها.
***
المشروع السعودي تعرض لطعنة مسمومة في الظهر من الحليف الامريكي دون ادنى شك، ولكن الطعنة الاخرى، وان كانت بسكين اصغر وسم اقل، تمثلت في احتضار الائتلاف الذي اعادت الرياض تشكيلته وفق مخططاتها، واضعفت تمثيل الاخوان المسلمين فيه، وعينت حليفها احمد الجربا على رأسه، فبعد سحب معظم الجماعات الجهادية وهي الاقوى على الارض به، واعلان الجيش الحر ان الائتلاف لا يمثله، واصرار السيد المعلم ان المعارضة الداخلية هي وحدها التي سيتفاوض معها النظام في جنيف، جرى ادخال هذا الائتلاف الى غرفة العناية المركزة.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هذه الايام هو كيفية تغيير القيادة السعودية، ومؤسساتها الدينية لادبياتها المعادية لايران والشيعة خاصة في امبراطوريتها الاعلامية الضاربة في ظل شهر العسل الذي سيبدأ قريبا مع القيادة الايرانية، .....
ننتظر الاجابة في الايام القليلة القادمة عير قناة العربية واخواتها.
المصدر :
عبدالباري عطوان
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة