دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
حتى قبل الإعلان عن تأجيل زيارة ميشال سليمان للسعودية، كان من المستغرب جداً أن يزور رئيس الجمهورية الرياض. ذلك أن كل الاعتبارات والحسابات السياسية تقود إلى استحالة حصول الخطوة في هذا التوقيت، لا بل إلى خلوصها إلى نتائج سلبية، فيما لو تمت الآن، على الأقل بالنسبة إلى المضيف.
فالسعوديون اليوم منكفئون بشكل كبير عن الملف اللبناني. لا يتابعون تفاصيله، ولا يهتمون بحيثياته وتعقيداته. مع أنهم يعتبرونه في الأصل ضمن مجالهم الحيوي ويشملونه بعباءة هيمنتهم الطموحة. لكنهم قرروا منذ إعادة قطر قطرة في بحرهم، ومنذ حلولهم محل حمد في محاولة شراء الأهرام وإنطاق أبو الهول بلسانهم، ومنذ إدخال تركيا أردوغان ـــ أوغلو في مضيق ثالث أضيق بكثير من مضيقيهما الطبيعيين ... كان السعوديون مذذاك قد قرروا فرض حلهم للأزمة اللبنانية من الخارج، لا من الداخل. بمعنى إملاء ما يريدون في بيروت، عبر حسمهم للوضع في دمشق. وبالفعل عمدوا طيلة الأشهر الماضية إلى محاولة تجسيد هذه الرؤية. فتعاملوا مع اللبنانيين، حتى حلفائهم وأصدقائهم منهم، بنوع من اللامبالاة. كأنهم يقولون لهم: نحن الآن مشغولون بإسقاط بشار. وقد أصبحنا في الأمتار الأخيرة من شوطنا في هذا المضمار. فأوقفوا شكواكم ونحيبكم وتوسلكم قليلاً، ودعونا ننجز الأساس، بعده يكون كل ما تتطلعون إليه مجرد تفصيل.
سفيرهم في بيروت، وبعد عملية تنشيط مستغربة قبل رمضان، أعيد إلى سباته الشتوي منتصف الصيف. صام أكثر من شهرين ليعود فيفطر على خطاب كاد يعيد مستوى علاقات بلاده إلى أسوأ مما كانت عليه قبل سلسلة انفتاحاته. إذ تمسك بأجوبة من نوع أن بلاده لا تتدخل في الشأن اللبناني، وأن مسألة تأليف الحكومة اللبنانية شأن داخلي لا علاقة للرياض به إطلاقاً. والأكثر طرافة، تقديره أن زيارات البعض المتكررة لبلاده، والانتظار أياماً طويلة على طريقة رجاء مواعيد القذافي ... إنما هي بحسب معلوماته، للقاء سعد الدين الحريري!
وليد جنبلاط مثلاً، لم يستقبلوه فعلياً إلا مرة واحدة. كان ذلك لحظة حاجتهم إليه من أجل تسمية تمام سلام أواخر آذار الماضي. بعد التسمية، ورغم كل الرحلات والرغبات، ورغم البهدلة التي هي بنت الحاجة... لم يستقبلوه ثانية، علماً بأن اتصال عبد الله، الحاكم السعودي، به لتعزيته بوفاة والدته، يعني وفق قاموس طلاسم تلك العائلة استعداد رأسها ورئيس دولتها لاستقبال جنبلاط لاحقاً، في سياق شكره على تعزيته. غير أن الخطوة المفترضة لا تبدو قريبة. وهي على الأقل، ستظل معلقة بمعنى الجدوى السياسية منها، وخصوصاً بعد التطورات الإقليمية الأخيرة. فزيارة كهذه، يفترض أن تتوج انضماماً رسمياً ومعلناً لزعيم المختارة إلى معسكر بندر البيروتي. وهو أمر قيل إن الكيمياء الشخصية عقدته من قبل، ثم قضت عليه تسوية الكيميائي السورية.
فريق «المستقبل» وضعه لدى السعوديين أسوأ. فهو يعتبر نفسه من أهل البيت. والحاجة إليه مفترضة أكبر. فهو رأس الحربة السعودية لمواجهة «أهل البيت» الآخر على الأقل. وهي مواجهة يفترض أن تكون أساسية ومصيرية بالنسبة إلى حاكم الرياض. ومع ذلك، لا شيء ينفع أو يشفع. في زيارة أخيرة لأركان هذا الفريق، يروى أنهم استنفدوا كل حججهم لدى الحاكم الأمني، لإقناعه بضرورة توفير الدعم لآذاريي بيروت. من دون جدوى. ما جعل هؤلاء ييأسون من الشحادة السياسية، ويتجهون إلى الشفقة الإنسانية: على الأقل، انظروا إلى المقاصد. إنها السنة الخامسة على التوالي لإهمالكم لها ولواقعها المالي المنذر بكارثة على طلابها ومعوزيها... فكان وعد بالنظر في الموضوع، نظراً غير مثمر...
في ظل هذه الخلفيات، قرر ميشال سليمان الذهاب إلى السعودية، علماً بأن استقباله كان سيعني احتمالاً من اثنين:
الأول، أن يطلبوا منه تشكيل حكومتهم اللبنانية فوراً. فإذا اعتذر، خسروا علاقتهم معه في لحظة دقيقة. فهو رئيس جمهورية الاستحقاق الرئاسي المقبل، وهو صاحب توقيع حكومة آخر العهد، وهو لاعب في احتمال الفراغ أو التمديد أو سواه من احتمالات، كلها تفرض عدم خسارة الرياض لعلاقتها مع ميشال سليمان. أما إذا وافق وشكّل لهم حكومتهم، عندها يكون وضعُ الاثنين أسوأ. ذلك أن الرياض تكون قد أعلنت حربها من بيروت على تسوية دمشق، في أسوا توقيت وظروف وموازين. إن لجهة معادلة التسوية الأميركية الروسية في سوريا، أو لجهة مناخات الانفتاح بين واشنطن وطهران. إعلان حرب كان سيزيد من خسائر الرياض، وأولاها خسارتها ورقة سليمان.
أما الاحتمال الثاني، فكان أن يبلغ السعوديون ضيفهم اللبناني موافقتهم على حكومة متوازنة. أي أن يقدموا له تنازلهم عن شروطهم السابقة. عندها ماذا يتركون من ملفات تفاوض لزيارة روحاني؟ وأي غباء أن يبيعوا الورقة اللبنانية، باكراً ومجاناً، ولشارٍ بلا رصيد؟
لا زيارة، تلك هي النتيجة الأكثر منطقية. هكذا حدّ السعوديون من خسائرهم حتى الساعة، وخسر رئيسنا حتى الساعة، فرصة... من ذهب.
المصدر :
الأخبار / جان عزيز
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة