لا زيارة رسمية لرئيس الجمهورية ميشال سليمان الى دولة الإمارات العربية المتحدة غدا.

هي سابقة في العلاقات بين قادة الدول بدأها السعوديون وأكملها الاماراتيون والنتيجة المعنوية واحدة، ولو كانت الأسباب مختلفة.

هي «إهانة» بأقل تعبير ديبلوماسي، خاصة أن طلب تأجيل الزيارة «الى وقت لاحق» من قبل رئاسة دولة الامارات، لم يقترن بتحديد الأسباب، بل أفسح المجال أمام طرح أسئلة حول حقيقة الأسباب التي جعلت ملكا ثم أميرا لا يجدان متسعا من الوقت حتى لاستقبال معنوي أو رمزي يحفظ مقام رئيس دولة لبنان؟

واذا كان ثمة من أعطى للتأجيل الاماراتي أسبابا تخفيفية مثل القول إن رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان مصاب بوعكة صحية، فان ذلك لا يبرر ألا يقوم ولي العهد بمقام رئيس الدولة، في هذه الحالة، فكيف اذا كان الاعتذار عن استقبال رئيس جمهورية لبنان غير مقترن بتحديد الســبب؟

وبمعزل عن التبرير السعودي «الصحي» غير المقنع، خاصة أن الملك عبدالله بن عبد العزيز كان يتابع نشاطه، كالمعتاد، عشية الزيارة الرئاسية اللبنانية المؤجلة (اليوم)، فان الواضح أن مجريات الانفتاح الأميركي ـ الايراني، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، أربك الخليجيين، وخاصة السعوديين الذين كانوا حددوا الموعد للرئيس سليمان قبل توجهه الى الولايات المتحدة.

تشي بذلك الحماسة السعودية للزيارة التي استتبعتها حماسة اماراتية، استوجبت جعل ابو ظبي محطة ثانية بعد الرياض، قبل أن تتكشف معطيات الخرق في جدار العلاقة بين واشنطن وطهران، فتصاب الرياض بصدمة، كان خير معبر عنها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي ما كاد يبدأ اجتماعه بالرئيس اللبناني في جناحه الرئاسي في «نيويورك بالاس»، حتى سارع للتعبير عن انفعاله المشوب بالغضب من قرار إدارة باراك أوباما ببدء حوار غير مسبوق مع طهران سيكون الأول من نوعه منذ تفجر الثورة الإيرانية.

واللافت للانتباه أن «فريق 14 آذار» وتحديدا «تيار المستقبل» بدا مصدوما بالقرار الملكي، ولم يجد بكل مستوياته تبريرا سياسيا أو ديبلوماسيا مقنعا، خاصة انه كان يعول على الزيارة الرئاسية لاعطاء زخم لقرار ميشال سليمان بتغطية توجه الرئيس المكلف تمام سلام الى تشكيل حكومة الثلاث ثمانيات.

غير أن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر. فالسعوديون كانوا يبنون على اساس أن لبنان ساحة من الساحات المحكومة بقرارهم حاليا، لكن مجريات نيويورك، وقبلها تسوية السلاح الكيميائي واستبعاد خيار الضربة العسكرية، بيّنت كلها لهم أن التعويل على الأميركيين لتعديل موازين القوى في سوريا بات صعبا، فكيف اذا صارت ايران طليقة اليدين في ساحات نفوذها الاقليمي مثل العراق ولبنان وسوريا؟

استوجب الأمر كبح أية اندفاعة سعودية غير محسوبة جيدا في أي من هذه الساحات، ولذلك كان قرار تأجيل زيارة الرئيس ميشال سليمان، وربما تراجع الحماسة السعودية لتلبية رئيس ايران الجديد الشيخ حسن روحاني دعوتها لتأدية الحج، من دون اغفال احتمال وجود علاقة بين مجريات نيويورك وما يجري من حراك في بنيان فصائل «المعارضة السورية» في شمال سوريا ومحيط دمشق، وكذلك التفجيرات التي اصابت وبشكل مفاجئ العمق الكردي في العراق.

يقود ذلك الى الاستنتاج أن السعودي لم يكن جاهزا للذهاب مع الرئيس سليمان الى حد تشجيعه على وصفة حكومية محددة، خاصة أن لكل وصفة تداعياتها المحتملة، سواء بتثبيت صيغة الثلاث ثمانيات، وما قد يسفر عنها من تداعيات قد تؤدي الى خسارة سياسية غير محسوبة جيدا، أو التخلي عنها لمصلحة الصيغة الجنبلاطية (9+9+6) التي تعني في مضمونها تراجعا لا بل هزيمة لكل منطق السعودية وحلفائها منذ التكليف حتى الآن، أو اعتماد صيغة تمام سلام (الحكومة الحيادية) التي تنصل منها رئيس الجمهورية ووليد جنبلاط.

من هنا، كان إبقاء الأمور على حالها أفضل خيار متاح في انتظار ما يجري من مساومات دولية واقليمية، فيكون لزاما على السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي أن تفاوض مع الايراني في كل الساحات، قبل أن تقدم اية التزامات لميشال سليمان او غيره.

في كل الأحوال، لم يكن بامكان ملك السعودية أن يستقبل رئيس لبنان، في غياب المسؤولين عن ملف هذا البلد العربي الصغير: بندر بن سلطان في أوروبا يحاول الاستفادة مما تبقى له من مهلة سماح غربية في الملف السوري، قبل الإقدام على خطوات على طريق «جنيف 2»، وسعود الفيصل في واشنطن يجري فحوصا طبية ويواكب أعمال الجمعية العامة المستمرة.

وكان السفير السعودي في بيروت علي عواض العسيري، قد أوضح، أمس، في بيان رسمي ان تأجيل زيارة سليمان الى المملكة «تم بناء على التشاور بين القيادتين السعودية واللبنانية، وذلك الى موعد قريب يحدد لاحقا».

قهوجي: الجيش لن يتهاون

من جهة ثانية، حضر أمن مدينة بعلبك ومنطقتها في اللقاء الذي عقد، امس، بين قائد الجيش العماد جان قهوجي ووفد قيادي من «حزب الله» اعرب عن تقديره للجهود التي يبذلها الجيش اللبناني في بعلبك ودعمه للاجراءات التي تتخذها المؤسسة العسكرية لترسيخ الامن والاستقرار فيها، مع التأكيد على إنهاء ذيول الإشكال الأخير عبر إلقاء القبض على المتسببين به وسوقهم الى العدالة.

وفي المعلومات ان قائد الجيش كان حازما في مقاربته لما جرى في بعلبك، مؤكدا ان ذلك غير مقبول على الاطلاق، «فالامن واستقرار المواطنين يبقيان الاولوية التي تلتزمها المؤسسة العسكرية، وبالتالي لن يكون هناك أي تهاون او تساهل من قبل الجيش حيال ما يمس امن المواطن، وسيعمل بطريقة متشددة وقاسية ضد المخلين»، لافتا الانتباه الى إجراءات ملموسة في الايام المقبلة.

وتناول البحث بين وفد «حزب الله» وقائد الجيش ظاهرة الخطف لقاء فدية مالية، في منطقة البقاع، وهنا، ذكّر قهوجي بما قام به الجيش لناحية توقيف العديد من الخاطفين وتحرير العديد من المخطوفين، مشيرا الى ان الجيش مستعد لتحمل مسؤولياته في حماية المواطنين وردع الخاطفين وتوفير الأمن لمنطقة البقاع وكل مناطق لبنان.

  • فريق ماسة
  • 2013-09-30
  • 10723
  • من الأرشيف

الإمارات ترجئ استقبال سليمان

لا زيارة رسمية لرئيس الجمهورية ميشال سليمان الى دولة الإمارات العربية المتحدة غدا. هي سابقة في العلاقات بين قادة الدول بدأها السعوديون وأكملها الاماراتيون والنتيجة المعنوية واحدة، ولو كانت الأسباب مختلفة. هي «إهانة» بأقل تعبير ديبلوماسي، خاصة أن طلب تأجيل الزيارة «الى وقت لاحق» من قبل رئاسة دولة الامارات، لم يقترن بتحديد الأسباب، بل أفسح المجال أمام طرح أسئلة حول حقيقة الأسباب التي جعلت ملكا ثم أميرا لا يجدان متسعا من الوقت حتى لاستقبال معنوي أو رمزي يحفظ مقام رئيس دولة لبنان؟ واذا كان ثمة من أعطى للتأجيل الاماراتي أسبابا تخفيفية مثل القول إن رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان مصاب بوعكة صحية، فان ذلك لا يبرر ألا يقوم ولي العهد بمقام رئيس الدولة، في هذه الحالة، فكيف اذا كان الاعتذار عن استقبال رئيس جمهورية لبنان غير مقترن بتحديد الســبب؟ وبمعزل عن التبرير السعودي «الصحي» غير المقنع، خاصة أن الملك عبدالله بن عبد العزيز كان يتابع نشاطه، كالمعتاد، عشية الزيارة الرئاسية اللبنانية المؤجلة (اليوم)، فان الواضح أن مجريات الانفتاح الأميركي ـ الايراني، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، أربك الخليجيين، وخاصة السعوديين الذين كانوا حددوا الموعد للرئيس سليمان قبل توجهه الى الولايات المتحدة. تشي بذلك الحماسة السعودية للزيارة التي استتبعتها حماسة اماراتية، استوجبت جعل ابو ظبي محطة ثانية بعد الرياض، قبل أن تتكشف معطيات الخرق في جدار العلاقة بين واشنطن وطهران، فتصاب الرياض بصدمة، كان خير معبر عنها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي ما كاد يبدأ اجتماعه بالرئيس اللبناني في جناحه الرئاسي في «نيويورك بالاس»، حتى سارع للتعبير عن انفعاله المشوب بالغضب من قرار إدارة باراك أوباما ببدء حوار غير مسبوق مع طهران سيكون الأول من نوعه منذ تفجر الثورة الإيرانية. واللافت للانتباه أن «فريق 14 آذار» وتحديدا «تيار المستقبل» بدا مصدوما بالقرار الملكي، ولم يجد بكل مستوياته تبريرا سياسيا أو ديبلوماسيا مقنعا، خاصة انه كان يعول على الزيارة الرئاسية لاعطاء زخم لقرار ميشال سليمان بتغطية توجه الرئيس المكلف تمام سلام الى تشكيل حكومة الثلاث ثمانيات. غير أن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر. فالسعوديون كانوا يبنون على اساس أن لبنان ساحة من الساحات المحكومة بقرارهم حاليا، لكن مجريات نيويورك، وقبلها تسوية السلاح الكيميائي واستبعاد خيار الضربة العسكرية، بيّنت كلها لهم أن التعويل على الأميركيين لتعديل موازين القوى في سوريا بات صعبا، فكيف اذا صارت ايران طليقة اليدين في ساحات نفوذها الاقليمي مثل العراق ولبنان وسوريا؟ استوجب الأمر كبح أية اندفاعة سعودية غير محسوبة جيدا في أي من هذه الساحات، ولذلك كان قرار تأجيل زيارة الرئيس ميشال سليمان، وربما تراجع الحماسة السعودية لتلبية رئيس ايران الجديد الشيخ حسن روحاني دعوتها لتأدية الحج، من دون اغفال احتمال وجود علاقة بين مجريات نيويورك وما يجري من حراك في بنيان فصائل «المعارضة السورية» في شمال سوريا ومحيط دمشق، وكذلك التفجيرات التي اصابت وبشكل مفاجئ العمق الكردي في العراق. يقود ذلك الى الاستنتاج أن السعودي لم يكن جاهزا للذهاب مع الرئيس سليمان الى حد تشجيعه على وصفة حكومية محددة، خاصة أن لكل وصفة تداعياتها المحتملة، سواء بتثبيت صيغة الثلاث ثمانيات، وما قد يسفر عنها من تداعيات قد تؤدي الى خسارة سياسية غير محسوبة جيدا، أو التخلي عنها لمصلحة الصيغة الجنبلاطية (9+9+6) التي تعني في مضمونها تراجعا لا بل هزيمة لكل منطق السعودية وحلفائها منذ التكليف حتى الآن، أو اعتماد صيغة تمام سلام (الحكومة الحيادية) التي تنصل منها رئيس الجمهورية ووليد جنبلاط. من هنا، كان إبقاء الأمور على حالها أفضل خيار متاح في انتظار ما يجري من مساومات دولية واقليمية، فيكون لزاما على السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي أن تفاوض مع الايراني في كل الساحات، قبل أن تقدم اية التزامات لميشال سليمان او غيره. في كل الأحوال، لم يكن بامكان ملك السعودية أن يستقبل رئيس لبنان، في غياب المسؤولين عن ملف هذا البلد العربي الصغير: بندر بن سلطان في أوروبا يحاول الاستفادة مما تبقى له من مهلة سماح غربية في الملف السوري، قبل الإقدام على خطوات على طريق «جنيف 2»، وسعود الفيصل في واشنطن يجري فحوصا طبية ويواكب أعمال الجمعية العامة المستمرة. وكان السفير السعودي في بيروت علي عواض العسيري، قد أوضح، أمس، في بيان رسمي ان تأجيل زيارة سليمان الى المملكة «تم بناء على التشاور بين القيادتين السعودية واللبنانية، وذلك الى موعد قريب يحدد لاحقا». قهوجي: الجيش لن يتهاون من جهة ثانية، حضر أمن مدينة بعلبك ومنطقتها في اللقاء الذي عقد، امس، بين قائد الجيش العماد جان قهوجي ووفد قيادي من «حزب الله» اعرب عن تقديره للجهود التي يبذلها الجيش اللبناني في بعلبك ودعمه للاجراءات التي تتخذها المؤسسة العسكرية لترسيخ الامن والاستقرار فيها، مع التأكيد على إنهاء ذيول الإشكال الأخير عبر إلقاء القبض على المتسببين به وسوقهم الى العدالة. وفي المعلومات ان قائد الجيش كان حازما في مقاربته لما جرى في بعلبك، مؤكدا ان ذلك غير مقبول على الاطلاق، «فالامن واستقرار المواطنين يبقيان الاولوية التي تلتزمها المؤسسة العسكرية، وبالتالي لن يكون هناك أي تهاون او تساهل من قبل الجيش حيال ما يمس امن المواطن، وسيعمل بطريقة متشددة وقاسية ضد المخلين»، لافتا الانتباه الى إجراءات ملموسة في الايام المقبلة. وتناول البحث بين وفد «حزب الله» وقائد الجيش ظاهرة الخطف لقاء فدية مالية، في منطقة البقاع، وهنا، ذكّر قهوجي بما قام به الجيش لناحية توقيف العديد من الخاطفين وتحرير العديد من المخطوفين، مشيرا الى ان الجيش مستعد لتحمل مسؤولياته في حماية المواطنين وردع الخاطفين وتوفير الأمن لمنطقة البقاع وكل مناطق لبنان.

المصدر : السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة