لم يفاجئ رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان أحدا في مضمون رزمة الإصلاحات التي أعلنها أمس. فقد خلت الرزمة من أي مفاجأة مهمة، ولم تخرج عما كان قد نشر في الأيام الأخيرة في الصحف ووسائل الإعلام.

رزمة الإصلاحات التي أعلنها اردوغان طالت العديد من العناوين الإشكالية في المجتمع التركي. وقال رئيس الحكومة التركية إن هذه الرزمة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. واعتبر أنها ستحرر تركيا من الكثير من القيود التي لا تزال تكبلها. ووصف الرزمة بأنها واقعية ومعقولة.

وقال إنه رغم التحريض الدموي فإن الحكومة لم تتراجع عن تعزيز الديموقراطية وإن الأكثر تضررا من الرزمة هم الانقلابيون العسكريون. وأضاف إن ذهنية انقلاب 27 أيار العام 1960 ضد عدنان مندريس لا تزال تشكل العقبة الأكبر أمام التغيير في تركيا.

واتهم اردوغان المعارضة بأنها تنشر الخوف وسط المجتمع من تقسيم تركيا، قائلا إنه «لا توجد قضية اسمها تقسيم تركيا بل هناك مشكلة اسمها المعارضة». ونفى أن تكون الرزمة نتيجة صفقة أو تحت الضغط بل نتيجة التجاوب مع التطلعات الديموقراطية، مضيفا انه سيحافظ على حرية نمط العيش للناس.

وقال إن قسما من الرزمة يحتاج إلى موافقة البرلمان وقسما لقرارات حكومية. وجاءت عناوين الرزمة على الشكل التالي:

[ بالنسبة لحاجز العشرة في المئة لدخول البرلمان، لم تطرح الرزمة تصورا محددا بل سيطرح على النقاش ثلاثة خيارات: الأول الإبقاء على نسبة العشرة في المئة الحالية، والثاني تخفيضها إلى خمسة في المئة مع تضييق الدائرة الانتخابية، والثالث هو إلغاء الحاجز نهائيا لكن مع اعتماد الدائرة الضيقة جدا الأقرب إلى الدائرة الفردية.

[ اعتماد الرئاسة المزدوجة للحزب الواحد، أي أن يكون للحزب رئيسان.

[ السماح للدعاية الانتخابية بكل اللغات.

[ إلغاء العقبات أمام استخدام بعض الأحرف والسماح بحرية الحرف على الكيبورد الخاص بالكومبيوتر.

[السماح في المدارس الخاصة باستخدام لغات مختلفة في دورات خاصة.

[ إزالة العقبات التي تحول دون إعادة أسماء القرى إلى ما كانت عليه قبل الثمانينيات.

[ إعطاء اسم حاجي بكتاش لجامعة نيف شهر.

[ إلغاء العقبات التي تمنح حرية الزي (الحجاب) في أي مكان بما فيها القطاع العام، باستثناء قطاع الجيش والقضاء والقوى الأمنية.

[ إلغاء القسَم الصباحي في المدارس.

[ إعادة أراضي دير مور غابرييل ليكون وقفا من جديد (خاص بالسريان).

[ تأسيس معهد لثقافة ولغة الغجر.

ويمكن إبداء الملاحظات التالية:

1 ــ لم تستجب الرزمة لأي مطلب كردي أساسي، لا لجهة حق التعلم باللغة الأم في المدارس ذات الغالبية الكردية ولا للاقتراب من أي صيغة للحكم الذاتي، ولا لتخفيف الأحكام لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. أما بالنسبة لمطلب الأكراد تخفيض حاجز العشرة في المئة في الانتخابات فإن طرح الموضوع على النقاش يعني غرقه في بحر المجادلات والتسويف. وما يمكن اعتباره تقديمات كردية مثل عدم معاقبة من يستخدم احرف w q x الموجودة في اللغة الكردية الحديثة فلا يقدم أي جديد للأكراد. ولا شك أن الأكراد سيشعرون بخيبة أمل كبيرة وإحباط شديد، ما يمكن أن ينعكس على مسار «عملية الحل» للمشكلة الكردية والعودة لانفجار الوضع العسكري بين الدولة و«حزب العمال الكردستاني». وقالت رئيسة «حزب السلام والديموقراطية» غولتان كيشاناق إن الإصلاحات التي اقترحها اردوغان بهدف معالجة مظالم الأكراد لا تصل إلى الحد المطلوب كي تدفع قدما عملية السلام مع نشطاء أكراد.

2 ــ بالنسبة للمشكلة العلوية، لم تقدم الرزمة أي شيء للعلويين لا بالنسبة للاعتراف بمراكز عبادتهم، ولا بالنسبة لدرس الدين الإجباري في المدارس. أما إطلاق اسم الزعيم الروحي للعلويين حاجي بكتاش على إحدى الجامعات كردّ على اسم إطلاق السلطان سليم الأول (المعادي للعلويين) على الجسر الثالث على مضيق البوسفور فجاء أقرب إلى الاستخفاف بالقضية منه إلى أي شيء آخر.

3 ــ من الواضح أن أردوغان كان يهدف من وراء مثل هذه الرزمة إلى كسب تأييد الفئات المحافظة في المجتمع والفئات القومية ليذهب الى الانتخابات البلدية (آذار العام 2014) والرئاسية (آب العام 2014) ومن بعدها النيابية (حزيران العام 2015) بجناحين مذهبي (سني) وقومي (تركي) بعيدا عن المخاطرة بفقدان دعم هذين الجناحين لتقديم تنازلات جوهرية للأكراد والعلويين.

4 ــ مقارنة برزم الإصلاحات السابقة فإن رزمة الإصلاح التي قدمها اردوغان أمس، كانت متواضعة جدا، فيما كان منتظرا خطوات أكثر نوعية وجذرية لانتشال تركيا من مآزقها، خصوصا في مرحلة التحول الحالية التي تشهدها المنطقة والتي تنذر ببقاء تركيا خارج اللعبة الإقليمية.

5 ــ يعكس السقف المنخفض جدا لهذه الرزمة نوعا من الترهل والخواء الفكري والعملي، بدأ يصيب «حزب العدالة والتنمية» منذ فترة، ويؤشر إلى عدم قدرة الحزب المضي قدما وبالشجاعة السابقة نفسها على طريق الإصلاح والديموقراطية الحقيقية، وهذا سيكون له ثمنه الباهظ من وحدة تركيا واستقرارها، فضلا عن طرح التساؤلات عن مستقبل الحزب خصوصا بعد أن يغادره اردوغان في العام المقبل.

  • فريق ماسة
  • 2013-09-30
  • 8971
  • من الأرشيف

«إصلاحات أردوغان»: خيبة أمل كردية وعلوية

لم يفاجئ رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان أحدا في مضمون رزمة الإصلاحات التي أعلنها أمس. فقد خلت الرزمة من أي مفاجأة مهمة، ولم تخرج عما كان قد نشر في الأيام الأخيرة في الصحف ووسائل الإعلام. رزمة الإصلاحات التي أعلنها اردوغان طالت العديد من العناوين الإشكالية في المجتمع التركي. وقال رئيس الحكومة التركية إن هذه الرزمة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. واعتبر أنها ستحرر تركيا من الكثير من القيود التي لا تزال تكبلها. ووصف الرزمة بأنها واقعية ومعقولة. وقال إنه رغم التحريض الدموي فإن الحكومة لم تتراجع عن تعزيز الديموقراطية وإن الأكثر تضررا من الرزمة هم الانقلابيون العسكريون. وأضاف إن ذهنية انقلاب 27 أيار العام 1960 ضد عدنان مندريس لا تزال تشكل العقبة الأكبر أمام التغيير في تركيا. واتهم اردوغان المعارضة بأنها تنشر الخوف وسط المجتمع من تقسيم تركيا، قائلا إنه «لا توجد قضية اسمها تقسيم تركيا بل هناك مشكلة اسمها المعارضة». ونفى أن تكون الرزمة نتيجة صفقة أو تحت الضغط بل نتيجة التجاوب مع التطلعات الديموقراطية، مضيفا انه سيحافظ على حرية نمط العيش للناس. وقال إن قسما من الرزمة يحتاج إلى موافقة البرلمان وقسما لقرارات حكومية. وجاءت عناوين الرزمة على الشكل التالي: [ بالنسبة لحاجز العشرة في المئة لدخول البرلمان، لم تطرح الرزمة تصورا محددا بل سيطرح على النقاش ثلاثة خيارات: الأول الإبقاء على نسبة العشرة في المئة الحالية، والثاني تخفيضها إلى خمسة في المئة مع تضييق الدائرة الانتخابية، والثالث هو إلغاء الحاجز نهائيا لكن مع اعتماد الدائرة الضيقة جدا الأقرب إلى الدائرة الفردية. [ اعتماد الرئاسة المزدوجة للحزب الواحد، أي أن يكون للحزب رئيسان. [ السماح للدعاية الانتخابية بكل اللغات. [ إلغاء العقبات أمام استخدام بعض الأحرف والسماح بحرية الحرف على الكيبورد الخاص بالكومبيوتر. [السماح في المدارس الخاصة باستخدام لغات مختلفة في دورات خاصة. [ إزالة العقبات التي تحول دون إعادة أسماء القرى إلى ما كانت عليه قبل الثمانينيات. [ إعطاء اسم حاجي بكتاش لجامعة نيف شهر. [ إلغاء العقبات التي تمنح حرية الزي (الحجاب) في أي مكان بما فيها القطاع العام، باستثناء قطاع الجيش والقضاء والقوى الأمنية. [ إلغاء القسَم الصباحي في المدارس. [ إعادة أراضي دير مور غابرييل ليكون وقفا من جديد (خاص بالسريان). [ تأسيس معهد لثقافة ولغة الغجر. ويمكن إبداء الملاحظات التالية: 1 ــ لم تستجب الرزمة لأي مطلب كردي أساسي، لا لجهة حق التعلم باللغة الأم في المدارس ذات الغالبية الكردية ولا للاقتراب من أي صيغة للحكم الذاتي، ولا لتخفيف الأحكام لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. أما بالنسبة لمطلب الأكراد تخفيض حاجز العشرة في المئة في الانتخابات فإن طرح الموضوع على النقاش يعني غرقه في بحر المجادلات والتسويف. وما يمكن اعتباره تقديمات كردية مثل عدم معاقبة من يستخدم احرف w q x الموجودة في اللغة الكردية الحديثة فلا يقدم أي جديد للأكراد. ولا شك أن الأكراد سيشعرون بخيبة أمل كبيرة وإحباط شديد، ما يمكن أن ينعكس على مسار «عملية الحل» للمشكلة الكردية والعودة لانفجار الوضع العسكري بين الدولة و«حزب العمال الكردستاني». وقالت رئيسة «حزب السلام والديموقراطية» غولتان كيشاناق إن الإصلاحات التي اقترحها اردوغان بهدف معالجة مظالم الأكراد لا تصل إلى الحد المطلوب كي تدفع قدما عملية السلام مع نشطاء أكراد. 2 ــ بالنسبة للمشكلة العلوية، لم تقدم الرزمة أي شيء للعلويين لا بالنسبة للاعتراف بمراكز عبادتهم، ولا بالنسبة لدرس الدين الإجباري في المدارس. أما إطلاق اسم الزعيم الروحي للعلويين حاجي بكتاش على إحدى الجامعات كردّ على اسم إطلاق السلطان سليم الأول (المعادي للعلويين) على الجسر الثالث على مضيق البوسفور فجاء أقرب إلى الاستخفاف بالقضية منه إلى أي شيء آخر. 3 ــ من الواضح أن أردوغان كان يهدف من وراء مثل هذه الرزمة إلى كسب تأييد الفئات المحافظة في المجتمع والفئات القومية ليذهب الى الانتخابات البلدية (آذار العام 2014) والرئاسية (آب العام 2014) ومن بعدها النيابية (حزيران العام 2015) بجناحين مذهبي (سني) وقومي (تركي) بعيدا عن المخاطرة بفقدان دعم هذين الجناحين لتقديم تنازلات جوهرية للأكراد والعلويين. 4 ــ مقارنة برزم الإصلاحات السابقة فإن رزمة الإصلاح التي قدمها اردوغان أمس، كانت متواضعة جدا، فيما كان منتظرا خطوات أكثر نوعية وجذرية لانتشال تركيا من مآزقها، خصوصا في مرحلة التحول الحالية التي تشهدها المنطقة والتي تنذر ببقاء تركيا خارج اللعبة الإقليمية. 5 ــ يعكس السقف المنخفض جدا لهذه الرزمة نوعا من الترهل والخواء الفكري والعملي، بدأ يصيب «حزب العدالة والتنمية» منذ فترة، ويؤشر إلى عدم قدرة الحزب المضي قدما وبالشجاعة السابقة نفسها على طريق الإصلاح والديموقراطية الحقيقية، وهذا سيكون له ثمنه الباهظ من وحدة تركيا واستقرارها، فضلا عن طرح التساؤلات عن مستقبل الحزب خصوصا بعد أن يغادره اردوغان في العام المقبل.

المصدر : السفير /محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة