سيكون القرار 2118 الذي اعتمده مجلس الامن بشأن التخلي السوري عن الاسلحة الكيماوية، علامة فارقة ومفصلية تؤشر الى التحول الذي يحصل على مسار النظام العالمي، فقرارات مجلس الامن خلال عقود ثلاثة سبقت تاريخ 27 ايلول 2013

كانت من طبيعة مختلفة كلياً عن القرار الجديد روحا واهدافا وأطر تنفيذ، فاميركا وبعد ان تفكك الاتحاد السوفياتي وضعت يدها على المنظمات والمؤسسات الدولية وفي طليعتها مجلس الامن، واتخذت منها مطية لها تنفذ عبرها سياساتها حتى جعلت مجلس الامن ملحقا بوزارة الخارجية الاميركية ينفذ قرارات البيت الابيض ولا يجرؤ من له حق الاعتراض على ممارسة الفيتو ولا يتردد احد من الاخرين في الخضوع لما تريده اميركا، وكان النموذج الفظ لقرارات تلك الفترة القرار 1559 المتعلق بلبنان الذي جاء– رغم انه تحت الفصل السادس – مخالفا لميثاق الأمم المتحدة، ينتهك سيادة لبنان وقراره المستقل ويتدخل بشؤونه الداخلية وبعلاقاته مع دولة شقيقة ثم جاء التنفيذ بشكل غريب اذ عُيِّن موظف اممي خاص للمتابعة الذي انقلب في فترة من الفترات الى ما يشبه المفوض السامي الدولي - الاميركي في لبنان.‏

اما القرار الجديد - ورغم محاولة اميركا اظهاره على أنه انتصار لها في محاولة مكشوفة مفضوحة لا يمكن ان تمر الا على بسطاء، جهلة بقواعد القانون الدولي - فانه يختلف كليا عن قرارات الفترة السابقة ويمكن ان ينظر اليه على اساس انه القرار الاول المؤشر لعودة التوازن الى مجلس الامن وعبره الى العلاقات الدولية في نظام عالمي قيد التشكل (كنا قلنا منذ سنتين أنّ نظاماً سيولد من الرحم السوري وها هو بالفعل بدأ بالظهور ومن الميدان السوري ذاته). وهنا نتوقف عند بعض المحطات الرئيسية المتعلقة بالقرار وما رافقه حتى اقراره في مجلس الامن حيث نجد :‏

1) لجهة الاشارة الى الفصل السابع : رغبت المنظومة الغربية بقيادة اميركية وتحريض خليجي ان يعتمد القرار تحت الفصل السابع لتبرير استخدام القوة العسكرية من قبل مجلس الأمن، أو اعطاء الحق لاي من اعضاء المجلس اوالامم المتحدة باللجوء الى القوة العسكرية ضد سورية وحكومتها. وكان في نية اميركا ان تناور في هذا الشأن وان تحصل على تفويض يجعل سورية اسيرة لارادتها، بشكل لا يخرجها هذا الأسر الا بعد ان تستجيب لكل الاملاءات الأميركية.‏

لكن المعادلات الجديدة في السياسة والميدان فوتت على اميركا خاصة والغرب عامة فرص النجاح في هذه المحاولة وصدر القرار تحت الفصل السادس، اي ان تنفيذه لا يكون قسريا وباللجوء الى القوة بل يكون تنفيذا اراديا يشترط موافقة الدولة المعنية التي لها ان تعقد الاتفاقات التنفيذية مع الجهات المخولة بذلك بما يحفظ مصالحها ويؤكد سيادتها.‏ولا يغير في هذا الشأن ما ورد في الفقرة 21 من القرار من تلويح باتخاذ تدابير تحت الفصل السابع بحق من لا يمتثل لهذا القرار، لان هذا التهديد الضمني بالفصل السابع غير مقتصر على الحكومة السورية اولاً كما كانت تبتغي اميركا بل انه موجه ضد اي شخص معني بتنفيذ القرار بما في ذلك الجماعات المسلحة القائمة على الارض السورية، وكذلك دول الجوار السوري التي تسهل لهذه الجماعات امتلاك ونقل الاسلحة الكيماوية.‏

ومن جهة اخرى فان العمل بالفصل السابع وما يعنيه من اللجوء الى القوة لن يكون تلقائيا، بل انه بحاجة الى قرار جديد يتخذ وفقا للاصول ويكون لكل عضو دائم في مجلس الامن ممارسة حق الفيتو عليه، وقبل الوصول الى ذلك ينبغي التحقق وتعيين المسؤول عن عدم الامتثال وتحديد اسلوب استعمال القوة وحجم التفويض وبالتالي فاننا نرى ان هذه الفقرة – التي قد يدعي الغرب انها استجابت لطموحاته - فارغة من المضمون الفعلي لان اي شأن دولي قائم أو هو في علم الغيب يمكن ان نقول بانه قد يعالج في مجلس الامن تحت الفصل السابع وبالتالي فاننا ومن وجهة نظر قانونية بحتة لا نرى للبند 21 هذا قيمة تذكر، ويبقى اثره ووزنه ذا طابع سياسي ليس أكثر.‏

وأخيراً نرى ان لهـذا النص ايجابيات لمصلحة سورية قد يحاول الغرب اغفالها، فهويقطع الطريق كليا على الجميع بما فيهم الولايات المتحدة ويمنعها من اللجوء الى القوة بمفردها ضد سورية، فاذا ادعت خرقا اوانتهاكا للقرار عليها ان تلجأ الى مجلس الامن وان تمتثل لقراره وفي هذا تأكيد للمرجعية الدولية ولمجلس استعاد التوازن، وفيه تخلٍّ عن فكرة العدوان اوالتهديد به.‏

2) لجهة المخاطبين بالقرار : منذ ان بدأ العدوان على سورية، جهدت اميركا وكل من تبعها من دول وهيئات تأتمر بأمرها، جهدت في الترويج لعدم مشروعية النظام السوري والحكومة السورية القائمة، والادعاء بان مجموعة من «نزلاء الفنادق» في الخارج هم من يمثل الشعب السوري (مجلس وطني أو ائتلاف سوري) وثابرت في سعيها الى الحد الذي دفعت فيه ما يسمى الجامعة العربية الى اعطاء مقعد سورية الى تلك المجموعة الفندقية، ثم ثابرت على تحميل الحكومة السورية مسؤولية الدم الذي يراق في سورية.‏

لكن القرار جاء ناقضا لكل هذا المشهد، فهو نصاً وروحا يتعامل مع الشرعية القائمة في سورية ويطلب العمل وابرام الاتفاقات التنفيذية معها، ثم انه يسقط النزعة الاميركية السابقة في تبرئة الجماعات المسلحة من مسؤوليات اعمالها الاجرامية، ويوازن في الخطاب بين الجميع من اشخاص وهيئات ومنظمات ودول، خاصة دول الجوار السوري ويحملها مسؤوليات تنفيذية محددة في مجال امتلاك ونقل واستعمال الاسلحة الكيماوية. وكان مهماً ورود البند 5 من القرار حيث انه «يؤكد أنه لا ينبغي لأي طرف في سورية أن يستخدم أو يطور أو ينتج أو يمتلك أو يخزن أو يحتفظ أوينقل أسلحة كيماوية» في اشارة ضمنية واضحة الى عدم تبرئة الجماعات المسلحة من هذا الامر كما كانت تروج اميركا واتباعها.‏

 

3) لجهة النصوص التي تفترض الحذر ومحاولة الانحراف في التطبيق. رغم ان القرار جاء بصيغة تمكن من القول بتوازنه ومراعاته للسيادة والصلاحية الاقليمية للدولة السورية وحكومتها القائمة الا ان هناك ملاحظات لا بد من تسجيلها والدعوة للحذر في التطبيق حتى لا يأتي التنفيذ متجاوزا لروح القرار ونصه وان تحاول اميركا التي ما زالت تملك الهيمنة والسيطرة شبه التامة على الامانة العامة للامم المتحدة وعلى الامين العام بالتحديد، تحاول ان تحرف القرار عن مساره في عملية استفزازية يبدو أن مندوب سورية تنبه لها ولذا قال «ان القرار يغطي معظم هواجس سورية» ولم يقل كلها، اما اهم هـذه الملاحظات فهي:‏

أ) مسألة اختيار الافراد والاشخاص الاممين الذين سيكلفون بمهام تنفيذية من احصاء وتفتيش وتحقق واتلاف السلاح الكيماوي. فالقرار نص على صلاحية الامين العام في اختيار هؤلاء وعلى موجب الحكومة السورية في التعاون وتمكين هؤلاء من تنفيذ مهامهم بحرية تامة. وهنا يكون ضروريا ان يضبط سلوك الامين العام في هذا الشأن ولا يقحم في المهمة من يكون سببا لعرقلتها من اجل استفزاز الحكومة السورية والخروج عن المسار المطلوب بالقرار.‏

ب) تكليف الدول الاعضاء في الامم المتحدة بالابلاغ عن ملاحظاتهم في التنفيذ اوعدم الامتثال، وهنا ينبغي التنبه الى السلوك الاسرائيلي في هذا الشأن وان يكون هناك هيئة دولية لتقييم ما يقدم للامم المتحدة من اخبارات ومزاعم حتى لا تتسبب الافتراءات بحرف القضية عن مسارها والدفع باتجاهات تعقد الامور.‏

ج) النص على «هيئة حكم انتقالي تمارس صلاحيات تنفيذية كاملة ويمكن ان تشارك فيها الحكومة والمعارضة وجماعات اخرى» وهنا يجب الانتباه الى أمرين :‏

- الأول ان الغرب قد يسعى لتطوير هذا النص باتجاه حصر مسؤولية المرحلة الانتقالية بهذه الهيئة التي سيختار أعضاءها بما يوافقه، متجاوزاً ما ورد في البنود الأخرى من القرار لجهة التأكيد على الصفة الوفاقية لتشكيل هذه الهيئة وعلى ضرورة ان يكون من ينخرط في الحل ممثلا للشعب السوري اي ان يكون سورية ذا قاعدة تمثيلية معتبرة،‏

- والثاني اعتبار هيئة الحكم التي يتحدث عنها القرار بمثابة سلطة بديلة تحل مكان السلطة الشرعية القائمة وهذا غير صحيح ولا ينطبق مع قواعد المنطق لان في تطبيقه فيما لو حصل نوعاً من الاقرار بان الجماعات المسلحة انتصرت وان دور المؤتمر هوتنظيم عملية انتقال السلطة ليس اكثر وهذا مناقض للواقع تماماً بل الحل المنطقي والواقعي يكمن في قبول الجماعات السورية المسلحة، والجماعات المعارضة غير المسلحة بان تتمثل في حكومة تشكل وفقا للدستور، وان تقوم خلال مرحلة محددة تسمى المرحلة الانتقالية بالحوار والتفاوض فيما بينها من اجل انتاج صيغ سياسية ودستورية تعرض على الشعب السوري في الاستفتاء العام ليقرر بشأنها.‏

وهنا لا بد من التأكيد على اهمية ما صدر عن وزير الخارجية وليد المعلم من توصيف لمؤتمر جنيف بأنه مكان للحوار والبحث عن صيغ الخروج من الازمة وليس مكاناً لتسليم السلطة الى جماعات لا يعلم احد مدى تمثيلها للشعب السوري أو استقلاله في القرار، فالشعب السوري وحده من يقرر من يحكمه ولن يقبل ان يفرض عليه حاكم من اي جهة جاء هذا الفرض.‏

وفي الخلاصة ورغم هذه الملاحظات التي تستدعي الحذر، يبقى ان نؤكد نظرتنا بأن القرار 2118 شكل اول ثمار انتصار سورية في دفاعها ضد العدوان الكوني، انتصار اعاد التوازن الى مجلس الامن وهو أول الغيث في نظام عالمي جديد مبني على التوازن بين المجموعات والاقطاب المتعددة ، والحذر يبقى مطلوبا في التنفيذ لان الفريق الذي اضطر الى التراجع وابتلاع الفشل لن يتخلى عن المناورة ومحاولة اقتناص الفرص من اجل الاخلال بهذا التوازن فتبقى الحيطة أمراً واجباً للمحافظة على المكتسبات المتحققة نتيجة الصمود السوري في المواجهة الدفاعية التي مكنت من الوصول الى هذا التوازن وحفظ سورية في موقعها سيدة موحدة، اكد القرار عليها.‏

  • فريق ماسة
  • 2013-09-28
  • 11801
  • من الأرشيف

القرار 2118 أول قرار في ظل نظام عالمي جديد؟ ولكن..؟

سيكون القرار 2118 الذي اعتمده مجلس الامن بشأن التخلي السوري عن الاسلحة الكيماوية، علامة فارقة ومفصلية تؤشر الى التحول الذي يحصل على مسار النظام العالمي، فقرارات مجلس الامن خلال عقود ثلاثة سبقت تاريخ 27 ايلول 2013 كانت من طبيعة مختلفة كلياً عن القرار الجديد روحا واهدافا وأطر تنفيذ، فاميركا وبعد ان تفكك الاتحاد السوفياتي وضعت يدها على المنظمات والمؤسسات الدولية وفي طليعتها مجلس الامن، واتخذت منها مطية لها تنفذ عبرها سياساتها حتى جعلت مجلس الامن ملحقا بوزارة الخارجية الاميركية ينفذ قرارات البيت الابيض ولا يجرؤ من له حق الاعتراض على ممارسة الفيتو ولا يتردد احد من الاخرين في الخضوع لما تريده اميركا، وكان النموذج الفظ لقرارات تلك الفترة القرار 1559 المتعلق بلبنان الذي جاء– رغم انه تحت الفصل السادس – مخالفا لميثاق الأمم المتحدة، ينتهك سيادة لبنان وقراره المستقل ويتدخل بشؤونه الداخلية وبعلاقاته مع دولة شقيقة ثم جاء التنفيذ بشكل غريب اذ عُيِّن موظف اممي خاص للمتابعة الذي انقلب في فترة من الفترات الى ما يشبه المفوض السامي الدولي - الاميركي في لبنان.‏ اما القرار الجديد - ورغم محاولة اميركا اظهاره على أنه انتصار لها في محاولة مكشوفة مفضوحة لا يمكن ان تمر الا على بسطاء، جهلة بقواعد القانون الدولي - فانه يختلف كليا عن قرارات الفترة السابقة ويمكن ان ينظر اليه على اساس انه القرار الاول المؤشر لعودة التوازن الى مجلس الامن وعبره الى العلاقات الدولية في نظام عالمي قيد التشكل (كنا قلنا منذ سنتين أنّ نظاماً سيولد من الرحم السوري وها هو بالفعل بدأ بالظهور ومن الميدان السوري ذاته). وهنا نتوقف عند بعض المحطات الرئيسية المتعلقة بالقرار وما رافقه حتى اقراره في مجلس الامن حيث نجد :‏ 1) لجهة الاشارة الى الفصل السابع : رغبت المنظومة الغربية بقيادة اميركية وتحريض خليجي ان يعتمد القرار تحت الفصل السابع لتبرير استخدام القوة العسكرية من قبل مجلس الأمن، أو اعطاء الحق لاي من اعضاء المجلس اوالامم المتحدة باللجوء الى القوة العسكرية ضد سورية وحكومتها. وكان في نية اميركا ان تناور في هذا الشأن وان تحصل على تفويض يجعل سورية اسيرة لارادتها، بشكل لا يخرجها هذا الأسر الا بعد ان تستجيب لكل الاملاءات الأميركية.‏ لكن المعادلات الجديدة في السياسة والميدان فوتت على اميركا خاصة والغرب عامة فرص النجاح في هذه المحاولة وصدر القرار تحت الفصل السادس، اي ان تنفيذه لا يكون قسريا وباللجوء الى القوة بل يكون تنفيذا اراديا يشترط موافقة الدولة المعنية التي لها ان تعقد الاتفاقات التنفيذية مع الجهات المخولة بذلك بما يحفظ مصالحها ويؤكد سيادتها.‏ولا يغير في هذا الشأن ما ورد في الفقرة 21 من القرار من تلويح باتخاذ تدابير تحت الفصل السابع بحق من لا يمتثل لهذا القرار، لان هذا التهديد الضمني بالفصل السابع غير مقتصر على الحكومة السورية اولاً كما كانت تبتغي اميركا بل انه موجه ضد اي شخص معني بتنفيذ القرار بما في ذلك الجماعات المسلحة القائمة على الارض السورية، وكذلك دول الجوار السوري التي تسهل لهذه الجماعات امتلاك ونقل الاسلحة الكيماوية.‏ ومن جهة اخرى فان العمل بالفصل السابع وما يعنيه من اللجوء الى القوة لن يكون تلقائيا، بل انه بحاجة الى قرار جديد يتخذ وفقا للاصول ويكون لكل عضو دائم في مجلس الامن ممارسة حق الفيتو عليه، وقبل الوصول الى ذلك ينبغي التحقق وتعيين المسؤول عن عدم الامتثال وتحديد اسلوب استعمال القوة وحجم التفويض وبالتالي فاننا نرى ان هذه الفقرة – التي قد يدعي الغرب انها استجابت لطموحاته - فارغة من المضمون الفعلي لان اي شأن دولي قائم أو هو في علم الغيب يمكن ان نقول بانه قد يعالج في مجلس الامن تحت الفصل السابع وبالتالي فاننا ومن وجهة نظر قانونية بحتة لا نرى للبند 21 هذا قيمة تذكر، ويبقى اثره ووزنه ذا طابع سياسي ليس أكثر.‏ وأخيراً نرى ان لهـذا النص ايجابيات لمصلحة سورية قد يحاول الغرب اغفالها، فهويقطع الطريق كليا على الجميع بما فيهم الولايات المتحدة ويمنعها من اللجوء الى القوة بمفردها ضد سورية، فاذا ادعت خرقا اوانتهاكا للقرار عليها ان تلجأ الى مجلس الامن وان تمتثل لقراره وفي هذا تأكيد للمرجعية الدولية ولمجلس استعاد التوازن، وفيه تخلٍّ عن فكرة العدوان اوالتهديد به.‏ 2) لجهة المخاطبين بالقرار : منذ ان بدأ العدوان على سورية، جهدت اميركا وكل من تبعها من دول وهيئات تأتمر بأمرها، جهدت في الترويج لعدم مشروعية النظام السوري والحكومة السورية القائمة، والادعاء بان مجموعة من «نزلاء الفنادق» في الخارج هم من يمثل الشعب السوري (مجلس وطني أو ائتلاف سوري) وثابرت في سعيها الى الحد الذي دفعت فيه ما يسمى الجامعة العربية الى اعطاء مقعد سورية الى تلك المجموعة الفندقية، ثم ثابرت على تحميل الحكومة السورية مسؤولية الدم الذي يراق في سورية.‏ لكن القرار جاء ناقضا لكل هذا المشهد، فهو نصاً وروحا يتعامل مع الشرعية القائمة في سورية ويطلب العمل وابرام الاتفاقات التنفيذية معها، ثم انه يسقط النزعة الاميركية السابقة في تبرئة الجماعات المسلحة من مسؤوليات اعمالها الاجرامية، ويوازن في الخطاب بين الجميع من اشخاص وهيئات ومنظمات ودول، خاصة دول الجوار السوري ويحملها مسؤوليات تنفيذية محددة في مجال امتلاك ونقل واستعمال الاسلحة الكيماوية. وكان مهماً ورود البند 5 من القرار حيث انه «يؤكد أنه لا ينبغي لأي طرف في سورية أن يستخدم أو يطور أو ينتج أو يمتلك أو يخزن أو يحتفظ أوينقل أسلحة كيماوية» في اشارة ضمنية واضحة الى عدم تبرئة الجماعات المسلحة من هذا الامر كما كانت تروج اميركا واتباعها.‏   3) لجهة النصوص التي تفترض الحذر ومحاولة الانحراف في التطبيق. رغم ان القرار جاء بصيغة تمكن من القول بتوازنه ومراعاته للسيادة والصلاحية الاقليمية للدولة السورية وحكومتها القائمة الا ان هناك ملاحظات لا بد من تسجيلها والدعوة للحذر في التطبيق حتى لا يأتي التنفيذ متجاوزا لروح القرار ونصه وان تحاول اميركا التي ما زالت تملك الهيمنة والسيطرة شبه التامة على الامانة العامة للامم المتحدة وعلى الامين العام بالتحديد، تحاول ان تحرف القرار عن مساره في عملية استفزازية يبدو أن مندوب سورية تنبه لها ولذا قال «ان القرار يغطي معظم هواجس سورية» ولم يقل كلها، اما اهم هـذه الملاحظات فهي:‏ أ) مسألة اختيار الافراد والاشخاص الاممين الذين سيكلفون بمهام تنفيذية من احصاء وتفتيش وتحقق واتلاف السلاح الكيماوي. فالقرار نص على صلاحية الامين العام في اختيار هؤلاء وعلى موجب الحكومة السورية في التعاون وتمكين هؤلاء من تنفيذ مهامهم بحرية تامة. وهنا يكون ضروريا ان يضبط سلوك الامين العام في هذا الشأن ولا يقحم في المهمة من يكون سببا لعرقلتها من اجل استفزاز الحكومة السورية والخروج عن المسار المطلوب بالقرار.‏ ب) تكليف الدول الاعضاء في الامم المتحدة بالابلاغ عن ملاحظاتهم في التنفيذ اوعدم الامتثال، وهنا ينبغي التنبه الى السلوك الاسرائيلي في هذا الشأن وان يكون هناك هيئة دولية لتقييم ما يقدم للامم المتحدة من اخبارات ومزاعم حتى لا تتسبب الافتراءات بحرف القضية عن مسارها والدفع باتجاهات تعقد الامور.‏ ج) النص على «هيئة حكم انتقالي تمارس صلاحيات تنفيذية كاملة ويمكن ان تشارك فيها الحكومة والمعارضة وجماعات اخرى» وهنا يجب الانتباه الى أمرين :‏ - الأول ان الغرب قد يسعى لتطوير هذا النص باتجاه حصر مسؤولية المرحلة الانتقالية بهذه الهيئة التي سيختار أعضاءها بما يوافقه، متجاوزاً ما ورد في البنود الأخرى من القرار لجهة التأكيد على الصفة الوفاقية لتشكيل هذه الهيئة وعلى ضرورة ان يكون من ينخرط في الحل ممثلا للشعب السوري اي ان يكون سورية ذا قاعدة تمثيلية معتبرة،‏ - والثاني اعتبار هيئة الحكم التي يتحدث عنها القرار بمثابة سلطة بديلة تحل مكان السلطة الشرعية القائمة وهذا غير صحيح ولا ينطبق مع قواعد المنطق لان في تطبيقه فيما لو حصل نوعاً من الاقرار بان الجماعات المسلحة انتصرت وان دور المؤتمر هوتنظيم عملية انتقال السلطة ليس اكثر وهذا مناقض للواقع تماماً بل الحل المنطقي والواقعي يكمن في قبول الجماعات السورية المسلحة، والجماعات المعارضة غير المسلحة بان تتمثل في حكومة تشكل وفقا للدستور، وان تقوم خلال مرحلة محددة تسمى المرحلة الانتقالية بالحوار والتفاوض فيما بينها من اجل انتاج صيغ سياسية ودستورية تعرض على الشعب السوري في الاستفتاء العام ليقرر بشأنها.‏ وهنا لا بد من التأكيد على اهمية ما صدر عن وزير الخارجية وليد المعلم من توصيف لمؤتمر جنيف بأنه مكان للحوار والبحث عن صيغ الخروج من الازمة وليس مكاناً لتسليم السلطة الى جماعات لا يعلم احد مدى تمثيلها للشعب السوري أو استقلاله في القرار، فالشعب السوري وحده من يقرر من يحكمه ولن يقبل ان يفرض عليه حاكم من اي جهة جاء هذا الفرض.‏ وفي الخلاصة ورغم هذه الملاحظات التي تستدعي الحذر، يبقى ان نؤكد نظرتنا بأن القرار 2118 شكل اول ثمار انتصار سورية في دفاعها ضد العدوان الكوني، انتصار اعاد التوازن الى مجلس الامن وهو أول الغيث في نظام عالمي جديد مبني على التوازن بين المجموعات والاقطاب المتعددة ، والحذر يبقى مطلوبا في التنفيذ لان الفريق الذي اضطر الى التراجع وابتلاع الفشل لن يتخلى عن المناورة ومحاولة اقتناص الفرص من اجل الاخلال بهذا التوازن فتبقى الحيطة أمراً واجباً للمحافظة على المكتسبات المتحققة نتيجة الصمود السوري في المواجهة الدفاعية التي مكنت من الوصول الى هذا التوازن وحفظ سورية في موقعها سيدة موحدة، اكد القرار عليها.‏

المصدر : الثورة/د.أمين محمد حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة