دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
قبل أسبوعين كان كل أعداء سورية من لبنانيين وعرب وسوريين يتحضّرون لـ"إعلان الانتصار"، وأذاع فؤاد السنيورة بيانه أو ما أُطلق عليه "نداء إلى اللبنانيين"، ومختصره "قرب ساعة الحقيقة"..
كانوا كلهم ينظرون إلى ساعاتهم، متوقعين العدوان الأميركي على الشام بين الخميس والجمعة، واختلافهم الوحيد كان حول ساعة الصفر لبدء غارات طيران "الشبح" الأميركي وسقوط صواريخ "توماهوك" و"كروز"، وبعض مَن غالبهم النعاس كانوا قد ضبطوا ساعاتهم أو هواتفهم على توقيت محدد، ليباشروا بهتافاتهم وزغرداتهم قبل غيرهم، وربما قبل العدو الصهيوني، حينما يرمي الأميركي حمم موته على جبل قاسيون، أو على ميسلون، وربما على قبر صلاح الدين أو خالد بن الوليد.
يومها كتبت "الثبات" عن هؤلاء الذين "يعومون على شبر ماء أميركي"، والذين ستُصدم رؤوسهم بالجدران، وعيونهم بالفراغ، وستصاب آذانهم بطنين أو ضجيج لهاثهم حينما سيكتشفون أن العدوان ليس قريباً.
لكن ما الحيلة إذا كان جمع كبير من أعداء سورية يؤمن بمقولة الدكتور ايدر؛ رئيس اللجنة الصهيونية في أربعينيات القرن الماضي بأن "أهداف الصهيونية هي إبادة العرب جميعاً"، أو إذا كان هؤلاء يقتنعون بنبوءت بني إسرائيل الجدد، حيث يقول موشيه دايان بعد حرب حزيران 1967: "لقد استولينا على أورشليم، ونحن لنا في يثرب، وفي طريقنا إلى بابل".
ببساطة، كل هؤلاء اكتشفوا بأن اندفاعة العدوان الأميركي على سورية وصلت إلى طريق مسدود أو ما يشبهه، خصوصاً أن باراك أوباما - على حد وصف أحد المعلّقين الأميركيين – "تحوّل من امبراطور إلى شيخ قبيلة أفريقية خرج من الأدغال، فصار يهرب من طفولته كما يحاول الهروب من لونه".
كما تشير المعلومات، فإن حركة كانت تدور في كواليس البنتاغون وتلة الكابيتول (وزارة الخارجية)، حيث كان تيار يرى عُقداً وصعوبات تعترض تصعيد لهجة سيد البيت الأبيض، الذي حاول ويحاول الخروج من مأزقه الذي وضع نفسه فيه باللجوء إلى الكونغرس ومجلس الشيوخ.
وعلى طريقة بيكر - هاميلتون اللذين التقيا جورج بوش الابن، وكانا يعملان لمعالجة المأزق الذي وصلت إليه أميركا في العراق، فكان أن صرخ بوش الصغير: "إنكم تقترحان عليّ إعلان الهزيمة".. فلم يكن أمام هذا الثنائي المعروف سوى تطمين مهووس البيت البيض آنئذ: "إن الهزيمة هي الخيار الأهم لتحسين الأداء، ولبداية مرحلة ونهوض جديديْن".
شيء من هذا كان بعض من يعملون في الكواليس يعرضونه على باراك أوباما، لكن كان المطلوب المخرج اللائق لـ"الإمبراطور" الأسود في البيت الأبيض، الذي تحيط به ذئاب شريرة على شاكلة جون كيري وسوزان رايس.
الاستشعار عن بُعد بواقع البيت الأبيض أحس به الذئب الإنكليزي، فكان "المخرج" بتصويت مجلس العموم، بعد أن كانت سبحة انسحاب حلفاء واشنطن من العدوان تكرّ؛ من إيطاليا إلى المانيا إلى غيرهما من بلدان القارة العجوز، خصوصاً أن هؤلاء عرفوا واختبروا أن جون كيري يناور وينافق، حتى إذا ما أعلن قيصر الكرملين بصريح العبارة أن "جون كيري كذاب"، جاءهم الفرج، فانفضّ حلفاء أميركا عنها ليبقى معه فقط ذاك الشخص الأبله في الإليزيه فرنسوا هولاند، المحاط أيضاً بشرذمة من الذئاب اليهودية والماسونية.
ووفقاً للمعلومات، فإن فكرة الرقابة الدولية على الترسانة الكيماوية السورية تمّ تداولها بشكل غير رسمي منذ نحو أربعين يوماً، وجرت مناقشة الاقتراح الروسي مع القيادة السورية.
الروسي كان يعرف جيداً المأزق الذي غرقت فيه الولايات المتحدة، لكن كيف لها أن تتراجع وهي التي قبضت ثمناً كبيراً من "حلفائها العرب"، خصوصاً من السعودي والقطري والإماراتي، لقاء تصاعد تهديداتها التي وصلت إلى الإعلان عن العدوان الوشيك على الشام؟ بيد أن واشنطن كانت تدرك تماماً أن ثمن المواجهة العسكرية هذه المرة سيكون باهظاً جداً، وآثارها ستمتد إلى مسافات بعيدة، فلم يكن من بدّ من اللجوء إلى موسكو – مهما طال السفر – التي وفّرت هذا الإخراج – بالاتفاق مع الحليف السوري – منعاً لإحراج الإمبراطورية الجريحة.
أمام التطورات الأخيرة ثمة من يرى في واشنطن أن جبلاً من الجليد سقط على الرؤوس الحامية في واشنطن، علماً أن ذلك لا يعني أن الحل النهائي بات قاب قوسين، ذلك لأن العروض ووضع الحلول عادة تأخذ وقتاً طويلاً، وبالتالي على هذه الطريق لا بد أن هناك من سيدفع الثمن.
في أميركا، الأمثلة حاضرة: في العام 1982، في اندفاعة قوات الاحتلال الصهيوني بغزو لبنان، بتغطية كاملة من وزير الخارجية الأميركية آنئذ الجنرال الكسندر هيغ، الذي تجاوز كل الحدود، فكان عليه أن يستقيل من منصبه، والتي أعقبتها استقالة وزير الدفاع وينبرغر، بعد الضربات التي وُجِّهت إلى القوات الأميركية والفرنسية التي كانت مرابطة في بيروت في إطار القوات المتعددة الجنسية.
في الحرب على العراق عام 2003، كان الثمن استقالة وزير الخارجية أيضاً الجنرال كولن باول، بسبب كذبة، ثم استقالة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، بسبب الموت الذي لاحق الجنود الأميركيين وفظائعه في بلاد الرادفين.
عربياً، ثمة من سيدفع الثمن، فقد أصيب معسكر العدوان والحروب على سورية بنكسة كبيرة وبصدمة مدوّية، فالخاسر يبدو واضحاً؛ تحالف بندر – سعود الفيصل آل سعود، وامتدادهما الخليجي – التركي، وتوابعهم من اللبنانيين..
لكن السؤال: هل من يعتبر؟
قد يكون ما قاله القائد العربي الراحل جمال عبد الناصر حاضراً اليوم: "اللهم أعطنا القوة لندرك أن الخائفين لا يصنعون الحرية، والضعفاء لا يخلقون الكرامة".
المصدر :
الثبات/أحمد زين الدين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة