تتزايد التقديرات في إسرائيل بأن أداء الولايات المتحدة إزاء سورية يحشر إسرائيل في زاوية السعي للعمل المنفرد تجاه إيران. وإذا كان المبعوث الأميركي السابق دينيس روس قد عبر عن ذلك تحليلاً، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه موشي يعلون يتحدثان عن ذلك تقريراً. فقد أعلن نتنياهو أن القاعدة التي توجه عمله كرئيس حكومة هي: «إن لم أكن لنفسي، فمن لي. إن لم نكن لأنفسنا، فلا أحد لنا».

ونقلت صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من حكومة نتنياهو أنه منذ فاجأ الرئيس الأميركي باراك اوباما العالم بطلب إذن الكونغرس لمهاجمة سورية، تفاقمت في القيادة السياسية الإسرائيلية مخاوف من المساس بمكانة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، ومن آثار السلوك حيال روسيا وسورية في كل ما يتعلق بالمشروع النووي الايراني. وبقيت هذه المخاوف طي الكتمان إلى أن ألمح نتنياهو بشكل شبه صريح إلى استياء إسرائيل من التردد الأميركي إزاء سورية.

وأشارت «معاريف» في خبرها الرئيسي إلى أن إسرائيل عادت من جديد لوضع أمر الهجوم العسكري المنفرد على إيران على رأس جدول أعمالها. وشددت على أن خطاب نتنياهو أمام البحارة أمس الأول على خلفية التراجع الأميركي عن مهاجمة سورية كان أبرز تلميح إلى ذلك. فقد أعلن نتنياهو أنه «خصوصاً في هذه الأيام تسري أكثر من أي وقت مضى القاعدة التي توجهني أساساً في عملي كرئيس للحكومة، وأحرص جداً عليها: إن لم أكن لنفسي فمن لي؟ وإن لم نكن لأنفسنا، فلا أحد لنا». وأضاف في إشارة لافتة إلى أن «الرسالة التي تتلقاها سورية تستوعب جيداً في إيران»، وأن «علينا الاعتماد على أنفسنا، على قوتنا وعلى قدرتنا الردعية».

ووجد كلام نتنياهو الدعم من موشي يعلون، الذي وسع الإطار ولم يحصره بالجبهة السورية والإيرانية فقط، بل أدرج فيه الوضع في مصر أيضاً. وبعدما انتقد «العالم

الحر» على طريقة معالجته للشأن الكيميائي في سوريا، قال «نحن نتابع المجريات والتطورات بمسؤولية وتفكر، وانطلاقاً من الاعتراف بأنه في نهاية اليوم علينا أن نعتمد على أنفسنا، على قوتنا وعلى قدرتنا الردعية». وأضاف أن «كل ما هو معروف لنا هو أننا نعيش في واقع بات انعدام الاستقرار فيه هو الأمر المستقر الوحيد، وعلينا أن نحرص على مواصلة توجيه السفينة بأياد مستقرة وواثقة في المياه العاصفة للشرق الاوسط».

ولا يعود القلق الإسرائيلي فقط إلى الأداء الأميركي، وإنما أيضاً إلى التصرفات الروسية في مواجهة أميركا، والتي وصلت مؤخراً حد الحديث عن إعادة التداول في صفقة عسكرية كانت قد جمدت. والحديث يدور، وفق الصحف الروسية عن صفقة بيع صواريخ «إس 300» كانت قد وقعت في العام 2007، وجمدت بضغط أميركي وإسرائيلي. ويبدو أن روسيا معنية اليوم ببيع إيران صواريخ أقل تقدماً، وأقصر مدى من صواريخ «إس 300»، لكنها في كل الأحوال صواريخ فعالة وتخدم الأمن والدفاع الإيراني جيداً.

وقد تعاظم القلق الإسرائيلي من روسيا أيضاً بسبب استمرار الدعم التقني الروسي للمشروع النووي الإيراني والغطاء السياسي الذي توفره روسيا لإيران في المحافل الدولية. ولا يقل أهمية عن ذلك التنسيق الذي بدا بين مواقف الدولتين بشأن المبادرة الروسية لنزع السلاح الكيميائي السوري، والذي ربما لولاه ما كان لمثل هذه المبادرة أن تظهر. وزاد الطين بلة لدى إسرائيل خطاب أوباما التصالحي نوعاً ما تجاه إيران وتقليص العقوبات في بعض الجوانب الصحية والطارئة على إيران.

ومن الجائز أن التعبير الأفضل عن استياء إسرائيل من أداء أوباما إزاء سوريا ذاك الذي عبر عنه الخبير في الشؤون الأميركية البروفيسور أبراهام بن تسفي في «إسرائيل اليوم». وبعدما عدد مثالب أوباما، أشار إلى خطابه الأخير قائلاً إنه «على هذه الخلفية بدت أقوال اوباما الحازمة جوفاء بصورة خاصة، وكشفت مرة أخرى عن الافلاس المطلق للسياسة الخارجية الأميركية تحت إمرته، لأن الخيار العسكري قد جُمد الآن. ويحدث عندنا انطباع أن البيت الابيض لم ينجح في ردم الهوة بين مكانة الولايات المتحدة المهيمنة (والمسؤولية المشتقة من هذه المكانة بالنسبة لأمن المجتمع الدولي ورفاهه، ولا سيما في مواجهة الفظاعة الكيميائية في دمشق التي وصفها بتفصيل يثير القشعريرة)، وبين طموحه الأساسي الذي عبر عنه في خطبته في ألا يكون شرطي العالم».

وكتب آرييه شافيت في «هآرتس» أن «سوريا ليست من ورائنا حتى الآن، ولسنا نعلم ماذا سيحدث في دمشق، وماذا سيحدث في واشنطن، وماذا سيحدث في الأمم المتحدة. ولكن ايران هي التي تقف أمامنا، فإذا تعلم اوباما وبوتين والمجتمع الدولي الدرس من مواجهة الشيطان السوري الأصغر، فإنهم يستطيعون مواجهة الشيطان الايراني الأكبر أيضاً. ولكن يُحتاج لأجل ذلك أن يكف بوتين عن التحدي، ويجب على أوباما أن يسلك سلوك كينيدي (الرئيس الأسبق جون كينيدي) لا كارتر (الرئيس الأسبق جيمي كارتر) لأن الجمع فقط بين الضغط العسكري والمبادرة السياسية يمكن أن يجعل (المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي) خامنئي يتخلى عن حلم سلاح الإبادة الجماعية. ومهما تكن المعضلة السورية صعبة، فإن المعضلة الايرانية أصعب بأضعاف، فمن الواجب مواجهة هذين الجانبين بصورة خلاقة وشجاعة وموزونة».

 

  • فريق ماسة
  • 2013-09-12
  • 7687
  • من الأرشيف

إسرائيل وخيبتها السورية: القلق من إيران .. وروسيا!

تتزايد التقديرات في إسرائيل بأن أداء الولايات المتحدة إزاء سورية يحشر إسرائيل في زاوية السعي للعمل المنفرد تجاه إيران. وإذا كان المبعوث الأميركي السابق دينيس روس قد عبر عن ذلك تحليلاً، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه موشي يعلون يتحدثان عن ذلك تقريراً. فقد أعلن نتنياهو أن القاعدة التي توجه عمله كرئيس حكومة هي: «إن لم أكن لنفسي، فمن لي. إن لم نكن لأنفسنا، فلا أحد لنا». ونقلت صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من حكومة نتنياهو أنه منذ فاجأ الرئيس الأميركي باراك اوباما العالم بطلب إذن الكونغرس لمهاجمة سورية، تفاقمت في القيادة السياسية الإسرائيلية مخاوف من المساس بمكانة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، ومن آثار السلوك حيال روسيا وسورية في كل ما يتعلق بالمشروع النووي الايراني. وبقيت هذه المخاوف طي الكتمان إلى أن ألمح نتنياهو بشكل شبه صريح إلى استياء إسرائيل من التردد الأميركي إزاء سورية. وأشارت «معاريف» في خبرها الرئيسي إلى أن إسرائيل عادت من جديد لوضع أمر الهجوم العسكري المنفرد على إيران على رأس جدول أعمالها. وشددت على أن خطاب نتنياهو أمام البحارة أمس الأول على خلفية التراجع الأميركي عن مهاجمة سورية كان أبرز تلميح إلى ذلك. فقد أعلن نتنياهو أنه «خصوصاً في هذه الأيام تسري أكثر من أي وقت مضى القاعدة التي توجهني أساساً في عملي كرئيس للحكومة، وأحرص جداً عليها: إن لم أكن لنفسي فمن لي؟ وإن لم نكن لأنفسنا، فلا أحد لنا». وأضاف في إشارة لافتة إلى أن «الرسالة التي تتلقاها سورية تستوعب جيداً في إيران»، وأن «علينا الاعتماد على أنفسنا، على قوتنا وعلى قدرتنا الردعية». ووجد كلام نتنياهو الدعم من موشي يعلون، الذي وسع الإطار ولم يحصره بالجبهة السورية والإيرانية فقط، بل أدرج فيه الوضع في مصر أيضاً. وبعدما انتقد «العالم الحر» على طريقة معالجته للشأن الكيميائي في سوريا، قال «نحن نتابع المجريات والتطورات بمسؤولية وتفكر، وانطلاقاً من الاعتراف بأنه في نهاية اليوم علينا أن نعتمد على أنفسنا، على قوتنا وعلى قدرتنا الردعية». وأضاف أن «كل ما هو معروف لنا هو أننا نعيش في واقع بات انعدام الاستقرار فيه هو الأمر المستقر الوحيد، وعلينا أن نحرص على مواصلة توجيه السفينة بأياد مستقرة وواثقة في المياه العاصفة للشرق الاوسط». ولا يعود القلق الإسرائيلي فقط إلى الأداء الأميركي، وإنما أيضاً إلى التصرفات الروسية في مواجهة أميركا، والتي وصلت مؤخراً حد الحديث عن إعادة التداول في صفقة عسكرية كانت قد جمدت. والحديث يدور، وفق الصحف الروسية عن صفقة بيع صواريخ «إس 300» كانت قد وقعت في العام 2007، وجمدت بضغط أميركي وإسرائيلي. ويبدو أن روسيا معنية اليوم ببيع إيران صواريخ أقل تقدماً، وأقصر مدى من صواريخ «إس 300»، لكنها في كل الأحوال صواريخ فعالة وتخدم الأمن والدفاع الإيراني جيداً. وقد تعاظم القلق الإسرائيلي من روسيا أيضاً بسبب استمرار الدعم التقني الروسي للمشروع النووي الإيراني والغطاء السياسي الذي توفره روسيا لإيران في المحافل الدولية. ولا يقل أهمية عن ذلك التنسيق الذي بدا بين مواقف الدولتين بشأن المبادرة الروسية لنزع السلاح الكيميائي السوري، والذي ربما لولاه ما كان لمثل هذه المبادرة أن تظهر. وزاد الطين بلة لدى إسرائيل خطاب أوباما التصالحي نوعاً ما تجاه إيران وتقليص العقوبات في بعض الجوانب الصحية والطارئة على إيران. ومن الجائز أن التعبير الأفضل عن استياء إسرائيل من أداء أوباما إزاء سوريا ذاك الذي عبر عنه الخبير في الشؤون الأميركية البروفيسور أبراهام بن تسفي في «إسرائيل اليوم». وبعدما عدد مثالب أوباما، أشار إلى خطابه الأخير قائلاً إنه «على هذه الخلفية بدت أقوال اوباما الحازمة جوفاء بصورة خاصة، وكشفت مرة أخرى عن الافلاس المطلق للسياسة الخارجية الأميركية تحت إمرته، لأن الخيار العسكري قد جُمد الآن. ويحدث عندنا انطباع أن البيت الابيض لم ينجح في ردم الهوة بين مكانة الولايات المتحدة المهيمنة (والمسؤولية المشتقة من هذه المكانة بالنسبة لأمن المجتمع الدولي ورفاهه، ولا سيما في مواجهة الفظاعة الكيميائية في دمشق التي وصفها بتفصيل يثير القشعريرة)، وبين طموحه الأساسي الذي عبر عنه في خطبته في ألا يكون شرطي العالم». وكتب آرييه شافيت في «هآرتس» أن «سوريا ليست من ورائنا حتى الآن، ولسنا نعلم ماذا سيحدث في دمشق، وماذا سيحدث في واشنطن، وماذا سيحدث في الأمم المتحدة. ولكن ايران هي التي تقف أمامنا، فإذا تعلم اوباما وبوتين والمجتمع الدولي الدرس من مواجهة الشيطان السوري الأصغر، فإنهم يستطيعون مواجهة الشيطان الايراني الأكبر أيضاً. ولكن يُحتاج لأجل ذلك أن يكف بوتين عن التحدي، ويجب على أوباما أن يسلك سلوك كينيدي (الرئيس الأسبق جون كينيدي) لا كارتر (الرئيس الأسبق جيمي كارتر) لأن الجمع فقط بين الضغط العسكري والمبادرة السياسية يمكن أن يجعل (المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي) خامنئي يتخلى عن حلم سلاح الإبادة الجماعية. ومهما تكن المعضلة السورية صعبة، فإن المعضلة الايرانية أصعب بأضعاف، فمن الواجب مواجهة هذين الجانبين بصورة خلاقة وشجاعة وموزونة».  

المصدر : حلمي موسى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة