دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
من يمكن ان يصدّق ان المفكرين والكتاب الاميركيين اكثر صراحة من المفكرين والكتاب العرب في انتقادهم لسياسة اميركا الحالية تجاه سورية؟
لا يستطيع ان يصدّق هذه المعلومة إلاّ من تتاح له فرصة الإطلاع على ما تكتبه الصحافة الاميركية والصحافة العربية عن هذه السياسة. ان الصحافة العربية تنقل من الانكليزية ما تكتبه الصحافة الاميركية لتقدم صورة كاملة قدر الامكان عن آراء الصحافة الاميركية المنشورة عن سياسة اميركا وحربها المستمرة على سورية. ومع ذلك فإن ما تختار الصحافة العربية نشره من تعليقات المفكرين والكتاب الاميركيين لا يعوض عن نقص ما تنشره الصحافة العربية من آراء اميركية في هذا الصدد.
ويكفي ان نضرب مثالا او اثنين لما نعتبره صراحة الصحافة الاميركية في ما تنشره من آراء معارضة للحرب الاميركية التي تكاد لا تتوقف على سورية، لنعرف مباشرة ان الصحافة العربية لا تصل في اختياراتها الى مثل هذه النماذج أبداً. ولا ينطبق هذا على الصحافة العربية المناصرة للسياسة الاميركية وحدها انما ينطبق ايضا ـ ومع الأسف الشديد ـ حتى على الصحافة العربية المناهضة للسياسة العدوانية الاميركية تجاه سورية.
على سبيل المثال، كتب دكتور بول كريغ روبرتس ـ وهو ديبلوماسي اميركي سابق ومناهض للسياسة الاميركية تجاه العرب عامة ـ تحليلا (يوم السادس من ايلول الحالي) عن السياسة الخارجية الاميركية، واختار له العنوان التالي: «الحكومة الاميركية تنكشف للعالم كمجموعة من مجرمي الحرب والكاذبين». وتساءل دكتور روبرتس في بداية تحليله: «هل يملك الرأي العام الاميركي قوة الشخصية التي تمكّنه من مواجهة حقيقة ان حكومته تقف امام العالم كمجموعة من مجرمي الحرب في كل وقت تفتح فيه فمها لتتكلم؟ هل سيشتري الكونغرس والرأي العام الاميركي اكاذيب البيت الابيض التي تقول إن عليهما ان يدعما مجرمي الحرب والكاذبين، وإلا فإن اميركا ستفقد حياءها؟»ويضيف في التحليل نفسه: «ان المقيت جون كيري يعرف انه كاذب، ومعه يكذب اوباما الرئيس (الاميركي) الألعوبة، وهما يعرفان انهما يكذبان على العالم. فلا احترام للحقيقة ولا للعدالة ولا للأخلاق او الحياة الانسانية .هذان شخصان على درجة من الشر الى حد أنهما يريدان ان يكررا في سورية ما فعله مجرمو الحرب في ادارة بوش في العراق. ترى كيف يحتمل الشعب الاميركي وممثلوهم في الكونغرس مجرمي الحرب غير العاديين هؤلاء؟… لماذا لا يحاكم اوباما وجون كيري؟» ويستمر الكاتب على هذا المنوال بما لا يتسع المجال له.
هل قرأنا رأياً مماثلا لكاتب عربي؟ بل هل قرأنا مثل هذا الرأي في ما تختار الصحافة العربية ان تنقله عن الصحافة الاميركية مترجماً؟ ربما نحتاج الى مثال آخر. ها هو: دينيس كوسينيتش معلق اميركي مرموق، من المناهضين للصهيونية الاميركية، كتب (في 7/9 الحالي) مقالا اختار كعنوان له «عشرة مزاعم لا برهان عليها لشن الحرب ضد سورية». والمجال لا يتسع للمزاعم العشرة انما سنختار عدداً قليلاً منها. 1ـ الادارة (الاميركية) تدّعي ان سلاحاً كيميائياً قد استخدم 2ـ الادارة تدّعي ان المعارضة (السورية) لم تستخدم اسلحة كيميائية 3ـ الادارة تدّعي ان الاسلحة الكيميائية استخدمت لأن الأسلحة التقليدية لدى النظام الحاكم غير كافية 4ـ الادارة تدّعي ان لديها معلومات تتعلق بتركيب الأسلحة الكيميائية من جانب عناصر الحكم 6ـ الادارة تزعم ان الغاز السام اطلق في هجوم صاروخي 7ـ الادارة تزعم ان اكتشافاً أساسياً يبرهن على ان نظام الاسد تورط في هجوم بالاسلحة الكيميائية.
والمعلق كوسينيتش لا يترك هذه العناوين مكتفياً بها، إنه يناقش كلا منها باستفاضة، ويختتم قائلا: «إن الشعب الاميركي يملك حق النشر الكامل لكل الحقائق قبل ان يطلب من ممثليه ان يتخذوا قراراً ستكون له عواقب كبيرة بالنسبة لأميركا وسوريا والعالم». وليس هناك ما يدل على ان الصحافة العربية اهتمت بترجمة ما كتب.
ولا يمكن ان تمر هذه المناسبة من دون ان نذكر ان المراسل الاميركي ديفيد سايروتا قال إن أعضاء مجلس الشيوخ الاميركي الذين صوتوا الى جانب السماح لادارة اوباما بتوجيه ضربة لسوريا قد حصّلوا من الاموال المخصصة للدفاع في ولاياتهم أكثر من تلك التي حصل عليها الأعضاء الذين صوتوا لا.
في الوقت نفسه فإن الصحافة التقدمية الاميركية تساءلت في ما يعد نوعا من النقد الذاتي: ما الذي حدث لحركة مناهضة الحرب الاميركية؟ ولاحظت انه قبل ان تنقضي 72 ساعة فقط على إلقاء اوباما خطاب التكريم لذكرى وفاة الزعيم الاميركي الأسود مارتين لوثر كنغ اعلن عزمه على ضرب بلد آخر بالقنابل. وهكذا يكون الرئيس الاميركي قد اختار ذكرى زعيم مناهض للحرب كان قد وصف الحكومة الاميركية بأنها «اكبر ممارس للعنف في العالم ليقترح ممارسة مزيد من العنف، هذه المرة ضد سورية».
والامر الذي لا شك فيه، في لحظة انتظار هجوم جوي اميركي على نحو خمسين هدفا في سورية، ان التقدميين في اميركا، والتقدميين في العالم، وبصفة خاصة في الوطن العربي، يبدون منقسمين ازاء ما يهدد سورية الآن. الامر الذي يكفل للرئيس الاميركي اوباما ان يظهر قوياً ومقتنعاً ذاتياً بما يعلنه. ولا يمكن اعتبار السبب في هذا تقاعس الروس او الصينيين عن إظهار معارضتهم لضرب سورية. لقد اتخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اقصى ما بمستطاعه لاعلان معارضة بلاده لشن غارات اميركية على سورية. بل إنه لم يتردد في إرسال قطع بحرية روسية متقدمة الى مناطق البحر الابيض المتوسط قريباً من سواحل سورية. مع ذلك، فقد وجد من العرب من تجرأ على أن ينتقد بوتين ـ من موقع التأييد لشن الغارات على سورية وليس من موقع معارضتها ـ لإحجامه عن خوض حرب عالمية لإثبات صحة موقفه (…)
ولقد اهتم التقدميون في اميركا بوجه خاص بإبراز جانب لم يشر اليه اي من نظرائهم العرب. فأياً كانت قوة الغارات الاميركية على سورية لن تستطيع ان تردع السوريين عن مواصلة حربهم ضد اعدائهم الذين مولتهم وسلحتهم ـ لا ليست اميركا وحدها انما ـ اميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، فضلا عن التمويل والتسليح من جانب المملكة السعودية ودولة الامارات وقطر والكويت. ان الدلائل تشير الى ان الاوضاع ستكون أسوأ كثيرا بعد ان تشن اميركا غاراتها على سورية مما كانت قبلها. اما النقطة التي كانت موضع تركيز شديد من جانب منتــقدي الــسلوك الرسمي الاميركي في هذه الازمة فكانت إقدام الادارة الاميركية، بما في ذلك البنتاغون، ووزارة الخارجية الاميركية ووكالة المخابرات المــركزية ووكالة الامن القومي على خوض الحرب ضد سورية في صف، وتنسيقاً مع منظمات ارهابية، يفترض ان الولايات المتحدة لم تتعاون معها منذ ايام حرب افغانستان التي شهدت تحالفاً اميركياً ضد الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت مع تنظيمي «القاعدة» و«طالبان». لقد عادت اميركا الى عهد التحالف مع «القاعدة» و«طالبان» ونسيت ان كل تنظيم ارهابي يطلق عليه وصف «الاسلامي» يحاربها الآن في افغانستان… بل في داخل الاراضي الاميركية نفسها. اما الآن فإن اميركا و«القاعدة» يتحالفان ضد «النظام السوري».
وهل يمكن ان تكون اميركا غافلة عن حقيقة امتداد الحرب من سورية الى لبنان وكذلك الى العراق بل الى مصر؟ إن الامر الذي يؤكده الكتاب العسكريون الاميركيون قبل غيرهم هو ان إقدام الولايات المتحدة على استخدام سلاحها الجوي لضرب سوريا سيدفع بالقوى الارهابية التي تحارب في سورية لأن تتسلل الى البلدان المجاورة. بل الى مصر حيث لا تزال الولايات المتحدة متمسكة بإشاعة الاضطراب، خاصة في سيناء، وامتداداً الى مدن مصرية عدة.
ان الحرب الاميركية على سورية مشحونة بمخاطر وأخطار جسيمة للغاية على منطقة الشرق الاوسط. وقد تتصور الولايات المتحدة ان اسرائيل ستفلت من تأثيرات هذه الحرب، ولكن هذا يبدو وهماً كبيراً عميق التأثير. لن تستطيع اسرائيل ان تتحمل اشتعال المواقع حولها وستجد «الدفاع عن أمنها» ضرورة لا مفر منها. وعند هذا الحد يلوح خطر تورط اميركا في حرب إقليمية دفاعاً عن إسرائيل وما بقي من آثار الخطة الاميركية لتفتيت الشرق الاوسط.
إنها ورطة مجرمي الحرب، من كان منهم اميركياً ذا دور اساسي ومن كان منهم عربياً أياً كان دوره أساسياً أو فرعياً.
المصدر :
السفير /سمير كرم
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة