بدأت الاصوات المعارضة لشن عدوان امريكي على سورية تتعالى في الوطن العربي والعالم. وظهر الانقسام واضحا وصريحا في اجتماع وزراء الخارجية العرب تحت قبة الجامعة العربية تجاه هذه المسألة، مما يعني ان الحكومات العربية، التي هيمنت على القرار العربي، طوال السنوات الماضية ووظفته، بطريقة او باخرى، وفق اهداف ومخططات امريكية وغربية، بدأت تفقد سيطرتها تدريجيا، وهذا تطور جديد يصب في صالح المنطقة ومستقبلها.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس عارض هذا العدوان، وهو الضعيف المعتمد على الدعم المالي الامريكي، والجزائر تحفظت، ووزير خارجية مصر نبيل اسماعيل فهمي تمرد على الدعم المالي السعودي وقال “لا” كبيرة من على منبر الجامعة العربية، لهذا العدوان، في رد واضح على الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الذي كان يحرض عليه صراحة ويحشد الآخرين لدعمه.

بغض النظر عما اذا كانت هذه المواقف جدية ومثمرة ونابعة عن قناعة راسخة، او للانسجام ظاهريا مع مواقف شعوبها التي لدغت من جحر الكذب الامريكي في العراق وغيره اكثر من مرة، فانها تعكس تحولا في الموقف الرسمي العربي يمكن ان يتطور.

الفضل الرئيسي الذي يعود اليه هذا التحول حالة الجمود التي يعيشها المشهد السوري حاليا على جبهات القتال، وصمود النظام وجيشه اكثر من عامين ونصف العام، مما اثبت ان كل التكهنات التي كانت تؤكد ان ايامه معدودة، معدومة المصداقية، وكانت مستندة اما الى معلومات خاطئة تضليلية او تمنيات اصحابها السرابية.

منذ اليوم الاول للازمة السورية، كنا وما زلنا في خندق التغيير الديمقراطي، والاصلاح السياسي الحقيقي، واحترام مطالب الشعب السوري المشروعة، والشرعية، في الكرامة وحقوق الانسان والحريات باشكالها كافة، ولكننا ايضا كنا وما زلنا وسنظل نعارض التدخل العسكري الخارجي، والامريكي الغربي منه على وجه الخصوص في الشؤون العربية والسورية. ومن الطبيعي ان نقف بقوة، ودون اي مواربة، في وجه الضربة التي اعلن الرئيس باراك اوباما توجيهها الى اهداف سورية، ردا على مزاعم "مجزرة " الاسلحة الكيماوية في غوطة دمشق.

يؤلمنا كثيرا ان يرفض اكثر من نصف الامريكيين، وثلاثة ارباع البريطانيين ومعظم الاوروبيين، هذا القرار “الاوبامي” بالعدوان على بلد عربي شقيق، بما يمكن ان يؤدي الى استشهاد الآلاف من الابرياء، وان يتطور الى حرب اقليمية او عالمية ثالثة على الارض السورية، بينما يصفق له، ويحرض عليه قادة ووزراء خارجية عرب في وضح النهار.

فاذا كانت بقايا الجامعة العربية، ورؤوس الفتنة التي تجلس على مقعد قيادتها، فشلت في حل الازمة السورية عسكريا، وعرقلت كل الحلول السياسية وهي تقرع طبول الحرب الجوفاء، فانه لا يحق لها ان “تستورد” حلف الناتو، وتهدر اموال شعوبها والامة بأسرها لتمويل تدخله العسكري وتدمير ما تبقى من بلد عربي عزيز، واشعال فتيل حرب قد تؤدي الى افناء مئات الآلاف من ابنائه وابناء المنطقة بأسرها وزعزعة استقرارها، ولنا في كل من ليبيا والعراق وافغانستان ابرز الامثلة.

الرئيس اوباما ادرك مدى خطورة هذه الضربة، وما يمكن ان يترتب عليها من كوارث على بلاده والمنطقة والعالم، فتراجع عنها قبل اللحظة الاخيرة، واراد كسب المزيد من الوقت باللجوء الى الكونغرس طلبا لسلم التراجع، او اشراكه في المسؤولية، عن النتائج المدمرة التي يمكن ان تترتب على هذه المقامرة غير مضمونة العواقب.

اوباما ينطلق من مصالح بلاده وشعبه وليس “عبدا” لبعض الحكام العرب المذعورين من احتمالات بقاء النظام السوري وانتقامه وحلفائه منهم، ولهذا كان حذرا منذ البداية، مترددا في الانجرار الى محرقتها، وهذا في تقديرنا قمة الحكمة والتعقل، وتجنبا للوقوع في التهلكة.

الضربة التي كان مخططا لها في اعتقادنا لم تكن ضيقة، ولا محدودة، والا لما احتاج الرئيس الامريكي لتفويض الكونغرس، و”لملمة” تحالف من دول ثانوية هامشية بعد ان تخلى عنه، خوفا وقلقا، حلفاؤه من الوزن الثقيل، مثل بريطانيا والمانيا وكندا وبلجيكا.

ولم يبق في مركبه المتأرجح غير حكومات دول عربية مذعورة مرتبكة اجرمت في حق امتها وعقيدتها.

اوباما تراجع مؤقتا، وربما بشكل نهائي، عن ضربته هذه لانه ادرك انها لن تكون عدوانا من اتجاه واحد، وان الرد شبه مؤكد بكل الاسلحة الممكنة، ربما في ذلك الكيماوية، وستكون اسرائيل احد الاهداف المحتملة، فالضرب من الجو قد يؤدي الى الانتقام ممن هم على الارض، وهذا ما يفسر تدافع الاسرائيليين الى شراء الاقنعة المضادة للاسلحة الكيماوية.

سورية لا تقف وحدها في مواجهة هذا العدوان الامريكي المتوقع، فلها اصدقاء اثبتوا مصداقيتهم في مواجهة العدوانين الامريكي والاسرائيلي، والحاق الهزائم في صفوفهما، ولها الشعوب العربية، او معظمها، التي بدأت تفوق من غيبوبة التضليل الاعلامي الفضائي المستمر بشراسة منذ عامين ونصف العام.

نحن نقف في خندق المقاومة، وليس في خندق الانظمة المعادية لها، خندق المقاومة التي هزمت اسرائيل في لبنان وقطاع غزة عدة مرات، والمقاومة العربية والاسلامية التي هزمت امريكا في العراق وافغانستان وستهزمها باذن الله في سورية.

فعندما يكون خيارنا بين الوقوف مع حلف الناتو بزعامة امريكا، او سورية البلد العربي الذي خاض كل حروب الامة ورفع راية الاسلام والعروبة وحضارتهما في معظم بقاع الارض، فاننا لا نتردد في الوقوف في الخندق السوري. والحياة وقفة عز وايمان وكرامة، والانحياز الى الثوابت الاسلامية والعربية هو ما تربينا عليه وعلمنا مفرداته تاريخنا وابطاله ورواده.

من يقولون انهم يؤيدون الضربة الامريكية تباكيا على الشعب السوري وحرصا عليه لماذا لم يرسلوا جيوشهم لحمايته، يريدون الغير ان يقوموا نيابة عنهم!

اطفال سورية غالون على الامة جميعا ولا يمكن ان يؤيد احدا قتلهم بالكيماوي او بالقصف الجوي من اي جهة كانت فهؤلاء اطفالنا واهلنا.

نعيد مقولة القائد الاندلسي المعتمد بن عباد ان رعي الابل عند ابن عمي، وان ظلمني، اشرف مليون مرة من رعي الخنازير الامريكية المعتدية الداعمة للاغتصاب الاسرائيلي لارضنا ومقدساتنا.

 

  • فريق ماسة
  • 2013-09-12
  • 8210
  • من الأرشيف

نحن في خندق سورية ضد اي عدوان امريكي… محدود او موسع

بدأت الاصوات المعارضة لشن عدوان امريكي على سورية تتعالى في الوطن العربي والعالم. وظهر الانقسام واضحا وصريحا في اجتماع وزراء الخارجية العرب تحت قبة الجامعة العربية تجاه هذه المسألة، مما يعني ان الحكومات العربية، التي هيمنت على القرار العربي، طوال السنوات الماضية ووظفته، بطريقة او باخرى، وفق اهداف ومخططات امريكية وغربية، بدأت تفقد سيطرتها تدريجيا، وهذا تطور جديد يصب في صالح المنطقة ومستقبلها. الرئيس الفلسطيني محمود عباس عارض هذا العدوان، وهو الضعيف المعتمد على الدعم المالي الامريكي، والجزائر تحفظت، ووزير خارجية مصر نبيل اسماعيل فهمي تمرد على الدعم المالي السعودي وقال “لا” كبيرة من على منبر الجامعة العربية، لهذا العدوان، في رد واضح على الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الذي كان يحرض عليه صراحة ويحشد الآخرين لدعمه. بغض النظر عما اذا كانت هذه المواقف جدية ومثمرة ونابعة عن قناعة راسخة، او للانسجام ظاهريا مع مواقف شعوبها التي لدغت من جحر الكذب الامريكي في العراق وغيره اكثر من مرة، فانها تعكس تحولا في الموقف الرسمي العربي يمكن ان يتطور. الفضل الرئيسي الذي يعود اليه هذا التحول حالة الجمود التي يعيشها المشهد السوري حاليا على جبهات القتال، وصمود النظام وجيشه اكثر من عامين ونصف العام، مما اثبت ان كل التكهنات التي كانت تؤكد ان ايامه معدودة، معدومة المصداقية، وكانت مستندة اما الى معلومات خاطئة تضليلية او تمنيات اصحابها السرابية. منذ اليوم الاول للازمة السورية، كنا وما زلنا في خندق التغيير الديمقراطي، والاصلاح السياسي الحقيقي، واحترام مطالب الشعب السوري المشروعة، والشرعية، في الكرامة وحقوق الانسان والحريات باشكالها كافة، ولكننا ايضا كنا وما زلنا وسنظل نعارض التدخل العسكري الخارجي، والامريكي الغربي منه على وجه الخصوص في الشؤون العربية والسورية. ومن الطبيعي ان نقف بقوة، ودون اي مواربة، في وجه الضربة التي اعلن الرئيس باراك اوباما توجيهها الى اهداف سورية، ردا على مزاعم "مجزرة " الاسلحة الكيماوية في غوطة دمشق. يؤلمنا كثيرا ان يرفض اكثر من نصف الامريكيين، وثلاثة ارباع البريطانيين ومعظم الاوروبيين، هذا القرار “الاوبامي” بالعدوان على بلد عربي شقيق، بما يمكن ان يؤدي الى استشهاد الآلاف من الابرياء، وان يتطور الى حرب اقليمية او عالمية ثالثة على الارض السورية، بينما يصفق له، ويحرض عليه قادة ووزراء خارجية عرب في وضح النهار. فاذا كانت بقايا الجامعة العربية، ورؤوس الفتنة التي تجلس على مقعد قيادتها، فشلت في حل الازمة السورية عسكريا، وعرقلت كل الحلول السياسية وهي تقرع طبول الحرب الجوفاء، فانه لا يحق لها ان “تستورد” حلف الناتو، وتهدر اموال شعوبها والامة بأسرها لتمويل تدخله العسكري وتدمير ما تبقى من بلد عربي عزيز، واشعال فتيل حرب قد تؤدي الى افناء مئات الآلاف من ابنائه وابناء المنطقة بأسرها وزعزعة استقرارها، ولنا في كل من ليبيا والعراق وافغانستان ابرز الامثلة. الرئيس اوباما ادرك مدى خطورة هذه الضربة، وما يمكن ان يترتب عليها من كوارث على بلاده والمنطقة والعالم، فتراجع عنها قبل اللحظة الاخيرة، واراد كسب المزيد من الوقت باللجوء الى الكونغرس طلبا لسلم التراجع، او اشراكه في المسؤولية، عن النتائج المدمرة التي يمكن ان تترتب على هذه المقامرة غير مضمونة العواقب. اوباما ينطلق من مصالح بلاده وشعبه وليس “عبدا” لبعض الحكام العرب المذعورين من احتمالات بقاء النظام السوري وانتقامه وحلفائه منهم، ولهذا كان حذرا منذ البداية، مترددا في الانجرار الى محرقتها، وهذا في تقديرنا قمة الحكمة والتعقل، وتجنبا للوقوع في التهلكة. الضربة التي كان مخططا لها في اعتقادنا لم تكن ضيقة، ولا محدودة، والا لما احتاج الرئيس الامريكي لتفويض الكونغرس، و”لملمة” تحالف من دول ثانوية هامشية بعد ان تخلى عنه، خوفا وقلقا، حلفاؤه من الوزن الثقيل، مثل بريطانيا والمانيا وكندا وبلجيكا. ولم يبق في مركبه المتأرجح غير حكومات دول عربية مذعورة مرتبكة اجرمت في حق امتها وعقيدتها. اوباما تراجع مؤقتا، وربما بشكل نهائي، عن ضربته هذه لانه ادرك انها لن تكون عدوانا من اتجاه واحد، وان الرد شبه مؤكد بكل الاسلحة الممكنة، ربما في ذلك الكيماوية، وستكون اسرائيل احد الاهداف المحتملة، فالضرب من الجو قد يؤدي الى الانتقام ممن هم على الارض، وهذا ما يفسر تدافع الاسرائيليين الى شراء الاقنعة المضادة للاسلحة الكيماوية. سورية لا تقف وحدها في مواجهة هذا العدوان الامريكي المتوقع، فلها اصدقاء اثبتوا مصداقيتهم في مواجهة العدوانين الامريكي والاسرائيلي، والحاق الهزائم في صفوفهما، ولها الشعوب العربية، او معظمها، التي بدأت تفوق من غيبوبة التضليل الاعلامي الفضائي المستمر بشراسة منذ عامين ونصف العام. نحن نقف في خندق المقاومة، وليس في خندق الانظمة المعادية لها، خندق المقاومة التي هزمت اسرائيل في لبنان وقطاع غزة عدة مرات، والمقاومة العربية والاسلامية التي هزمت امريكا في العراق وافغانستان وستهزمها باذن الله في سورية. فعندما يكون خيارنا بين الوقوف مع حلف الناتو بزعامة امريكا، او سورية البلد العربي الذي خاض كل حروب الامة ورفع راية الاسلام والعروبة وحضارتهما في معظم بقاع الارض، فاننا لا نتردد في الوقوف في الخندق السوري. والحياة وقفة عز وايمان وكرامة، والانحياز الى الثوابت الاسلامية والعربية هو ما تربينا عليه وعلمنا مفرداته تاريخنا وابطاله ورواده. من يقولون انهم يؤيدون الضربة الامريكية تباكيا على الشعب السوري وحرصا عليه لماذا لم يرسلوا جيوشهم لحمايته، يريدون الغير ان يقوموا نيابة عنهم! اطفال سورية غالون على الامة جميعا ولا يمكن ان يؤيد احدا قتلهم بالكيماوي او بالقصف الجوي من اي جهة كانت فهؤلاء اطفالنا واهلنا. نعيد مقولة القائد الاندلسي المعتمد بن عباد ان رعي الابل عند ابن عمي، وان ظلمني، اشرف مليون مرة من رعي الخنازير الامريكية المعتدية الداعمة للاغتصاب الاسرائيلي لارضنا ومقدساتنا.  

المصدر : عبدالباري عطوان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة