في لحظة حرجة اخرجت روسيا مبادرة" نزع الذرائع " لتعطل التهديد الاميركي بالحرب على سورية ، تلك الحرب التي كنا نرى انها لن تقع الا في حال قرار اميركي بالخروج من الشرق بعد تدميره ،

لاننا كنا نرى بان لاميركا ان تحدد ساعة الصفر لبدئها لكنها لن تتحكم بعد ذلك بها زمانا و مكانا و حجم تدمير ، و كان المنطق يقود الى القول بان اميركا التي يبدو انها لم تقرر ترك الشرق الاوسط بعد ، فانها ايضا لن تتقبل بسهولة هزيمة من عيار استراتيجي ثقيل يتضمن سقوط هيبتها الردعية عبر اطلاق تهديد و العجز عن تنفيذه ، و هذا الامر كان يفهمه جيدا من تهدده اميركا بحربها ، و هم يعرفون في المقابل بان " النصر المستقر الذي يركن اليه" لا يكون الا اذا " صنع للعدو \ الخصم هزيمة يستطيع ان يتقبلها و يستوعبها " و لا تضطره الخسارة الى المجازفة اوالمغامرة بعمل للتملص منها " و على هدي هذين الامرين جاءت المبادرة الروسية التي تمكن اميركا من حفظ ماء وجهها و هي تتراجع عن تهديدها \او لنقل تتحضر او عليها ان تتراجع عن تهديدها بالحرب .

و الان و قد اطلقت المبادرة التي تتضمن موجبين اساسيين الاول موجب على سورية الالتزام به و هو " التخلي عن السلاح الكيماوي الذي يحوزتها" عبر عمل ممنهج يبدأ بالقبول بمراقبة دولية له ، مسبوق بالانضمام الى المعاهدة الدولية لحظر تخزين و استعمال و نقل الاسلحة الكيماوية و انتهاء بتدمير هذا السلاح باشراف دولي عندما تتوفر شروط هذا الامر " و هي مهمة لا يمكن تنفيذها قبل سنوات عدة يقابله موجب على اميركا التقيد به و يتضمن " عدم العدوان على سورية او التهديد به " و هو موجب فوري و مستمر و يكون الاتفاق كله بضمان روسي بما تملك روسيا من قدرات متنوعة تمكنها من ضبط تنفيذ المبادرة نصا و روحا و بما يستجيب للغاية الرئيسية من اطلاقها ، بعد كل ذلك ترتسم في الافق اسئلة تبحث عن اجابات او تفسير او ايضاح و تتعلق في امكانية التنفيذ ، و مكاسب الفرقاء و خسائرهم من المبادرة و اخيرا التداعيات على مسار الحركة في الشرق الاوسط عامة و محور المقاومة خاصة .

1. و نبدأ مع السؤال الاول و نقول ان المبادرة لم تطلق في الظرف الذي تمت فيه لتكون ترفا دبلوماسيا يستهلك فيه الوقت ، بل ان العمل الاميركي الروسي المشترك و المنسق روسياً مع كل من سورية و ايران هو الذي ادى الى اطلاقها بهذا الشكل ، لتمكن اميركا من الخروج الامن من خطر الحرب – المأزق في الشرق الاوسط خروج لا يدمر هيبتها الردعية عملا بالقاعدة التي ذكرناها حول الهزيمة المقبولة ، و بالتالي و بعد القبول الواضح و الصريح لسورية بالمبادرة و بدعم و تأييد من ايران ، بات من المنطقي القول بان المبادرة ستنفذ متوازنة و لن يكون لمن شعر بالضرر الجسيم منها دور فاعل في تعطيلها بدءا من فرنسا التي يبدو انها لم تستشر كما هي عادة اميركا مع الاخرين من الاتباع ، مرورا بالسعودية و تركيا و قطر التي يبدو ان عليها جميعا ان تعلم انه عند الجد لا يعبء بها سيدها الاميركي و لا يعير لها وزنا او اهتماما ، و انتهاءا بالدمية الاضحوكة المسماة ائتلاف سوري و معه جيش سوري ينتحل صفة الوطنية و الحرية في الوقت الذي هم فيه مجموعة من المرتزقة عبيد الشهوات للمال و النساء و السلطة . و عليه نرى ان المبادرة الروسية هي فعل للتنفيذ ، لكنه يتطلب وقتا ليس بالقصير ، و يستلزم الكر و الفر الدبلوماسي و المناورات هنا و هناك من اجل تحسين الشروط و المكاسب لهذا الفريق او ذاك و لن تكون بضعة ايام او اسابيع كافية لهذا الامر.

2. اما بالنسبة للمكاسب و الخسائر فاننا نرى :

أ‌. ان اميركا بشكل خاص تستطيع ان تقول – و هذا ما قالته فعلا – بانها كانت تنوي الحرب من اجل امن اسرائيل و ان نزع السلاح الكيماوي من اليد السورية سينعكس ايجابا على امن اسرائيل مباشرة لانه افقد سورية و تاليا محور المقاومة سلاحا كان يعول عليه من اجل توازن استراتيجي مع اسرائيل ، و انها توصلت الى هذا الانجاز بعد تهديدها بالحرب ،ما يعني انها ابتدعت قاعدة جديدة في التعاطي مع محور المقاومة قد يقول قائل فيها بان اميركا يمكن ان تستسهل هذا السلوك مستقبلا ضد حزب الله من اجل تجريده من سلاحه الذي عملت على نزعه و فشلت منذ العام 2000 ، او من اجل وقف البرنامج النووي الايراني الذي عملت على وقفه و اخفقت منذ العام 2005 ، اي يمكن لاميركا ان تعتمد سياسة الضغط و التهويل بالحرب من اجل بلوغ اهداف استراتيجية و تكتية و سياسية كبرى .

لكننا لا نرى ان الامور في عمقها تسير وفقا لهذا التفسير ، فصحيح ان سورية ستخسرحرية تقليب السلاح الكيماوي الذي بحوزتها عبر وضعه تحت رقابة دولية ، لكن هذا السلاح هو في الاصل يندرج تحت عنوان "يملك و لا يستعمل " و في كل دراستنا و مناقشاتنا مع اصحاب الشأن حول هذا السلاح كنا نتوصل الى اجماع النظرة حوله التي تقوم على القول ان ليس من الحكمة و المنطق ان يستفز من يملك السلاح النووي ، بالسلاح الكيماوي او يستدرج لاستعماله اي ان الاستعمال لن يحصل ابتداء ، و اذا حصل بعد استعمال النووي فلا يكون من نتيجة يعول عليها في مسار النزاع ، ثم ان محور المقاومة مجتمعا لا يجد اخلاقيا او شرعيا اللجوء الى مثل هذا السلاح و ما قالته ايران في السلاح النووي و حرمته ينطبق على السلاح الكيماوي و عدم مشروعيته ، و بالتالي لا نرى ان التخلي عن شيء غير مشروع دينيا و اخلاقيا و ما لن يستعمل حتى ضد العدو ، لا نجد في هذا الامر خسارة يبكى عليها ، لا بل يعتبر هذا التخلي تأكيد لمصدافية المقاومة و فيها ايران عند قولها انها لا تستعى للنووي .

اما عن اتخاذ التهديد بالحرب سلوكا يعتمد في وجه محور المقاومة مستقبلا قياسا على هذا الامر ، فاننا نجد فارقا كبيرا و تباينا بين الوضعين ، و هو تباين مبني على الخلاف الجوهري في طبيعة الامور فسلاح المقاومة و البرنامج النووي السلمي هو حق مشروع لاصحابه و يعتبر تركه او التخلي عنه بمثابة التخلي عن حقوق اساسية يقود الى الغاء الذات المستقلة و هذا ما لا يمكن القبول به ، و ان خير اصحابه بين التخلي عنه او الحرب ، فان الخيار يكون عندها الحرب حتما لانه سيكون خيار بين موت اكيد ، او حياة مع احتمال الشهادة . و بالطبع يكون اختيار الثاني و الذي يعني الحرب ، و الامر خلاف ذلك بالنسبة للكيماوي .

و تبقى نقطة لا بد من الاشارة اليها هنا بان مسالة الكيماوي و بالشكل الذي تمت فيه و آلت اليه انتهت الى تراكم "عجز القوة " في المعسكر المعادي لمحور المقاومة ، و اذا كانت حرب 2006 افقدت اسرائيل حرية القرار بالحرب الامنة و السريعة و ادخلتها في دائرة "عجز القوة "، فان ازمة الكيماوي 2013 اظهرت ايضاً عجز القوة الاميركية عن حرب كما فعلت في العراق و سيكون لهذا الامر تداعيات بالغة الاهمية مستقبلا . 

ب‌. ان سورية و معها محور المقاومة تكون بقبول المبادرة قد تجنبت حربا تدميرية لا يمكن تحديد سقف الخسائر فيها ، و هنا و مع اننا على يقين بان هذا المحور سيلحق الدمار ايضا بمصالح المعتدي و حلفائه ، و لكن الدمار يبقى هو الدمار على كلا الجانبين ، و ان منع الحرب مع تنازل بسيط يبقى افضل بكثير من حرب قد تأتي على الكثير من الانفس و الممتلكات و القدرات و بصورة خاصة على السلاح الاستراتيجي السوري الذي هو الهدف المركزي للعدوان اصلا . و هنا اعتقد بان وزير الخارجية السوري كان موفقا جدا حينما برر القبول بالمبادرة بالحرص على دماء السوريين و امنهم و ممتلكاتهم ، مظهرا ان " الدولة السورية هي ام الصبي " بعكس المرتزقة الخونة لوطنهم الذين يستجدون حربا و قتلا لشعبهم .

و من جهة اخرى ان منع الحرب الخارجية سيمكن الدولة السورية من متابعة عملياتها العسكرية التطهيرية التي برعت في ادائها و حققت انجازات رائعة عبرها خلال الاشهر الماضية ، لان الحرب لو وقعت ستجبر الجيش السوري على اتخاذ وضعية دفاعية تناسب الهجوم ما سيفرض وقف العمليات تلك حتى انتهاء العدوان . و من جهة اخرى نذكر بما كنا نتوقعه من جزئيات خطة العدوان في مرحلتها الخامسة التي تتمثل بتقديم الدعم الناري للقوى التي تم تحضيرها في الاردن و تركيا فضلا للقوى الحاضرة في ريف دمشق من اجل تنفيذ الخطة الهجومية التي فشلت المرة تلو المرة في اقتحام دمشق او السيطرة على حلب او البقاء في حمص . و لهذا السبب رأينا الذهول و الصخب و العويل لدى الخونة لوطنهم و معهم خونة الامة و الاسلام من مرتزقة سوريين و انظمة خليجية و معهم تركيا الذين صدمتهم المبادرة و اجهضت احلامهم بتقسيم سورية او الاستيلاء على حكمها او ..او ...

 

3. اما على صعيد التداعيات فاننا نسجل و بشكل مختصر نرى اهمها كالتالي :

أ‌. اقفال الباب امام اي تصور باسقاط سورية عبر العمل العسكري الخارجي و بضمانة روسية ، و هنا تكون روسيا التي اقفلت باب مجلس الامن امام اميركا ، احكمت من خلال المبادرة اقفال الباب امام اي عمل عسكري من خارجه ، و مع ارجحية القدرات العسكرية التي تملكها الدولة السورية و محور المقاومة مدعومة بروسيا التي ستجد نفسها بعد المبادرة اكثر التزاما بمد سورية بشتى الامدادات العسكرية ستكون نتائج المواجهة على الارض السورية محسومة لصالح الدولة . و صحيح ان اميركا و مثلث العدوان الاقليمي سيجهد نفسه في تسليح و تجهيز و تحشيد التكفيرين و المرتزقة ، الا انه كما نتصور لن يستطيع ان يحدث ارجحية او توازن في الميدان و هو فشل كان السبب اصلاً في التدخل الاميركي المباشر و التهديد بالحرب .

ب‌. سيكون الطريق الى جنيف 2 بحثا عن الحل السلمي للازمة حول سورية اقل عوائق و عراقيل خاصة و ان من يتابع مواقف اعداء سورية يجد انهم باتوا على قناعة بذلك حتى ان اوباما نفسه اكد هذه الامر مؤكدا الحاجة للبحث عن حل ، يكون فيه العمل الدبلوماسي متقدما على العمل العسكري . و هنا سيكون انتصار لسورية التي منذ البدء سعت لحل سياسي يؤكد حق الشعب السوري في اختيار حكامه و هو الامر الذي رفضته قوى العدوان لانها ارادت فرض سلطة عميلة على سورية خلافا لارادة شعبها.

ت‌. ستكون روسيا بما تملك من طاقات و قدرات خاصة العسكرية منها – التقليدي و غير التقليدي – ضامنة للتنفيذ و ستكون اميركا على قناعة بان روسيا لم تطلب من سورية التخلي عن الطمأنينة الاستراتيجية التي اعتقدت بان الكيماوي يوفرها ، الا بعد ان انتجت لها طمأنينة من باب اخر و هنا نعود الى الفكرة الاساس التي تنتظم النزاع و المواجهة في سورية و حولها ، و هي ان الحرب لم تكن داخلية او اقليمية بل انها في الاصل حرب كونية ، انخرط فيها الفرقاء وفقا لمواقعهم و امكاناتهم و ان روسيا هي الان في قلب المعركة التي حققت لها موقعا اعادها الى ما كانت عليه قبل 1989 قائلة "وداعا لعالم احادي القطبية " و بات سلاحها النووي حارسا استراتيجيا لهذا المشهد الجديد، و هي تعلم يقينا ان وجود محور المقاومة و قوته كان السبب و السبيل لانتاجه.

  • فريق ماسة
  • 2013-09-12
  • 8494
  • من الأرشيف

المبادرة الروسية حول سورية : اسئلة و حساب الارباح و الخسائر

في لحظة حرجة اخرجت روسيا مبادرة" نزع الذرائع " لتعطل التهديد الاميركي بالحرب على سورية ، تلك الحرب التي كنا نرى انها لن تقع الا في حال قرار اميركي بالخروج من الشرق بعد تدميره ، لاننا كنا نرى بان لاميركا ان تحدد ساعة الصفر لبدئها لكنها لن تتحكم بعد ذلك بها زمانا و مكانا و حجم تدمير ، و كان المنطق يقود الى القول بان اميركا التي يبدو انها لم تقرر ترك الشرق الاوسط بعد ، فانها ايضا لن تتقبل بسهولة هزيمة من عيار استراتيجي ثقيل يتضمن سقوط هيبتها الردعية عبر اطلاق تهديد و العجز عن تنفيذه ، و هذا الامر كان يفهمه جيدا من تهدده اميركا بحربها ، و هم يعرفون في المقابل بان " النصر المستقر الذي يركن اليه" لا يكون الا اذا " صنع للعدو \ الخصم هزيمة يستطيع ان يتقبلها و يستوعبها " و لا تضطره الخسارة الى المجازفة اوالمغامرة بعمل للتملص منها " و على هدي هذين الامرين جاءت المبادرة الروسية التي تمكن اميركا من حفظ ماء وجهها و هي تتراجع عن تهديدها \او لنقل تتحضر او عليها ان تتراجع عن تهديدها بالحرب . و الان و قد اطلقت المبادرة التي تتضمن موجبين اساسيين الاول موجب على سورية الالتزام به و هو " التخلي عن السلاح الكيماوي الذي يحوزتها" عبر عمل ممنهج يبدأ بالقبول بمراقبة دولية له ، مسبوق بالانضمام الى المعاهدة الدولية لحظر تخزين و استعمال و نقل الاسلحة الكيماوية و انتهاء بتدمير هذا السلاح باشراف دولي عندما تتوفر شروط هذا الامر " و هي مهمة لا يمكن تنفيذها قبل سنوات عدة يقابله موجب على اميركا التقيد به و يتضمن " عدم العدوان على سورية او التهديد به " و هو موجب فوري و مستمر و يكون الاتفاق كله بضمان روسي بما تملك روسيا من قدرات متنوعة تمكنها من ضبط تنفيذ المبادرة نصا و روحا و بما يستجيب للغاية الرئيسية من اطلاقها ، بعد كل ذلك ترتسم في الافق اسئلة تبحث عن اجابات او تفسير او ايضاح و تتعلق في امكانية التنفيذ ، و مكاسب الفرقاء و خسائرهم من المبادرة و اخيرا التداعيات على مسار الحركة في الشرق الاوسط عامة و محور المقاومة خاصة . 1. و نبدأ مع السؤال الاول و نقول ان المبادرة لم تطلق في الظرف الذي تمت فيه لتكون ترفا دبلوماسيا يستهلك فيه الوقت ، بل ان العمل الاميركي الروسي المشترك و المنسق روسياً مع كل من سورية و ايران هو الذي ادى الى اطلاقها بهذا الشكل ، لتمكن اميركا من الخروج الامن من خطر الحرب – المأزق في الشرق الاوسط خروج لا يدمر هيبتها الردعية عملا بالقاعدة التي ذكرناها حول الهزيمة المقبولة ، و بالتالي و بعد القبول الواضح و الصريح لسورية بالمبادرة و بدعم و تأييد من ايران ، بات من المنطقي القول بان المبادرة ستنفذ متوازنة و لن يكون لمن شعر بالضرر الجسيم منها دور فاعل في تعطيلها بدءا من فرنسا التي يبدو انها لم تستشر كما هي عادة اميركا مع الاخرين من الاتباع ، مرورا بالسعودية و تركيا و قطر التي يبدو ان عليها جميعا ان تعلم انه عند الجد لا يعبء بها سيدها الاميركي و لا يعير لها وزنا او اهتماما ، و انتهاءا بالدمية الاضحوكة المسماة ائتلاف سوري و معه جيش سوري ينتحل صفة الوطنية و الحرية في الوقت الذي هم فيه مجموعة من المرتزقة عبيد الشهوات للمال و النساء و السلطة . و عليه نرى ان المبادرة الروسية هي فعل للتنفيذ ، لكنه يتطلب وقتا ليس بالقصير ، و يستلزم الكر و الفر الدبلوماسي و المناورات هنا و هناك من اجل تحسين الشروط و المكاسب لهذا الفريق او ذاك و لن تكون بضعة ايام او اسابيع كافية لهذا الامر. 2. اما بالنسبة للمكاسب و الخسائر فاننا نرى : أ‌. ان اميركا بشكل خاص تستطيع ان تقول – و هذا ما قالته فعلا – بانها كانت تنوي الحرب من اجل امن اسرائيل و ان نزع السلاح الكيماوي من اليد السورية سينعكس ايجابا على امن اسرائيل مباشرة لانه افقد سورية و تاليا محور المقاومة سلاحا كان يعول عليه من اجل توازن استراتيجي مع اسرائيل ، و انها توصلت الى هذا الانجاز بعد تهديدها بالحرب ،ما يعني انها ابتدعت قاعدة جديدة في التعاطي مع محور المقاومة قد يقول قائل فيها بان اميركا يمكن ان تستسهل هذا السلوك مستقبلا ضد حزب الله من اجل تجريده من سلاحه الذي عملت على نزعه و فشلت منذ العام 2000 ، او من اجل وقف البرنامج النووي الايراني الذي عملت على وقفه و اخفقت منذ العام 2005 ، اي يمكن لاميركا ان تعتمد سياسة الضغط و التهويل بالحرب من اجل بلوغ اهداف استراتيجية و تكتية و سياسية كبرى . لكننا لا نرى ان الامور في عمقها تسير وفقا لهذا التفسير ، فصحيح ان سورية ستخسرحرية تقليب السلاح الكيماوي الذي بحوزتها عبر وضعه تحت رقابة دولية ، لكن هذا السلاح هو في الاصل يندرج تحت عنوان "يملك و لا يستعمل " و في كل دراستنا و مناقشاتنا مع اصحاب الشأن حول هذا السلاح كنا نتوصل الى اجماع النظرة حوله التي تقوم على القول ان ليس من الحكمة و المنطق ان يستفز من يملك السلاح النووي ، بالسلاح الكيماوي او يستدرج لاستعماله اي ان الاستعمال لن يحصل ابتداء ، و اذا حصل بعد استعمال النووي فلا يكون من نتيجة يعول عليها في مسار النزاع ، ثم ان محور المقاومة مجتمعا لا يجد اخلاقيا او شرعيا اللجوء الى مثل هذا السلاح و ما قالته ايران في السلاح النووي و حرمته ينطبق على السلاح الكيماوي و عدم مشروعيته ، و بالتالي لا نرى ان التخلي عن شيء غير مشروع دينيا و اخلاقيا و ما لن يستعمل حتى ضد العدو ، لا نجد في هذا الامر خسارة يبكى عليها ، لا بل يعتبر هذا التخلي تأكيد لمصدافية المقاومة و فيها ايران عند قولها انها لا تستعى للنووي . اما عن اتخاذ التهديد بالحرب سلوكا يعتمد في وجه محور المقاومة مستقبلا قياسا على هذا الامر ، فاننا نجد فارقا كبيرا و تباينا بين الوضعين ، و هو تباين مبني على الخلاف الجوهري في طبيعة الامور فسلاح المقاومة و البرنامج النووي السلمي هو حق مشروع لاصحابه و يعتبر تركه او التخلي عنه بمثابة التخلي عن حقوق اساسية يقود الى الغاء الذات المستقلة و هذا ما لا يمكن القبول به ، و ان خير اصحابه بين التخلي عنه او الحرب ، فان الخيار يكون عندها الحرب حتما لانه سيكون خيار بين موت اكيد ، او حياة مع احتمال الشهادة . و بالطبع يكون اختيار الثاني و الذي يعني الحرب ، و الامر خلاف ذلك بالنسبة للكيماوي . و تبقى نقطة لا بد من الاشارة اليها هنا بان مسالة الكيماوي و بالشكل الذي تمت فيه و آلت اليه انتهت الى تراكم "عجز القوة " في المعسكر المعادي لمحور المقاومة ، و اذا كانت حرب 2006 افقدت اسرائيل حرية القرار بالحرب الامنة و السريعة و ادخلتها في دائرة "عجز القوة "، فان ازمة الكيماوي 2013 اظهرت ايضاً عجز القوة الاميركية عن حرب كما فعلت في العراق و سيكون لهذا الامر تداعيات بالغة الاهمية مستقبلا .  ب‌. ان سورية و معها محور المقاومة تكون بقبول المبادرة قد تجنبت حربا تدميرية لا يمكن تحديد سقف الخسائر فيها ، و هنا و مع اننا على يقين بان هذا المحور سيلحق الدمار ايضا بمصالح المعتدي و حلفائه ، و لكن الدمار يبقى هو الدمار على كلا الجانبين ، و ان منع الحرب مع تنازل بسيط يبقى افضل بكثير من حرب قد تأتي على الكثير من الانفس و الممتلكات و القدرات و بصورة خاصة على السلاح الاستراتيجي السوري الذي هو الهدف المركزي للعدوان اصلا . و هنا اعتقد بان وزير الخارجية السوري كان موفقا جدا حينما برر القبول بالمبادرة بالحرص على دماء السوريين و امنهم و ممتلكاتهم ، مظهرا ان " الدولة السورية هي ام الصبي " بعكس المرتزقة الخونة لوطنهم الذين يستجدون حربا و قتلا لشعبهم . و من جهة اخرى ان منع الحرب الخارجية سيمكن الدولة السورية من متابعة عملياتها العسكرية التطهيرية التي برعت في ادائها و حققت انجازات رائعة عبرها خلال الاشهر الماضية ، لان الحرب لو وقعت ستجبر الجيش السوري على اتخاذ وضعية دفاعية تناسب الهجوم ما سيفرض وقف العمليات تلك حتى انتهاء العدوان . و من جهة اخرى نذكر بما كنا نتوقعه من جزئيات خطة العدوان في مرحلتها الخامسة التي تتمثل بتقديم الدعم الناري للقوى التي تم تحضيرها في الاردن و تركيا فضلا للقوى الحاضرة في ريف دمشق من اجل تنفيذ الخطة الهجومية التي فشلت المرة تلو المرة في اقتحام دمشق او السيطرة على حلب او البقاء في حمص . و لهذا السبب رأينا الذهول و الصخب و العويل لدى الخونة لوطنهم و معهم خونة الامة و الاسلام من مرتزقة سوريين و انظمة خليجية و معهم تركيا الذين صدمتهم المبادرة و اجهضت احلامهم بتقسيم سورية او الاستيلاء على حكمها او ..او ...   3. اما على صعيد التداعيات فاننا نسجل و بشكل مختصر نرى اهمها كالتالي : أ‌. اقفال الباب امام اي تصور باسقاط سورية عبر العمل العسكري الخارجي و بضمانة روسية ، و هنا تكون روسيا التي اقفلت باب مجلس الامن امام اميركا ، احكمت من خلال المبادرة اقفال الباب امام اي عمل عسكري من خارجه ، و مع ارجحية القدرات العسكرية التي تملكها الدولة السورية و محور المقاومة مدعومة بروسيا التي ستجد نفسها بعد المبادرة اكثر التزاما بمد سورية بشتى الامدادات العسكرية ستكون نتائج المواجهة على الارض السورية محسومة لصالح الدولة . و صحيح ان اميركا و مثلث العدوان الاقليمي سيجهد نفسه في تسليح و تجهيز و تحشيد التكفيرين و المرتزقة ، الا انه كما نتصور لن يستطيع ان يحدث ارجحية او توازن في الميدان و هو فشل كان السبب اصلاً في التدخل الاميركي المباشر و التهديد بالحرب . ب‌. سيكون الطريق الى جنيف 2 بحثا عن الحل السلمي للازمة حول سورية اقل عوائق و عراقيل خاصة و ان من يتابع مواقف اعداء سورية يجد انهم باتوا على قناعة بذلك حتى ان اوباما نفسه اكد هذه الامر مؤكدا الحاجة للبحث عن حل ، يكون فيه العمل الدبلوماسي متقدما على العمل العسكري . و هنا سيكون انتصار لسورية التي منذ البدء سعت لحل سياسي يؤكد حق الشعب السوري في اختيار حكامه و هو الامر الذي رفضته قوى العدوان لانها ارادت فرض سلطة عميلة على سورية خلافا لارادة شعبها. ت‌. ستكون روسيا بما تملك من طاقات و قدرات خاصة العسكرية منها – التقليدي و غير التقليدي – ضامنة للتنفيذ و ستكون اميركا على قناعة بان روسيا لم تطلب من سورية التخلي عن الطمأنينة الاستراتيجية التي اعتقدت بان الكيماوي يوفرها ، الا بعد ان انتجت لها طمأنينة من باب اخر و هنا نعود الى الفكرة الاساس التي تنتظم النزاع و المواجهة في سورية و حولها ، و هي ان الحرب لم تكن داخلية او اقليمية بل انها في الاصل حرب كونية ، انخرط فيها الفرقاء وفقا لمواقعهم و امكاناتهم و ان روسيا هي الان في قلب المعركة التي حققت لها موقعا اعادها الى ما كانت عليه قبل 1989 قائلة "وداعا لعالم احادي القطبية " و بات سلاحها النووي حارسا استراتيجيا لهذا المشهد الجديد، و هي تعلم يقينا ان وجود محور المقاومة و قوته كان السبب و السبيل لانتاجه.

المصدر : العميد الدكتور امين حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة